حرص على "فرحة العمر" رغم التكاليف

في أوروبا.. سوريون لا يتخلون عن حفل الزفاف

لقطة شاشة لحفل زفاف لأهالي عسال الورد في مدينة دورتموند الألمانية - 27 من تموز 2024 (العدسة الذهبية / يوتيوب)

camera iconلقطة شاشة لحفل زفاف لأهالي عسال الورد في مدينة دورتموند الألمانية - 27 من تموز 2024 (العدسة الذهبية / يوتيوب)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – علي درويش

وصل محمد (32 عامًا) إلى أوروبا عام 2015، ضمن موجات الهجرة الكثيفة في تلك الفترة، منتقلًا إلى حياة جديدة، بدأت بتعلم اللغة ثم استكمال تعليمه الجامعي، والانخراط في العمل لتأمين باقي الاحتياجات المالية.

تزوج محمد بعد ثماني سنوات من وصوله إلى أوروبا، وأقام حفل زفاف دعا إليه الأقارب والأصدقاء الموجودين في مختلف الدول الأوروبية، رغم التكاليف المرتفعة.

كان محمد يستطيع الاقتصار على حفل صغير لمجموعة ضيقة من الأقارب، بحسب ما قاله لعنب بلدي، إلا أن عائلته أرادت أن تحتفل بأول زواج لأحد أبنائها، بنفس العادات والتقاليد التي كانت في سوريا.

ومن هذه العادات توجيه دعوة للمقيمين في أوروبا من الأقارب، وحجز صالتي أفراح، واحدة مخصصة للرجال وأخرى للنساء، إضافة إلى إقامة وليمة وحفل يتضمن فرقة موسيقا ومطربًا شعبيًا.

الزفاف في سوريا كانت تسبقه تجهيزات من أهل الزوجين، من تحضير الضيافة والطعام ومكان إقامة الزفاف، سواء كان حفلًا يتضمن فرق إنشاد دينية، أو موسيقا وغناء، وبعض حفلات الزفاف كانت تقتصر على وليمة يدعى إليها الأقارب والأصدقاء مع حفل صغير لعدد من أصدقاء العريس.

“فرحة العمر”

حسن شاب سوري يقيم في ألمانيا، ذكر لعنب بلدي أن الشاب في أوروبا بعيد عن أهله، لكن بالنهاية يريد أن يقيم حفل زفافه، ويشارك فرحه الأصدقاء والأقرباء، مضيفًا، “بتضل فرحة العمر”.

دعا حسن إلى حفل زفافه أشخاصًا مقيمين في ألمانيا ومختلف دول الاتحاد الأوروبي، وتواصل معهم، ومن لا يملك رقمه طلبه من أحد الأصدقاء واتصل به.

كما صمم حسن بطاقة دعوة ونشرها في حساباته على منصات التواصل، و”من استطاع لبى الدعوة”، بحسب تعبيره.

الدعوة إلى حفل الزفاف في بلدة حسن بسوريا كانت توجه للعوائل الأخرى في البلدة، إضافة إلى أشخاص وعوائل في القرى والبلدات الأخرى، أما عائلة العريس (أعمامه وأبناء عم أبيه) فلم تكن توجه لهم دعوة، فالفرح يخصهم جميعًا دون استثناء، ومن الواجب عليهم الحضور دون دعوة.

الاختلاف في بعض العادات والتقاليد يرتبط أيضًا بعادات تنتشر في المناطق السورية، سواء ذات الطبيعة العشائرية أو القروية والمدنية، لكن بشكل عام، العادات والتقاليد الأساسية كدعوة الأقرباء والأصدقاء وإعداد الوليمة ما زال هناك من يحافظ عليها في أوروبا.

الاختصاصي الاجتماعي الدكتور محمود الحسين، المقيم في ألمانيا، قال لعنب بلدي، إن “التواصل الاجتماعي مهم جدًا ويقوي الروابط بين المجتمعات”.

وبالنظر إلى المجتمعات الشرقية بشكل عام والعربية بشكل خاص، نجد أن هذه العادات متأصلة في الأفراح، بإقامة حفلات كبيرة، وخاصة بالمجتمعات القبلية، لأن عدد المعارف والأقرباء كبير.

ومن باب التلاحم الاجتماعي، يشارك عدد كبير من الأشخاص في الأفراح والعزاء، بعضهم يأتي من قرى أو مدن أخرى، و”هي عادة اجتماعية تعودنا عليها في مجتمعنا بغض النظر عن سلبياتها وإيجابياتها”، بحسب الحسين.

ويلعب “النقوط” أو “الشوباش” كما يسمى أيضًا، وهو المال الذي يُعطى للعريس أو أهله من قبل الأصدقاء والأقارب، دورًا في التضامن الاجتماعي، ويغطي جزءًا من تكاليف العرس.

تكاليف متفاوتة

تكاليف الزواج متفاوتة بحسب ترتيباته ومكان إقامته والمدعوين وهل هناك فرقة موسيقية أم لا.

تواصلت عنب بلدي مع شبان تزوجوا خلال العام الماضي في ألمانيا، لمعرفة التكاليف المتوسطة لحفل الشباب.

بالنسبة للصالات، هناك صالات صغيرة يتبع بعضها لمراكز ثقافية يصل إيجارها ليوم واحد إلى حوالي 400 يورو، وحجز مطعم أو مقهى حوالي 1500 يورو، وذلك تبعًا لموقع المطعم ومساحته.

في حال كان عدد الحضور كبيرًا، فإن ذلك يستدعي حجز صالة للرجال وأخرى للنساء، بتكلفة تصل إلى 5000 يورو، إن كان الحفل ضمن أيام الأسبوع، وفي أيام العطل ترتفع التكلفة بنسبة 30 إلى 50%.

أما الفرقة الموسيقية فيحصل كل فرد فيها على مبلغ محدد، إذ يحصل عازف “الأورغ” على 1500 يورو، وصاحب الطبل على 300 يورو، والمطرب بين 1500 و2000 يورو، والتصوير في صالتي الرجال والنساء مع “دي جي” وملحقات في صالة النساء تكلف 2500 يورو، عدا تكاليف الطعام والضيافة.

مبالغة

يرى الاختصاصي محمود الحسين أن هناك مبالغة في إقامة بعض حفلات الزفاف، وفيها نوع من “البذخ الفارغ، والاستعراض والتباهي الاجتماعي، الذي يؤدي إلى تبذير المال والجهد دون فائدة”.

وذكر الحسين أن البذخ كان موجودًا بالحفلات في سوريا وخلال الظروف العادية، لكن بعد اللجوء والهجرة تغيرت الظروف، لذلك “يجب أن نهذب ونشذب عاداتنا، أو أن تكون في مجال محدود عندما تغيرت الظروف الاجتماعية والاقتصادية”.

وتابع أن الواصلين إلى أوروبا في البداية اعتمدوا في مصاريفهم على الإعانات التي تقدمها الدول المقيمين فيها، وهناك رقابة على تصرفات اللاجئين من الناحية الاقتصادية من قبل المجتمع المضيف، كالبذخ في الأعراس أو ركوب السيارات الفخمة.

وقال الاختصاصي، إن الزواج رابط مقدس، والأمور الأخرى شكلية ليست أساسية، والحفلات عادة اجتماعية وُجدت بظروف معينة مترافقة في بعض الأحيان بعدم الوعي، “لذا أرى أنه يجب أن تُلغى أو تُستبدل أو أن تُقام بالحد الأدنى عبر حفلات محدودة تقتصر على الأقرباء”.

موجات اللاجئين السوريين نحو أوروبا تتابعت منذ العام 2012، وبلغت أوجها خلال 2015، بعد اتباع ألمانيا سياسة “الباب المفتوح” لاستقبال أكبر عدد من اللاجئين.

وعلى مدار السنوات كان الشباب هم الفئة الكبرى من بين اللاجئين السوريين، خاصة بعد الاتفاق الموقع بين تركيا والاتحاد الأوروبي في آذار 2016، الذي نص على إغلاق تركيا حدودها أمام اللاجئين.

وأصبح من الصعب سلوك الأطفال والنساء وكبار السن طرق اللجوء البرية والبحرية على حد سواء، وهو ما زاد من نسبة فئة الشباب بين اللاجئين.

ومنذ وصول اللاجئين إلى أوروبا مرورًا بتعلمهم اللغة والدراسة أو الخضوع لدورات مهنية قبل انطلاقهم للعمل، يحصلون على مساعدات شهرية من الدولة المضيفة.

عام 2021، بلغ عدد السوريين الذين تقدموا بطلبات لجوء في أوروبا 117 ألف شخص، وفي عام 2022، 132 ألف طلب، وفي عام 2023 بلغ عدد طلبات لجوء السوريين في ألمانيا وحدها 104 آلاف و651 طلبًا.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة