الاختراقات الأمنية والرد الإيراني

tag icon ع ع ع

لمى قنوت

كشف الاغتيال الإسرائيلي لرئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، في مقر إقامته بدار ضيافة يديرها ويحميها “الحرس الثوري الإيراني” في طهران، خلال زيارته للمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان، فضيحة أمنية لجهاز مهمته حماية النظام وضيوفه. وعلى ما يبدو، اختارت إيران تبني فرضية حول الطريقة التي اغتيل فيها هنية تكون أقل ضررًا على سمعتها وحجم الاختراق الأمني لنظامها، فقد أشارت وكالة “فارس” إلى أن مقر إقامة هنية تعرض لاعتداء بمقذوف تسبب في تدمير أجزاء من سقف ونوافذ مسكنه الواقع في الزعفرانية شمالي طهران، دون أن تنشر صورًا تدعم روايتها من داخل الغرفة وصورة للبناء دون “الشادر” الذي يغطي جزءًا منه، وبضمنه مقر هنية نفسه، ولم تشر أيضًا إلى المكان الذي انطلق منه المقذوف، وهل انطلق من الأراضي الإيرانية أم من دولة أخرى كما زعمت هيئة البث الإسرائيلية، وهل عَبر المقذوف/الصاروخ من طائرة حربية أم من مسيّرة دون أن تعترضه أنظمة الدفاع الجوية الإيرانية، وخاصة أنها ستكون، إن صحت هذه الفرضية، المرة الثانية التي تستهدف فيها إسرائيل الأراضي الإيرانية خلال أقل من خمسة أشهر، حين شنت إسرائيل هجومًا عسكريًا، في 19 نيسان الماضي، حيث قصفت عدة مواقع بالقرب من مدينة أصفهان.

وقد بدت الرواية الإيرانية هذه متناقضة مع ما أوردته مجلة “نيويورك تايمز“، في 1 من آب الحالي، حول كيفية اغتيال هنية، وأنه قُتل جراء عبوة ناسفة تم تهريبها سرًا إلى دار الضيافة في طهران حيث كان يقيم، وفقًا لسبعة مسؤولين من الشرق الأوسط، بمن في ذلك إيرانيان، ومسؤول أمريكي. وقد تم إخفاء القنبلة قبل شهرين في دار الضيافة، وجرى تفجيرها عن بُعد، بعد التأكد من وجود هنية داخل نفس المكان، الذي أقام فيه سابقًا خلال زياراته إلى طهران.

إيران المخترَقة أمنيًا، سبق وأن نفذت إسرائيل داخلها عدة عمليات، مثل اغتيال العالم النووي محسن فخري زادة بضواحي طهران في 27 من تشرين الثاني 2020، واغتيال عالم الفيزياء النووية مصطفى أحمدي روشن بانفجار قنبلة بسيارته في طهران في 11 من كانون الثاني 2021، وسرقة وثائق من البرنامج النووي الإيراني في عام 2018 على يد عدد من عميلات “الموساد” دون أن تكتشفهن الأجهزة الأمنية الإيرانية، وهو الأمر الذي كشفه الصحفي الإسرائيلي نسيم مشعل في كتابه “محارِبات الموساد”، ونشرت عنه ملخصًا المجلة الفرنسية “لوبوان” (Le Point)، وأخيرًا عن الدور الإسرائيلي في ملابسات مقتل الرئيس السابق، إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته، حسين أمير عبد اللهيان، وعدد من المسؤولين، إثر تحطم مروحيتهم بعد تدشين سد على نهر آراس الحدودي مع أذربيجان، في منطقة توصف بأنها “رخوة استخباراتيًا” بسبب أنشطة التجسس الإسرائيلية التي سمحت بها أذربيجان في جنوبي البلاد للتجسس على إيران، كما تحدثتُ عنه في مقال سابق بعنوان “الحذر الإيراني بعد مقتل رئيسي“.

يأتي الاغتيال الإسرائيلي لفؤاد شكر (الحاج محسن)، كبير المستشارين العسكريين لحسن نصر الله، في حارة حريك معقل “حزب الله” في الضاحية الجنوبية لبيروت في 30 من تموز الماضي، وقبل يوم واحد من اغتيال إسماعيل هنية في طهران، اختراقًا أمنيًا أيضًا لـ”حزب الله”، ويبدو أنهم والحكومة اللبنانية وثقوا بالتطمينات الأمريكية، وبأن إسرائيل لن تضرب بيروت وستلتزم بالخطوط الحمراء غير الرسمية التي التزم بها الطرفان، إسرائيل و”حزب الله”، فلم يخلِ الحزب مواقعه الحساسة أو قادته قبل الغارة الإسرائيلية، بحسب ما أفاد به مصدران أمنيان من الحزب لوكالة “رويترز”، وهو أمر منسجم مع تصريح وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، بأنهم لم يتوقعوا أن تضرب إسرائيل الضاحية الجنوبية.

التهديدات التي أطلقتها كل من إيران و”حزب الله” ضد الاحتلال الإسرائيلي شملت محورهما، لكنهما استثنيا منها النظام السوري.

فبعد استدعاء بوتين للأسد في زيارة غير معلَنة مسبقًا في 24 من تموز الماضي، تمت قبل الاغتيالين المذكورين وأُعلِنَ عنها في اليوم التالي للزيارة، حذر فيها بوتين الأسد من مخاطر توسع الصراع واحتمالات التصعيد في المنطقة، وأثره المباشر على سوريا، وبالتالي على سلطته بشكل خاص، الأمر الذي يفسر استثناء سوريا من خطابات التهديد بالرد ضد إسرائيل، والتي دفعت قيادة الجيش السوري إلى إصدار تعليمات لجميع القطعات العسكرية المتمركزة قرب الجولان السوري المحتل، بمنع استخدامها لشن هجمات باتجاه الجولان، وتحييدها عن أي مواجهات عسكرية، وهو أمر متسق مع الحياد الذي التزم به الأسد تجاه الإبادة الجماعية المتواصلة في فلسطين منذ 300 يوم.

جريمة اغتيال هنية في طهران وليس في قطر مثلًا، مقر إقامته، حيث كان يتجول فيها ويصلي بين الناس ومعهم، هي لرغبة نتنياهو في عرقلة المفاوضات مع “حماس” للهروب من استحقاق استرداد الأسرى الذين تطالب بهم أسرهم ومجتمع المستوطنين، والسعي لتوسيع الحرب وجر الإدارة الأمريكية إليها، ومحاولات حثيثة للبقاء في السلطة بعيدًا عن محاسبته داخليًا، وبعيدًا أيضًا عن الاستحقاقات المتعلقة بمحكمة العدل الدولية، إن أصدرت مذكرة اعتقال بحقه وبحق وزير دفاعه يوآف غالانت. وأيًا كان حجم الرد الإيراني ضد الاحتلال، والذي، على ما يبدو أنها تنتظره ليأخذ جميع إجراءاته الاحترازية قبل توجيه أي ضربة له، كردها السابق المحدود والرمزي بعد أن قصفت إسرائيل قنصليتها بدمشق في 1 من نيسان الماضي، واغتالت فيه عددًا من ضباطها ومن ضمنهم أحد كبار قادة “الحرس الثوري الإيراني” محمد رضا زاهدي.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة