بعد اغتيال هنية.. الأسد في اختبار الانخراط بمواجهة إسرائيل- إيران

تشييع إسماعيل هنية في طهران - 1 آب 2024 (رويترز)

camera iconتشييع إسماعيل هنية في طهران - 1 آب 2024 (رويترز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

في 31 من تموز الماضي، اغتالت إسرائيل رئيس المكتب السياسي لـ”حركة المقاومة الإسلامية” (حماس)، إسماعيل هنية، في مقر إقامته، خلال زيارة كان يجريها إلى طهران، بعد ساعات من لقائه بالرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان.

فجّرت هذه الحادثة غضبًا إيرانيًا دفع طهران لإطلاق تصريحات متتابعة حول الرد الإيراني، الذي لم يحصل بعد، على اغتيال ضيف طهران، ليصدر المرشد الأعلى لـ”الثورة الإسلامية” في إيران، علي خامنئي، في اليوم نفسه، تعليمات لمهاجمة إسرائيل بشكل مباشر، مع الحديث عن استثمار الميليشيات العاملة في المنطقة، ودول “محور المقاومة”، ومنها سوريا، للرد على العملية.

ووفق ما نقلته وسائل إعلام، فالإيرانيون ينظرون في هجوم بطائرات بلا طيار وصواريخ على قواعد في تل أبيب وحيفا، انتقامًا لاغتيال هنية، بحسب ثلاثة مسؤولين إيرانيين، منهم اثنان قياديان في “الحرس الثوري الإيراني”، تحدثوا إلى صحيفة “نيويورك تايمز”.

وجاءت تعليمات خامنئي في اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بعد وقت قصير من إعلان إيران اغتيال هنية.

ويفكر القادة العسكريون الإيرانيون بشن هجوم آخر بطائرات بلا طيار وصواريخ من اليمن وسوريا والعراق، على أهداف عسكرية في محيط تل أبيب وحيفا، مع الحرص على تجنب ضرب أهداف مدنية، وفق ما نقلته صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية.

الإقحام الإيراني لسوريا في مسألة الرد لم يدم طويلًا، إذ ذكرت وكالة “رويترز”، في 1 من آب الحالي، نقلًا عن خمسة مصادر، أن مسؤولين إيرانيين كبارًا سيلتقون مع ممثلي حلفاء إيران الإقليميين من لبنان والعراق واليمن، لمناقشة الرد المحتمل على إسرائيل بعد مقتل زعيم “حماس” في طهران.

وبحسب المصادر ذاتها، فإن ممثلين عن حلفاء إيران الفلسطينيين، “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وكذلك جماعة “الحوثيين” المدعومة من طهران في اليمن، و”حزب الله” اللبناني، وجماعات “المقاومة الإسلامية” العراقية، سيحضرون الاجتماع الذي كان مقررًا انعقاده في 1 من آب الحالي.

والغرض من اللقاء إجراء تقييم شامل للعثور على أفضل وأكثر الطرق فاعلية للرد على إسرائيل، وكان مقررًا مشاركة خامنئي وأعضاء كبار في “الحرس الثوري” بالاجتماع، بينما قال الجنرال محمد باقري، رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، إنه “تتم حاليًا دراسة رد إيران وجبهة المقاومة، وهذا سيحدث بالتأكيد، وسيندم النظام الصهيوني بلا شك”.

ورغم عدم إعلان إسرائيل صراحة مسؤوليتها عن عملية الاغتيال في طهران، ونفي الولايات المتحدة معرفتها المسبقة بعملية الاغتيال التي اتضح أنه مخطط لها قبل نحو شهرين، فطهران تحمّل كامل المسؤولية لإسرائيل التي هددت على مدار الأشهر الماضية باستهداف قادة “حماس” أينما كانوا.

إيران أولًا

أمام عملية الاغتيال هذه لم يقدّم النظام السوري موقفًا يصب في إطار التضامن مع “حماس” مقدار ما بدا متضامنًا مع إيران التي تعرضت سيادتها وسيادة أراضيها للانتهاك باغتيال ضيف رفيع المستوى على أراضيها، إذ أصدرت الخارجية السورية بيانًا بعد عملية الاغتيال، أدانت خلاله “العدوان الصهيوني السافر”، وقالت إنه “عدوان إرهابي” أدى إلى “استشهاد” هنية، معربة عن وقوفها إلى جانب إيران، وتضامنها معها، وتعازيها للشعب الفلسطيني، دون التطرق إلى شخص إسماعيل هنية بتفصيل أكثر.

في السياق نفسه، فالكلمة التي ألقاها أمين عام “حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله، في اليوم التالي لإعلان مقتل القيادي البارز في “الحزب” فؤاد شكر، بغارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية، قبل ساعات من اغتيال هنية، لم تتطرق إلى دور سوريا أو حضورها من عدمه، في الرد على عمليتي اغتيال إسرائيليتين بهذا الحجم، على اعتبار سوريا جزءًا من “محور المقاومة” ووفق مبدأ “وحدة الساحات” الذي يتبناه “المحور”.

ورغم توجه “حماس” لوصل ما انقطع خلال عقد من الزمن مع النظام السوري، فالعلاقات المعلنة بين الجانبين لم تكن في أفضل أيامها، فـ”حماس” التي ترتبط بعلاقات تاريخية مع جماعة “الإخوان المسلمين” عارضت من مكتبها في دمشق سيطرة النظام على الحكم في سوريا، ومع انطلاق الثورة في 2011، أيد قادة “حماس” علنًا الاحتجاجات الشعبية السلمية التي نادت بإسقاط النظام ورحيل بشار الأسد، وقطعت علاقتها بالنظام وأغلقت مكاتبها في دمشق.

وفي 2021، اتجهت الحركة للتقارب مجددًا مع النظام، بوساطة من “حزب الله” اللبناني، ثم أجرى وفد من الفصائل الفلسطينية، دون مشاركة إسماعيل هنية، زيارة إلى دمشق للقاء الأسد، في 19 من تشرين الأول 2022، واتفق الطرفان على عودة العلاقات مجددًا و”طي صفحة الماضي”.

صفحة الماضي لم تطوَ تمامًا من جانب النظام السوري، إذ وصف الأسد، في آب 2023، موقف “حماس” بأنه “مزيج من الغدر والنفاق”، لأنها كانت تدّعي المقاومة، موضحًا أن العلاقات بينهما “ضمن المبدأ العام”.

موقف الأسد صعب

الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أوضح لعنب بلدي أن أولوية النظام السوري حاليًا تتجلى بالحد من المخاطر والتكاليف المحتملة عليه، لذا سيسعى لتجنيب نفسه التورط المباشر في هذه الحرب، مع وجود معضلة تواجهه في هذا الجانب، وهي رغبة إيران بالاستفادة من حضورها في الجبهة السورية، لا سيما في الجولان، لتحويلها إلى جبهة وساحة مواجهة مع إسرائيل، وتحديدًا بعدما سلكت الحرب منعطفًا خطيرًا باغتيال هنية.

وبحسب علوش، فالأسد سيواجه صعوبة بإدارة موقفه من هذه الحرب، مع ميله لتجنب الانخراط فيها، والزيارة التي أجراها الأسد مؤخرًا إلى موسكو توحي بأن روسيا قلقة من محاولة توريط سوريا في حرب إقليمية، والرئيس الروسي يسعى لتجنيب النظام ارتدادات مثل هذه الحرب المحتملة مع تصاعد مخاطرها، لأن أي تمدد لهذه الحرب على الأراضي السورية يمكن أن يسهم في إعادة تشكيل “الاستاتيكو” العسكري (الوضع الراهن)، وتحديدًا في الشمال السوري، وهو ما يفسر رغبة موسكو بدفع مسار التقارب بين تركيا والنظام لتعزيز الحماية من المخاطر المحتملة لأي حرب على “الاستاتيكو” العسكري في الشمال السوري.

وفق رأي الباحث، فنظرة إيران إلى موقف الأسد من هذه الحرب تتوقف على المسارات المحتملة لها، ففي حال اقتصرت على تصعيد أكبر دون الوصول إلى حرب إقليمية، ربما تتسامح إيران مع حرص الأسد على تجنيب سوريا الانخراط بالوكالة في هذه الحرب، لكن في حال الوصول إلى مواجهة شاملة سيكون الموضوع مختلفًا فيما يتعلق بحسابات إيران والنظام والروس.

“الأسد يواجه اختبارًا صعبًا في هذه المسألة، ويدرك أن تكاليف التورط المباشر في هذه الحرب غير المستبعدة ستكون باهظة، ويدرك أن السماح لإيران باستخدام سوريا وتحويلها لساحة مواجهة مع إسرائيل في أي حرب إقليمية محتملة ستكون له تكاليف”، أضاف الباحث، مبينًا صعوبة تصور الكيفية التي سيدير فيها الأسد موقفه خلال هذه الحرب، كون الأمر يتوقف على المسارات المحتملة لهذه الحرب.

وفي وقت سابق، وضعت الظروف الإقليمية النظام السوري أمام اختبار مشابه نسبيًا حين استهدفت إسرائيل السفارة الإيرانية في دمشق، ودمرتها بالكامل، متسببة بمقتل الجنرال الإيراني، محمد رضا زاهدي، والمستشار محمد هادي حاجي، وخمسة من رفاقهما.

وجاء الرد حينها من إيران بعشرات الصواريخ التي سقطت في مساحات مفتوحة، لم توقع أي قتلى أو خسائر بشرية في صفوف الإسرائيليين.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة