إبراهيم العلوش
لا شك بأن اغتيال إسماعيل هنية بطهران، في 31 من تموز الماضي، أرعب ضيوف إيران، الذين جاؤوا يهنئون الرئيس الجديد، مسعود بزشكيان، وزعزع الثقة في نفوس الرؤساء وقادة الميليشيات التي تدور في فلك ملالي إيران.
بعد ساعات من مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، وفي الساعة الثانية ليلًا، تم اغتيال رئيس المكتب السياسي في “حماس”، إسماعيل هنية، في مضافة يجتمع فيها قادة من “الحرس الثوري” ويستقبلون ضيوفًا فيها، وترجح المصادر، ومنها صحيفة “نيويورك تايمز”، بأن الاغتيال تم بتفجير عبوة ناسفة أُدخلت قبل شهرين إلى المكان الذي ينزل فيه هنية بزياراته إلى طهران.
الخسارة السياسية الناتجة عن اغتيال ضيف رسمي في قلب العاصمة الإيرانية كبيرة، ولعلها تسببت بفرار الوفود الرسمية خشية الاستهداف، نتيجة فقدان الأمن في العاصمة الإيرانية، وقادة الدول الذين جاؤوا مهنئين الرئيس الجديد على قلتهم لن يعيدوا الكرة في زيارة دولة تهتز فيها مقومات الأمن.
هذا الاغتيال، الذي أذهل أعوان إيران قبل أعدائها، يعيد إلى الأضواء الغموض الذي لف عملية اختفاء الرئيس الإيراني السابق، إبراهيم رئيسي، قبل ثلاثة أشهر، وصارت محاولات التشكيك بالرواية الرسمية الإيرانية مشروعة، فقد يكون فقدان طائرة إبراهيم رئيسي اغتيالًا ناتجًا عن اختراق غامض لا يختلف في شيء عن اختراق المبنى الذي كان يقيم فيه إسماعيل هنية بحماية “الحرس الثوري الإيراني”، وإلا ما معنى نجاة الطائرتين المرافقتين لطائرة الرئيس؟ مع الأخذ بعين الاعتبار وجود قاعدة استخباراتية إسرائيلية في أذربيجان وعلى مسافة عدة كيلومترات من الحدود الشمالية الإيرانية، التي وقعت قربها حادثة سقوط طائرة الرئيس.
تقدم إيران نفسها كدولة قوية ذات صواريخ وأسلحة فتاكة، وتخصيب لليورانيوم يقترب من إنتاج قنبلة نووية تهدد بإعادة تقييم وتشكيل القوى الإقليمية، بالإضافة إلى قوتها في نشر الميليشيات المذهبية التي زعزعت دولة المنطقة وخطفت الأضواء من إسرائيل كدولة تعادي شعوب المنطقة.
مع كل هذه “البروباغندا” الإيرانية، نجد أن إسرائيل قتلت إسماعيل هنية في قلب العاصمة الأبرز في الإقليم، وهذا الاغتيال يشابه في حيثياته اغتيالات كثيرة نالت من سمعة إيران، مثل اغتيال قاسم سليماني في بغداد، واغتيال العالم النووي محسن فخري زادة “أبو المشروع النووي” في طهران، واغتيال قادة من “الحرس الثوري” في دمشق وغيرهم الكثيرون.
وهذا الوضع يطرح أسئلة صعبة، مثل هل وصلت الفوضى الأمنية إلى طهران بعد أن نشرتها قوات “الحرس الثوري الإيراني” في دول المنطقة؟ هل التكتيكات التي اعتمدتها إيران في تفكيك الدول ونشر الفوضى تصيب إيران وتهدد استقرارها؟
إيران تعاني من تمردات داخلية زعزعت أمنها عدة مرات، ومن أهمها الثورة الخضراء 2009 التي كانت احتجاجًا شعبيًا على التلاعب بالانتخابات، وكذلك ثورة النساء التي حملت شعار “المرأة، الحياة، الحرية” بعد مقتل مهسا أميني 2022، بالإضافة إلى نشوء أجيال جديدة لم تعد تؤمن بقدسية رجال الدين، ولا تقدم أنفسها وقودًا للحروب الخارجية التي ينشرها “الحرس الثوري الإيراني”، ولم تعد تطيق هذه الأجيال حالة المراقبة والمعاقبة القاسية التي تديرها الأجهزة الدينية والمخابراتية، ولا حالة الإفلاس الذي تعاني منها إيران وهي دولة بترولية كبيرة يجوع فيها الناس وتنحدر قيمة عملتها كل يوم، مع كل ما ينتجه القمع والإفلاس من اضطرابات بين الفرس والقوميات والمذاهب الصغيرة مثل البهائيين والسنة والأذريين والعرب.
لم تكن إسرائيل المشتبهة بعملية الاغتيال وحدها التي تخترق أمن إيران أو تقصف أهدافًا داخلها، فالتنظيمات القومية والمذهبية الإيرانية فجّرت أماكن ورموزًا متعددة في إيران، بالإضافة إلى قيام باكستان بقصف أراضٍ إيرانية في مطلع هذا العام، ولا يمكن لإيران أن ترد على كل هذه الاختراقات، مما يرجح ألا يكون الرد على اغتيال هنية أكثر من تلويحات إعلامية، ووعود بالانتقام كما يتوقع المراقبون السياسيون، خاصة أن هنية مجرد قائد سياسي لفصيل فلسطيني معتاد على الاغتيالات التي تلحق بكوادره وقادته، عدا عن اغتيال شعب غزة بكامله الذي لا يردّ على استغاثاته أحد من قادة وجيوش المنطقة المستسلمين للشعارات الفارغة، وللوعود الأمريكية الكاذبة.
نهج القيادة الإيرانية يقودها منذ ثمانينيات القرن الماضي من عنف إلى آخر، والعنجهية السياسية والعسكرية التي يديرها الملالي تجلب المزيد من المصائب على إيران، ولن يكون اغتيال هنية آخر انتهاك لسيادة الدولة الإيرانية، وسترتد الفوضى التي يتاجر بها الملالي إلى بلادهم، ولن يجلب لهم الاستبداد وتجاهل إرادة الشعب أكثر مما جلب لنظام الأسد من سيادة واهية يتم اختراقها كل يوم.