د. أكرم خولاني
يمكن أن يؤثر داء السكري على العين عندما يكون مستوى السكر (الجلوكوز) في الدم مرتفعًا، إذ يؤدي على المدى القريب إلى تغير في مستويات السوائل وتورم في أنسجة العين التي تساعد على التركيز، مما يؤدي إلى عدم وضوح الرؤية، ويكون ذلك مؤقتًا ويختفي عندما يقترب مستوى السكر من المعدل الطبيعي، لكن إذا ظل مستوى السكر في الدم مرتفعًا مع مرور الوقت فقد يسبب تلف الأوعية الدموية الدقيقة الموجودة في الشبكية، ويحدث ما يسمى “اعتلال شبكية العين السكري”.
ما المقصود باعتلال الشبكية السكري
اعتلال الشبكية السكري (Diabetic retinopathy) هو أحد المضاعفات الناجمة عن الإصابة بداء السكري التي تصيب العينين بسبب تلف الأوعية الدموية في شبكية العين (النسيج الحساس للضوء الواقع في الجزء الخلفي داخل العين) بسبب انهيار المعاوضة الاستقلابية الناجم عن السكري، مما يسبب رؤية ضبابية، وفي الحالات المتقدمة قد تصل الحالة حتى فقدان الرؤية الكامل (العمى)، ولذا يعد هو السبب الأكثر شيوعًا لفقدان البصر لدى مرضى السكري، ولكن يؤدي اكتشافه وعلاجه مبكرًا إلى تقليل خطر الإصابة بالعمى بنسبة 95%.
واعتلال الشبكية السكري هو من سمات مرض السكري من النمطين الأول والثاني على حد سواء، ويمكن أن يبدأ حتى عندما يكون الشخص في مرحلة ما قبل السكري، ويصيب الاعتلال كلتا العينين عادة.
وكلما زادت فترة إصابة المريض بالسكري ازداد احتمال إصابته باعتلال الشبكية السكري، فبعد نحو 20 عامًا من الإصابة بالسكري، نجد أن كل المصابين تقريبًا بالسكري من النمط الأول، ونحو 60% من المصابين بالسكري من النمط الثاني، قد أصيبوا باعتلال الشبكية السكري بدرجة ما.
كيف يحدث المرض
يتطور اعتلال الشبكية السكري بشكل تدريجي نتيجة ضعف التحكم بمستويات سكر الدم، إذ يتسبب استمرار ارتفاع مستوى الجلوكوز في الدم بإحداث تغييرات في جدران الأوعية الدموية للشبكية، وتزداد نفاذيتها لتسمح بخروج السوائل لخارج الخلايا مما يسبب انتفاخ أنسجة الشبكية وحدوث رؤية ضبابية، وفي الحالات المتقدمة تنمو أوعية دموية جديدة ضعيفة قد تتسبب بحدوث نزيف داخل العين، وقد تنمو الأوعية الدموية الضعيفة أيضًا فوق الشبكية، مما قد يسبب فقدان الرؤية.
ولذلك يقسم المرض إلى مرحلتين:
- اعتلال الشبكية السكري غير التكاثري (Non-Proliferative Diabetic Retinopathy): هي المرحلة المبكرة من اعتلال الشبكية السكري، والعديد من مرضى السكري يعانون من هذه المرحلة من المرض، وفيها تتورم شبكية العين بسبب تسرب الدم والسوائل من الشعيرات الدموية، وعند تورم البقعة الشبكية يصاب المريض بالوذمة البقعية التي تؤدي للرؤية الضبابية، كذلك يمكن أن تغلق الأوعية الدموية الدقيقة في الشبكية مما يسبب نقص التروية الدموية البقعية ويؤثر على البصر أيضًا.
- اعتلال الشبكية السكري التكاثري (Proliferative Diabetic Retinopathy): هي حالة متقدمة من اعتلال الشبكية، وتحدث عندما تبدأ الشبكية ببناء أوعية دموية جديدة بعد انسداد الأوعية التي تغذيها، وهذه الأوعية الدموية تكون غير طبيعية وضعيفة وهشة، فتسرب السوائل وتنزف في داخل الزجاجية، فإذا كان النزيف خفيفًا فقد يرى المريض بعض البقع السوداء، وإذا كان النزيف شديدًا فقد يفقد المريض البصر بشكل كامل، وقد تكون الأوعية الدموية الجديدة ندوبًا أو تسبب انسلاخ شبكية العين، وهذه المرحلة خطيرة للغاية وقد تسبب فقدان البصر المركزي والجانبي.
ما الأسباب
تنتج الإصابة باعتلال الشبكية السكري عن ارتفاع سكر الدم كثيرًا وعدم السيطرة عليه بالأدوية المختلفة، وهناك عوامل خطر يمكن أن تزيد من احتمالات الإصابة تشمل:
- نسبة السكر بالدم مرتفعة جدًا ولم تعالَج.
- الإصابة بالسكري لفترة طويلة.
- ارتفاع ضغط الدم.
- ارتفاع دهون وكوليسترول الدم.
- تدخين التبغ.
- الحمل.
ما أعراض الإصابة
قد لا تظهر أي أعراض في المراحل المبكرة من اعتلال الشبكية السكري، ومع تقدم الحالة قد يشكو المريض مما يلي:
- عدم وضوح الرؤية.
- ضعف رؤية الألوان.
- عوامات العين أو البقع الشفافة والخيوط الداكنة التي تطفو في مجال رؤية الشخص وتتحرك في الاتجاه الذي ينظر إليه الشخص.
- بقع أو خطوط تحجب رؤية الشخص.
- ضعف الرؤية الليلية.
- بقعة مظلمة أو فارغة في مركز الرؤية.
- فقدان مفاجئ وكامل للرؤية.
كيف يتم التشخيص
يعتمد الطبيب في تشخيصه لاعتلال الشبكية السكري على ما يلي:
- فحص العين بعد توسيع الحدقة.
- فحص النظر.
بعض الصور الشعاعية، وتوجد عدة وسائل لتصوير العين منها:
- تصوير قاع العين بعد حقن الفلوريسين.
- تصوير التماسك البصري المقطعي.
- تصوير العين بالأمواج فوق الصوتية.
ما المضاعفات التي يمكن أن يسببها المرض
تؤدي الإصابة إلى مضاعفات قد تؤدي إلى مشكلات خطيرة في الرؤية، وتشمل هذه المضاعفات:
- النزيف الزجاجي: قد تنزف الأوعية الدموية الجديدة داخل السائل الشفاف الهلامي الذي يملأ تجويف العين، وإذا كان مقدار النزيف ضئيلًا فقد تظهر بضع بقع سوداء في مجال الإبصار (رؤية ذباب طائر)، أما في الحالات الأكثر شدة فيمكن أن يملأ الدم التجويف الزجاجي حتى يعوق الرؤية تمامًا، ولكن لا يكون فقدان الرؤية دائمًا، فعادة ما يزول الدم من العين خلال بضعة أسابيع أو أشهر، وتعود القدرة البصرية إلى حالتها السابقة ما لم تتضرر شبكية العين.
- انفصال الشبكية: يحفز ظهور الأوعية الدموية غير الطبيعية الناجم عن اعتلال الشبكية السكري نمو النسيج الندبي الذي قد يدفع الشبكية للخروج من موضعها في الجزء الخلفي من تجويف العين، وهذا يمكن أن يسبب بدوره ظهور بقع في مجال الإبصار أو رؤية ومضات ضوئية أو الفقدان الكامل للرؤية.
- الزَرَق (الجلوكوما): يمكن أن تظهر الأوعية الدموية الجديدة في الجزء الأمامي من تجويف العين (قزحية العين) لتعوق التدفق الطبيعي للسوائل إلى خارج العين، مما يؤدي إلى زيادة ضغط العين والإصابة بالزرق.
- العمى: يمكن أن يؤدي اعتلال الشبكية السكري أو الوذمة البقعية أو الزَرَق أو جميعها معًا إلى الإصابة بالفقدان التام للرؤية، خاصة إذا لم تخضع هذه الحالات المرضية للسيطرة عليها بشكل جيد.
ما طرق العلاج
عند تحديد خطة العلاج، يرتكز الطبيب على عمر المريض وتاريخه الصحي ونمط حياته ومدى الضرر الحاصل في شبكية العين.
في أغلب الأحيان لا يكون العلاج ضروريًا، ولكن يجب على المريض الخضوع لفحوصات دورية للعينين.
في الحالات الأكثر تقدمًا يكون السبب الأكثر شيوعًا لمشكلات الرؤية هو تورم الشبكية الذي يدعى الوذمة البقعية، وقد كان هذا التورم في السابق يُعالج بالليزر، ولكن أظهرت الدراسات أن “حقن الأدوية في العين” يفيد في السيطرة على الحالة المرضية بشكل أفضل بكثير، تسمى هذه الأدوية “مثبطات عامل النمو البطاني الوعائي”، وتحقن تحت التخدير الموضعي في الجسم الزجاجي للعين، وهي تساعد في وقف نمو الأوعية الدموية الجديدة وتقليل تراكم السوائل، وعادة ما يتم استخدام دواءين أو ثلاثة أدوية لعلاج الحالة، وغالبًا ما يجب على المريض تلقي حقن الدواء بشكل متكرر.
أما “جراحة الليزر” فهي ضرورية في حال التغييرات المتقدمة في الرؤية، وذلك لمنع فقدان الرؤية بشكل كبير، ويقوم الإجراء بإغلاق الأوعية الدموية أو التخلص من الأوعية الدموية المتنامية أو التي تسرّب الدم داخل شبكية العين، ورغم أن هذا الإجراء غير مؤلم فإن الرؤية تكون ضبابية لمدة يوم تقريبًا بعد العملية، ومن الممكن أن يُضعف الرؤية الليلية أو القدرة على رؤية الألوان لدى المريض.
وفي بعض الحالات التي يتسرب فيها الدم من الأوعية الدموية في الشبكية إلى الجسم الزجاجي، قد تحتاج إلى إجراء جراحي يسمى “قطع الزجاجي”، ويستخدم هذا الإجراء شقًا صغيرًا في العين لإزالة الدم من الخلط الزجاجي وكذلك الأنسجة الندبية التي تجذب شبكية العين.
ولا يشفي العلاج بالليزر أو بقص السائل الزجاجي المرض، لكنه يفيد في إبطاء تفاقمه، ولكن تبقى الطريقة الفضلى للوقاية من تقدم الإصابة وفقدان البصر هي الإدارة الواعية لحالة السكري والضبط الجيد لضغط الدم وإجراء فحوصات العين الدورية السنوية والتدخل العلاجي المبكر عند اللزوم.