عنب بلدي – يامن المغربي
ترددت معلومات حول عمليات عسكرية تنفذها قوات خاصة أوكرانية ضد أهداف عسكرية روسية في سوريا، وهو ما يشكل، في حال التثبت منه، تحولًا في جغرافيا المواجهة بالحرب الروسية على أوكرانيا، وتكتيكات الأخيرة، في ضوء التقدم الروسي على الأرض في شرقي أوكرانيا، واحتمالات تقلص الدعم الأمريكي لكييف، في حال وصول المرشح دونالد ترامب (الرئيس الأمريكي السابق) إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية.
ونشرت صحيفة “كييف بوست“، وهي صحيفة خاصة يملكها رجل أعمال سوري، في 31 من تموز الماضي، ما قالت إنه تسجيلات مصورة لهجوم ضد الروس قرب مطار “كويرس” العسكري في حلب، وذكرت أن الضربات أدت إلى “تدمير معدات عسكرية روسية”، ونقلت عن مصادر استخباراتية قولها، إن المجموعة الأوكرانية التي نفذت الهجوم تدعى “خيميك”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تنشر فيها الصحيفة أخبارًا حول هجوم على قوات روسية في سوريا، إذ قالت، في حزيران الماضي، إن قوات أوكرانية خاصة هاجمت دوريات روسية في المناطق المتاخمة للجولان السوري المحتل، جنوبي سوريا.
في المقابل، لم يصدر أي تعليق على الضربة من قبل وزارة الدفاع الروسية أو قيادة العمليات العسكرية الروسية في سوريا.
وتناول الإعلام الروسي تحليلات من خبراء حول الأخبار المتداولة، إذ نقل موقع “روسيا اليوم“، في 31 من تموز الماضي، عن كونستانتين سيفكوف، وهو دكتور في العلوم العسكرية، أن الرسائل المتعلقة بالضربة الأوكرانية يجري نشرها “بهدف إظهار نجاح أوكرانيا” التي لا تحقق أي إنجاز على الجبهة، لذا تحاول كييف “التظاهر بشيء من أجل إظهار النجاح”، وقال إن الهدف من هذه المنشورات خلق الظروف لمحاولة “زعزعة استقرار الوضع السياسي في روسيا”.
من جهته، قال نائب رئيس لجنة “مجلس الاتحاد للشؤون الدولية”، أندريه كليموف، في حديث لموقع “Lenta.ru” الروسي، إن المخابرات الأوكرانية تنسب لنفسها تورطها في جميع الأحداث التي توجه فيها النار إلى العلم الروسي.
الصحيفة التي نشرت التسجيلات المصورة، لم تذكر أي معلومات حول كيفية دخول هذه القوات إلى سوريا، أو احتمال وجود أي تعاون بينها وبين فصائل معارضة سورية، سواء تلك التابعة لـ”غرفة عمليات الفتح المبين” في إدلب، أو التابعة لـ”الجيش الوطني” المدعوم تركيًا في ريف حلب، أو حتى مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، المسيطرة على شمال شرقي سوريا.
احتمالات نقل المعركة إلى سوريا
الأخبار الأوكرانية تأتي في ظل صعوبات تواجهها كييف بحربها ضد روسيا، ومخاوف من تراجع الدعم الأمريكي لها إن وصل الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، إلى منصب الرئاسة مجددًا بالانتخابات المقبلة في تشرين الثاني المقبل، وهو الذي أكد على إنهائه للحرب بمجرد عودته رئيسًا، هذا على الصعيد السياسي.
وأحدث تصريحات ترامب في هذا الملف جاء خلال لقاء مع قناة “فوكس نيوز” الأمريكية، في 23 من تموز الماضي، إذ قال إن هذه الحرب يجب أن تنتهي.
أما عسكريًا، فنجحت روسيا بالتقدم شرقًا خلال الأسبوع الماضي وتحقيق مكاسب جديدة، بعد أن شنّت هجمات “شرسة”، وذكرت وكالة “رويترز” أن هذه المكاسب هي الأكبر منذ ثلاثة أشهر.
قد تدفع هذه الضغوط كييف لنقل الضغط على موسكو إلى مكان بعيد عن الجبهات الساخنة، ومحاولة إشغال الروس في أماكن أخرى استراتيجية تهمهم، سواء في إفريقيا أو في الشرق الأوسط، وتحديدًا سوريا.
الدكتور المختص بالشأن الروسي نصر اليوسف، أشار في حديث لعنب بلدي إلى أن وجود قوات أوكرانية تعمل في سوريا وتهاجم القوات الروسية هو أمر مستبعد، خاصة مع تصريحات ترامب الأخيرة، التي أشار فيها إلى اتصال هاتفي جمعه مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أكد فيه أن الحرب يجب أن تنتهي والروس أشداء في القتال.
ومع النظر إلى هذا التصريح، يمكن التشكيك بوجود مجموعات أوكرانية أو قوات خاصة لمهاجمة الروس، بل إن الدول الغربية والقيادة الأوكرانية عازمون على تحقيق نصر قبل رحيل الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، عن سدة الرئاسة، لخوفهم من عودة ترامب.
وأضاف اليوسف أن الأوكرانيين والغرب عمومًا سيحاولون التركيز بشكل كبير وبكل الأدوات، على معارك الجبهات المشتعلة بطول أكثر من 1200 كيلومتر بين روسيا وأوكرانيا، لذا فإن الأمر يبدو عبثيًا بأن يشتت الأوكرانيون قواتهم ومكانها على أرض أوكرانيا.
خطط سابقة لضرب الروس
الحديث عن محاولات لضرب القوات الروسية في سوريا عبر جنود أو قوات أوكرانية ليس جديدًا، ولا يعود فقط لحزيران الماضي، إذ ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في نيسان 2023، أن وثيقة مسربة تحدثت عن تخطيط أوكرانيا لشن هجمات على القوات الروسية في سوريا، بمساعدة من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
وذكرت الصحيفة حينها، أن مديرية المخابرات العسكرية الأوكرانية خططت لشن ضربات على القوات الروسية ومرتزقة “فاجنر” في سوريا، في الشتاء الذي سبق تاريخ نشر الوثيقة، قبل أن يأمر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بوقف العمليات.
واستندت الصحيفة في تقريرها إلى وثيقة استخباراتية أمريكية مسربة، وصفتها بأنها “سرية للغاية”.
وجاء في الوثيقة أن الضباط الأوكرانيين دربوا عناصر من “قسد” المدعومة من واشنطن على ضرب أهداف روسية، والقيام بأنشطة “عمل مباشر” غير محددة، وهجمات بطائرات من دون طيار.
ونصت الوثيقة على أن ضباطًا أوكرانيين فضّلوا ضرب القوات الروسية باستخدام طائرات من دون طيار، وبدء ضربات “صغيرة”، أو ربما قصر ضرباتهم على قوات مجموعة “مرتزقة فاجنر” فقط.
وجاء في الوثيقة أن ساحة المعركة السورية “توفر خيارات الإنكار” لأوكرانيا، لأنها يمكن أن تهاجم المواقع الروسية التي سبق أن ضربتها المعارضة السورية، وتشن هجمات من المعارضة أو حتى المناطق التي يسيطر عليها النظام، وتنسب الهجمات إلى الجماعات غير الحكومية “الأمامية أو المنحلة أو النشطة”.
حرب نفسية
الباحث في مركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، يرى في إجابته عن أسئلة عنب بلدي، أن دخول الأوكرانيين إلى سوريا أمر مستبعد، نظرًا إلى ظروف الحرب نفسها على الجبهات ضد روسيا.
لكن جهات أخرى قد تستفيد من الخبرات الأوكرانية أيضًا، خاصة أن أوكرانيا كانت حاضنة لأسرار السلاح السوفييتي، وورثت عنه قبل سقوطه في عام 1991 حوالي 30% من مؤسسات الإنتاج العسكري، بالإضافة إلى بحوثها العلمية في هذا المجال.
ولا يستبعد حوراني أن تكون الأخبار المنشورة من كلا الطرفين تدخل ضمن الحرب النفسية، توجه أوكرانيا فيها رسالة بأن لها حلفاء وذراعًا محلية، وتستطيع أن تقدم لهم الدعم، ولهم تأثيرهم، خاصة أن الفصائل المعارضة المسلحة استنزفت القوات الروسية في وقت سابق.
وتدخلت روسيا عسكريًا في سوريا في 30 من أيلول 2015، وقلبت موازين القوى المسيطرة ميدانيًا، بعد فقدان النظام السوري مساحات واسعة من الجغرافيا السورية.
وتسبب التدخل الروسي بمقتل ستة آلاف و969 مدنيًا، بينهم ألفان و55 طفلًا، وفق بيانات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، وحققت موسكو مكاسب على مستويات مختلفة، بعدما أجرت أكثر من 100 ألف طلعة جوية أنعشت سيطرة النظام على الأرض، كما استخدمت وجرّبت روسيا 320 نوعًا من الأسلحة في سوريا، حتى تموز 2021.
ويستمر غزو روسيا لأوكرانيا منذ 24 من شباط 2022، دون أن يحقق الأهداف المرجوة لإدارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ولا يزال الصراع قائمًا في المدن الأوكرانية، وسط خسائر لروسيا وأوكرانيا منذ بدء الغزو، بالتزامن مع دعم غربي لأوكرانيا.