خبراء: أرقام مبالغ فيها وصفقات وهمية

صيصان روسية وأغنام رومانية لإنعاش سوق اللحوم في سوريا

مواطن يشتري لحوم في أحد محلات دمشق- أيلول 2021 (صحيفة تشرين)

camera iconمواطن يشتري لحوم في أحد محلات دمشق- أيلول 2021 (صحيفة تشرين)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – هاني كرزي

أعلن النظام السوري قبل شهرين ونصف عن بدء استيراد أربعة ملايين من رؤوس العجل والغنم، ليتبع ذلك صدور قرارات أخرى تسمح باستيراد المواشي والصيصان، ما أثار تساؤلات حول غرض عمليات الاستيراد هذه، ومدى مساهمتها في خفض أسعار اللحوم بالسوق المحلية.

في 16 من أيار الماضي، أعلنت صحيفة “الوطن” المحلية، أن حكومة النظام بدأت باستيراد قرابة أربعة ملايين من رؤوس العجل والغنم بأوزان وأعمار صغيرة، لأول مرة منذ 12 عامًا، وذلك ضمن سلسلة من الإجراءات “لتخفيض أسعار اللحوم المرتفعة”.

وأضافت الصحيفة أن المواشي المستوردة ستوزع على المربين، وستتم تربيتها وعلفها محليًا، وعند بلوغها الوزن الطبيعي للتصدير، سيُقرَّر إما السماح بتصديرها والاستفادة من القطع الأجنبي، وإما تخصيصها بالكامل للسوق المحلية.

إعلان النظام عن استيراد دفعة ضخمة من المواشي، تبعته سلسلة من عمليات الاستيراد، ففي 23 من حزيران الماضي، أعلنت المؤسسة العامة للدواجن التابعة للنظام استيراد 20 ألف صوص “روسي” لمصلحة منشأة دواجن حمص، بغية تربيتها والاستفادة منها في إنتاج حوالي مليوني صوص و600 مليون بيضة مائدة، وفق ما ذكرته “الوطن“.

وفي 25 من تموز الماضي، أعلنت “مجموعة الخير القابضة” التابعة لمجموعة قاطرجي عن وصول دفعات من الغنم الروماني والعجول المولدوفية المستوردة، مشيرة إلى أن الاستيراد جاء “بهدف كسر أسعار اللحوم في الأسواق السورية”.

وفي ذات اليوم، أعلنت “جمعية اللحامين” بدمشق عن بدء استيراد مواشٍ من فنزويلا، مشيرة إلى أنه سيتم استيراد ألفي رأس غنم عبر أحد المستوردين كخطوة تجريبية، “لتعزيز تنوع وتوفر اللحوم في السوق المحلية”.

الأسعار لم تنخفض

رغم إعلان حكومة النظام خلال الشهرين الماضيين عن استيراد أعداد ضخمة من المواشي والدواجن، فإن أسعار اللحوم لم تنخفض بشكل ملحوظ.

وقال رئيس “جمعية اللحامين” في دمشق، يحيى الخن، لإذاعة “شام إف إم” الموالية، إن “استيراد 2000 رأس من الأغنام والماعز لن يؤثر على واقع الأسعار في السوق بدمشق، كونه يذبح يوميًا 700 رأس غنم تُوزع على السوق.

وأكد الخن أن الأسعار المتأثرة بالاستيراد تتعلق بلحم العجل، لأنه طُرح مباشرة بالأسواق، ما أدى إلى انخفاض سعره بنحو 30 ألف ليرة سورية للكيلو في أسواق الجملة.

وأوضح أن “تكلفة استيراد رؤوس الغنم من الخارج ليست أقل من التربية المحلية”، مضيفًا، “لست مع استيراد اللحوم الحية لأنها لا تكسر سعر السوق، وتكاليفها مرتفعة ولا يتقبلها المستهلكون”.

عنب بلدي رصدت أسعار اللحوم والفروج في العاصمة دمشق، وتبين أن الأسعار ما زالت مرتفعة، حيث يتراوح سعر كيلو لحم “هبرة الغنم” بين 200 ألف و220 ألف ليرة سورية، وسعر كيلو لحم “مسوفة الغنم” بين 140 ألفًا و160 ألف ليرة، أما سعر كيلو لحم “هبرة العجل” فهو بين 170 ألفًا و175 ألفًا، بينما سعر كيلو لحم “مسوفة العجل” يتراوح بين 155 ألفًا و160 ألف ليرة سورية.

كما سجل سعر كيلو “شرحات الفروج” (الصدر) 80 ألف ليرة، وكيلو “الجوانح” 38 ألفًا، وكيلو “الوردة” 50 ألفًا، بينما سعر كيلو “الدبوس” 45 ألف ليرة سورية، وتختلف الأسعار حسب المنطقة وبين محل وآخر.

وتظهر مقارنة الأسعار الحالية مع الشهر الماضي أن الأسعار بقيت على حالها، وحصل انخفاض طفيف على بعض الأصناف، إذ كان سعر كيلو لحم “هبرة الغنم” بين 240 ألفًا و250 ألف ليرة، وكيلو لحم “مسوفة الغنم” بين 165 ألفًا و185 ألف ليرة، في حين بقيت أسعار الفروج ولحم العجل على حالها.

ويعادل كل دولار أمريكي 14700 ليرة سورية، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار العملات النقدية.

صفقات لإرضاء تجار الحرب

المحلل الاقتصادي محمد بكور، علّق على تأثير استيراد المواشي على السوق المحلية قائلًا، إن هدف الصفقات التي أعلنت عنها حكومة النظام “إرضاء تجار الحرب”، فالمواشي التي تستورد لا تدخل في الغالب ضمن السوق المحلية، بل الغرض منها تربيتها وتسمينها ثم إعادة تصديرها لكسب القطع الأجنبي.

وأضاف بكور لعنب بلدي أن معظم عمليات استيراد المواشي تجري عن طريق شركة الخير التابعة لمجموعة قاطرجي، وكان ملاحظًا أنه عقب مقتل براء قاطرجي بأسبوع، أعلن إخوته عن إنجاز صفقة استيراد أغنام وعجول من رومانيا ومولدوفيا، وكأن النظام قدّم لهم تسهيلات الاستيراد كمحاولة لإرضائهم، بعد الضربة التي تلقوها بمقتل أخيهم، وتداول الأنباء حول ضلوع الأسد في تصفيته.

وأشار بكور إلى أن السوق المحلية لا تستوعب حتى الإنتاج المحلي، في ظل ضعف القدرة الشرائية للمواطن وقلة الطلب على اللحوم، ما يؤكد أن “صفقات الاستيراد التي تقوم بها حكومة الأسد غرضها تجاري بقصد إعادة التصدير، وليس إدخالها في السوق المحلية كما يدّعي”.

وتابع أن الانخفاض الذي يطرأ في بعض الأحيان على أسعار اللحوم والفروج ليس بسبب عمليات الاستيراد، بل نتيجة انقطاع الكهرباء وارتفاع درجات الحرارة وقلة الطلب، ما يجبر الباعة على خفض الأسعار قبل تلف اللحوم لديهم.

وكانت وزارة الصناعة السورية أعلنت، منتصف حزيران الماضي، منح عدة مشاريع استثمارية لمصلحة رجل الأعمال حسام قاطرجي، بعد توقف أعماله لأشهر بسبب بعض العراقيل.

وذكر موقع “نورث برس” المحلي، نقلًا عن مصدر أمني حكومي، أن هناك اتفاقًا بين أسماء الأسد وحسام قاطرجي، نص على السماح للأخير باستئناف أعماله التجارية مقابل منح المكتب الاقتصادي السري الذي تديره أسماء الأسد نسبة 40% من موارد قاطرجي، إلى جانب توقف الأخير عن التعاملات النفطية مع الجانب الإيراني.

وعقب هذا الاتفاق قامت مجموعة قاطرجي القابضة بتغيير اسم المجموعة إلى مسمى “مجموعة الخير القابضة”، التي تضم نحو 31 شركة ومعملًا بعدة اختصاصات، منها شركة “الخير للثروة الحيوانية”، التي تختص بتربية المواشي وتصديرها أو استيرادها.

كما أعلنت مجموعة قاطرجي، في 28 من تموز الماضي، تأسيس شركة “بويدر الخير” في منطقة النقارين بحلب، على امتداد أكثر من مليوني متر مربع، بهدف “الحفاظ على الثروة الحيوانية”.

وتعد عائلة قاطرجي من أبرز تجار الحرب المقربين من النظام السوري، الذي سمح بتمدد نفوذ العائلة وتعزيز حضورها على مستوى اقتصاد البلد في السنوات الأخيرة.

بدوره، قال الخبير الاقتصادي رضوان الدبس، لعنب بلدي، إن “عمليات استيراد المواشي والدواجن التي يقوم بها بعض المتنفذين وعلى رأسهم قاطرجي، غرضها تبييض الأموال”، حتى يقال إنهم يجنون الأرباح عبر عمليات التصدير والاستيراد بعقود نظامية تحت مظلة الدولة.

وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أصدر، في أيار 2023، قانونًا يقضي بإعفاء عملية استيراد الأبقار بقصد التربية من الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم الأخرى، لمدة خمس سنوات من تاريخه.

أرقام وهمية

صحيفة “الوطن” تحدثت عن أن صفقة استيراد أربعة ملايين رأس من المواشي تشمل ثلاثة ملايين رأس غنم، ومليون رأس عجل، مؤكدة وصول أولى الدفعات، وسط تشكيك بصحة تلك الأرقام.

وفي هذا السياق، قال رضوان الدبس، إن الأرقام التي أعلن عنها نظام الأسد وهمية، وهدفها إعلامي للإيحاء أمام الرأي العام أن الحكومة لديها القدرة المالية على تنفيذ صفقات استيراد ضخمة لمصلحة المواطن، بينما في الواقع “النظام منهار اقتصاديًا ولا يمتلك القطع الأجنبي الكافي لاستيراد تلك الأعداد الضخمة”.

وأضاف الدبس أن السوق المحلية من المستحيل أن تستوعب أربعة ملايين رأس غنم وعجل، إضافة إلى أنه ليست هناك ظروف ملائمة لتربية المواشي المستوردة، فهناك صعوبات في تأمين العلف والعلاج ومزارع التسمين والكوادر البيطرية والكهرباء والمشرفين على تربيتها، “وبالتالي كلها عوامل تعوق إمكانية استيراد أعداد ضخمة من المواشي”.

وأوضح الدبس أن عمليات الاستيراد الوهمية التي يُعلن عنها النظام، يمكن أن تنعكس على الحالة النفسية للمواطنين، الذين قد يعزفون عن الشراء لحين ضخ اللحم المستورد في السوق المحلية بسعر أقل، وبالتالي يؤدي انخفاض الطلب إلى كساد اللحوم، ما يسهم في تراجع أسعارها لأيام، لكن سرعان ما تعود الأسعار للارتفاع حين يكتشف الناس أن “استيراد المواشي مجرد إعلانات وهمية”، ليزداد الطلب مجددًا على السوق المحلية.

عوامل تدمّر الثروة الحيوانية

في 26 من شباط 2022، أعلن مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة بحكومة النظام، أسامة حمود، فقدان الثروة الحيوانية في سوريا نحو 40% إلى 50% من قطيعها، بسبب الارتفاع العالمي في أسعار الأعلاف، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية على النظام.

ووفق أحدث إحصائية لأعداد المواشي في سوريا، والتي أوردتها وكالة الأنباء السورية (سانا) في أيلول 2023، بلغ عدد قطيع الأبقار 853 ألف رأس، و17.8 مليون رأس من الأغنام.

كما يبلغ عدد قطيع الماعز مليوني رأس، ونحو 6500 رأس من الجاموس، بينما يبلغ عدد الدجاج الكلي نحو 14.5 مليون طير منها نحو 9.2 مليون طير تنتج نحو 1.7 مليار بيضة.

ووفق تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، في آب 2023، تراجع عدد قطيع الحيوانات خلال الفترة بين عامي 2011 و2021 بنسب متفاوتة لكل نوع، وخلال هذه الفترة، انخفض عدد رؤوس قطيع الأبقار بنسبة 25%، والماعز 17%، والأغنام 7%.

وقال الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” محمد العبد الله، إن من أبرز أسباب تراجع الثروة الحيوانية عدم ملاءمة البيئة المحلية الحاضنة لهذا القطاع، في بلد يشهد نزاعًا منذ عام 2011.

وأضاف العبد الله لعنب بلدي، أن هناك عوامل أخرى أثّرت على عدم الاستمرار في دعم قطاع الثورة الحيوانية، ومنها تراجع مساحات الرعي بشكل كبير، ونفوق أعداد كبيرة من رؤوس الماشية، نتيجة تفشي الأمراض بينها، وارتفاع أسعار الأدوية البيطرية، إلى جانب ارتفاع أسعار الأعلاف، بالإضافة إلى شيوع ظاهرة تهريب الماشية إلى المناطق والدول المجاورة بقصد التربح منها.

وأشار العبد الله إلى أن للفساد الاقتصادي “المستشري” في مؤسسات النظام، ووجود شبكات من المنتفعين في المؤسسات ذات الصلة بهذا القطاع، على رأسها “المؤسسة العامة للأعلاف”، و”المصارف”، و”الغرف الزراعية”، و”الاتحاد العام للفلاحين”، دورًا كبيرًا في تراجع الثروة الحيوانية.

وأوضح العبد الله أن دور هذه الشبكات بدا واضحًا من خلال التحكم بأسعار الأعلاف وتوزيعها لدى المؤسسة، إذ وصلت أسعار العلف المدعوم إلى حدود تقارب أسعار التجار، لافتًا إلى أنه بات لا يخفى التشبيك القائم بين تجار الأعلاف وهذه الشبكات أيضًا، لاستيراد الأعلاف واحتكارها وفرض أسعارها في السوق المحلية، بهدف تحقيق أرباح تقدّر بمليارات الليرات السورية، في ظل غياب الرقابة التموينية عليها.

أحدث إحصائية لأعداد المواشي والدواجن في سوريا




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة