حامل وضعت داخل دورة المياه

سيدات يواجهن الموت خلال الولادة في مستشفيات إدلب

واجهت سيدات تقصيرًا في الرعاية الصحية في بعض المستشفيات بإدلب (تعبيرية/ سيما/ فيس بوك)

camera iconواجهت سيدات تقصيرًا في الرعاية الصحية في بعض المستشفيات بإدلب (تعبيرية/ سيما/ فيس بوك)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسن إبراهيم

“ساعات عصيبة بين الحياة والموت” عاشتها فاطمة بعد إخراجها بنحو ساعتين من ولادتها في مستشفى “النور” بمدينة تفتناز شرقي إدلب، إذ تعرضت لوعكة صحية وما يشبه حالة “اختلاج” أقلقت زوجها وعائلتها، ونغّصت عليهم فرحة ولادتها بطفلة.

اعتبر محمد (26 عامًا)، وهو زوج فاطمة، أن إخراج سيدة بعد ساعتين من ولادتها هو استهتار بالصحة وعدم اكتراث بحياة الآخرين، قائلًا، “لو أن شخصًا يده مكسورة لبقي في المستشفى أكثر من ساعتين”.

وقال الشاب لعنب بلدي، إن زوجته أنجبت طفلة منتصف تموز الماضي، وأصر على إبقائها مدة أطول في المستشفى بعدما فوجئ بنية إخراجها بعد ساعتين، لكن العاملين في المستشفى طلبوا إخراجها بذريعة أن وضعها الصحي مستقر، وسمحوا بإبقاء الطفلة في الحضانة.

بعد ساعة من وصول السيدة إلى المنزل قرب معرة مصرين شمالي إدلب، زادت علامات التعب والإعياء، وخارت قواها، وفقدت تركيزها ووعيها بما يحدث حولها، لينقلها زوجها إلى المستشفى مرة أخرى، وبقيت ليومين تتلقى الرعاية والمسكّنات، ثم طُلب منه أن يأخذها إلى طبيب داخلية.

قصة فاطمة واحدة من قصص مماثلة تعرضت لها سيدات في مستشفيات ومراكز صحية بإدلب شمال غربي سوريا، واجهن خطر الموت إثر تقصير بالرعاية الصحية في أشد لحظات المرأة ألمًا وحاجة للعناية.

 دواء لا يناسب الحالة

حين لجأت فاطمة وزوجها إلى طبيب داخلية، قال لهما إن الدواء الموصوف لها لا يناسب حالتها الصحية، إنما يفاقم مرضها، ليصف للسيدة دواء آخر، ما زالت تستخدمه حتى اليوم، وهي في تحسن تدريجي.

لا ينكر الزوج أن الخدمة في المستشفى كانت جيدة خلال زيارات سابقة لزوجته، لكن موقفًا واحدًا كان كفيلًا بأن “يودي بالحياة”، مضيفًا أنه لن يعود إلى المستشفى مرة أخرى، مع أسفه لتكرار الأمر مع مرضى آخرين.

أكثر ما يحزن الشاب أن الممرضة أعطت زوجته “حبتين” تحت لسانها قبل إخراجها من المستشفى، ما يشير إلى أن حالتها لم تكن تسمح بإخراجها.

وعن المدة اللازمة أو الكافية لإخراج سيدة بعد ولادتها من مركز صحي أو مستشفى، قالت طبيبة الأمراض النسائية في إدلب تقى فرواتي، إن الأمر مرتبط بحسب حالة الولادة وطبيعتها، إذا كانت طبيعية أو قيصرية.

وأضافت الطبيبة لعنب بلدي، أنه في حالة الولادة الطبيعية وإذا كانت دون تدخلات ولا نزيف بعد الولادة، وكانت المرأة سليمة تمامًا من أي مرض، فيمكن إخراج السيدة بعد ساعتين حتى ست ساعات.

أما إذا كانت هناك عوامل خطورة متل نزف أو كانت السيدة تعاني عطالة أو فقر دم، أو تعاني من داء الضغط أو السكري، فالطبيبة الموّلدَة هي من يحدد مدة الإقامة بالمستشفى، وفق فرواتي.

ويشير موقع “babycenter” الطبي إلى أن من المرجح أن تبقى السيدة في المستشفى بعد الولادة الطبيعية لمدة تتراوح بين 24 و48 ساعة، بينما يتراوح متوسط ​​مدة الإقامة في المستشفى بعد الولادة القيصرية بين يومين وأربعة أيام.

وقد تحتاج النساء اللاتي يعانين من أي مضاعفات خلال الولادة أو بعدها إلى البقاء لفترة أطول، وفق الموقع.

ولادة في دورات المياه

بعد انتظار طويل في مستشفى “الإخاء” بأطمة شمالي إدلب، وضعت سيدة مولودتها في دورات المياه (حمامات) التابعة للمستشفى، بسبب رفض الكادر الموجود التعاون معها، مع سوء معاملة، في حادثة أثارت تفاعلًا وغضبًا في الشمال السوري.

حصلت الولادة في دورة المياه بعد حديث طويل بين أقارب السيدة الحامل المرافقين لها وعاملات ضمن المستشفى، انتهى بعدم استقبالها بذريعة أن الولادة ليست في موعدها، رغم آلام السيدة ورجاء أقاربها بفحصها وتوليدها.

مدير   الرعاية الثانوية في وزارة الصحة بحكومة “الإنقاذ” بإدلب، الدكتور ملهم غازي، قال، إن الوزارة شكّلت لجنة لمعرفة أسباب عدم قبول السيدة في المستشفى.

وذكرت لجنة وزارة الصحة في “الإنقاذ” أن بلاغًا وصل إلى الوزارة واطلعت على حيثيات حادثة ولادة سيدة في دورات المياه، وأنها تتابع الحادثة، وأن الأخطاء الحاصلة هي فردية.

من جهتها، أصدرت منظمة “الرابطة الطبية للمغتربين السوريين” (سيما) الممولة للمستشفى بيانًا، قالت فيه، إن لجنة تحقيق من قسم المساءلة الإدارية في الرابطة قد أجرت تحقيقًا حول الحادثة، وأفضت النتائج إلى ثبوت:

  • مخالفة إحدى القابلات لسياسات المنظمة ومدونة قواعد السلوك بإساءة التعامل مع إحدى المستفيدات، وتمثلت المخالفة بعدم قبول القابلة للمراجعة في المستشفى.
  • ⁠مخالفة الطبيبة المناوبة في المستشفى للسياسات والإجراءات بالتقصير في التعامل مع الحالة.
  • وجود تقصير في المتابعة من مسؤولة الصحة الإنجابية.
  • عدم ثبوت وجود مخالفة أو إساءة من طبيب الأطفال.

وبناء عليه اعتمدت الإدارة التنفيذية توصيات لجنة التحقيق بـ:

  • إنهاء التعاقد مع القابلة.
  • توجيه إنذار كتابي إلى الطبيبة.
  • توجيه إنذار كتابي إلى مسؤولة الصحة الإنجابية.
  • إجراء حملة توعية لجميع العاملين في المستشفى حول السياسات ومدونة قواعد السلوك.
  • متابعة ⁠التزام العاملين بالسياسات والمدونة والبروتوكولات والإجراءات والمهام بشكل أكبر.

رعاية غير كافية

افتقار الرعاية الصحية ومواجهة آلام مضاعفة من السيدات لا يقتصر على أخطاء فردية أو سوء معاملة، فواقع القطاع الطبي المتدهور في الشمال السوري سبب أيضًا، بالإضافة إلى تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي.

ويسكن شمال غربي سوريا 5.1 مليون شخص، منهم 4.2 مليون بحاجة إلى مساعدة، و3.4 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 3.4 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان يعيشون في المخيمات، وفق الأمم المتحدة، في حين تتحدث إحصائيات محلية عن 5.5 إلى 6 ملايين شخص.

في نيسان 2022، قالت منظمة “أطباء بلا حدود” في سوريا، إن امرأة أنجبت رضيعها على باب المستشفى الذي تدعمه المنظمة في إدلب، بعدما قطعت مسافة طويلة للوصول إليه.

وذكرت المنظمة أن السيدة كانت تنتظر جمع مبلغ كافٍ من المال لتغطية تكاليف التنقل بسبب عدم توفر أي سيارة إسعاف، معتبرة أن هذا الوضع مقلق، فمن شأن التأخر في الإنجاب أن يتسبب بمضاعفات طبية على الأم والطفل على حد سواء.

وتواجه القابلات تحديات في عملهن وحياتهن الشخصية في منطقة تعاني أصلًا من قصف وغياب معدات طبية، وهناك أكثر من 4000 قابلة شمال غربي سوريا يواجهن أزمات وتحديات متداخلة في السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك “زلزال شباط” والحرب و”كوفيد-19″.

كما تتعرض النساء في سن الإنجاب بشكل خاص لخطر عدم كفاية الرعاية الصحية، وخاصة في أكثر من 1400 مخيم للنازحين داخليًا شمال غربي سوريا، كما أن 80% من النازحين داخليًا هم من النساء والأطفال، ورغم أن 40% من السكان يعيشون في المخيمات، فإن 18% فقط من جميع المرافق الصحية موجودة في المخيمات.

وتضطر العديد من المرافق الصحية إلى تقليص عملياتها أو إغلاق أقسامها أو تقليص ساعات العمل بسبب نقص التمويل، وأوقفت أكثر من 110 مرافق صحية، بما في ذلك 34 مستشفى، عملياتها بالفعل اعتبارًا من نهاية تموز الماضي.

وفي حال استمر مسار نقص التمويل، حذرت مجموعة الصحة من أن 50% من جميع المرافق الصحية العاملة في شمال غربي سوريا ستتوقف عن العمل بشكل كامل أو جزئي بحلول كانون الأول 2024، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA).




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة