عاد الحديث عن اجتماعات اللجنة الدستورية العالقة في نقطة المماطلة الروسية إلى الواجهة إثر تصريحات مصدر دبلوماسي روسي عن مكان بديل محتمل لاستضافة اجتماعات اللجنة، بعد فشل عقد جولتها التاسعة في جنيف (ثاني أكبر مدن سويسرا)، في نيسان الماضي.
وفي 23 من تموز الحالي، نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية عن المصدر الدبلوماسي أن هناك أفكارًا يجري تداولها حاليًا في موسكو، حول إمكانية نقل لقاءات اللجنة الدستورية المقبلة إلى العراق.
المصدر الدبلوماسي قال إن هذا البلد الجار والقريب من كل الأطراف يشكل منصة مناسبة ومهمة لعقد لقاءات “الدستورية” بسبب سهولة الوصول إليه من سوريا والعراق، وكذلك من مناطق سيطرة المعارضة السورية.
وعاد الحديث عن اجتماعات اللجنة الدستورية التي عقدت جولاتها الثماني السابقة في جنيف، بعدما اختتم النظام السوري، في 18 من تموز، انتخابات مجلس الشعب التي بدأت في 15 من الشهر نفسه، وشكلت خرقًا لمسار عمل اللجنة الدستورية، الذي انطلق عام 2019، بهدف الوصول إلى دستور سوري جديد.
ورغم قناعة محضة لدى أطراف دولية وأممية بأن هذه الانتخابات لا تشكل بوابة الحل في سوريا، أصر النظام على عقدها، في حين لم تسفر محاولات التنشيط والدعوات المتكررة عن لقاء جديد لأطراف اللجنة في جنيف أو مكان آخر.
لا حديث عن جولة جديدة
رئيس وفد المعارضة السورية المشارك في مباحثات “أستانة”، الدكتور أحمد طعمة، نفى لعنب بلدي تداول أي مقترحات مع المعارضة حول نقل الاجتماعات المقبلة إلى بغداد.
كما أكد طعمة أنه لا يجري الحديث حاليًا عن الجولة المقبلة من اجتماعات اللجنة، لافتًا إلى أن “هيئة التفاوض السورية” لن تقبل الذهاب إلى بغداد لعقد جولة جديدة من أعمال اللجنة الدستورية هناك.
في 22 من تموز، تطرّق المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، إلى مسار العملية السياسية في سوريا، خلال إحاطة أمام مجلس الأمن، وأكد على أهمية التغلب على العقبات وإيجاد سبل للمضي قدمًا، “وهذا أمر ممكن تحقيقه ويتطلب مساهمات الأطراف السورية وأصحاب المصلحة الخارجيين”، برأيه.
بيدرسون وجه نداء من أجل العمل مع الأمم المتحدة بروح من البراغمانية والواقعية والصراحة والتسوية، للمضي قدمًا بالعملية السياسية، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن “2254”.
وفي 30 من أيار الماضي، قال المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، إن استئناف عمل اللجنة الدستورية من شأنه أن يعيد الأطراف السوريين إلى نفس القاعة المشتركة للتصدي لنفس القضايا الأساسية التي كانت محركات للنزاع.
وأبدى انفتاحه على أي مكان آخر بديل عن جنيف، يحظى بتوافق الأطراف السورية والجهة المضيفة، مؤكدًا مواصلة العمل على إيجاد مكان بديل، مع المناشدة المستمرة لاستئناف الجلسات في جنيف، داعيًا الأطراف لتحضير الجلسات الموضوعية والمقترحات الدستورية.
المبعوث الأممي أوضح أن هذه المبادرات تفتح الأبواب للحلول السياسية لكنها غير كافية بحد ذاتها، وهناك اتفاق على أنه لا حل عسكري للنزاع، والوضع في سوريا بالفعل خطير، والنهج المجتزأ البطيء الحالي لن يكون كافيًا لعكس التيار وقلب الأمور بالاتجاه المطلوب، واستراتيجية الاحتواء والتخفيف لن تسهم في إنهاء زعزعة الاستقرار، وعدم قابلية توقع الأوضاع في سوريا.
اعتراض موسكو
تصريحات بيدرسون هذه سبقتها محاولات حثيثة لاستئناف اجتماعات اللجنة الدستورية دون التوصل لنتيجة ملموسة على الأرض، فالجلسة التي كانت مقرر في الفترة بين 22 و26 من نيسان الماضي، بدعوة من بيدرسون، لم تحصل، ليشير بعدها إلى أن أفضل ما بذله من جهود مع الآخرين بهدف معالجة هذه الأوضاع من خلال تدابير ملموسة من كلا الجانبين “لم تسفر بعد عن التغييرات المطلوبة”.
وخلال مقابلة أجراها مع قناة “العربية”، في 8 من أيار الماضي، بيّن المبعوث الأممي، فيما يتعلق بعمل اللجنة الدستورية، أن مساعيه للتعامل مع جنيف كمنصة مؤقتة ريثما يجري الاتفاق على بديل قوبلت باعتراض النظام السوري، مشيرًا إلى أن العراقيل واضحة، فـ”الحكومة” (في إشارة إلى النظام السوري) لا تريد القدوم إلى جنيف بسبب اعتراض موسكو.
عدم الحل يعني المخاطرة.. بيدرسون يحذر من انفجار الوضع في سوريا
ولفت إلى أنه لا أحد كان يعتقد أن اللجنة الدستورية في ذاتها ستحل “الأزمة السورية”، لكنها قد تفتح الباب نحو المسائل المهمة التي كانت موضوع النقاش، وهذا العمل توقف خلال العامين الأخيرين، لمسائل لا تتصل بسوريا، بل لأن الروس لا يريدون أن يلتقي السوريون في جنيف، كونهم غير راضين عن موقف سويسرا حيال أوكرانيا.
كما تتهم الولايات المتحدة الأمريكية روسيا بعرقلة مسار اللجنة الدستورية المتوقفة عند جولتها الثامنة في 22 من شباط 2022، إذ قالت السفارة الأمريكية في سوريا، في 24 من أيار، إن روسيا والنظام السوري يواصلان إيجاد الأعذار لعرقلة خطط اجتماعات اللجنة الدستورية التي يقودها السوريون.
وأضافت أن جميع اجتماعات اللجنة الدستورية السابقة عقدت في جنيف، وأن ادعاءات روسيا والنظام بشأن افتقار جنيف إلى الحياد هي “تكتيك للمماطلة لتجنب الاستجابة للإرادة المشروعة للشعب السوري وحل الصراع السوري”.
وترى موسكو في جنيف مكانًا “غير محايد” بسبب موقف سويسرا المناهض للغزو الروسي المتواصل لأوكرانيا، منذ 24 من شباط 2022.
هل للانتخابات تأثير؟
قرأت أطراف دولية، منها ألمانيا، انتخابات مجلس الشعب التي جرت منتصف تموز، وبعد أكثر من عامين على لقاءات “الدستورية”، على أنها خروج عن مسار العملية السياسية التي تتمثل حاليًا بعمل اللجنة الدستوية فأكد المبعوث الألماني إلى سوريا، ستيفان شنيك، في اليوم نفسه، على التزام برلين بالقرار “2254” ودعوتها لعملية سياسية بقيادة سورية تشمل صياغة دستور جديد وتهيئة ظروف إجراء انتخابات ذات مصداقية.
نائبة رئيس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” وعضو المجموعة المصغرة في اللجنة الدستورية عن قائمة المعارضة، ديما موسى، قالت لعنب بلدي، إن انتخابات مجلس الشعب مؤشر إضافي على عدم جدية النظام في الانخراط بالعملية السياسية والوصول إلى حل سياسي يخرج سوريا والسوريين من الكارثة التي يعيشونها، وتخالف العملية السياسية المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن “2254”.
وجرت هذه الانتخابات وفقًا للدستور القائم الصادر عام 2012، بينما ووفق العملية السياسية يجب العمل على وضع دستور جديد، ثم إجراء انتخابات (عملاً بالدستور الجديد)، الذي يجب أن تكتبه السوريات والسوريون من خلال “عملية سياسية بقيادة سورية” كما هو منصوص عليه في الفقرة الرابعة من القرار “2254”.
وإلى جانب افتقاد انتخابات مجلس الشعب للمصداقية والنزاهة والشفافية، وغياب أي رقابة دولية أو محلية حقيقية عليها، خلافًا لما ورد في القرار “2254” وما يتعلق بضرورة أن تكون “حرة ونزيهة وتحت إشراف الأمم المتحدة”، لما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، فهي لم تشمل كل السوريين، وهذا يمنح ذريعة لقوى الأمر الواقع الأخرى لإجراء انتخابات أحادية كل في منطقة نفوذها.
وبحسب ديما موسى، فهذه الظروف تسهم في تعميق التقسيم وتقويض آخر لوحدة الأراضي السورية وزعزعة الاستقرار الإقليمي، وبالتالي تقويض أي خطوات أو مبادرات تدفع باتجاه الحل السياسي على أساس العملية السياسية وفق القرارات الأممية ذات الصلة.
ومن الناحية النظرية، يجب ألا تؤثر انتخابات مجلس الشعب التي جرت ضمن مناطق سيطرة النظام وغابت عن بعضها، على عمل اللجنة الدستورية أو العملية السياسية، لكن مجرد إجرائها في ظل التهرب المستمر من العملية السياسية واللجنة الدستورية بالتعنت وخلق مشكلة حول مكان الانعقاد للتهرب، فهذا دليل على أن النظام ينسف العملية السياسية ككل، ولا يكترث بما يجب القيام به تجاه السوريين، وفق ديما موسى.
تضم “اللجنة الدستورية” 50 عضوًا يختارهم النظام، و50 تختارهم المعارضة، و50 تختارهم الأمم المتحدة من ممثلين للمجتمع المدني وخبراء، وتهدف للوصول إلى دستور توافقي بين الأطراف السورية، لكنها لم تحقق أي تقدم ملموس منذ بدء هذا المشوار السياسي في 2019.