موسكو نشطة وبغداد حاضرة.. أين تقف طهران من تقارب أنقرة- دمشق
تصاعد الحديث مؤخرًا عن غياب للدور الإيراني في مسار التقارب التركي مع النظام السوري واستبعاد طهران من هذا الحراك الدبلوماسي، رغم أنها كانت جزءًا من مسار “الرباعية” الذي انطلق في 28 من كانون الأول 2022، بمشاركة تركيا والنظام السوري وروسيا، راعية المسار، قبل انضمام إيران وتحويل المسار إلى رباعية، ليجري إعلان انهياره بشكل رسمي في كانون الثاني الماضي.
مساعي موسكو لعودة حليفيها إلى الطاولة مجددًا لم تتوقف رغم تأثرها بالظرف الإقليمي والحرب في غزة، والدور العراقي الذي أبصر النور في أيار الماضي ما زال حبيس التصريحات والتحضير للقاءات لم تحصل بعد، لكن الحضور الإيراني انحسر نسبيًا في هذه المرحلة، فالتقارب التركي مع النظام بصورته الجديدة عاد إلى الواجهة في وقت كانت به إيران لم تلملم بعد جراحها، بعدما أعلنت في 20 من أيار مقتل رئيسها ووزير خارجيته ومجموعة من المسؤولين والمرافقين لهم، على متن مروحية سقطت في محافظة أذربيجان الشرقية في إيران، في ظروف مناخية معقدة.
طهران ترحب.. استبعاد؟
إيران التي تسلم رئيسها الجديد، مسعود بزشكيان، مهامه الأحد الماضي، لا تزال تحتفظ بعلي باقري وزيرًا للخارجية بالوكالة، ولم تستأنف حضورها في الملف السوري كما كان في عهد الوزير السابق، حسين أمير عبد اللهيان، ومع ذلك أجرى باقري زيارة إلى سوريا مطلع حزيران الماضي، دون تطرق علني لمسار التقارب، قبل زيارة كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني، علي أصغر خاجي، إلى دمشق، في 22 من تموز.
مسار التقارب التركي الذي غاب عن حديث علي باقري سجّل حضورًا لافتًا في تصريحات أصغر خاجي، الذي التقى وزير الخارجية، فيصل المقداد، ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، وأبدى ترحيبًا بتحقيق تقدم في مسار علاقات أنقرة- دمشق، إذ قال في تصريحات صحفية بعد لقائه المقداد، إن إيران سعيدة باستئناف المباحثات، مع آمال بتحقيق تمهيدات مناسبة وجيدة لهذه الاجتماعات، للوصول إلى تطور في علاقات الجانبين.
“لطالما دعمنا هذا المسار ويجب حلحلة المشكلات بين تركيا وسوريا عبر الحوار السياسي، والطرق العسكرية ليست حلًا، والاجتماعات الأولى بين سوريا وتركيا كانت في طهران ثم استمرت بشكل رباعي، ونحاول عقد هذه الاجتماعات بشكل أكبر للوصول إلى تطور في علاقات تركيا وسوريا”، أضاف المسؤول الإيراني.
وجاءت هذه التصريحات لترد بشكل غير مباشر على ما أوردته صحيفة “ديلي صباح” التركية في اليوم نفسه، حين أشارت إلى استبعاد الدور الإيراني من المسار، خلال حديثها عن لقاء متوقع بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ورئيس النظام السوري، في العاصمة الروسية، موسكو، في آب المقبل، مع إمكانية دعوة رئيس وزراء العراق، محمد شياع السوداني، وترجيحات بعدم دعوة إيران للاجتماع الذي يمكن أن يتولى الرئيس الروسي، في التوسط بمحادثاته.
اعتبرت الصحيفة التركية ما قرأته استبعادًا لإيران، أنه قد يكون مؤشرًا قويًا على الخلافات المستمرة والمنافسة بين موسكو وطهران، بشأن سوريا، ومستقبل البلاد بعد الحرب، وأرجعت أسباب الخلافات بين موسكو وطهران إلى حذر روسي دائم من قوة الميليشيات الموالية لإيران غير المقيدة والمتنامية في سوريا ومستقبلها بعد الحرب، مع وجود خلافات حول القيادة والعمليات العسكرية واستخدام القواعد الإيرانية وموقف طهران المتشدد في المحادثات، بما في ذلك صيغة “أستانة” والنهج الإيراني تجاه إسرائيل.
وتسببت المنافسة على العقود المتعلقة بالطاقة والموارد الاقتصادية وإعادة إعمار سوريا في حدوث بعض الاحتكاكات بين إيران وروسيا، وفق الصحيفة التي اعتبرت في مقالها أن التحرك الروسي لدعوة العراق مع استبعاد إيران، “يضرب عصفورين بحجر”، فيمكن قراءته كمحاولة لدق إسفين بين بغداد وطهران، ومن شأنه أن يعوض عن سرقة المشهد من السوداني (رئيس الوزراء العراقي)، الذي كان يهدف بنفسه إلى استضافة المحادثات الشخصية الأولى بين أردوغان والأسد، وإظهار قوة العلاقات بين موسكو وبغداد
في اليوم نفسه، نفت الخارجية التركية ما جاء في “ديلي صباح” من تحديد زمان ومكان اللقاء، وردت روسيا على مسألة الخلافات بين موسكو وطهران، على لسان نائب وزير خارجيتها، أندريه رودينكو، الذي أكد أن العلاقات بين روسيا وإيران ترتكز على أساس من الصداقة المتينة، ولا يمكن لأحد أن يدق إسفينًا بين موسكو وطهران.
وفي مقابلة مع وكالة “تاس” الروسية، في 23 من تموز، قال رودينكو، إن إيران كدولة ذات سيادة لها الحق في متابعة سياستها الخارجية كما تراه مناسبًا، وبحسب المسؤول، فإن موسكو تفترض أن العلاقات مع طهران تتمتع بأساس متين من الصداقة والجيرة، وليست عرضة للتأثير الخارجي رغم محاولات الخصوم “اللعب بقذارة ودق إسفين بين البلدين”.
كما أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، في اليوم نفسه، عن اقتراب روسيا وإيران من توقيع اتفاقية شراكة “استراتيجية شاملة”، سترفع العلاقات لمستوى “الشراكة الاستراتيجية الشاملة”، واستغرق إعدادها عامين ونصفًا.
أين إيران من المعادلة؟
الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أوضح لعنب بلدي أن إيران فد تكون حاضرة في هذه العملية وتلعب دورًا في دبلوماسية القنوات الخلفية بين تركيا والنظام، بما لا ينفي هواجسها من المسار، خوفًا من انعكاسات هذا التقارب على حضورها القوي في سوريا، وديناميكيات منافستها مع تركيا على مستوى المنطقة.
وبحسب رأيه، لا تشكل إيران عقبة رئيسة أمام التطبيع لعدة اعتبارات، منها انسجام مقاربة روسيا وإيران والنظام لمشروع التطبيع مع تركيا والنتائج المتوقعة منه، وتحديدًا ما يتعلق بمستقبل الوجود العسكري التركي في سوريا، والدور الجديد الذي سيتعين على تركيا لعبه في الصراع، كما أن الأسد يصمم موقفه التفاوضي بالاتفاق مع موسكو وطهران.
كما أن تركيا وروسيا تدركان أن مشروع التطبيع لا ينجح بلا رعاية إيرانية، وإشراك إيران من قبل في مسار التقارب وتحويله إلى رباعية يعزز فكرة أنه لا يمكن استبعاد إيران من الطاولة.
ويبدو أن هناك انسجامًا في الموقفين، الروسي والإيراني، من التطبيع التركي مع دمشق، رغم أن الدولتين تتنافسان في سوريا، لكن ما يجمع روسيا وإيران في هذا المسار هو معالجة مسألة الوجود التركي في سوريا، ودفع أنقرة إلى الانخراط أكثر في الجهود الروسية والإيرانية في تصفية الصراع، بحسب الباحث.
“الإيرانيون مستفيدون من مشروع التقارب بين أنقرة ودمشق كونه سيمنح مزيدًا من الشرعية على النظام السوري وتعزيز حكمه، لكن أي تطبيع يؤثر على حضور إيران في سوريا، وأي تصاعد لحضور في تركيا في تشكيل مستقبل سوريا بعد الحرب سيكون بالضرورة على حساب قوة الحضور الإيراني”.
محمود علوش باحث في العلاقات الدولية |
ويرى علوش أن هناك تحولًا في السياسات الإقليمية للصراع، وهذا التحول سيحد من الهامش الذي استفادت منه إيران لتعزيز حضورها العسكري والسياسي والاقتصادي وطغيان حضورها على الحضور التركي الذي يؤدي إلى مزيد من الديناميكيات المتحولة في الحرب، والتي تؤثر على مستوى حضور إيران في سوريا.
من جانبه، قال الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، لعنب بلدي، إن إيران تبحث عن مصالحها الاستراتيجية في تلاقي مصالح حلفائها الاستراتيجيين، ومن هذا المبدأ يمكن ألا تتلاقى بعض هذه المصالح مع المصالح الروسية والإيرانية، في إدارة بعض الأزمات، ولذا يجري تحييد دور طهران ليس فقط في مسار التقارب، وإنما في التحركات التركية باتجاه سوريا والعراق، وقد لا تروق للجانب الإيراني هذه التحركات، سيما أن نتاجها سيحد من قدرة إيران على التحرك في تلك الملفات، وستكون إحدى بوابات إرهاق المشروع الإيراني في المنطقة، ما يعني أن عدم حضورها ستنجم عنه تحركات في جبهاتها عبر أدواتها العسكرية.
“عدم حضور إيران بفاعلية في المسار قد يترك صدى ميدانيًا من خلال تحركات الميليشيات الموالية لها، وهذا يعني أن دور إيران المعطل لن يتغير ما لم تكن حاضرة في المباحثات، وهو ما يدفعها إلى مسارين متوازيين هما مسار التهدئة عبر دخول المسار التفاوضي، ومسار التصعيد عبر انخراطها العسكري في الجبهات، وبالتالي لن تسكت وسترد عبر أدواتها الميدانية لتعيد حضورها في مسرح هذه التفاهمات”، أضاف الباحث.
وبحسب رأيه، فإيران ستفرض وجودها من خلال التحركات للفصائل الموالية لها لتعطيل تنفيذ أي تفاهمات كضرب خواصر رخوة في الشمال السوري، لكنها تلجأ إلى المكتسبات التكتيكية في ظل تجديد الحصار عليها واستثمار الفرص، مع الإشارة إلى أن غياب الرعاية الأمريكية قد يسهم أيضًا في تعطيل المسار.
الأسد وأردوغان يبديان مرونة حيال لقاء محتمل.. دور عربي مرتقب
“ربما تتخوف طهران من التقارب مع النظام السوري سواء كان عربيًا أو تركيًا وتعتبره محاصرة لها، وسحب بساط من تحت النظام السوري واستبداله بتفاهمات مع المنظومة العربية والتركية، وبالتالي ستلجأ إلى التحرك دبلوماسيًا وعسكريًا لممارسه الضغوط على الحلفاء والفرقاء من اجل عدم ترك المكتسبات التي حققتها عبر نحو 13 عامًا في سوريا”.
مصطفى النعيمي باحث في الشأن الإيراني |
مسار التقارب
في 27 من تموز الحالي، ذكرت صحيفة “تركيا” (أُسست عام 1970)، أن اللقاء بين أردوغان والأسد يمكن أن يحصل في أي وقت، مع توقعات بالتقاط صورة تجمعهما معًا في آب المقبل، على أبعد تقدير.
وبحسب الصحيفة المقربة من حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، فإن أجهزة المخابرات لدى الجانبين (طرفا التطبيع) عقدت ثلاثة اجتماعات حاسمة في الشهر الماضي، كما أن رئيس الاستخبارات الروسية زار تركيا مؤخرًا والتقى نظيره التركي، بشأن قمة الأسد وأردوغان، وجرى تحديد الموعد والبلد، ووضع الاجتماع في شكله النهائي.
ورغم طرح العراق في وقت سابق كمكان للقاء، فإن أنقرة تركز على بوابة معبر “كسب” على الحدود التركية- السورية، مع توقعات بتقدم العملية بسرعة كبيرة وصولًا للقاء.
ما ذكرته الصحيفة سبقه في 26 من تموز، لقاء وزير الخارجية التركي بنظيره الروسي، ولقاء الأسد بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 25 من تموز، دون تقديم تفاصيل حول مسار التقارب التركي مع النظام، أو مكان أو زمان عقد لقاء يجمع الأسد وأردوغان.
وكان المتحدث باسم حزب “العدالة والتنمية” التركي، عمر شيليك، قال في 23 من تموز، حول اللقاء المتوقع، إن الرئيس الروسي لديه إرادة في هذا الإطار، والعمل على الملف مستمر، موضحًا أن المؤسسات الاستخباراتية للجانبين تجتمع على فترات منتظمة، لكن الملف يجب أن يصل إلى المستوى السياسي ومن يتم تقديم الإطار الذي وضعه وزراء الخارجية إلى الرئيس التركي، والأسد، وبعدها يمكن إنشاء تقويم سواء عبر المفاوضات بين الدول أو دولة وسيطة، كون المسألة تحتاج إلى النضج.
في السياق نفسه، قال مصدر دبلوماسي روسي، لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، في اليوم نفسه، إن الأطراف لم تبحث بعد مكان وموعد قمة أردوغان والأسد، مع الإشارة إلى وجود تطورات متسارعة لتسوية الملفات الخلافية، وتوقعات بعقد هذه القمة قبل نهاية العام الحالي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :