بالتوازي مع تسارع خطوات التطبيع بين تركيا والنظام والسوري، اتخذت “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، التي تعتبر مكافحة مشروعها على رأس أولويات هذا التطبيع، مجموعة خطوات ظهرت على أنها محاولة لتحسين جبهتها الداخلية.
أحدث إجراءات “الإدارة” الإفراج عن عائلات محتجزة في مخيم “الهول” شرقي الحسكة، وهو أحد المطالب التي حملها وجهاء عشائر دير الزور على مدار السنوات الماضية، ولطالما رفضت “الإدارة” تطبيقها، إذ تتهم قاطني المخيم بأنهم حاضنة لتنظيم “الدولة الإسلامية” الذي كان يسيطر على المنطقة قبل عام 2019.
سبق ذلك في منتصف تموز الحالي، قرار عفو عام، شمل متهمين بقضايا إرهاب، إلى جانب طرح متكرر بإعادة استكمال الحوار “الكردي- الكردي”، وأطروحات للحوار مع الجميع بمن فيهم تركيا والنظام.
الخطوات التي اتخذتها “الإدارة الذاتية”، خلال تموز، هي مطالب عمرها سنوات، لطالما رفضت “الإدارة” تلبيتها، ويُعتقد أن البدء بتحقيق هذه المطالب مرتبط بالضغط الناجم عن تقارب أنقرة- دمشق، ضد “الإدارة”.
عفو عن مساجين
في 16 من أيار الماضي، قدم قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وهي الجناح العسكرية لـ”الإدارة الذاتية”، مظلوم عبدي، وعودًا لوجهاء وشيوخ عشائر من شمال شرقي سوريا بدراسة مطالب طرحوها خلال اجتماع بين الجانبين.
وفي 17 من تموز الحالي، أصدر “مجلس الشعوب الديمقراطي” التابع لـ”الإدارة” عفوًا عن عدد من الجرائم.
وتضمن القانون رقم “10” عفوًا عن الجرائم المرتكبة من قبل السوريين قبل تاريخه، والمنصوص عليها في قانون مكافحة “الإرهاب” رقم “7” لعام 2021 وتعديلاته، بالإضافة إلى الجرائم الواقعة على أمن “الإدارة الذاتية” والمنصوص عليها في قانون العقوبات العام (رقم 2) لعام 2023.
وبعد نحو أسبوع بدأت “الإدارة” بتطبيع قرار “العفو” وقالت عبر معرّفاتها الرسمية، إنها أفرجت عن دفعة أولى من المساجين في سجن “الحسكة المركزي”.
وفي 23 من تموز الحالي، قالت “الإدارة” إنها أخلت سبيل الدفعة الثانية من السجناء في “مراكز الإصلاح” بمحافظة الرقة.
تبع ذلك بيوم واحد، الإفراج عن الدفعة الأولى من الموقوفين في “مراكز الإصلاح” بمدينة منبج، شرقي محافظة حلب، ونشرت “الإدارة” حينها صورًا تظهر المساجين المفرج عنهم.
ولطالما شكلت سجون “قسد” قضايا محورية في شمال شرقي سوريا، إذ تعتقل دوريًا شبانًا من المنطقة بتهمة الانتماء لتنظيم “الدولة” أو العمالة لتركيا، ثم تفرج عن بعضهم بوساطات عشائرية، بينما لا يعرف مصير الآخرين.
المحتجزون في “الهول”
أمس الأحد، أعلنت “الإدارة” إطلاق سراح الدفعة الثانية من قاطني مخيم “الهول” من أهالي دير الزور، بعد يوم واحد من الإفراج عن عدد من السكان المحتجزين في المخيم.
وقدم مظلوم عبدي وعودًا لوجهاء وممثلين عن قبائل وعشائر شمال شرقي سوريا، في 22 من تموز الحالي، تضمنت متابعة قرار “العفو” الذي لا يزال ساريًا، إلى جانب وعود تضمنت متابعة الإفراج عن عائلات تنحدر من دير الزور، من مخيم “الهول”.
وشكلت مسألة الإفراج عن عائلات من محافظة دير الزور في هذه المخيمات أو في السجون المخصصة للتنظيم مطلبًا رئيسًا لأبناء محافظة دير الزور.
وفي 23 من تشرين الثاني الماضي، قدمت “الإدارة الذاتية” جملة من الوعود للتخفيف من حدة العداء بينها وبين عشائر دير الزور، تضمنت إخراج العوائل الموجودة في مخيم “الهول” التي تنحدر من دير الزور بشكل مُنظم ودوري.
وتحتجز “قسد” آلاف العائلات بمخيم “الهول” بتهمة انتماء أفراد منها لتنظيم “الدولة الإسلامية” الذي كان يسيطر على المنطقة قبل عام 2019.
وسبق أن صرحت رئيسة الهيئة التنفيذية السابقة في “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، إلهام أحمد، عام 2020، أن “مسد” عقد اتفاقًا مع “الإدارة الذاتية” يتضمن إخراج جميع السوريين من مخيم “الهول”، وهو ما لم يطبّق حتى اليوم.
وكانت الولايات المتحدة كشفت عن وجود نحو 27 ألف شخص في مخيمي “الهول” و”روج”، اللذين يضمان عوائل مقاتلي تنظيم “الدولة”، ينحدرون من أكثر من 60 دولة.
تنشيط الحوار “الكردي- الكردي”
في تموز الحالي أيضًا، أكد قائد “قسد” مظلوم عبدي أهمية تنشيط “الحوار الكردي-الكردي” في المستقبل القريب.
وقال المركز الإعلامي لـ”قسد”، في 26 من تموز، إن المجالس العسكرية التابعة للأخيرة، اجتمعت بحضور عبدي، وناقشت جملة من القضايا، وأكدت على أهمية تنشيط “الحوار الكردي”.
سبق ذلك ببضعة أيام، حديث “المجلس الوطني الكردي”، وهو أحد مكونات “الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة”، عن رغبته باستكمال مسار الحوار الكردي برعاية أمريكية، بينه وبين حزب “الاتحاد الديمقراطي” الذي يتفرد بمفاصل قرار “الإدارة الذاتية”.
وقال رئيس “المجلس”، سليمان أوسو، في حوار مع صحيفة “كوردستان”، إن كرد سوريا أنجزوا شوطًا كبيرًا في مجال تعريف الرأي العالمي بمطالبهم في سوريا، “أصبحت القضية الكردية في المجال الوطني السوري قضية كل السوريين بامتياز”.
“مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، الذي يعرف نفسه على أنه “مظلة سياسية” لـ”قسد” و”الإدارة الذاتية”، قال في 19 من تموز، إنه يؤمن بالسلام والحوار لحل “الأزمة السورية” وحذر من التطبيع مع أنقرة، وأبدى دعمه لـ”الحوار الكردي- الكردي”.
وتتركز محاور “الحوار الكردي- الكردي” حول إشراك “المجلس الوطني” بإدارة مناطق سيطرة “قسد”، والسماح بانخراط جناحه العسكري “بيشمركة روج” في إدارة مناطق شرق الفرات أمنيًا وعسكريًا.
ويتركز الخلاف بين الأطراف على نقطة إدارة المنطقة، إذ يرفض “الاتحاد الديمقراطي” السماح لـ”المجلس الوطني” بالانخراط في الإدارة العسكرية والسياسية والأمنية، ويفضّل استثمارها منفردًا.
ويتعامل “المجلس الوطني الكردي” خلال ملف الحوار على أنه الممثل الوحيد للكرد في سوريا، كونه يعرف عن نفسه ككيان سياسي كردي، بينما ترتدي “قسد” عباءة أوسع، إذ تقدم نفسها على أنها ممثلة لمكونات أخرى كالعرب والكرد والسريان وغيرها.
وانطلقت أولى جلسات “الحوار”، متمثلة بقطبين رئيسين هما حزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD) و”المجلس الوطني الكردي” ومستقلين، في تشرين الثاني 2019، لإبعاد الخلافات بين الأطراف المذكورة.
دعوات للحوار
منذ بدء مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري، أبدت “الإدارة الذاتية” ومكوناتها استعدادها للحوار مع جميع الأطراف، وخصصت أطرافًا في بعض الأحيان، إذ قالت إنها مستعدة للحوار مع عدوها التقليدي في المعارضة السورية المدعومة من تركيا.
وأبدت لاحقًا استعدادها للحوار مع النظام السوري، وأخرى مع تركيا نفسها.
وفي مطلع تموز الحالي، قال نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في “الإدارة الذاتية”، حسن كوجر، إن تركيا تريد استخدام جميع الأطراف في سوريا لتحقيق أجنداتها، لذلك ينبغي على “حكومة دمشق” أن لا تنخدع بهذه الألاعيب.
وأضاف، “نحن لا نشكل أي تهديد لأي طرف ولسنا أعداء لأي طرف، نحن نسعى لنبني سوريا والحفاظ على سيادة أراضي البلاد، قلناها دائمًا إننا على استعداد لتحرير المناطق السورية المحتلة بالتشارك مع الجيش السوري”.
ومنذ الإعلان عن تأسيسها عام 2013، تراقب “الإدارة الذاتية”، المفاوضات بين المعارضة والنظام برعاية دولية، والمبادرة العربية وخطوات التطبيع مع النظام، إذ يبدو واضحًا عجزها عن الانخراط في أي منها، جراء عدم الاعتراف بها من قبل جميع الأطراف، حتى من حلفائها في الولايات المتحدة الأمريكية.
وحاولت “الإدارة” و”مسد” طرح مسار للحوار مع الأطراف كافة في سوريا، منها النظام السوري، لكنها لم تتمكن من إنجاز خطوات في أي من هذه المسارات حتى اليوم.
مسار التطبيع مستمر
وفي تصريحات أدلى بها نهاية حزيران الماضي، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، “كما حافظنا على علاقاتنا مع سوريا حية للغاية، فقد عقدنا هذه الاجتماعات مع السيد الأسد في الماضي، بما في ذلك اجتماعات عائلية”.
وتابع، “من المستحيل تمامًا أن نقول إن ذلك لن يحدث غدًا، بل سيحدث مرة أخرى”، مؤكدًا في الوقت نفسه، عدم وجود اهتمام أو هدف للتدخل في شؤون سوريا الداخلية، وفق ما نقلته وسائل إعلام تركية رسمية منها “TRTHABER“.
حديث الرئيس التركي تبعه بأيام تصريح لرئيس النظام السوري بشار الأسدربط فيه إمكانية اللقاء بالرئيس التركي، بتحقيق نتائج.
وقال الأسد في تصريحات صحفية “إذا كان اللقاء أو العناق أو العتاب أو تبويس اللحى، كما يقال بالعامية، يحقق مصلحة البلد، سأقوم به، لكن المشكلة لا تكمن هنا، بل في مضمون اللقاء”.
وأضاف، “لم نسمع ما الهدف، حل المشكلة؟ تحسين العلاقات؟ عودتها إلى وضعها الطبيعي؟ أو لسؤال لماذا خرجت العلاقات عن مسارها الطبيعي منذ 13 عامًا”.
وجدد التأكيد على الإيجابية حيال أي مبادرة لتحسين العلاقات، “لا أحد يفكر بأن يخلق مشكلات مع جيرانه”، معتبرًا أن اللقاء وسيلة والوسيلة بحاجة لقواعد ومرجعيات عمل.
الأسد شدد على أن اللقاء ضروري بغض النظر عن المستوى، مع الإشارة إلى تحضير لقاء على المستوى الأمني من قبل بعض الوسطاء، نافيًا في الوقت نفسه وجود لقاءات سرية مع الجانب التركي.
في الوقت نفسه لم يتطرق الأسد إلى مسألة الانسحاب التركي من الأراضي السورية، والتي يتمسك بها النظام السوري كشرط لإحداث أي تقدم في مسار التقارب مع أنقرة، خلال السنوات الماضية.