كيف يؤثر تحرك دول أوروبية تجاه النظام السوري على اللاجئين
أثارت تحركات دول أوروبية لإعادة تقييم سياستها تجاه النظام السوري، مخاوف من تأثير محتمل على اللاجئين السوريين.
وبقدر ما تبدو هذه التحركات ذات طابع سياسي، قد ترتبط كذلك بعملية إيقاف وصول اللاجئين إلى الأراضي الأوروبية.
ووفق ما نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز“، كتب وزراء خارجية النمسا، وكرواتيا، وقبرص، والتشيك، واليونان، وإيطاليا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا رسالة إلى كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، تدعو الاتحاد إلى إعادة تقييم نهجه في سوريا.
وجاء في الرسالة، “هدفنا هو سياسة أكثر نشاطًا وتوجهًا نحو النتائج وعملية في سوريا، وهذا من شأنه أن يسمح لنا بزيادة نفوذنا السياسي وفعالية مساعداتنا الإنسانية”.
اللاجئون.. الهدف الأول
ويأتي ربط هذه الرسالة بملف اللجوء، لا الجانب السياسي فقط، من خلال تحركات الاتحاد الأوروبي نفسه في هذا الملف، واتخاذه خطوات عدة في هذا المجال.
المحامي المقيم في فرنسا، المعتصم الكيلاني، قال لعنب بلدي إن كل دولة بمفردها يمكن أن تمارس تضييقًا على اللاجئين لديها، بشكل منفرد.
وفي المقابل، وفق الكيلاني، توجد منظومة قانونية تحكم عملية اللجوء في الاتحاد، وكذلك وجود المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، الناظمة للاتفاقيات والتي تلاحق الدول على ارتكاب الانتهاكات.
وتأتي عملية الضغط في سياق تغيير هذه الاتفاقيات وكذلك القوانين على مستوى الاتحاد ثم تطبيقها على القوانين المحلية.
وسبق لبريطانيا أن أقرت قانون ترحيل اللاجئين إلى رواندا، وهو ما رفضته المحكمة العليا، قبل أن يمرّ عبر تشريع في البرلمان، ثم ترفضه المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
ويرى الكيلاني أن عمليات التدخل والضغط الكبير الذي تمارسه عدة دول أوروبية يأتي في سياقين، الأول الضغط على اللاجئين عبر تصوير أن سوريا آمنة، والثاني تعويم النظام وإغلاق الملف السوري.
وعلى غرار بريطانيا، التي ألغت حكومتها الجديدة مطلع تموز الحالي، “قانون رواندا”، أبرمت إيطاليا اتفاقية مشابهة مع ألبانيا ووافق البرلمان الألباني عليها في شباط الماضي.
كما أغلقت فنلندا كامل حدودها مع روسيا لمنع وصول المهاجرين إليها.
تعويم النظام
أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن وصول 4976 مهاجرًا ولاجئًا إلى إيطاليا خلال أيار الماضي.
وقالت في تقرير نشرته في 10 من تموز الحالي، إن الوافدين جاؤوا عبر البحر، منهم 22% من بنغلادش، و15% من تونس، و13% من سوريا، وأضافت أن 19% منهم أطفال.
وفي الوقت الذي وصل فيه هذا العدد إلى إيطاليا، كانت الأخيرة تحضر لتعيين سفير لها في دمشق، وهو ما أعلنت عنه بالفعل في 26 من تموز.
وجاء تعيين سفير في دمشق “لتسليط الضوء” على البلاد، بحسب تعبير وزير الخارجية تاجاني، وبذلك تكون إيطاليا أول دولة من بين الدول السبع الكبرى تعيد فتح سفارتها في دمشق منذ آذار 2011.
وتصور هذه التحركات سوريا كـ”بلد آمن” يمكن العودة إليه، رغم كل الأرقام والإحصائيات الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني.
وفق الكيلاني، فإن تحركات الدول الأوروبية تأتي في سياق “التعافي المبكر”، بينما يسعى اليمين المتطرف في هذه الدول لتصوير أن سوريا آمنة للضغط على اللاجئين وعدم استقبالهم.
ويعرّف مكتب الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) مصطلح “التعافي المبكر” بأنه “نهج يتناول احتياجات الإنعاش التي تبرز خلال مرحلة الاستجابة الإنسانية من خلال استخدام الآليات الإنسانية التي تتوافق مع مبادئ التنمية، هذا النهج يمكّن الناس من الاستفادة من العمل الإنساني لاغتنام الفرص الإنمائية، وبناء القدرة على التكيّف، وإنشاء عملية مستدامة للتعافي من الأزمة”.
ويرى الكيلاني أن الدول التي تطالب بإعادة تقييم العلاقات مع النظام السوري، نصفها يتبع للاتحاد السوفيتي السابق، ومعظمها لا يملك القرار السياسي ولا المالي.
وأوضح أن هناك دولًا إن تحركت بشكل جدي قد تؤثر في ملف اللاجئين والتطبيع مع النظام، كألمانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا والسويد.
وسبق لهذه الدول أن رفعت شعار “اللاءات الثلاث” (لا تطبيع، لا إعادة إعمار، لا رفع للعقوبات قبل الوصول إلى حل سياسي)، وطالما أن هذا الشعار ما يزال موجودًا فلن يسير الأمر نحو القبول من دول الاتحاد، وفق الكيلاني.
ولا يزال الاتحاد الأوروبي محافظًا على موقفه المقاطع للنظام السوري على خلفية الانتهاكات التي ارتكبها خلال قمع احتجاجات السوريين على مدار 13 سنوات من عمر الثورة السورية.
وفي 28 من أيار الماضي، مدد الاتحاد الأوروبي العقوبات الأوروبية على النظام السوري حتى حزيران 2025.
ووفق بيان للاتحاد نشره عبر موقعه الرسمي، مدد مجلس الاتحاد الأوروبي الإجراءات التقييدية التي فرضها الاتحاد الأوروبي ضد النظام نظرًا إلى خطورة الوضع المتدهور في سوريا، إلى جانب إزالة خمسة أشخاص متوفين وفرد آخر من القائمة.
ومنذ عام 2011، فرض الاتحاد عقوباته بشأن سوريا، وشملت حينها 291 شخصًا مستهدفين بتجميد أصولهم وحظر سفرهم، إلى جانب 70 كيانًا جرى تجميد أصولها المالية، ردًا على قمع النظام السوري للحراك الشعبي المعارض والمطالب بانتقال سياسي في سوريا.
هل سوريا آمنة؟
أبرز الأسئلة المطروحة حول دفع وإجبار اللاجئين السوريين، سواءً في أوروبا أو دول الجوار، للعودة لوطنهم، هو إن كانت سوريا بلدًا آمنًا أم لا.
في 9 من تموز الحالي، وثق تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” اعتقال لاجئ سوري عاد من لبنان مع مجموعة من اللاجئين بشكل قسري.
واقتيد الشاب الذي يدعى أحمد نمر الحللي إلى فرع “فلسطين” (253)، التابع لشعبة “المخابرات العسكرية”.
وفي 27 من أيار، أكدت منظمة “العفو الدولية“، أن منظمات حقوق الإنسان تتفق بالإجماع على أنه لا يوجد أي مكان في سوريا يمكن اعتباره آمنًا لعودة اللاجئين.
وفي شباط الماضي، ذكر مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن العديد من السوريين الذين فروا من الحرب يواجهون انتهاكات وتجاوزات جسيمة لحقوق الإنسان عند عودتهم إلى سوريا.
وجاء في تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أن الانتهاكات والتجاوزات الموثقة ارتكبتها الحكومة وسلطات الأمر الواقع والجماعات المسلحة الأخرى في جميع أنحاء سوريا.
ومن الانتهاكات التي ذكرها التقرير، الاحتجاز التعسفي، والتعذيب، وسوء المعاملة، والعنف الجنسي والمبنى على النوع الاجتماعي، والإخفاء القسري، والاختطاف.
كما تعرّض أشخاص لانتزاع أموالهم ومصادرة أملاكهم، وحرمانهم من بطاقات الهوية وغيرها من الوثائق، بينما يواجه السكان السوريون بمجملهم مثل هذه الانتهاكات والتجاوزات لحقوق الإنسان، في الوقت الذي يبدو به أن العائدين معرضون لهذه المخاطر أكثر من غيرهم.
إلى جانب تحذيرات منظمات حقوق الإنسان، والأمم المتحدة، نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” مطلع حزيران الماضي، عن مصدر نيابي لبناني أن نحو 1100 سوري ممن عادوا طوعًا إلى بلداتهم أعيدوا إلى لبنان بقرار رسمي من النظام، و400 منهم فقط قبلت عودتهم، لافتًا إلى أن النظام يصنف أغلب النازحين بأنهم غير مرغوب بهم وبشكلون خطرًا أمنيًا وديموغرافيًا على بقائه.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :