عنب بلدي – يامن المغربي
شهدت علاقة بعض الدول الأوروبية مع النظام السوري تطورات متسارعة خلال أسبوع واحد، مع إعلان إيطاليا رسميًا تعيين سفير لها في دمشق، في 26 من تموز الحالي، بعد خمسة أيام من دعوة ثماني دول أوروبية الاتحاد الأوروبي لإعادة تقييم العلاقات مع النظام السوري.
هذه التحركات سبقها قرار دولة التشيك، في حزيران الماضي، تشكيل لجنة تقصي حقائق، لإعادة اللاجئين السوريين لوطنهم.
للتحركات الأوروبية أبعادها، وفي حين تقول هذه الدول إن الدعوة جاءت لأسباب إنسانية ولزيادة نفوذها السياسي، وفق ما نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية حينها، إلا أنها قد ترتبط كذلك بملف اللاجئين السوريين وعودتهم إلى “مناطق آمنة”، في الوقت الذي تنشغل فيه الولايات المتحدة الأمريكية بانتخاباتها الرئاسية، واحتمال عودة الرئيس السابق، دونالد ترامب، إلى السلطة.
وفق مراقبين التقتهم عنب بلدي، فإن لهذه التحركات وجهين، الأول يتعلق بأوروبا وما تريده من إعلان انفتاحها على دمشق، بعد سنوات من تواصل سري على الصعيدين الأمني والاستخباراتي، والآخر يتعلق بالأسد ونظامه وكيف يمكن له أن يستفيد من هذه التحركات، وبكل الأحوال قد يصعب تمرير أي تسوية أو صفقة دون موافقة أمريكية.
العلاقات الأمنية لم تنقطع
عقب اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011، واتخاذ النظام خياره باعتماد الحل الأمني تجاه المتظاهرين، قررت دول الاتحاد الأوروبي سحب سفرائها وإغلاق بعثاتها الدبلوماسية، إلا أن هذا القرار لم يشمل جميع الدول بطبيعة الحال، واستمرت المجر والتشيك بالعمل داخل العاصمة.
ورغم القطيعة الدبلوماسية بين عدد كبير من دول الاتحاد والنظام السوري لسنوات طويلة، فإن العلاقات الأمنية لم تكن كذلك، على الأقل وفق ما كشفه مدير الأمن العام اللبناني السابق، عباس إبراهيم، عن تنظيمه لمحادثات وزيارات متبادلة لمسؤولين سوريين وأوروبيين، بما في ذلك زيارة مدير مكتب الأمن الوطني حينها، علي مملوك، وإحدى أرفع الشخصيات الأمنية لدى النظام، إلى العاصمة الإيطالية روما، بطلب من الاستخبارات الإيطالية.
وقال إبراهيم في تصريحات نقلتها مجلة “المجلة” السعودية، في تشرين الثاني 2023، إن مدير الاستخبارات الإيطالية زار دمشق برفقته أيضًا.
لن يوفر النظام السوري استثمار أرفع خطوة دبلوماسية أوروبية تجاهه منذ 2011، عبر تصوير الخطوة كنصر جديد في “معركته ضد المؤامرة ضده”، والسعي لجني أكبر قدر ممكن من المكاسب.
تحقيق نفوذ ومكاسب
الدبلوماسي السوري السابق داني البعاج، يرى في حديث لعنب بلدي أن أوروبا لم تقطع علاقاتها بشكل كامل مع النظام السوري، على الأقل من الجانب الأمني، وأن الأخير وبدعم روسي وكذلك عربي ومن حلفائه عمومًا، يسترجع بشكل بطيء علاقاته الدولية.
ورغم ما تثيره الخطوة من مخاوف تتعلق بعملية شاملة وواسعة لإعادة تعويم النظام، خاصة عقب التحركات العربية في أيار 2023 بهذا الصدد، مع إعادة منح النظام مقعد سوريا في الجامعة العربية، أو التحركات التركية الأخيرة في مجال تطبيع العلاقات مع دمشق، فإن الحالة الأوروبية قد تكون مختلفة.
وفق البعاج، فإن الاعتراف من وجهة النظر الأوروبية هو بـ”الدولة السورية” لحث النظام على التفاوض والمسار التفاوضي، ومن يعلن عن العلاقات من قبل الأوروبيين هي دول كان لديها بالأصل خطوط مفتوحة مع النظام السوري.
ودعت دول أوروبية خلال اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تقييم العلاقات مع سوريا والتواصل مع النظام، وفق ما ذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية في 22 من تموز الحالي.
وقالت إنه قبيل اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لمناقشة الأوضاع في الشرق الأوسط، دعت ثماني عواصم، بما في ذلك روما وفيينا، الاتحاد إلى “مراجعة وتقييم” نهجه تجاه سوريا.
وفي رسالة إلى كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قالت الصحيفة إنها اطلعت عليها، كتب وزراء خارجية النمسا، وكرواتيا، وقبرص، والتشيك، واليونان، وإيطاليا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا، “هدفنا هو سياسة أكثر نشاطًا وتوجهًا نحو النتائج وعملية في سوريا، وهذا من شأنه أن يسمح لنا بزيادة نفوذنا السياسي وفعالية مساعداتنا الإنسانية”.
وورد في رسالة وزارة الخارجية أنه منذ عام 2017، أدى استقرار الصراع، والغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، والتحركات التي اتخذتها الدول العربية لتطبيع العلاقات مع النظام إلى تغيير في الديناميكيات، وفق ما ترجمته عنب بلدي عن تقرير “فاينانشال تايمز”.
ورغم هذه “التطورات المهمة”، حسب وصفهم، أضاف الوزراء، “لم تتطور سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه سوريا، ونتيجة لذلك فإن الجهد الإنساني الضخم لا يترجم إلى دور سياسي مماثل”.
واقترح الوزراء إنشاء مبعوث للاتحاد الأوروبي في سوريا يمكنه التواصل ليس فقط مع الجهات الفاعلة السورية ولكن أيضًا مع دول أخرى في المنطقة، إلى جانب إعادة التواصل مع سفير النظام السوري لدى الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل.
بوابة لإعادة الإعمار
لدى النظام طلباته المعلَنة ضمن عشرات الملفات التي يذكرها المسؤولون لديه، وعلى رأسهم الأسد، وتأتي إعادة الإعمار ورفع العقوبات على رأس هذه القائمة، والتي يراها الأسد نفسه الخطوات الأولى لعودة اللاجئين كورقة يتحدث عنها الأوروبيون أكثر من غيرهم في تصريحاتهم حول سوريا.
وجهة النظر هذه أشار إليها الباحث في مركز “أبعاد للدراسات” فراس فحام، الذي قال في حديث لعنب بلدي، إن النظام السوري ينظر إلى الغرب عمومًا على أنه بوابة لدعم إعادة الإعمار، وبالتالي فإن مطلبه الأساسي رفع العقوبات الغربية المفروضة عليه، ويدرك الآن باعتبار أنه التقى بعدة مسؤولين غربيين خلال الأشهر الماضية، على رأسهم رئيس جهاز الاستخبارات الإيطالية، أن هناك بعض الدول الأوروبية، وخاصة دول الخط الأول في مواجهة المهاجرين كإيطاليا، تهتم بمسألة إعادة اللاجئين.
وأضاف الباحث أن هذه الأطراف ناقشت مع النظام السوري تسهيل عودة اللاجئين إلى مناطق آمنة بالتنسيق مع الأمم المتحدة، وهو يبتزهم بمسألة رفع العقوبات لتسهيل هذه العملية.
لاءات الاتحاد الأوروبي وصمت واشنطن
الرؤية الأوروبية غير المكتملة، والتي اقتصرت على تحركات ثماني دول ست منها تعد من الكتلة الشرقية للاتحاد، إلى جانب إيطاليا والنمسا، تصطدم باللاءات الثلاث للاتحاد الأوروبي “لا تطبيع، لا رفع عقوبات، لا إعادة إعمار”، هذا من جهة، وكذلك لم يصدر رد فعل أمريكي حاسم تجاه هذه التحركات، في ظل انسحاب غير مباشر من ملفات المنطقة.
وفق البعاج، إنه وطالما أن الحديث لا يدور حول رحيل الأسد عن كرسي الحكم، فإن النظام يقوم بالمساومة، ويلعب حاليًا ضمن المساحة الخالية الناتجة عن تراجع الاهتمام الأمريكي بالملف السوري.
ولا يزال الاتحاد الأوروبي محافظًا على موقفه المقاطع للنظام السوري على خلفية الانتهاكات التي ارتكبها خلال قمع احتجاجات السوريين على مدار 13 سنوات من عمر الثورة السورية.
وفي 28 من أيار الماضي، مدد الاتحاد الأوروبي العقوبات الأوروبية على النظام السوري حتى حزيران 2025.
ووفق بيان للاتحاد نشره عبر موقعه الرسمي، مدد مجلس الاتحاد الأوروبي الإجراءات التقييدية التي فرضها الاتحاد الأوروبي ضد النظام نظرًا إلى خطورة الوضع المتدهور في سوريا، إلى جانب إزالة خمسة أشخاص متوفين وفرد آخر من القائمة.
ومنذ عام 2011، فرض الاتحاد عقوباته بشأن سوريا، وشملت حينها 291 شخصًا مستهدفين بتجميد أصولهم وحظر سفرهم، إلى جانب 70 كيانًا جرى تجميد أصولها المالية، ردًا على قمع النظام السوري للحراك الشعبي المعارض والمطالب بانتقال سياسي في سوريا.