جنى العيسى | علي درويش | حسام المحمود
على مدار الـ13 عامًا الماضية، خلال الثورة السورية، تغيّرت ملامح الاقتصاد السوري بتأثير المناخ السياسي والخيار الأمني العسكري في تعاطي النظام مع الثورة، وما رافق ذلك من تراجع العملة المحلية وفقدانها الكثير من قيمتها، وارتفاع الأسعار بصورة لا تنسجم مع المستوى المتدني للمعاشات الشهرية، إضافة إلى انهيار القطاع الاقتصادي وإغلاق آلاف المنشآت والمعامل والمؤسسات في القطاعين العام والخاص.
التغيرات في المناخ السياسي والوضع العام للبلاد، رافقتها تغييرات أحدثها النظام السوري نفسه عبر تبديل الأشخاص الذين يتصدرون المشهد الاقتصادي في سوريا، فغابت بعض الأسماء والشخصيات عن الساحة، وحلّت مكانها أخرى جديدة رافعتها أنشطة تصب في خدمة النظام، فتسيّدت المشهد الاقتصادي بصورة وظيفية.
ومنذ مطلع العام الحالي، غاب عدد من الأسماء البارزة في الواجهات الاقتصادية التي دفع بها النظام السوري خلال السنوات الماضية، لأسباب عديدة.
أحدث الغائبين كان رجل الأعمال السوري براء أحمد قاطرجي، أحد أبرز “حيتان الحرب”، الذي قيل إنه قُتل بغارة جوية إسرائيلية قرب الحدود السورية- اللبنانية استهدفت سيارته، في 15 من تموز الحالي، الأمر الذي لم تؤكده إسرائيل، ولم يعلن حتى اللحظة عن تحقيق رسمي يخرج بمعلومات حقيقية عن طريقة قتل قاطرجي.
ومطلع العام الحالي، تحدثت العديد من المصادر الإعلامية عن اعتقال النظام رجل الأعمال السوري خضر علي طاهر (أبو علي خضر) الذي كان يرتبط بشكل مباشر مع القصر الجمهوري، كما تداولت المواقع نبأ تعرض مستشار بشار الأسد الاقتصادي، يسار إبراهيم، لحالة تسمم حاد بمادة كيماوية تسببت بتلف معظم أعضائه الداخلية.
كما أعلنت “رئاسة الجمهورية” بشكل رسمي عن تغيّب أسماء الأسد عن العمل المباشر والمشاركة بالفعاليات والأنشطة كجزء من خطة العلاج، بعد إعلان إصابتها بسرطان الدم، نهاية أيار الماضي.
وبوفاة مستشارة بشار الأسد الإعلامية، لونا الشبل، في 5 من تموز الحالي، يكون قد تغيّب عن “مجلس الاقتصاد السري” الذي كانت تديره أسماء الأسد أربعة أشخاص، هم أسماء ولونا وخضر علي طاهر ويسار إبراهيم.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف التغيرات التي طرأت على الواجهة الاقتصادية في سوريا، والجهات المستفيدة منها، كما تبحث مع خبراء ومحللين اقتصاديين في الانعكاسات والتأثيرات المحتملة في ظل التغييرات التي طالت الواجهة نفسها، التي جاءت لتحل محل واجهة سابقة معمرة لعقود في اقتصاد سوريا.
لاعبون جدد ينهارون بعد إزاحة القدامى
كيف تغير اللاعبون الرئيسون؟
“أشخاص هامشيون من القطاعين، الاقتصادي والاجتماعي، سمحت الديناميات الجديدة لفئة منهم بمراكمة ثروة هائلة عبر استغلال الحرب وتداعياتها”، هكذا وصفت دراسة صادرة عن مركز “حرمون” في 2022، الطبقة الاقتصادية الجديدة التي حلّت بالتدريج كواجهة للقيادة المالية، على حساب النخب القديمة، بشقيها التقليدي تاريخيًا، والشق المكون بعد عام 2000، وشكلت لوقت طويل وجهًا اقتصاديًا للنظام، وبدا أنها غير قابلة للاستبدال أو الإزاحة، ومن نماذجها رامي مخلوف ومحمد حمشو.
الدراسة أشارت إلى أن تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد حرب يعمل على توفير الموارد الاقتصادية لضمان استمرارية حالة العنف، والاعتماد على الأنشطة الاستغلالية بدلًا من الإنتاج، دفع بعض أفراد النخب القديمة للتريث والانكفاء عن الساحة الاقتصادية، لأسباب يستند بعضها للموقف السياسي، وبعضها الآخر إلى محاولة تجنيب ثرواتهم وأصولهم المالية والتجارية مخاطر التدهور المالي والتصعيد الأمني والعقوبات الخارجية.
ومع تصاعد العقوبات المفروضة على شخصيات اقتصادية معروفة، برزت الحاجة إلى أدوات وواجهات غير معروفة كأحد أنماط التحايل، لتزويد النظام بالسلع الرئيسة والتدفقات المالية، وعلى رأسها النفط والقمح، قبل اتساع أدوارها ووظائفها لاحقًا.
وقسمت الدراسة الأثرياء الجدد إلى ثلاث مجموعات، الأولى فئة مختلطة من أثرياء حرب وافدين من “محاربين وقادة مجموعات”، ووسطاء محليين، وتشكلت الفئة الثانية من أثرياء حرب وفدوا إلى عالم رجال الأعمال من بوابة العمل التجاري لكنهم دعموا ميليشيات ماليًا، أو أسهموا في تأسيس ميليشيات تتبع لهم نظريًا.
والفئة الثالثة ضمت واجهات عائلة الأسد، وتضم أسماء ظهرت فجأة في عالم الاقتصاد السوري، بحجم لا يتناسب مع ما هو معلن بشكل مسبق من نشاطها الاقتصادي أو تاريخها المالي، وبلغت مراكز وأنشطة اقتصادية تعد من مجالات نشاط العائلة الحاكمة، والتي كان يديرها رامي مخلوف باعتباره شريكًا وخازنًا لأعمال العائلة قبل أن تدير الأسماء الجديدة الدفة بدلًا منه.
كما أن تنحية رامي مخلوف عن المشهد الاقتصادي وتصاعد حضور أسماء الأسد في هذا الإطار، قدّم رسالة للنخب الاقتصادية القديمة بضرورة الانصياع الكلي وإخلاء المشهد أمام الوجوه الجديدة والتسليم بهيمنة من نوع مختلف، لتذهب النخب القديمة نهبًا بين إلغاء كلي واستيلاء على أملاكها، في حين ارتضى بعضها الآخر بالتنحي جانبًا وتقديم فروض الطاعة للسماح لهم بالعودة والاستمرار.
من المستفيد؟
إزاحة أسماء ويسار إبراهيم و”أبو علي خضر”، والوفاة المشكوك بها للونا الشبل، وأخيرًا مقتل براء قاطرجي، أثارت العديد من التساؤلات حول المستفيد من ذلك، ومن يقف خلف هذه التحركات.
وعلى الرغم من عدم وجود أدلة قاطعة على إزاحة هذه الأسماء أو تغييبها، فإن الأمر جاء بطريقة شبه متتالية، خصوصًا أن أسماء ويسار وخضر والشبل يمثلون تكتلًا اقتصاديًا يقال إنه مرتبط بروسيا، بينما قاطرجي في صف المنافس الروسي على الأرض السورية، إيران.
هذه الأسماء، إلى جانب أسماء أخرى لرجال أعمال مرتبطين بالنظام، برزت بعد الثورة السورية، مع تحولات الانكماش الاقتصادي والعقوبات الدولية وهروب رأس المال.
ضغوط التحولات الثلاثة أدت إلى “ظهور أنماط جديدة من تجنيد النخبة وقوتها، وأنتجت رواد أعمال جددًا ترتبط ثروتهم وقوتهم بالصراع”، بحسب دراسة لمركز “حرمون للدراسات المعاصرة” حول اقتصاديات الحرب والسلام في سوريا (الصفحة 10).
والنخبة الجديدة التي ظهرت بعد 2011، مدفوعة بحاجة النظام إلى التحايل على العقوبات، وعمل أعضاؤها إلى حد بعيد كوسطاء، ولا تشارك في نشاط إنتاجي كبير بحد ذاته (وإن كان بعضها يسهم في ذلك)، ولكنها تضطلع بأدوار أكبر في تيسير التجارة والمدفوعات، وفق دراسة “حرمون” (الصفحة 15).
التغيير مألوف
الباحث في الاقتصاد السياسي الدكتور يحيى السيد عمر، قال لعنب بلدي، إن تغييب بعض الشخصيات السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية يعد قضية مألوفة في النظم الشمولية، خاصة في ظل غياب الفكر المؤسسي، وسيطرة عقلية الولاء للفرد، وعندما يشك في ولاء أي شخص أو تنخفض المنفعة منه، تتم تصفيته أو استبعاده، أو قد يتم ذلك نتيجة صراع تيارات داخل النظام الحاكم.
ويرى السيد عمر أن من المبكر تحديد المستفيد من عمليات الاستبعاد والإقصاء الأخيرة، لأن الأمر يتعلق بمعرفة السبب الحقيقي.
وحتى الآن، لا تزال الأسباب غامضة، لكن “على الأغلب أن النظام وروسيا هما المستفيدان، لأن الأمر يصب في خانة تجميل صورة النظام، والتمهيد لمرحلة القبول الإقليمي والدولي له، بحسب السيد عمر.
وتغيير هذه الشخصيات يمكن تفسيره، بحسب الباحث يحيى السيد عمر، وفق عدة فرضيات هي:
- الأولى: الصراع داخل تيارات النظام، ويأتي في ظل صعود قوى جديدة، قد لا تكون معروفة حتى اللحظة.
- الثانية: أن تغييبهم كان نتيجة الصراع الروسي- الإيراني في سوريا، ففي حكومة النظام يوجد أشخاص موالون للروس وآخرون للإيرانيين، والتصفية والاستبعاد يتمان وفقًا لهذا الصراع.
- لثالثة: محاولة لاستبعاد بعض الشخصيات تمهيدًا للتقارب مع تركيا ومع العالم العربي وحتى مع أوروبا، فالنظام ربما يحاول تسويق فكرة أن الشخصيات البارزة القديمة التي لها أثر سلبي معروف سيتم استبعادها عن الواجهة، خاصة أن هناك حراكًا سياسيًا واسعًا لإعادة العلاقات مع النظام، أحدثه تعيين سفير جديد لإيطاليا لدى دمشق.
وأعلنت إيطاليا، في 26 من تموز الحالي، تعيين سفير لها في دمشق، وهو أول تحرك بعد دعوة دول أوروبية إلى إعادة تقييم العلاقات مع سوريا والتواصل مع النظام، هي إيطاليا، والنمسا، وكرواتيا، وقبرص، والتشيك، واليونان، وسلوفاكيا، وسلوفينيا.
وتضمنت الدعوة اقتراح إنشاء مبعوث للاتحاد الأوروبي في سوريا يمكنه التواصل ليس فقط مع الجهات الفاعلة السورية، ولكن أيضًا مع دول أخرى في المنطقة، إلى جانب إعادة التواصل مع سفير النظام السوري لدى الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل.
كما اقترحت تلك الدول مناقشة تأثير نظام العقوبات الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على النظام السوري، معتبرة أن “الإفراط في الامتثال بالنظام المصرفي كانت له آثار سلبية غير مقصودة على السكان”.
استبعاد سياسي أمني
الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” نوار شعبان، قال لعنب بلدي، إنه في فترات الحرب تكون التيارات الاقتصادية تيارات أمنية في نفس الوقت، ولها ارتباطات أمنية متشعبة، ومن يعمل بمجال الاقتصاد في زمن الحرب يجب أن تكون لديه شبكة مع جهات أمنية أخرى، إذ سيكون هناك تصادم مصالح أمنية مع جهات مختلفة.
ومجرد إزالة أسماء اقتصادية “هذا لا يعني أنه فقط لأهداف أو خلافات اقتصادية”، وتهميش أو تحييد أو إزالة أو اغتيال أسماء اقتصادية معينة دائمًا له ترتيبات أمنية.
فالنظام حاليًا ونتيجة توسع نفوذ إيران وروسيا على مختلف المستويات الأمنية والعسكرية والاقتصادية، انخفضت سلطته الأمنية، وهو ما يخلق فرصًا وفجوات لظهور إشكاليات أمنية، بحسب شعبان.
وهذه الإشكاليات تُستخدم كأدوات من جهات مختلفة لأهداف سياسية واقتصادية وشخصية، خصوصًا بعد غياب شخصيات كبيرة، وسيؤدي ذلك إلى تنافس بين الشخصيات، ومن المتوقع اغتيال أسماء أخرى مهمة بالفترة المقبلة، بحسب الباحث.
وأكد شعبان أن أحداثًا كهذه “سيظهر أثرها على الصعيد السياسي والاقتصادي تدريجيًا بعودة شخصيات معينة كانت مغيبة سابقًا أو وجوه جديدة، ولن يتم إنشاء شبكة جديدة”.
وبالنسبة للتنافس الروسي- الإيراني فهو تنافس لملء المساحات دون صدام مباشر بين الطرفين، عبر أدوات محلية، مع الحفاظ على الهدف الأساسي المشترك وهو استمرارية النظام لأهدافهما الخاصة، وما سيحصل هو مسارعة الطرفين لملء مساحات معينة.
بدوره، أوضح الباحث السيد عمر أن الأثر الاقتصادي لاستبعاد بعض الشخصيات ليس هدفًا بحد ذاته.
فسبب استبعاد هذه الشخصيات “كان سياسيًا بالدرجة الأولى وليس اقتصاديًا، لكن ستكون له انعكاسات اقتصادية غير مباشرة”، منها استفادة المنافسين مثل المقربين من ماهر الأسد، وربما نشهد خلال الفترة المقبلة صعود وجوه اقتصادية جديدة.
لكن الاستبعاد “سيسبب فراغًا اقتصاديًا داخليًا، ستعمل الأطراف الأخرى على الاستفادة منه وملئه”، وفق تعبير السيد عمر، وهذا الأمر يتعلق بالتوازنات السياسية والاقتصادية داخل النظام، فمن غير الممكن منح امتيازات اقتصادية لأي طرف دون الثقة التامة بولائه السياسي.
وبشكل عام، ستسعى العديد من الأطراف الداخلية للاستفادة من هذا الاستبعاد لتحقيق مكاسب اقتصادية، وعلى الأغلب سيكونون من الأطراف المقربة من روسيا، بحسب السيد عمر.
تغييرات مقبلة
بحسب تحليل لمعهد “واشنطن” حول تداعيات وفاة لونا الشبل، فالأمر “ربما ينذر بحدوث المزيد من التغييرات عند هذا المنعطف الحساس، حيث تعيد الدول العربية التعامل بشكل رسمي مع دمشق، وتستعد واشنطن لتجديد عقوبات (قيصر)” قبل انتهاء صلاحيتها في كانون الأول المقبل.
وقد يكون القصد من هذه الاغتيالات ضمان الانضباط الداخلي في الوقت الذي تعمل دول عربية وأوروبية وتركيا مع النظام “لمعالجة قائمة طويلة من القضايا”.
وتُذكّر وفاة الشبل بأن “الشخصيات الأخرى غير العلوية التي أُحضِرت إلى قلب النظام العلوي بعد انتفاضة عام 2011 قد تخرج قريبًا من المشهد السياسي بطريقة أو بأخرى”.
واستمرار خروج الشخصيات غير العلوية من المشهد، بحسب معهد “واشنطن”، “قد يزيد من حصة الطائفة داخل النظام لتعود إلى مستوياتها ما قبل الانتفاضة، ما قد يؤدي إلى تأجيج الاضطرابات على نطاق أوسع في المستقبل”.
التبديل سهل.. الوظيفة أهم من الأسماء
يطرح غياب الأسماء التي استخدمها النظام السوري كواجهة اقتصادية لسنوات، تساؤلات حول انعكاس غيابها على الواجهة بحد ذاتها أو مجتمع رجال الأعمال الجدد الذي نشأ وفق طبيعة المرحلة، وأثر ذلك في اقتصاد البلاد.
كما تتجه الأنظار نحو بدلاء تلك الشخصيات، في ظل استمرار وجود العديد من الأسماء المغمورة التي يعد النظام قادرًا على التحكم بها كليًا في هذا الإطار وتطويعها بشكل كامل لتحقيق مصالحه.
الباحث الاقتصادي والمستشار في منظمة “تشاتام هاوس” زكي محشي، يرى في حديث إلى عنب بلدي، أن ما يهم النظام السوري في قضية “رأسمالية المحاسيب” أو الأسماء التي يستخدمها كواجهة للأنشطة الاقتصادية التي يقوم بها، هو وظيفة هذه الأسماء أكثر من الأسماء نفسها، باستثناء أسماء الأسد، كون وجودها في الملف الاقتصادي يحمل مفهومًا رمزيًا يتعلق بالنفوذ أكثر من كونها شخصًا له وظيفة محددة.
“رأسمالية المحاسيب” مصطلح يصف الاقتصاد الذي يعتمد فيه النجاح بالأعمال التجارية على العلاقات القوية بين القائمين على العمل التجاري والمسؤولين الحكوميين.
ويمكن أن يتسم بالمحاباة فيما يتعلق بتوزيع التصاريح القانونية أو المنح الحكومية أو التخفيضات الضريبية الخاصة أو غيرها من أشكال تدخل الدولة في توجيه الشؤون الاقتصادية.
ويُعتقد أن “رأسمالية المحاسيب” تظهر عندما تمتد المحسوبية السياسية إلى عالم الأعمال التجارية، حين تؤثر الصداقات التي ترمي إلى خدمة المصالح الذاتية والعلاقات بين الأسر بين رجال الأعمال والحكومة على الاقتصاد والمجتمع لدرجة أنها تفسد المثاليات الاقتصادية والسياسية التي ترمي إلى خدمة العامة.
وأوضح زكي محشي أن براء قاطرجي مثال واضح عن “رأسمالية المحاسيب”، بينما يعتبر يسار إبراهيم ميسرًا لأعمال “رأسمالية المحاسيب”.
ويرى الباحث أن أشخاصًا مثل لونا الشبل أو براء قاطرجي أو يسار إبراهيم، وبعض رجال الأعمال ممن يعملون معهم، هم فعلًا واجهة اقتصادية لـ”رأسمالية المحاسيب”، ولكن النظام بشكل عام يعتبر أن لديهم وظيفة محددة، فبغض النظر عن الأسماء وبغض النظر عن اختفائهم أو وجودهم، من السهل جدًا تعويضهم وتبديلهم في الواقع السوري، كون وظيفتهم تتمثل في خدمة الأولويات الاقتصادية للنظام.
وتعتبر العلاقة بين “رأسمالية المحاسيب” والنظام علاقة “رابح- رابح”، وفق ما يراه الباحث الاقتصادي زكي محشي، ما يفسر سهولة تغيير أسماء الواجهة الاقتصادية، إذ يكثر في الواقع السوري الحالي وجود رجال أعمال يتبرعون بأنفسهم، ويرغبون بإثبات ولائهم للنظام، ويتمنون الحصول على فرصة تجعلهم جزءًا من الواجهة الاقتصادية، لما يحقق ذلك لهم من هامش ربح كبير جدًا ونفوذ مطلوب.
وحول أثر غياب هذه الأسماء، لا يعتقد الباحث أن ذلك قد يحمل أثرًا على النشاط الاقتصادي للنظام أو الممارسات الاقتصادية المختلفة التي يمارسها بشكل عام، بدءًا بتجارة المخدرات، ومرورًا بأنشطة التهريب، وليس انتهاء بأنشطة أخرى تموله ماليًا بشكل مباشر.
بدوره، يرى الباحث الاقتصادي رضوان الدبس، أن عملية تغييب هذه الأسماء قد تندرج في إطار “تأديب” رجال الأعمال المقربين من النظام وإرجاعهم إلى “الحظيرة”، وهي عملية تجري في الأنظمة الديمقراطية أو الشمولية مع اختلاف طريقة التغييب.
ورغبة النظام الحاكم بالتخلص من شخص أو تصفية أعماله لها عدة أسباب تتعلق بمعرفته معلومات أكثر مما يجب أن يعرف أو احتمالية تمرده على النظام، وهي عملية روتينية حتى في الدول الديمقراطية التي قد تلجأ إلى أدوات إدارية كتصفية قانونية لأعمال الأشخاص وأنشطتهم الاقتصادية بمختلف الطرق المشروعة أو غير المشروعة، أو الإقالة وغيرها.
واعتبر الدبس أن هذه الأسماء التي غابت عن الواجهة الاقتصادية لا تشكل سوى ربع أو أقل من ربع الواجهة الأساسية، التي تعمل جنبًا إلى جنب مع النظام، عدا عن الأشخاص الأساسيين الذين لا يعملون كواجهة أصلًا، مشيرًا إلى أن عملية استبدال هذه الأسماء لا تتطلب سوى الولاء الكامل للنظام.