بينهم من غادر بسببها

الإشاعات في تركيا تنغّص عيش السوريين وتربك حساباتهم

منطقة الفاتح في مدينة اسطنبول- 26 من أيار 2022 (عنب بلدي/ يوسف حمّص)

camera iconمنطقة الفاتح في مدينة اسطنبول- 26 من أيار 2022 (عنب بلدي/ يوسف حمّص)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – هاني كرزي

“سوري يتحرّش بطفلة تركية”، خبر انتشر كالنار في الهشيم بين الأتراك بولاية قيصري، وتسبب بأعمال عنف استهدفت ممتلكات سوريين، في 30 من حزيران الماضي، إذ تعرضت محالهم وسياراتهم للتكسير والحرق.

تبيّن لاحقًا أن الطفلة ليست تركية بل سورية، وأن المتهم مصاب باضطراب عقلي، وهو من أقارب الطفلة، وفقًا لما ذكرته ولاية قيصري في بيان لها عبر منصة “إكس“.

تحت تأثير تلك الإشاعة، اضطر لاجئون سوريون إلى اتخاذ قرارات مصيرية أثرت في حياتهم ومستقبل أسرهم، فمنهم من غادر أو يفكر بالمغادرة، ومنهم من أجّل مشاريعه أو خططه المتعلقة بحياة الأسرة أو البيت أو العمل، ومنهم من يعيش في قلق حتى اللحظة.

وأعلنت وزارة الداخلية التركية في 1 من تموز الحالي، أنها تسعى لمكافحة الأخبار المضللة والمنشورات التحريضية ضد اللاجئين السوريين، مشيرة إلى أنه تمت مشاركة 343 ألف منشور من حوالي 79 ألف حساب على منصات التواصل الاجتماعي عقب بدء أحداث قيصري، وتبين أن 68% من تلك المنشورات كانت استفزازية وسلبية، و37% من تلك الحسابات وهمية.

تأجيل حتى إشعار آخر

مع تزايد الحديث عن التقارب بين تركيا والنظام السوري، انتشرت إشاعات بين السوريين، مفادها أن أنقرة ستقوم بترحيل جميع السوريين الذين هم تحت “الحماية المؤقتة”، عقب إعادة العلاقات مع دمشق، ما أربك حسابات السوريين وأثر في قراراتهم.

عبد الرحمن جقمور (34 سنة)، لاجئ سوري في اسطنبول، قرر التراجع عن فكرة تجديد أثاث منزله وشراء سيارة، بعد سماعه إشاعات كثيرة عن قرب إعادة كل السوريين إلى بلدهم، في حال تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري.

عبد الرحمن الذي يعمل في مجال التمديدات الصحية، أوقف خطة شراء سيارة وأثاث للمنزل، قائلًا، “أثاث منزلنا أصبح قديمًا جدًا ولدينا أربعة أطفال وأصبح التنقل صعبًا عبر المواصلات العامة، وكنت أفكر بشراء سيارة، لكني أجّلت تلك المشاريع حتى يتضح مصير السوريين”.

وبرر عبد الرحمن قراره بأن تبديل أثاث غرفتي الجلوس والنوم يكلّف 50 ألف ليرة تركية، بينما يصل سعر سيارة متوسطة إلى حوالي 700 ألف، “وما أخشاه أن نتعرض للترحيل فجأة، حينها سأخسر ذلك المبلغ”.

وقال لعنب بلدي، إنه حتى ولو قرر بعد ترحيله بيع الأثاث بمساعدة أحد الأصدقاء في تركيا، فإنه سيباع بأقل من النصف، “بينما سيكون مستحيلًا لأحد غيري بيع السيارة كونها باسمي، في حال لم تكن هناك وكالة”.

عنب بلدي رصدت مجموعات لسوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، وتبيّن أن هناك مئات المنشورات لسوريين يعلنون عن بيع أثاث بيت بالكامل بداعي السفر، وكان لافتًا أن الأسعار تبدو منخفضة مقارنة بجودته ومدة الاستعمال، إضافة إلى إعلان بعضهم عن إمكانية التفاوض على السعر وتخفيضه لتسريع عملية البيع.

قرار سوريين تأجيل تنفيذ كثير من قراراتهم، بسبب تأثرهم بإشاعات الترحيل الجماعي، لم يقتصر على مجرد تأجيل شراء أثاث أو سيارة أو أي سلع أخرى، بل إن بعضهم قرر كذلك تأجيل الزواج أو إنجاب أطفال أو افتتاح أي مشروع صغير.

قالت روان، وهي لاجئة سورية تقيم في حي إسنيورت باسطنبول، “لدي طفلان ذكور، وأنا أحب الإناث جدًا، لذا أخبرت زوجي أني أفكر بالإنجاب مجددًا على أمل أن يرزقنا الله طفلة، لكنه رفض الفكرة وقرر تأجيلها حتى إشعار آخر، بسبب تخوفه من الترحيل”.

وأضافت روان لعنب بلدي، أنها دخلت بجدال مع زوجها الذي يعمل في ورشة خياطة، وأخبرته أن “المولود يأتي رزقه معه”، لكنه يصر على أن المولود الجديد يحتاج إلى مصاريف مالية كبيرة، عدا عن تكاليف الولادة.

ومن مبررات رفض الرجل لحمل زوجته، أن ذلك متعب جدًا لها في التنقل، ولا سيما إن اضطروا للسفر إلى بلد آخر، قبل أن يرحلوا إلى سوريا، بحسب ما قالته ربة المنزل روان.

إشاعات “سحب الجنسية”

تنتشر بين أوساط السوريين الحاصلين على الجنسية التركية بطريقة استثنائية، إشاعات حول إمكانية إسقاط الحكومة الجنسية عن مكتسبيها وقت ما تشاء أو بعد فترة معينة أو دون إرادة حاملها.

يسمح القانون التركي بالتخلي عن الجنسية وفق إرادة الشخص، ولا يسمح بإسقاط الجنسية عن المواطنين إلا في حالات تتعلق بمخالفة دستور البلاد أو تهديد الأمن القومي أو الخيانة، وفق المادة “29” من قانون المواطنة التركي رقم “5901”.

يعيش سوريون كثر سبق أن حصلوا على الجنسية التركية قلقًا، بعد توعّد أحزاب تركية معارضة بإعادة النظر بملفاتهم السابقة واحتمال سحب الجنسية منهم، في حال وصلت المعارضة إلى السلطة، وهذا ما هدّد به بالفعل رئيس حزب “النصر” المعارض في تركيا، أوميت أوزداغ، مرارًا، ما جعل كثيرًا من السوريين يصدقون إشاعات سحب الجنسية منهم، ودفع بعضهم للسفر خارج تركيا.

يحيى، شاب سوري يقطن في ولاية قونية، حصل على الجنسية التركية قبل أربع سنوات، ويعمل في تدريس اللغة الإنجليزية، لكنه بات يشعر بالقلق بعدما قرأ الكثير من الأخبار عن إمكانية سحب الجنسية من السوريين.

قال يحيى (29 سنة)، إن تهديدات المعارضة بإمكانية إعادة دراسة ملفات السوريين الذين حصلوا على الجنسية وسحبها منهم “جعلت مخاوفنا من إمكانية حصول ذلك حقيقية”، ولا سيما بعدما بدأت المعارضة تحظى بشعبية أكبر خاصة بعد تفوقها في انتخابات البلديات، وبالتالي ربما تتعزز فرصها وتفوز بالانتخابات الرئاسية عام 2028، وتنفذ تهديداتها ووعيدها لمن هم مثل يحيى، بحسب ما قاله.

يعرب يحيى عن انعدام ثقته بإمكانية عدم سحب الجنسية من السوريين مستقبلًا، بعدما لاحظ ترحيل سوريين رغم حيازتهم أوراقًا قانونية، وفق قوله، مضيفًا، “أصبحت أشعر بعدم بالاستقرار هنا، ما دفعني للسفر أنا وعائلتي إلى الكويت قبل شهرين، بعدما استخرجنا جوازات سفر تركية مسبقًا”.

15 إشاعة زادت العنصرية

إلى جانب الإشاعات التي يتداولها كثير من السوريين ويسارعون إلى تصديقها، فثمة الكثير من الإشاعات التي انتشرت حول السوريين، وسعت بعض أحزاب المعارضة ووسائل الإعلام التركية إلى تعزيزها، ما أسهم في تزايد خطاب العنصرية ضد اللاجئين السوريين وارتفاع وتيرة الهجمات التي تستهدفهم.

وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة “أيدنليك” التركية تقريرًا تطرقت فيه إلى 15 شائعة أسهمت في تأليب الرأي العام التركي ضد اللاجئين السوريين.

وتلك الإشاعات هي أن السوريين لا ينتظرون على الطابور في المستشفى، ولا يدفعون الفواتير، ويعملون حيثما يريدون، والتجار السوريون لا يدفعون الضرائب، وسيصبحون مواطنين أتراكًا بعد خمس سنوات، وهم السبب الرئيس للبطالة، ويحصلون على رواتب من الدولة.

ومن الإشاعات التي طالت السوريين أيضًا، أنهم أسهموا في رفع معدل الجرائم، وقاموا بإنشاء تجمعات مغلقة، ويدخلون الجامعات دون امتحانات، وتمنح الدولة المنح الدراسية لجميع السوريين، وهم أسهموا في ارتفاع الأسعار، ويمكنهم التسجيل في أي مدرسة يريدون، ويتم توظيفهم في المؤسسات الحكومية، ويمكنهم جميعًا الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات.

هنادي باكير، هي من السوريات اللواتي تركن تركيا جراء الإشاعات التي تغذيها المعارضة التركية، والتي أسهمت في تأجيج خطاب الكراهية والعنصرية ضد اللاجئين، إذ عادت مع عائلتها إلى سوريا، بسبب العنصرية المتكررة التي تعرضت لها هي وعائلتها.

قالت هنادي (45 سنة)، التي كانت تقيم في ولاية بورصة، إنها في إحدى المرات بينما كانت تقف في المستشفى، تفاجأت بسيدة تجاوزت الدور، فطلبت منها الالتزام بالدور، لكن السيدة، بحسب هنادي، نظرت إليها بغضب وقالت، “اذهبوا إلى بلدكم، أنتم تسرقون أموالنا وتحصلون على العلاج المجاني والرواتب من دولتنا، لقد تسببتم في ارتفاع الأسعار، وأخذتم فرص أبنائنا في الجامعات”.

صدمت هنادي جراء ما سمعته من السيدة، محاولة إيضاح الأمر بأنه مجرد إشاعات، وأن العلاج المجاني والمساعدات المالية للسوريين مدفوعة من الاتحاد الأوروبي وليس من الدولة التركية، بحسب ما قالته في حديثها لعنب بلدي، مضيفة أن السيدة “لم تصدق واستمرت بالصراخ وقامت بدفعي، دون أي تدخل من الحاضرين”.

وأشارت هنادي إلى أن لديها طفلين في المدرسة، وقد تعرضا كذلك للمضايقات من قبل زملائهما الذين كانوا يسخرون منهما ويرفضون اللعب معهما لمجرد أنهما سوريان، ما أثر على نفسيتهما ولم تعد لديهما الرغبة بالذهاب إلى المدرسة، حتى زوجها تعرض لأكثر من مضايقة من قبل زملائه الأتراك في العمل، بحسب ما ذكرته.

وأضافت، “كل تلك العنصرية كان للإشاعات دور كبير في تغذيتها، وتسببت في تنغيص عيشنا، لذا قررنا العودة إلى سوريا”.

لماذا نصدق الأخبار الكاذبة

يسارع كثير من الأشخاص لتصديق الإشاعات، ويعود ذلك بحسب “الجمعية الأمريكية لعلم النفس” إلى عدة عوامل، أبرزها أن الناس أكثر عرضة للوقوع فريسة للمعلومات المضللة بسبب التفكير الكسول، مشيرة إلى أن الأشخاص الذين يتصفحون وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة، قد يكونون أقل عرضة لتصديق الإشاعات، إذا فكروا جيدًا فيما يقرؤونه، عندها يمكنهم تمييز الحقيقة عن الإشاعة.

وأوضحت الجمعية أن العنصر الاجتماعي يسهم أيضًا في انتشار الإشاعات، بمعنى أنه عندما يجد الإنسان أن أشخاصًا حوله يفكرون مثله، ويؤمنون بنفس الأشياء، ويقدمون له معلومات جديدة تعزز تلك الإشاعات التي يجري تداولها، فإنه سيميل بالفعل إلى تصديقها.

بدورها، قالت الاستشارية النفسية ليا السيد طه، إن انسياق كثير من السوريين وراء الإشاعات وتصديقها، يعود إلى عدة عوامل نفسية واجتماعية، ففي ظل الأزمات المستمرة والحروب، يصبح الناس أكثر عرضة للقلق والخوف، ما يدفعهم للبحث عن أي معلومة قد تمنحهم بعض السيطرة أو الفهم للوضع الراهن.

كما أن غياب المصادر الموثوقة للمعلومات دفع كثيرين إلى تصديق أي مصدر للمعلومات المتاحة، حتى لو كانت إشاعات.

وأضافت ليا لعنب بلدي، أن تكرار الإشاعات يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات نفسية سلبية على الأفراد، منها زيادة مستويات القلق والتوتر لديهم، وربما يؤدي إلى خلق بيئة من الشك وعدم الثقة بين الناس، وقد تدفعهم لتغيير سلوكياتهم وخططهم.

ولتجنب الإشاعات، نصحت الاستشارية السوريين في تركيا بالتأكد من صحة الأخبار التي يقرؤونها من خلال التحقق من مصادر متعددة، واعتماد المعلومات من مواقع موثوقة، كما يمكنهم تطوير مهارات التفكير النقدي، التي تساعدهم على تحليل المعلومات بدقة وعدم الانسياق وراء الإشاعات، مشيرة إلى أنه يمكن للأفراد الذين يعانون من القلق أو التوتر بسبب الإشاعات، اللجوء إلى جلسات الدعم النفسي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة