سوريون في أوروبا.. الرياضة لمواجهة مراحل اللجوء

  • 2024/07/28
  • 12:22 م
ملعب "بوخوم ليو ميتيه" في مدينة بوخم الألمانية - تموز 2024 (عنب بلدي)

ملعب "بوخوم ليو ميتيه" في مدينة بوخم الألمانية - تموز 2024 (عنب بلدي)

عنب بلدي – علي درويش

وصل محمد (26 عامًا) إلى ألمانيا منتصف العام 2022، بعد رحلة مضنية استمرت نحو شهرين، سلك خلالها طرق تهريب وعرة في عدة دول.

مع وصوله إلى “الكامب” (مخيمات للاجئين الجدد في ألمانيا)، وجد محمد أماكن مخصصة لممارسة الرياضة، وبعض الآلات والأدوات، وهو أمر شائع في مختلف المخيمات المعدّة للاجئين.

ورغم عدم التزامه بالتمرين بسبب التعب الجسدي من رحلته الطويلة، فإنه لم ينتظر طويلًا حتى سجل في أحد الأندية، بعد حصوله على بيانات إقامته لمدة عام.

قال محمد لعنب بلدي، إن حبه للرياضة لم يكن السبب الرئيس للتسجيل في نادٍ رياضي، بل هناك عدة أسباب تتعلق بوضع اللاجئين خلال الأشهر الأولى من وصولهم، على الصعيدين النفسي والجسدي.

لجوء للرياضة

بعد أشهر قليلة من وصوله إلى ألمانيا، أحس محمد بخمول وتراجع في نشاطه رويدًا رويدًا، نتيجة قلة الحركة والتنقل وعدم التزامه بعمل.

والحل الوحيد الذي رآه هو ممارسة تمارين رياضية، خاصة أن اللاجئ بعد وصوله إلى ألمانيا يبقى في المخيم فترة لا تقل عن شهر ونصف إلى شهرين، وذلك حسب المدينة أو المقاطعة، ثم ينتقل إلى مساكن مؤقتة، وخلال هذه الفترة التي قد تمتد إلى سنتين أو أكثر، يتابع طلب لجوئه، ويلتزم بتعلم اللغة، دون أن يُسمح له بالعمل بدوام كامل.

وفي حال أراد العمل بدوام كامل، يتوقف الدعم المخصص له خلال تعلم اللغة وما يتبعها من إجراءات من قبل الحكومة أو المنظمات لتأمين فرصة عمل.

محمد وجد أن مختلف أقرانه في مكان إقامته يعانون من نفس المشكلات نتيجة عدة عوامل، منها السهر الطويل، والإكثار من التدخين والنرجيلة، وتناول طعام غير صحي.

يضاف إلى ذلك محدودية الحركة والتنقل، والعلاقات الاجتماعية الضعيفة مع نمط الحياة الجديد، كل ذلك يؤدي إلى زيادة في الوزن أو خلق حالة من الاكتئاب لديهم.

كرم السنكري، وهو مدرب سوري للعبة بناء الأجسام في السويد، ذكر في حديثه لعنب بلدي عدة أسباب دفعت اللاجئين السوريين للتوجه إلى الرياضة بمختلف أنواعها، سواء الألعاب القتالية أو السباحة أو بناء الأجسام ضمن النادي، وحتى “الكارديو” والرياضة الهوائية.

الجو المحيط باللاجئ بشكل عام والمجتمع يفرضان عليه ممارسة الرياضة، والمجتمع في أوروبا بشكل عام لديه ثقافة الاهتمام بالصحة والرياضة، “ما زاد من الثقافة الصحية التي هي موجودة أيضًا في ثقافتنا كشعب سوري”، بحسب المدرب كرم.

المختص النفسي والفيزيائي ومدرب منتخب سوريا سابقًا في الإعداد البدني باسل نمرة، قال لعنب بلدي، إن هناك قسمًا من اللاجئين مارسوا الرياضة لتمنحهم قبول المجتمع المضيف على الصعيد النفسي، فالمجتمع الغربي يهتم بالجسم الرشيق، لذلك رأى لاجئون أنهم يجب أن يبنوا أجسامهم.

وعدم وجود علاقات اجتماعية أيضًا يعد سببًا رئيسًا، فهذا الجانب يختلف بشكل كبير بين أوروبا وسوريا، لذلك عندما يذهب الشخص إلى النادي يتعرف إلى أشخاص جدد، وهو ما يمكن أن يتيح له مجالًا أوسع في حياته على مختلف المستويات، بحسب المدرب كرم.

يضاف إلى ذلك محبة الشباب بشكل عام للرياضة، فالشاب عندما يصل إلى أوروبا يجد أن لديه قدرة اقتصادية لتأمين قيمة اشتراك النادي الشهري، وكمية ونوع الغذاء اللازم لبناء العضلات.

وقارن المدرب كرم بين وضعه في سوريا والسويد، بأنه كان يعمل في نقل مواد البناء (رمل وبلوك وغيرهما) لتأمين مصروف عائلته، ويخصص جزءًا من راتبه لتأمين مستلزمات رياضة بناء الأجسام.

بينما في أوروبا، وجد كرم أن المجال مفتوح لممارسة الرياضة، والحياة أصبحت أسهل، ولديه قدرة على تأمين جميع المستلزمات.

وعي بأهمية الرياضة

يمثّل محمد شريحة من الذين وجدوا في الرياضة متنفسًا لهم، خاصة خلال السنة الأولى من وصولهم إلى أوروبا.

وبحسب المستشار النفسي باسل نمرة، المشرف على حالات استشارة نفسية للاجئين في أوروبا، هناك قسم من اللاجئين كان واعيًا بأهمية الاعتناء بالحالة الجسمانية، سواء عند وصولهم إلى “الكامب” وممارستهم الرياضة داخله، أو بعد حصولهم على الإقامة وتوجههم للدراسة أو العمل.

ومن الناحية النفسية، كان هناك وعي لدى قسم من الشباب، بأن الالتزام بالرياضة سيخفف عنهم ضغوط اللجوء والوحدة، خاصة مع الأشخاص الذين يأتون بمفردهم دون عائلاتهم.

ونوّه باسل إلى أن الالتزام ببرنامج رياضي يمنح الأشخاص فرصة بناء علاقات اجتماعية ضمن مجتمع النادي، وبعض هذه العلاقات بدأت تكبر، وهو ما يخفف عنهم ضغوط الحياة بنسبة جيدة.

أيضًا وجد بعض اللاجئين الذين يكثرون من تدخين السجائر والنرجيلة، وشرب مواد ضارة بأجسامهم، أو تناول أطعمة غير صحية بشكل كبير، أن الرياضة ستخلصهم أو ستدفعهم للتوجه نحو حياة صحية بشكل أكبر، بحسب المدرب كرم.

وأشار المدرب كرم إلى أن اختلاف الحالة النفسية نحو الأفضل للاجئين سوريين وعرب دربهم، دفعهم إلى اصطحاب أصدقائهم إلى التدريب.

وهناك شبان بعد فترة من التدريب شجعوا أصدقاءهم على القدوم إلى النادي، وهو ما أدى إلى وجود مجموعة من الشباب العرب والسوريين يتدربون معًا، ووجود صداقة مشتركة بين الجميع.

ونوّه المدرب كرم إلى أن النوادي ليست متنفسًا للذكور فقط، فهناك أندية في أوروبا تخصص مكان للنساء، وهو ما دفع نساء وفتيات سوريات وعربيات للتوجه إليها.

وتعد ممارسة النشاط البدني بانتظام عاملًا أساسيًا في الحد من أعراض الاكتئاب والقلق، والحد من التدهور المعرفي، وتحسين الذاكرة وتعزيز صحة الدماغ، ببحسب منظمة الصحة العالمية  .

كما أن ممارسة الرياضة بشكل منتظم يوميًا يمكن أن تساعد في التغلب على الضغط النفسي.

التزام متفاوت

يتفاوت التزام الأشخاص في التمارين الرياضية واستمرارهم في الذهاب إلى النادي، وذلك حسب قرب أو بعد مركز التدريب من مكان عملهم أو إقامتهم.

المدرب كرم قال إن التزامات الشخص لها دور كبير في استمراره بالرياضة، لكن هناك خيارات أخرى سهلة لممارسة الرياضة دون نادٍ، إذا كانت لدى الشخص دوافع وثقافة صحية.

في السويد مثلًا، هناك خطوط مخصصة للجري في الطرقات، يمكن للشخص ممارسة رياضة الركض أو المشي السريع فيها.

كما تتوفر أجهزة رياضية متنوعة في الحدائق وقرب البحيرات، كأجهزة الدفع والسحب، ويمكن ممارسة الرياضات الهوائية و”الكارديو” التي يمارسها المواطنون في الدول الأوروبية.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع