عنب بلدي – جنى العيسى
برأسمال قدره ثلاثة ملايين ليرة سورية (ما يعادل 200 دولار أمريكي)، أسس كل من السعوديين صالح بن سليمان بن نافع الهبدان، ومحمد بن سليمان بن حمد المحيسني، شركة “اكساب المحدودة المسؤولية”، ومقرها الرئيس في مدينة حمص.
تتمثل أغراض الشركة وفق ما جاء في الجزء الثاني من العدد “27” من الجريدة الرسمية، المنشور في 18 من تموز الحالي، بالبيع بالتجزئة لمواد البناء عدا بناء المساكن وبيعها والاتجار بها مهما كان نوعها، ويحق لها تعديل غايتها كليًا وجزئيًا بقرار من الهيئة العامة، ودون أن يعتبر هذا التعديل منشأ لشخص اعتباري جديد، كما يحق لها تملك وشراء العقارات والآليات اللازمة لتحقيق غاية الشركة.
وراءها رجلا دين
لم تجد عنب بلدي في أثناء إجراء البحث لإعداد هذا التقرير أي موقع أو صفحة رسمية لشركة “اكساب”، بينما يرجح أن مالكيها رجال أعمال ودين بارزون في السعودية.
ومن خلال البحث في المصادر المفتوحة، تبين أن صالح بن سليمان بن نافع الهبدان هو إمام جامع “الراجحي” في مدينة الرياض، بينما لم تجد عنب بلدي أي معلومات حول طبيعة نشاطه الاقتصادي.
بينما يعرّف عن محمد بن سليمان بن حمد المحيسني بأنه رجل دين وأعمال سعودي، ولد 1965 (وهي نفس المواليد المذكورة في قرار تأسيس شركة اكساب بالجريدة الرسمية)، ويعمل إمامًا غير متفرغ لجامع “عائشة الراجحي” بمكة المكرمة.
وبحسب موقع “من هم” المختص بالتعريف عن رجال الأعمال وطبيعة شركاتهم، يعد محمد بن سليمان بن حمد المحيسني شريكًا مؤسسًا في شركة “سبيد ون” بنسبة 50%.
لماذا “محدودة المسؤولية”
تثار التساؤلات حول دوافع رجال أعمال سعوديين لتأسيس شركات محدودة المسؤولية في مناطق النظام السوري.
وفق المادة رقم “55” من المرسوم التشريعي رقم “29” لعام 2011 الخاص بتأسيس الشركات، تتألف الشركة المحدودة المسؤولية من شخصين على الأقل، وتكون مسؤولية الشريك فيها محددة بمقدار حصصه التي يملكها في رأسمال الشركة.
يجوز أن تتألف الشركة المحدودة المسؤولية من شخص واحد، وتدعى في هذه الحالة “شركة الشخص الواحد المحدودة المسؤولية”.
تصدر بقرار من الوزير اللائحة التنفيذية لشركة الشخص الواحد المحدودة المسؤولية.
تعتبر الشركة المحدودة المسؤولية شركة تجارية خاضعة لقانون التجارة أيًا كان موضوعها.
الأكاديمي والباحث الاقتصادي سنان حتاحت، قال في حديث إلى عنب بلدي، إنه كون الشركة محدودة المسؤولية أو مغفلة هذا تفصيل بسيط جدًا، فالفكرة الرئيسة من الشركة المحدودة المسؤولية أنها غير مطروحة للتداول بسهولة، كما يتطلب إدخال مساهم جديد عليها إجراءات قانونية متقدمة، في حين أن الشركات المغفلة تكون لديها إمكانية للتوسع أكثر، وهذا ما يدل على أن شركة “اكساب” شركة صغيرة للقياس فقط.
رأسمال قليل “طبيعي”
يعد رأسمال الشركة المحدد بثلاثة ملايين ليرة سورية طبيعيًا، فبغض النظر عن قيمته يوجد التزام مفروض على الشركة تجاه المؤسسات الحكومية من ناحية تجميد مبلغ معين ضمن البنوك السورية، كما يترتب على المبلغ القليل ضرائب أقل أيضًا، وفق ما قاله الباحث سنان حتاحت.
وفي تشرين الأول 2022، أعلنت وزارة التجارة الداخلية في حكومة النظام السوري رفع تكاليف تأسيس الشركات في سوريا عدة أضعاف، إذ وصل الحد الأدنى المطلوب لرأسمال الشركات المحدودة المسؤولية إلى 50 مليون ليرة سورية، بعد أن كان محددًا سابقًا بخمسة ملايين ليرة، ما قد يشير إلى أن شركة “اكساب” معلن عن تأسيسها قبل هذا الوقت.
وحدد القرار حينها الحد الأدنى لرأسمال شركات الأشخاص والأموال على الشكل التالي:
- شركات الأشخاص (التضامنية والتوصية): 15 مليون ليرة سورية.
- الشركات محدودة المسؤولية: 50 مليون ليرة سورية.
- الشركات ذات الشخص الواحد المحدودة المسؤولية: 50 مليون ليرة سورية.
- الشركات المساهمة المغفلة الخاصة: 100 مليون ليرة سورية.
- الشركات المساهمة المغفلة العامة: مليار ليرة سورية.
- الشركات المساهمة المغفلة القابضة: مليار ليرة سورية.
ما أنواع الشركات في سوريا
توجد في سوريا خمسة أشكال قانونية للشركات، هي شركة التضامن، وشركة التوصية، وشركة المحاصة، والشركة المحدودة المسؤولية، والشركة المساهمة المغفلة.
بينما توجد سبعة أنواع للشركات، وفق ما صنفها قانون الشركات الصادر بموجب مرسوم تشريعي يحمل الرقم “29” لعام 2011 وهي:
- الشركات التجارية: إذا كانت غايتها ممارسة عمل تجاري أو إذا اتخذت شكل شركة مساهمة مغفلة أو محدودة المسؤولية.
- الشركات المشتركة: هي الشركات التي تسهم فيها الدولة أو إحدى الجهات العامة بنسبة معينة من رأس مالها، وتخضع الشركات المذكورة للأحكام والقواعد المنصوص عليها في القانون الخاص بها.
- الشركات المساهمة المملوكة بالكامل للدولة: هي شركات مساهمة تنطبق عليها الأحكام المتعلقة بالشركات المساهمة المغفلة، وتكون الدولة ممثلة بالخزينة العامة أو واحدة أو أكثر من الجهات العامة مالكة لأسهمها بالكامل، ولا يجوز طرح أسهم هذه الشركات أو جزء منها للتداول إلا بموافقة مجلس الوزراء.
- شركات المناطق الحرة: وهي الشركات التي يكون مركزها بإحدى المناطق الحرة في سوريا، وتكون مسجلة في سجل الشركات بإحدى هذه المناطق، وتتخذ شركة المناطق الحرة شكل شركة التضامن أو التوصية أو المحدودة المسؤولية أو المساهمة المغفلة خاصة.
- الشركات القابضة: هي شركات مساهمة مغفلة خاصة أو عامة يقتصر عملها على تملك حصص في شركات محدودة المسؤولية أو أسهم في شركات مساهمة أو الاشتراك في تأسيس مثل هذه الشركات، والاشتراك في إدارة الشركات التي تملك فيها أسهمًا أو حصصًا.
- الشركات الخارجية: هي الشركات التي تكون غايتها محصورة بإبرام العقود والقيام بأعمال يجري تنفيذها خارج أراضي الجمهورية العربية السورية، دون أن يحق لها ممارسة أي نشاط داخل سوريا
- الشركات المدنية: هي الشركات التي تؤسس بين شركاء من ذوي الاختصاص والمهن الفكرية أو التي يكون موضوعها مدنيًا وتخضع لأحكام القانون المدني وأحكام القوانين الخاصة بها وعقودها وأنظمتها الداخلية.
التطبيع يدفع نحو المزيد
يرى الباحث الاقتصادي سنان حتاحت أن تطبيع العلاقات بين النظام السوري والسعودية يدفع رجال الأعمال السعوديين حاليًا إلى قياس بعض الفرص الاستثمارية في سوريا، ولكن لا يمكن اعتبار الحالة هنا إقدامًا كاملًا من قبل قطاع الأعمال الخاص السعودي على الاستثمار في سوريا بسبب وجود عدة معوقات لذلك.
ترتبط أبرز هذه المعوقات بالفساد والخوف من العقوبات الغربية، ما يفسر طبيعة رجال الأعمال الذين قد يجربون قياس مدى إمكانية نجاح الاستثمار، ممن لا يملكون استثمارات كبيرة في بلادهم أو على مستوى المنطقة.
وفسر حتاحت التوجه نحو الاستثمار في مواد البناء بأنه توجه منطقي في السياق السوري في ظل الحاجة لهذه المواد بسبب الدمار، وغياب إنتاجها في السوق المحلية، فضلًا عن إمكانية تصدير بعض مواد البناء التي يتم إنتاجها في المملكة العربية السعودية نحو سوريا، وإمكانية التجارة في بعض المواد الخام الموجودة في سوريا كالحجر والرخام وإرسالها للسعودية.
الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، قال لعنب بلدي، إن النظام السوري يحاول إيهام قطاع الأعمال بوجود استثمارات، موضحًا أن في سوريا الكثير من الاستثمارات الأجنبية ولكنها لا تسهم بدعم الاقتصاد الوطني.
وحول تفسير رغبة الأجانب بالاستثمار، يرى شعبو أن ذلك قد يكون محاولة من المستثمرين لإيجاد موطئ قدم لحجز مقاعد بالاستثمارات المقبلة في سوريا، خاصة فيما يتعلق بمسألة إعادة الإعمار.
ومن الطبيعي أن يحرك الانفتاح السعودي مع النظام رغبة بعض المستثمرين ببناء ثروة أو حجز أدوار مستقبلية لهم في سوريا، بغض النظر عن طبيعة الاستثمار، وفق ما أوضحه فراس شعبو، متوقعًا توسع الاستثمارات السعودية في العديد من القطاعات التجارية والصناعية والزراعية كون البلد يحتاج إلى استثمارات أجنبية كبيرة.
ومنذ مطلع 2023 حتى نهاية تشرين الأول من العام نفسه، وصلت أرقام الشركات المسجلة بمراجعة الجريدة الرسمية (التي يجري فيها الإعلان عن تأسيس جميع الشركات الجديدة)، إلى نحو 723 شركة، بحسب تصريح سابق لمدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار، لعنب بلدي.
وبمراجعة أعداد الجريدة الرسمية، بلغت أعداد الشركات الجديدة عام 2018، 709 شركات، وفي 2019، 577 شركة، وفي عام 2020، 733 شركة.
وفي عام 2021، وصلت الأعداد إلى 819 شركة، وفي عام 2022 إلى 1400 شركة جديدة، مع الإشارة إلى صعوبة التمييز بين الشركات الوهمية والحقيقية، لذا قد لا تعطي هذه الأرقام دلالات واضحة، حول طبيعة نشاط إنشاء شركات جديدة في مناطق سيطرة النظام السوري.