سوريا.. سياسة تدوير النفايات

  • 2024/07/28
  • 2:45 م
غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

عادة ما تلجأ الدول المتطورة لعمليات تدوير النفايات لكونها عملية ذات آثار إيجابية على مستويات عدة، منها الإقلال من المساحات التي تستخدم كمكبات للنفايات، وبالتالي الإقلال من عمليات تدهور البيئة والحد من تلوث الأراضي ومصادر المياه، كما أنها تقلل من الاعتماد على استخراج مواد خام من الطبيعة أو استيرادها من الخارج، وتحد من هدر المواد المفيدة المحتمل وجودها بين تلك النفايات، كما تخفض الانبعاثات الحرارية. بمعنى آخر، فإن اللجوء إلى عمليات إعادة تدوير النفايات له مردود اقتصادي وبيئي كبير على الدولة وسكانها، لذلك فالحكومات الرشيدة التي تتبنى سياسات حوكمة صارمة وترعى شؤون الناس بشفافية وإخلاص، هي في الغالب الأعم التي تهتم بهذه المسائل تعزيزًا لمسار تطورها وارتقاء بمستوى أدائها لخدمة مجتمعاتها.

في سوريا، التي تحكمها ثلة من عصابة العسكر ويدير مرافقها قطيع من المدنيين المنتمين لحزب سطا على السلطة منذ أكثر من نصف قرن ولا يزال، وأمّم الفضاء السياسي وجعله حكرًا عليه، فإن سياسة تدوير النفايات البشرية هي المعتمدة، لأنها وحدها التي تتيح لتلك العصابة شروط البقاء في الحكم والتحكم بمصاير البشر وموارد الدولة كيفما شاءت وكيفما اتفق.

62 سنة وحزب “البعث” يتولى مقاليد حكم “المزرعة التعيسة”، منها 55 سنة والدولة السورية بأكملها أسيرة حكم عائلة “الأسد”، والنتيجة أن سوريا لم تعد دولة بالمعنيين الدستوري والقانوني، وصارت مرتعًا لعصابات صناعة وترويج المخدرات ولمجموعات طائفية تعيث فسادًا وتفتيتًا بالمجتمع السوري، واليوم يطلب العالم من السوريين أن يعودوا طوعًا أو كرهًا إلى تلك المزرعة، وأن يتكيفوا مجددًا مع موجبات العيش في ظل حكم العصابة.

ربما صار هذا النوع من القول ممجوجًا لكثرة تكراره، ولكن كان لا بد من استحضاره للقول إن صناعة حل حقيقي للصراع في سوريا ليس ممكنًا من نفس المنظومة التي حكمت سوريا طوال تلك العقود، وأوصلتها إلى ما وصلت إليه فقط لتبقى مستأثرة بالسلطة والموارد، فكيف يمكن لنا أن نتصور مساحة للتشارك والمشاركة مع فئة لم تعتدها ولا يمكن لها اعتيادها، لأن أي حل متخيل لهذا الصراع يفترض على الأقل أن تتنازل تلك الفئة عن بعض ما تؤمن أنها اكتسبته بالقوة وحافظت عليه بالقوة أيضًا، فهل تقدمه بكامل إرادتها دون قسر ولا إكراه؟ وكيف يمكن أن تستقيم المعادلة إن كانت كل القوى والدول المنخرطة بالصراع تجمع على القول إنه لا حل عسكري في سوريا ولا بد من حل سياسي يستجيب للحد الأدنى لمطالب السوريين؟

أعتقد جازمًا أن من يقول ذلك لا يريد حلًا يستجيب حقًا لمطالب السوريين، وهو أصلًا لم يتح للسوريين أن يحسموا صراعهم مع سلطتهم المجرمة عسكريًا، بمعنى أنه لم يرد إسقاط النظام وهو بنفس الوقت يدرك أن النظام لن يقدم ولا يستطيع أن يقدم شيئًا للسوريين غير القتل والتدمير، ولو أراد تقديم شيء لقدمه ابتداء قبل عشر سنوات ولجنب البلد هذا المصير الكارثي.

ما الحل إذًا؟ كل الحلول التي يشتغل عليها الضالعون في الأمر إقليميًا ودوليًا، كما يشي بذلك مسار التسوية، تعتمد على فكرة تدوير النفايات، والقول هنا لا يقتصر على نفايات السلطة وحدها بل حتى نفايات المعارضة أيضًا.

انتخابات مجلس الشعب واحدة من الصور القميئة التي تؤكد هذا المذهب وهذا المسار، والذي تصر عليه السلطة المنتصرة على شعبها، والمستقوية عليه بجيوش وميليشيات طائفية استقدمتها من كل حدب وصوب، وكذلك انتخابات مؤسسات المعارضة التي تعيد تصنيع نفاياتها أيضًا، فتفرض فلانًا رئيسًا لائتلافهم وتمدد لعلان بوصفه رئيسًا لهيئة التفاوض، وكله قطعًا بـ”الصرماية”، وفق التعبير الراقي لرئيس حكومة الائتلاف (المؤقتة)، ليست أكثر من عملية تدوير للنفايات.

الحل الذي يشتغل عليه لسوريا وقد أقصيت عنه إرادة الناس، سيكون أكثر قذارة من تلك السلطة التي كانت تحكمها قبل عقد ونيّف، لأن أدوات الحل وصنّاعه مجرد نفايات معاد تدويرها، فهل يمكنك افتراض النظافة والطهارة وأنت تغتسل بماء المستنقع الآسن!

مقالات متعلقة

  1. معرض لتكنولوجيا إعادة التدوير في اسطنبول
  2. بينهم أطفال.. لاجئون سوريون رزقهم من نفايات اسطنبول
  3. مبادرات لتدوير النفايات في إدلب
  4. 25 قرشًا لكل عبوة.. تركيا تطلق نظامًا لإعادة تدوير النفايات

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي