د. أكرم خولاني
الزَّرَقُ أو المياه الزرقاء أو المياه السوداء أو الجلوكوما (Glaucoma)، هي أسماء لمرض يصيب العين ويحدث فيه تضرر بأنسجة العصب البصري، وإذا لم يعالج المرض فإن تلفًا كليًا في العصب البصري قد يحدث، وبذلك تفقد العين قدرتها على الإبصار.
وقد يظهر الزرق في أي عمر، وقد يكون خلقيًا منذ الولادة في بعض الأحيان، ولكنه يحدث على نحو أكثر شيوعًا مع التقدم في العمر، ويعد الزرق أحد الأسباب الرئيسة لإصابة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 60 عامًا بالعمى.
ما مرض الزرق
الزرق هو مجموعة من الاضطرابات التي تتسم بتضرر تدريجي في العصب البصري، ما يؤدي إلى فقدان رؤية لا يمكن علاجه.
غالبًا ما يُصاب الشخص بالزرق عندما يتضرر العصب البصري نتيجة ارتفاع الضغط في العين، لكن يمكن أن تحدث الإصابة به حتى مع ضغط العين الطبيعي.
وينتج ارتفاع ضغط العين عن تراكم السائل الذي يتدفق داخل العين، والمعروف بالخِلِط المائي، وهو ينزح عبر النسيج الموجود في الزاوية التي تتشكل حيث تلتقي القزحية مع القرنية، وعند عجز نظام تصريف السوائل في العين عن العمل بشكل صحيح بسبب تضيق أو انسداد زاوية التصريف أو مشكلة في الأجزاء الأخرى من نظام التصريف فإن العين تمتلئ بكثير من السائل ويزداد ضغط العين.
وبناء على ما سبق يقسم مرض الزرق إلى عدة أنواع:
- الزرق مفتوح الزاوية:
هو النوع الأكثر شيوعًا من الزرق (حوالي 90% من مرضى الزرق لديهم هذا النوع منها) ويظهر كنتيجة للتقدم في العمر (عادة تبدأ الإصابة بهذا المرض بعد سن الـ35)، وتظل فيه زاوية التصريف التي تشكلها القزحية والقرنية مفتوحة، لكن الأجزاء الأخرى من نظام التصريف لا يمكنها التصريف بكفاءة، وقد يؤدي هذا إلى حدوث ارتفاع بطيء وتدريجي في ضغط العين.
- الزرق مغلق الزاوية:
أقل شيوعًا من سابقه، وعادة ما يصيب الأشخاص الذين تكون زاوية أعينهم الأمامية ضيقة أو المصابين ببعد النظر، ويحدث هذا الشكل من الزرق في حال بروز القزحية، حيث يسبب بروزها انسداد زاوية التصريف بشكل جزئي أو كلي، ونتيجة لذلك لا يتمكن السائل من الدوران داخل العين، ما يزيد الضغط داخلها، وغالبًا ما يحدث الزرق مغلق الزاوية فجأة بشكل حاد، كما يمكن أن يحدث تدريجيًا.
- الزرق ذو ضغط العين الطبيعي:
لا يُعرف السبب المحدد لتلف العصب البصري عندما يكون ضغط العين طبيعيًا، فقد يكون العصب البصري حساسًا أو يعاني انخفاضًا في كمية الدم المتدفقة إليه، وقد يرجع انخفاض تدفق الدم إلى تراكم الترسبات الدهنية في الشرايين التي تسبب تصلب الشرايين، أو غير ذلك من الحالات التي تضر بالدورة الدموية.
ما مدى خطورة المرض
تكمن خطورته في أنه يسبب العمى الدائم إذا لم يتم اكتشافه ومعالجته مبكرًا، فعندما يزيد الضغط في العين على معدله الطبيعي تتأثر جميع أنسجة العين الداخلية بهذا الارتفاع في الضغط فتتأثر أوعية العصب الدموية وبعض طبقات الشبكية كما يحصل تدريجيًا تلف في أنسجة العصب البصري، وللأسف فإن هذا التلف غير قابل للعلاج حتى ولو أمكن التحكم بمعدل الضغط بعد ذلك، وهنا تأتي أهمية التشخيص المبكر والاهتمام باستعمال العلاج باستمرار حتى لا يرتفع الضغط عن معدله الطبيعي ويبقى العصب البصري في حالة جيدة.
ما أسباب الإصابة
هنالك رابط قوي بين وجود ضغط كبير داخل العين، وبين حدوث ضرر في العصب البصري، وعادة كلما زاد الضغط داخل العين زاد الضرر في العصب البصري، ومع ذلك قد نجد أناسًا يعانون من ضغط كبير في العين، ولا يحدث ضرر للعصب ولا للرؤية، ومقابل ذلك نجد أناسًا عندهم الضغط طبيعي داخل العين ويعانون من ضرر متطور في العصب البصري، وهذا يعني أنه ليست كل مسببات هذا المرض معروفة، ولكن هناك عوامل خطر تزيد من احتمال الإصابة، ومنها:
- ارتفاع الضغط داخل العين.
- تجاوز سن 55 عامًا.
- الانحدار من أصول سوداء أو آسيوية أو إسبانية.
- وجود إصابات سابقة بالزرق في العائلة.
- الإصابة بأمراض معينة كالسكري والشقيقة وارتفاع ضغط الدم وفقر الدم المنجلي.
- ترقُّق القرنية من المنتصف.
- الإصابة بقِصر أو طول البصر الشديدين.
- الساد الناضج.
- التهابات القزحية المتكررة.
- اعتلال الشبكية السكري المتقدم.
- الإصابة بجرح في العين وإجراء بعض أنواع عمليات العيون.
- استعمال أدوية الكورتيزونات، وخاصة قطرات العين، لفترة طويلة.
هناك نوع من الزرق يعرف بـ”الزرق الصبغي”، وفيه تسُد حبيبات الصباغ الصغيرة من القزحية قنوات تصريف السائل المائي في العين، ما يبطئ خروج السائل من العين أو يمنعه تمامًا، وتؤدي أنشطة مثل الركض في بعض الأحيان إلى تحريك حبيبات الصباغ، ويؤدي ذلك إلى ترسب الحبيبات على الأنسجة الموجودة في الزاوية التي تلتقي فيها القزحية والقرنية، ويسبب هذا ارتفاع ضغط العين.
كذلك هناك “الزرق الخلقي”، ويعني أن يولد الطفل مصابًا بمرض الزرق أو قد يُصاب به خلال السنوات القليلة الأولى من حياته، ويمكن توارثه عن أحد الأبوين أو كليهما، كما قد يحدث نتيجة إصابة الجنين بعدوى فيروسية عند إصابة الأم بهذا الفيروس في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، ونتيجة لانتشار التزاوج بين الأقارب في بعض البلدان العربية فإن الزرق الخلقي لا يعتبر نادرًا.
ما أعراض الإصابة
تختلف أعراض الإصابة بالزرق حسب نوع الحالة المرضية ومرحلتها، وبشكل عام:
الزرق مفتوح الزاوية: وفيه لا تظهر أعراض في المراحل المبكرة، ثم تظهر تدريجيا بقع عمياء متفرقة في مجال الرؤية الجانبي تسمى الذباب الطائر، وتحدث صعوبة في رؤية الأشياء الواقعة في مجال الرؤية المركزية بمراحل تالية.
الزرق مغلق الزاوية الحاد: يحدث ارتفاع مفاجئ وحاد بضغط العين، ويتظاهر على شكل صداع شديد وألم شديد بالعين وغثيان أو قيء وتشوش الرؤية ورؤية هالات أو حلقات ملونة حول الأضواء واحمرار العين.
الزرق مع ضغط عين طبيعي: لا تظهر أعراض في المراحل المبكرة، ثم يظهر تشوش الرؤية تدريجيًا، وفي المراحل المتأخرة يحدث فقدان الرؤية الجانبية.
الزرق الخلقي: يلاحظ الأبوان كبر حجم سواد العين نتيجة لكبر حجم القرنية، وهي الطبقة الشفافة التي تغطي سواد العين، كما قد تفقد القرنية شفافيتها ولمعانها فيتغير السواد إلى اللون الأزرق أو الأبيض.
الزرق عند الأطفال: يلاحظ عند الرضع خمول العين أو تغيُّمها، وزيادة الرَّمش بالعين، ونزول دموع دون بكاء، ويشكو الأطفال الأكبر سنا من تشوش الرؤية وصداع وقصر بصر يتفاقم مع مرور الوقت.
الزرق الصبغي: يتظاهر برؤية هالات كقوس قزح حول المصابيح والأضواء، وتشوش الرؤية عند ممارسة الرياضة، وفقدان تدريجي للرؤية الجانبية.
كيف يمكن التشخيص
إذا ما لاحظ أي شخص ظهور نقط سوداء اللون في مجال رؤيته، أو مشكلات وصعوبات في الرؤية تستمر وقتًا طويلًا وتزداد سوءًا وتفاقمًا، فعليه مراجعة طبيب العيون فورًا لإجراء فحص العينين.
كما يجب مراجعة الطبيب بشكل متكرر في حال كان الشخص في سن 70 عامًا وما فوق، أو إذا كان يعاني من مرض السكري وكان لديه تاريخ عائلي لإصابات سابقة بالزرق مفتوح الزاوية لدى أفراد من عائلته.
وسيقوم الطبيب بمراجعة التاريخ الطبي للمريض، ويُجري فحصًا شاملًا للعين يشمل:
- قياس ضغط العين، ويُطلق عليه أيضًا قياس توتر العين
- فحص قعر العين للكشف عن تلف العصب البصري.
- اختبار مجال الرؤية لفحص مناطق فقد البصر.
- فحص قياس سُمك القرنية.
- تنظير الزاوية، ويعني فحص زاوية التصريف بين القرنية والقزحية.
ما العلاج
يعالَج الزرق عن طريق خفض ضغط العين، وتشمل خيارات العلاج استخدام قطرات العين الموصوفة طبيًا أو الأدوية الفموية أو العلاج بالليزر أو الجراحة أو مزيج من هذه الوسائل.
ولكن لا يمكن الشفاء من الضرر الناتج عن الزرق، إنما يمكن أن يساعد العلاج والفحوص المنتظمة في إبطاء فقدان البصر أو الوقاية منه، خاصة عند ملاحظة المرض في مراحله المبكرة.