أجبروا على ترك ممتلكاتهم وأرزاقهم

مرحّلون من تركيا يواجهون أقدارهم في الشمال السوري

تستقبل معابر الشمال السوري المرحلين من تركيا و"العائدين طوعيًا" بشكل يومي - 3 من نيسان 2024 (معبر باب الهوى)

camera iconتستقبل معابر الشمال السوري المرحلين من تركيا و"العائدين طوعيًا" بشكل يومي - 3 من نيسان 2024 (معبر باب الهوى)

tag icon ع ع ع

إدلب – أنس الخولي

تحولت حياة عبد الله إلى “جحيم”، فبعد أن نجح مشروعه التجاري وبدأ بجني الأرباح وتحسن وضعه المعيشي في تركيا، تحطمت أحلامه عقب ترحيله القسري إلى إدلب، لينتهي مشروعه ويعود إلى نقطة الصفر.

لجأ عبد الله المحمد (45 عامًا) من ريف حلب إلى تركيا عام 2015، وأقام في ولاية غازي عينتاب مع أسرته المؤلفة من زوجة وثلاثة أطفال، وبدأ بالعمل في أحد معامل البلاستيك، إلى أن استطاع بيع جميع أملاكه في سوريا، وافتتاح “سوبر ماركت” يبعده عن العمل المجهد، ويوفر له دخلًا مناسبًا.

في حزيران الماضي، وخلال عودة عبد الله من محله التجاري ليلًا إلى منزله، تفاجأ بتوقيفه من قبل دورية شرطة تركية، اصطحبته إلى دائرة الهجرة بالرغم من أن لديه وثائق قانونية ولم يرتكب أي مخالفة.

بقي عبد الله في الدائرة حتى الصباح، ليقوم موظف الهجرة بإلغاء “بطاقة الحماية المؤقتة” الخاصة به، ويرغمه على توقيع أوراق “العودة الطوعية”، ومن ثم يرسله إلى مركز الترحيل، ثم إلى الشمال السوري.

وصف الرجل، في حديثه لعنب بلدي، كيف تحولت حياته إلى “كابوس”، وخسر كل ما يملكه في لحظة واحدة، لأنه وضع جميع أمواله في مشروعه التجاري المغلق منذ شهرين، ويحاول حاليًا التواصل مع محامين لإيجاد طريقة قانونية لبيع المتجر بأقل الخسائر.

أكثر ما يؤرق عبد الله هو الشتات، فزوجته وأطفاله لا يزالون في تركيا، ولا يعلم ماذا يفعل سواء في البحث عن طرق لجوء أخرى، أو إعادتهم إلى الشمال السوري، حيث يقيم في منزل أحد أصدقائه بإدلب، واصفًا الوضع المعيشي فيها بـ”المتدهور”.

وتزداد مأساة عبد الله وغيره من المرحّلين في عدم وجود أي جهة أو منظمة تساعدهم، سواء بتأمين مأوى مؤقت أو فرص عمل، وجلهم يتركون خلفهم زوجات وأطفالًا بحاجة إلى معيل.

ظروف قاسية

يعاني المرحّلون من تركيا من أوضاع “مأساوية”، في ظل غياب منظمات إنسانية تهتم بهم وتساعدهم على تأمين مأوى لهم ولأسرهم في الشمال السوري، ويدخل العديد منهم دون أي أمتعة بسبب ترحيلهم القسري المفاجئ.

إلى جانب ذلك، يعاني الشمال السوري عمومًا من البطالة وغياب فرص العمل وتدني أجور العمال، التي لا تتجاوز في أحسن الأحوال 100 ليرة تركية يوميًا، إذ يجد المرحّلون أنفسهم في وضع “كارثي”، دون أي أمل بتأمين حياة كريمة.

عبد الجليل الموسى، مرحّل آخر من تركيا، يهيم على وجهه في الطرقات بلا مأوى باحثًا عن عمل ليعول نفسه وأسرته التي بقيت خلفه في تركيا.

قال عبد الجليل لعنب بلدي، إن المرحّلين من تركيا يعودون إلى نقطة الصفر، فحين يدخلون مجبرين إلى الشمال السوري، لا يتوفر لديهم مكان يؤويهم، ولا أي قطعة أثاث يبيتون عليها، ولا أموال تمكنهم من شراء ما يلزمهم، ولا فرص عمل.

وذكر عبد الجليل أن المرحّل خلال احتجازه ُيمنع من العودة إلى منزله وحزم أمتعته ونقل أي شيء من أملاكه في تركيا إلى الشمال السوري، سواء أثاث المنزل أو آلاته أو عدة عمله، ما يعمّق المعاناة.

أما محمود العبيد (37 عامًا)، فرحّلته السلطات التركية مطلع نيسان الماضي، برفقة زوجته وطفليه، ويقيم في منزل أحد أقاربه بإدلب، فقد يئس من إيجاد مخيم يؤويه أو عمل يوفر له دخلًا.

قال محمود المنحدر من ريف حمص، إن السلطات التركية رحّلته خلال محاولته تحديث بيانات أوراقه الشخصية، وألغى الموظف “الهويات المؤقتة”، وتم ترحيل العائلة مباشرة إلى إدلب، لتجد نفسها على قارعة الطريق في “باب الهوى” بلا مأوى أو أموال أو أمتعة.

يقيم محمود مع أقربائه، وحاول التواصل مع بعض المنظمات الإنسانية عسى أن يتمكن من تأمين ولو خيمة يؤوي فيها أسرته لفترة مؤقتة في أحد المخيمات، لكن جميع مساعيه باءت بالفشل، كما أنه دأب في البحث عن عمل، لكن دون جدوى.

وطالب عدد من المرحّلين من تركيا، ممن قابلتهم عنب بلدي، المنظمات الإنسانية والجهات العاملة في المنطقة بالنظر إلى حالهم، ومساعدتهم في تأمين بعض المستلزمات الضرورية للحياة، من مكان لإيواء أسرهم وبعض الأثاث البسيط ولو لفترة مؤقتة، لحين إيجاد حلول لبيع أملاكهم في تركيا أو نقل أعمالهم إلى الشمال السوري.

ترحيل قسري

تشهد المعابر الحدودية مع تركيا حركة عبور يومية لسوريين مرحلين قسرًا من “باب الهوى” و”باب السلامة” و”تل أبيض” و”جرابلس”.

وتعد عمليات الترحيل مخالفة للقانون الدولي وقانون “الحماية المؤقتة” الذي يخضع له السوري في تركيا.

في المقابل، تنفي الحكومة التركية وجود عمليات ترحيل قسري، وتصف سياستها بـ”النموذجية” في التعامل مع اللاجئين.

ويسكن شمال غربي سوريا 5.1 مليون شخص، منهم 4.2 مليون بحاجة إلى مساعدة، و3.4 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 3.4 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان يعيشون في المخيمات، وفق الأمم المتحدة، في حين تتحدث إحصائيات محلية عن 5.5 إلى 6  ملايين شخص.

مدير المكتب الإعلامي لمعبر “باب الهوى”، مازن علوش، قال لعنب بلدي، إن عدد العائدين من تركيا إلى الشمال السوري عبر المعبر، في النصف الأول من عام 2024، بلغ 24334 مواطنًا موزعين على 11973 “عائدًا طوعيًا”، و12361 مرحلًا قسريًا.

وأضاف علوش أنه خلال الستة أشهر الأولى من العام الحالي، فاق عدد المرحّلين قسريًا أعداد المرحّلين في الفترة الزمنية نفسها عام 2023.

وشهد “باب الهوى”، عام 2023، حركة عبور من تركيا إلى الشمال لـ20319 شخصًا، منهم 11079 شخصًا دخلوا “عودة طوعية”، و7653 شخصًا مرحّلون قسرًا، بينما دخل 1587 شخصًا تحت إطار “المرحلين حديثًا”، وهم أشخاص دخلوا بطريقة غير نظامية (تهريب) إلى تركيا، وألقي القبض عليهم حديثًا قرب الحدود وتمت إعادتهم.

وتخص هذه الإحصائية أعداد المرحّلين عبر معبر “باب الهوى” فقط، دون المعابر الأخرى الموجودة في ريفي حلب أو تل أبيض تحت سيطرة “الحكومة المؤقتة”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة