الحرب تفاقم أزمة النفايات في سوريا 

  • 2024/07/23
  • 2:26 م
الحرب تفاقم أزمة النفايات في سوريا 

تفاقمت أزمة النفايات في سوريا خلال سنوات الحرب وصارت مكبات القمامة بؤرة لمخاطر تهدد التربة والمياه والزراعة والمناخ (تعديل عنب بلدي)

عنب بلدي – حسن إبراهيم

لا يدرك محمد البكور حجم الضرر الذي سيطاله من سقاية 28 شجرة زيتون تخصه أو خضراوات مزروعة بينها بمياه صفراء ملوثة ذات رائحة كريهة، لكنه يعلم تمامًا أن عواقب استمرار سقايتها بهذا الشكل كارثية، على الإنتاج وعلى النباتات نفسها.

لاحظ المزارع المقيم في قرية الهباط شمالي إدلب حال المياه منذ نحو ثمانية أشهر، دون أن يستغرب،  فقد باتت   المياه الجوفية ملوثة بسبب تسريبات السوائل من مكب للنفايات عمره ست سنوات.

لا يقتصر الأمر على محمد وأرضه ومزروعاته، إذ إن هناك أربع قرى هي الهباط وبحوري والصنمة وباتنته، جميعها تأثرت بمكب النفايات الذي بات يشكل خطرًا على المياه الجوفية والمزروعات وصحة الناس.

“انخرب بيتنا”، عبارة لخص بها المزارع خالد علي الجعبي من قرية الصنمة حجم الضرر الذي طاله إثر مكب النفايات المذكور، قائلًا إن السكان تحمّلوا القمامة والذباب والبعوض والروائح الكريهة، لكن أن تصل آثار النفايات إلى المياه، فهذه كارثة.

في 2023، حفر المزارع خالد بئرًا بعمق أكثر من 200 متر، وبتكلفة وصلت إلى 5000 دولار أمريكي، لكن مياهه باتت صفراء برائحة كريهة منذ ثلاثة أشهر، ما حرمه من الاستفادة منها في السقاية والشرب، قائلًا لن أبيع خضراوات ملوثة إلى أحد، ولن أكون سببًا في مرض الآخرين، لكن ما يحصل “دمار للزراعة والصحة”.

في قرية الهباط شمالي إدلب حيث تسيطر حكومة “الإنقاذ”، تحول مقلع استخراج الحجر إلى مكب نفايات رئيس، وأدى إلى تلوث 17 بئر مياه جوفية محيطة به، وسط مطالب مستمرة من القاطنين بإيجاد حلول مجدية، تقيهم خطر الإصابة بأمراض جلدية وداخلية.

ومنذ عام 2018، توقف عمل المقلع في استخراج الحجر ومواد البناء، وتحول إلى بؤرة للنفايات والحشرات، فعمقه البالغ نحو 60 مترًا جعل من الصعب الاقتراب منه، وحوله مصدرًا للتلوث والأمراض.

إلى جانب انتشار الحشرات والروائح الكريهة، وصلت تسريبات سوائل القمامة إلى الآبار الجوفية القريبة، وحوّلت مياهها إلى صفراء وبنية وذات رائحة كريهة، ملحقة الضرر بالبشر والمزروعات.

مشكلة النفايات منذ عقود

لا تعد مشكلة انتشار النفايات وتراكمها جديدة، لكنها تفاقمت مع زيادة المشهد السوري قتامة وتعقيدًا منذ 13 عامًا، خاصة أن إدارة النفايات الصلبة كانت مشكلة بيئية معترف بها في سوريا قبل عام 2011، وكان التعامل مع النفايات غير مناسب، ويفتقر إلى الرقابة التنظيمية على الانبعاثات الصادرة عن البيئة، وكان نظام الحوكمة البيئية ضعيفًا، وفق تقرير لمنظمة “PAX” الهولندية.

على الجغرافيا السورية، وبتعدد مناطق السيطرة، تنتشر أكوام النفايات والقمامة في المدن والأرياف، مشكّلة مواقع تكاثر للآفات والحشرات والحيوانات من بعوض وذباب وفئران وقطط وكلاب شاردة، وباتت منبعًا وبؤرة للأوبئة والأمراض والروائح الكريهة، وطالت أضرارها البشر والبيئة.

حكومة النظام السوري و”الإدارة الذاتية” و”الحكومة المؤقتة” و”حكومة الإنقاذ” إلى جانب منظمات وهيئات معنية بحماية البيئة، لا تزال جهودها قاصرة أمام مشكلة النفايات في سوريا، دون تقديم أي حلول مجدية، لوقف ضرر النفايات  على صحة الفرد والبيئة، وسط محاولات خجولة لا ترقى إلى حجم الضرر المتفاقم.

قبل 2011، ورغم جمع النفايات المنزلية، إلا أن مدافن النفايات كانت جميعها مفتوحة، وكثيرًا ما يتم حرق النفايات غير المكشوفة في حفر مفتوحة ولا يتم التخلص من النفايات الخطرة بشكل منفصل، ومع مرور السنوات أدى تصاعد العنف والصراع إلى تفاقم الوضع، وفق تقرير منظمة “PAX“.

وبسبب الانهيار شبه الكامل لخدمات إدارة النفايات، لا تزال كميات كبيرة من النفايات ملقاة في الشوارع في جميع أنحاء البلاد، ولجأت العديد من البلديات إلى مثل هذه التدابير كالحرق أو الإغراق غير المنضبط، ما زاد التهديد من انتشار الأمراض والطفيليات.

في هذا الملف، تسلط عنب بلدي الضوء على مشكلة النفايات في سوريا، وتستعرض نماذج عن انتشار القمامة في مدن وأرياف مختلفة، وطرق التخلص منها، ودور الجهات المسؤولة في إدارتها، والأضرار على البيئة والسكان، وتقدم حلولًا بالاستناد إلى دراسات وخبراء ومختصين.

مخاطر على البيئة

تعد مكبات النفايات مساهمًا رئيسًا في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، لأن كمية هائلة من الميثان وثاني أكسيد الكربون تتولد من عملية تحلل النفايات المترسبة في هذه المكبات.

ويؤدي مكب النفايات إلى تلوث المياه السطحية والجوفية عن طريق الرشح من المكب (غالبًا إذا كان مكب النفايات يفتقر إلى بطانات كافية)، وإلى رائحة كريهة، وانبعاثات الهباء الجوي الحيوي ( مجموعة متجزئة من الجسيمات المنبعثة من النظم البيئية الأرضية والبحرية في الغلاف الجوي).

وغالبًا ما تؤدي التفاعلات الكيميائية والميكروبيولوجية المعقدة داخل مكب النفايات إلى تكوين العديد من الملوثات الغازية والملوثات العضوية الثابتة (مثل الديوكسينات والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات) والمعادن الثقيلة والجسيمات.

وعندما تصل الغازات الحمضية إلى الغلاف الجوي، فإنها تميل إلى تحمض الرطوبة في الغلاف الجوي، وتسقط على شكل أمطار حمضية تضر بالنباتات، كما أن ثاني أكسيد الكبريت له تأثيرات ضارة على نمو النبات وإنتاجيته.

ويحمل انهيار أو تدهور إدارة النفايات مخاطر عدة، إذ يمكن أن يؤدي عدم جمع النفايات والتخلص منها بشكل مناسب إلى تلوث الهواء والتربة والمياه بشكل خطير، كما يؤدي حرق النفايات غير المنضبط إلى إطلاق الدخان والملوثات مثل الديوكسينات والفيورانات، وفق تقرير منظمة “PAX” الهولندية.

ويمكن أن يتولد تلوث الهواء عن طريق الرماد والغبار من سطح مكب النفايات وانبعاثات الغازات الناتجة عن تحلل النفايات، مثل غاز الميثان وثاني أكسيد الكربون، وكذلك الدخان الناتج عن حرائق مدافن النفايات.

وتتسبب تعبئة العصارة السائلة الناتجة عن رطوبة النفايات، إلى جانب مياه الأمطار المتسربة من خلال المكبات في تلوث المياه الجوفية، ويمكن أن تحتوي على المادة المرتشحة من معادن ثقيلة ومستويات عالية من المواد العضوية وغير العضوية، وتصب في هياكل الصرف الصحي والمسطحات المائية المفتوحة، ما يؤثر سلبًا على جودة المياه.

تؤثر هذه العملية على نسبة الأكسجين في الماء، الأمر الذي يمكن أن  تكون له عواقب وخيمة على النظم البيئية، وذلك بناء على على العضوية والمواد غير العضوية الموجودة في مكب النفايات، وفق التقرير.

مكب للنفايات يؤرق السكان قرب مخيم “الكويتي” شمالي إدلب – حزيران 2024 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

30 مكبًا للنفايات في إدلب وريفها

غضب الأهالي واستنكارهم لتحويل المقلع في قرية الهباط إلى مكب قمامة، لم يكن كافيًا لوقف تلوث الآبار، وهدد حياة الناس وبينهم  ابن عم الشاب عمار البكور  الذي توفي إثر إصابته بجرثومة في الدم، سببها تلوث المياه الناتج عن المكب، وفق ما قاله الشاب لعنب بلدي.

الجيولوجي سراج الحريري، وهو مسؤول عن موقع الهباط، قال لعنب بلدي، إن عدة آبار تلوثت في القرية، وكان نوع التلوث جرثوميًا، مرجعًا السبب الرئيس إلى وجود المكب، ومسببات أخرى منها مياه الصرف الصحي وحرق النفايات الطبية.

وأضاف الحريري أنه أصدر تقريرًا منذ مطلع 2024، وقدّم أطروحات لحل المشكلة قبل تفاقم الأزمة، وهي إيقاف المكب وقد تم ذلك، وعزل المكب وتحويله إلى مطمر صحي، تجمع فيه السوائل الناتجة عن النفايات الصلبة ومعالجتها فيما بعد.

ومن المقترحات تحويل الحراقات الطبية إلى حراقات ذات فلاتر، وتقديم معالجة صحيحة لنواتج الحرق، كما تم التواصل مع كثير من المنظمات، وحصلت استجابة من الأمم المتحدة، مع توقعات باستجابة وخطة عمل قريبة، وفق الحريري.

وعن الخطوات الملموسة، قال الحريري، إن العمل بدأ على فتح طريق لأرضية الموقع (المكب) وتحديد حوض لتجميع السوائل وتجفيفها، ومعالجة السوائل الموجودة في أرضية المقلع، لافتًا إلى أن حجم العمل واسع، وفيه تعقيدات، ويتطلب وقتًا.

وتنشط في مدينة إدلب وريف حلب الغربي شركة “E-Clean” (البيئة النظيفة)، وتعمل على تنظيف بعض الطرق وجمع النفايات، وفق اتفاق مع وزارة الإدارة المحلية التابعة لحكومة “الإنقاذ”، بحسب حديث سابق لمدير مكتب العلاقات العامة في الشركة، محمد سالم، مع عنب بلدي.

في تموز 2023، بدأت الشركة بتنفيذ مشروع تركيب حاويات قمامة تحت الأرض صديقة للبيئة بدلًا من القديمة المنتشرة بجانب الطرقات، وشملت تحديد 109 نقاط، بناء على المعاينات الفنية والتشاور مع الأهالي والجهات المعنية لاختيار المواقع الدقيقة.

هذا التوجه خفف من انتشار القمامة لكنه لم يحل المشكلة كليًا، إذ تحتوي المنطقة على أكثر 30 مكبًا مركزيًا للنفايات، بالإضافة لمكبات فرعية تتبع لبلديات القرى والكثير من المكبات العشوائية التي أنشأت للتخلص من نفايات المخيمات بالقرب منها.

ومع أن الجهات المسؤولة أغلقت العديد من هذه المكبات، وحولت نفاياتها إلى مكبات أخرى مجاورة، إلا أن هذا  لا يعتبر حلًا جذريًا للمنطقة مع الوعود بالعمل على إنشاء معامل لإعادة التدوير.

مدير دائرة المكبات في شركة “E-Clean” محمد كوريني، قال لعنب بلدي، إن الشركة لا يتوفر لديها معامل لتدوير النفايات، لكنها أجرت بعض التجارب ولم تنتهي بعد.

وأضاف أن الشركة تختار المكبات بحيث  تكون أقل إزعاجًا وضررًا للسكان، فمثلًا يمكن أن تختار الشركة مكبًا بعيدًا عن التجمعات السكنية قدر الإمكان، حتى لا يتسبب بضرر مثل  الروائح  والأدخنة  والحشرات.

وأوضح أن الأضرار الناتجة عن المكبات يتم تخفيفها من خلال تحويل المكب إلى مطمر صحي، لافتًا إلى أن الشركة تعمل على طمر المكبات وزراعتها بأشجار الكينا والدفلة.

متطوعو “الدفاع المدني السوري” يرحّلون القمامة من قرب المخيمات والتجمعات السكنية شمال غربي سوريا – 1 من أيار 2024 (الدفاع المدني السوري)

كارثة ستنفجر قريبًا

تتفاقم مشكلة النفايات شمال غربي سوريا، حيث يسكن 5.1 مليون شخص، منهم 4.2 مليون بحاجة إلى مساعدة، و3.4 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 3.4 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان يعيشون في المخيمات.

قال “الدفاع المدني السوري” لعنب بلدي، إن انتشار مكبات القمامة يشكل خطرًا على صحة المدنيين وخاصة في جهاز التنفس الذي يمكن أن يتأثر بشكل تدريجي وعلى المدى الطويل بسبب حرق النفايات بشكل أساسي.

واعتبر أن وجود مكبات القمامة بالقرب من المخيمات هو حالة غير صحية أبدًا، وهناك حالة مشابهة لها هي جريان أو وجود مستنقعات للصرف الصحي بالقرب من المخيمات والقرى والبلدات، وأحيانًا يكون هناك عمليات حرق للنفايات بهدف التخلص منها، وهذا بالتالي يؤدي إلى انبعاث أدخنة ضارة من عملية الحرق، كما تؤدي المكبات لانتشار الحشرات والقوارض وخاصة في المكبات غير المجهزة.

 

حقيقة مسألة النفايات في شمال غربي سوريا واحدة من الكوارث التي ستنفجر بعد فترة وجيزة، ونحتاج لإدارة النفايات بشكل يضمن عدم تلوث البيئة ويحافظ على الصحة والسلامة العامة، ويمكن المجتمعات من الاستفادة من هذه النفايات بشكل آمن.

الدفاع المدني السوري

 

وذكر “الدفاع المدني” أن فرقه عملت خلال السنوات الماضية على إبعاد وتجريف مكبات النفايات بعيدًا عن التجمعات السكانية، لكن توقف هذا النوع من الأعمال منذ فترة وجيزة إلا للحالات الطارئة بسبب الضغط والانشغال بالعمل لمشاريع خدمية وقيام الجهات المحلية والبلدية بهذه المهمة.

بالإضافة لمشاريع وأعمال خدمية تتعلق ببرامج الإصحاح والحد من انتشار فتحات الصرف الصحي ومستنقعات المياه المكشوفة، للحد من آثارها على صحة الإنسان، وإبعادها عن الأراضي الزراعية للحد من تلوث التربة والخضروات بها.

أمراض تنفسية وهضمية وجلدية

مديرية صحة إدلب” قالت إن تسرّب النفايات السائلة من المكب باتجاه مصادر المياه الجوفية وأدى إلى تلوثها، وتسبب بعدد من حالات الإسهال والإنتانات التنفسية في المخيمات والقرى المحيطة.

مسؤول دائرة الرعاية الثانوية في “مديرية صحة إدلب” باسل سباغ، قال لعنب بلدي، إن النفايات تحمل تأثيرًا سلبيًا على صحة الإنسان، وتنقسم الأمراض الناتجة عنها إلى ثلاثة أنواع، أولى أمراض تنفسية نتيجة الروائح الكريهة، والثانية أمراض الجهاز الهضمي نتيجة تحلل النفايات في البيئة وانتقالها عن طريق المياه إلى الإنسان سواء عن طريق الخضروات أو الآبار أو غيرها.

النوع الثالث من الأمراض هي الجلدية، وتحدث حين يكون الشخص على تماس مباشر مع أكوام القمامة، وفق سباغ.

وأضاف سباغ أنه من الصعب تبيان كل حالة مرضية وسبب العدوى، لكن في حال وجود إصابات عديدة من منطقة معينة يتم البحث عن السبب ومعرفته سواء جراء النفايات أو غيرها من المسببات، لافتًا إلى أن الخلل في معالجة القمامة، يحمل تأثيرات على عشرات الأشخاص وأحياء بكاملها، كما أن الأمراض لا تحدث بطريقة عشوائية، إنما تشكل أكوام القمامة سببًا لحدوث وباء أو جائحة.

أدى مكب النفايات إلى تلوث المياه الجوفية في قرية الهباط شمالي إدلب – 12 من حزيران 2024 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

النفايات الصلبة في الشمال السوري.. تدق ناقوس الخطر

أ.د. ميسر الحسن
أكاديمي وباحث في جامعة الشام

تستمر ظاهرة التلوث البيئي بالتفاقم على مستوى العالم، نتيجة تزايد النمط الاستهلاكي لسكان الكوكب مع ازدهار الصناعة.

ويقدّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة الإنتاج العالمي من النفايات البلدية الصلبة بـ 2.3 مليار طن سنوياً، يُعالج جزء منها، بينما يُرمى الباقي في البحار أو يُدفن في الأرض.

وتُعتبر الدول الآسيوية، وخاصة الصين، من أكبر المساهمين في تلوث الكوكب، حيث تعاني حكوماتها من الضغط على اقتصاداتها ومنظوماتها الصحية نتيجة لذلك.

تفاقمت مشكلة التخلص من النفايات الصلبة في الشمال السوري بعد عام 2011، بسبب غياب سلطة مركزية قادرة على إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، وفرض قوانين ناظمة للنشاطات الصناعية والزراعية والبلدية.

هذا الواقع ألقى بمسؤولية ترحيل النفايات على عاتق المجالس المحلية للقرى والبلدات، وأحياناً على عاتق الأهالي عبر مبادرات تطوعية.

أنواع النفايات:

تصنف النفايات على أساس مصدرها (إنتاجي، تحويلي، استهلاكي)، وطبيعتها (عضوية، غير عضوية)، وطريقة معالجتها (خطرة، قابلة للتحلل، قابلة للتدوير، صلبة).

كما تصنَّف إلى: نفايات صناعية (معادن ثقيلة، مخلفات كيميائية)، وكهربائية (أجهزة معطلة)، وتجارية (مخلفات المحلات والمطاعم)، وزراعية (بقايا محاصيل، وأسمدة وعبوات المبيدات)، وحيوانية (بقايا حيوانات نافقة والروث)، ومنزلية، وطبية (مخلفات المشافي والعيادات)، وعضوية (بقايا الطعام والنباتات والأخشاب)، وخطرة (كيماويات سامة ومواد مشعة ومواد قابلة للاشتعال)، بالإضافة إلى النفايات الإنشائية (كالردم والخرسانة والأخشاب، والحديد).

وتحتل سوريا مرتبة عالمية في التلوث بالنفايات الإنشائية، حيث يقدر حجم الردم الناتج عن تدمير الأبنية بـ142.5 مليون طن وفقًا لتقرير البنك الدولي حول أضرار الحرب في سوريا.

مكب للنفايات يؤرق السكان قرب مخيم “الكويتي” شمالي إدلب – حزيران 2024 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

 خطورة النفايات الصلبة:

يتسبب هطول المطر بتحلل بعض مكونات النفايات الصلبة، فيتشكل راشح سائل، غني بملوثات كالمعادن الثقيلة والمركبات العضوية ومسببات الأمراض كالبكتيريا والفيروسات والطفيليات.

تتفاقم هذه الظاهرة بشكل خاص في المكبات غير المجهزة “ببطانات” ومرشحات مناسبة.

ويزداد هذا التلوث برمي النفايات السائلة (كالفيول والزيوت) مباشرة دون معالجة، وبالجريان السطحي لمخلفات الأنشطة الصناعية والزراعية.

تكمن خطورة النفايات الصلبة في تأثيرها غير المحلي، إذ  ينتقل راشح النفايات بما يحمله من مواد سامة إلى التربة، فيغير بنيتها الفيزيائية وتركيبها الكيميائي، ما يتسبب في انخفاض جودتها وقدرتها على إنتاج محاصيل زراعية صالحة للاستهلاك البشري، وهو ما يضر بالسّلسلة الغذائية، وينعكس على الأمن الغذائي للسكان.

يتسلل الراشح إلى المياه الجوفية أيضاً، فيلوثها بالمعادن الثقيلة والمركبات العضوية ومسببات الأمراض.

وتؤدي هذه الظاهرة إلى تلوث مياه الآبار وتكاثر الحشرات والقوارض، فتنتشر أمراض كالالتهابات المعوية والاضطرابات العصبية والكوليرا والسرطانات وخاصة عند الأطفال والنساء الحوامل.

ويمتد تأثير النفايات إلى الهواء الذي يتلوث نتيجة رمي النفايات الصلبة في مكبّات مكشوفة، فتنبعث منها روائح كريهة وغازات سامة تنتقل مع الرياح إلى أماكن أخرى، فتضرّ الغلاف الجوي وتؤذي السكان.

تأثير النفايات على البيئة في الشمال السوري

ما زال سوء إدارة النفايات في الشمال السوري يتسبب بتأثيرات كبيرة على البيئة. فالمنطقة تفتقر إلى مكبات نظامية، ويتسبب عدم تجهيز المكبات الموجودة ببطانات تمنع تسرب الملوثات إلى التربة ثم إلى المياه الجوفية بتلوثهما. هذا ينعكس سلباً على إنتاجية التربة وعلى جودة المحاصيل الزراعية (UNEP, 2013).

تتفاقم المشكلة مع رمي النفايات المنزلية والصناعية في المسطحات المائية والأراضي القريبة وعلى جوانب الطرقات في بعض المناطق، واعتماد البلديات والأهالي على طريقة الحرق المفتوح للتخفيف من تراكمها، حتى بات السكان يعانون من روائح مزعجة تنتشر في مناطق كان مرضى الربو يلجؤون إليها للاستشفاء قبل عام 2011 بسبب نقاء هوائها.

تمثل الآبار المصدر الرئيسي لمياه الشرب والري في الشمال السوري، وبات استهلاكها الجائر بسبب الجفاف وغياب القوانين الناظمة مشكلة بحد ذاته. علاوة على ذلك، ظهر تلوثها كأحد أهم القضايا التي تواجه البيئة المحلية، خاصة مع إنشاء مكبات نفايات غير نظامية، تسمح بتسرب راشح النفايات الصلبة فيها إلى التربة العميقة.

تم رصد تغير طعم مياه الآبار ورائحتها في عدة مناطق سورية ما يشير إلى خطر استخدامها في ري المحاصيل الزراعية، ناهيك عن استهلاكها البشري.

 المعالجة:

غالباً ما تكون تقنيات المعالجة المتاحة للنفايات في المناطق ذات الموارد المالية المحدودة غير مجدية اقتصادياً، لذا تلجأ البلديات إلى طرق المعالجة الأقل كلفة والأكثر خطورة، حيث تكتفي غالبا بترحيلها إلى خارج المناطق السكنية وتخزينها في مكبات بدائية. ولكن الاستدامة تتطلب نهجَ معالجةٍ متكامل، يشمل: إنشاءَ مكبات حديثة، مزودة ببطانات مناسبة وأنظمة تجميع الراشح ومعالجته، وفرزَ النفايات وإعادة تدويرها، لتقليل الكميات التي تُرمى في المكبات وتحويل ما يمكن منها إلى سماد، والتخلص من الباقي بطرق آمنة، مثل الطمر الصحي والحرق في أماكن مخصصة، بالإضافة إلى التشدد  في إجراءات التخلص الآمن من النفايات الخطرة.

وعلى كل حال، يعتمد اختيار الطريقة المناسبة لكل نوع من النفايات على التقنيات المتاحة والاعتبارات البيئية والاقتصادية لكل منطقة.

الاعتراف بالمشكلة هو أول خطوات حلها:

لم يعد انتظار الحل السياسي لمعالجة التحديات البيئية في شمال سوريا واقعياً.

يبدأ الحل بجمع المعلومات اللازمة لبناء تصور متكامل، من خلال اجتماع الجهات المعنية، وبناء قاعدة معلومات شاملة. يجب جذب الخبراء لتشكيل فريق يرسم خطة استراتيجية لإدارة النفايات المستدامة تستفيد من التجارب السابقة، وتراعي السياق المحلي وتُشرك السكان في التخطيط والتنفيذ. تتضمن الخطة أيضاً تنفيذ نشاطات توعية بيئية على المستوى الشعبي. يبدأ بعدها إجراء تغييرات جوهرية في سياسة إدارة النفايات على المستويات المؤسسية والقانونية والمالية والاجتماعية، والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي للمشاريع، وتشجيع الاستثمار في منشآت فرز وتدوير النفايات ومعالجة المياه.

متطوعو “الدفاع المدني السوري” يرحّلون القمامة من قرب المخيمات والتجمعات السكنية شمال غربي سوريا – 15 من نيسان 2024 (الدفاع المدني السوري)

أربعة نماذج.. انتشار مهول للقمامة

بالإضافة إلى إدلب، تستعرض عنب بلدي نماذج من أربع مناطق بمختلف الجهات المسيطرة في سوريا، عن انتشار النفايات الصلبة وتراكمها غير المنضبط وتكدسها لأيام، وآثارها على البيئة والصحة.

نفايات رأس العين تهدد  1500 شخص

إلى غربي رأس العين حيث تسيطر “الحكومة السورية المؤقتة”، يواجه سكان قرية تل أرقم البالغ عددهم 1500 شخص الأمراض والأوبئة، إثر وجود مكب نفايات بالقرب من القرية، ضمن أرض  تابعة لملكية الدولة.

يبعد المكب عن القرية نحو كيلومتر واحد، وسبب وجوده هو نقل النفايات من رأس العين والمناطق المجاورة لها إلى قرية تل أرقم، بينما يتم تجميع القمامة في مركز المدينة ضمن أماكن مخصصة للنفايات، ومن ثم نقلها إلى المكب نفسه (في تل أرقم) عبر الجرارات التابعة للبلديات.

السيدة مرام القطيفي من قرية تل أرقم، قالت إن طفلها يعاني من الربو والتحسس الصدري الحاد، وحالته تزداد سوءًا بسبب الروائح الكريهة المنبعثة من مكب النفايات القريب من منزلها، بالإضافة إلى مشكلات جسدية وحساسية جلدية أصابت جسد السيدة نتيجة الحشرات المتجمعة في المكب.

يثير مكب للنفايات في قرية تل أرقم غربي رأس العين في الحسكة مخاوف 1500 شخص قريبين منه – 24 من نيسان 2024 (عنب بلدي)

وقالت السيدة لعنب بلدي، إن أهالي القرية طالبوا المجلس المحلي بنقل المكب، ووعدهم بذلك لكن حتى ينتهي المكب الجيد من التجهيزات.

مصدر في مديرية الصحة برأس العين طلب عدم ذكر اسمه (تجنبًا للمساءلة)، قال لعنب بلدي، إن النفايات الموجودة بالقرب من المناطق المأهولة تسبب عدة أمراض، أهمها الجلدية وأمراض التنفس.

وأوضح أن هذه  النفايات تصدر غاز “الميثان”، ويسبب حالات تسمم للأهالي، خاصة لأصحاب الأمراض المزمنة، ما يجعل حالتهم الصحية أكثر سوءًا.

وذكر المصدر أنه بعد التحدث مع المجلس المحلي والمسؤولين، تم الاتفاق على نقل المكب إلى منطقة نائية تكون بعيدة عن السكان، ويتم حرق النفايات وإزالتها بشكل يخفف الأمراض والأوبئة عن السكان.

قابلت عنب بلدي المتحدث الرسمي باسم المجلس المحلي، زياد ملكي، والذي قال بدوره، إن مكب القمامة بالقرب من تل أرقم يُستخدم حاليًا بشكل مؤقت حتى يتم تجهيز المكان المناسب، وأوضح أن المجلس يسعى إلى تجهيز مكان بعيد عن المناطق السكانية.

وأضاف أن المكان الجديد سيكون على شكل حفرة موجودة في الريف الشرقي، وسيتم رشها بالمبيدات وحرق القمامة فيها، مشيرًا إلى إلى إن إعادة تدوير القمامة تحتاج إلى إمكانيات كبيرة لا يملكها المجلس المحلي في الوقت الحالي.

مكب للنفايات في قرية تل أرقم غربي رأس العين في الحسكة – 24 من نيسان 2024 (عنب بلدي)

في اللاذقية.. لدغات و”قوباء”

تعد مدينة اللاذقية من أهم المحافظات السياحية في سوريا، إلا أن القمامة تفيض فيها، وتغص بها الحاويات وسط الشوارع وبين المنازل.

ورغم أن أحياء مثل الزراعة والمشروع السابع ومدخل المدينة بالقرب من مبنى جريدة “الوحدة” وجامعة “تشرين”، تعتبر من الأحياء الرئيسة التي عادة ما كان يتم إزالة القمامة منها بانتظام، فإنها لم تعد كذلك، وباتت القمامة تفيض من الحاويات نتيجة تركها لعدة أيام دون إزالة.

صيف عام 2023، تعرض فادي (42 عامًا) للدغة مؤلمة، اعتقد أنها لدغة عابرة من بعوضة، قبل أن تتطور الإصابة ويزور على إثرها الصيدلية لشراء دواء لها، فيخبره الصيدلي أنها “اللشمانيا” ويطلب إليه علاجها على الفور.

لدى الطبيب جرى حوار بينه وبين فادي، ليعلم كيف حدثت الإصابة، خصوصًا أنه ليس من الشائع انتشار “اللشمانيا” في اللاذقية، ليقول له فادي إنه كان يسهر  لدى معارفه في أحد ضواحي المدينة، ومنزلهم بالقرب من حاوية قمامة عشوائية تبقى ممتلئة بالقمامة التي يتخلص منها الأهالي حرقًا في أغلب الأحيان لأن البلدية لا تزيلها بشكل مستمر.

وهناك شعر فادي بوخزة مؤلمة لم يكترث لها، حتى تطور الأمر بعد نحو أسبوع   وبدأ مكان اللدغة يكبر.

أطفال ينبشون القمامة في إحدى الحاويات بحي المشروع السابع في اللاذقية – 19 من شباط 2024 (عنب بلدي/ ليندا علي)

مصادر طبية في مستشفى “تشرين” الجامعي، فضلت عدم الكشف عن اسمها، قالت لعنب بلدي، إنه مع بدء الصيف تنتشر العديد من الأمراض الجلدية التي يكون سببها تلوث مياه المسابح والحشرات المجرثمة نتيجة القمامة.

وأضافت المصادر الطبية، أن أكثر الحالات شيوعًا هي “القوباء” التي تعتبر إنتانًا جرثوميًا يدخل إلى طبقات الجلد، ثم تتطور وتشكل دُمليتطور ليشكل خراجًا، وقد تتفاقم الحالة إذا كان المريض يعاني السكري أو أي مرض آخر يؤثر على المناعة، كذلك على الأطفال الصغار الذين يعانون سوء تغذية، أو أن جهازهم المناعي لم يكتمل بعد.

وتعالج “القوباء” حسب شدتها وامتدادها، إما بشكل موضعي، أو جهازي مع موضعي بحال كانت الإصابة ممتدة.

وبسؤال المرضى الذين يراجعون المستشفى، فإن غالبية الإصابات تأتي إما من المسابح غير المعقمة، أو من خلال تعرضهم للدغ من حشرات بالقرب من حاويات القمامة، كذلك فإن كثيرًا من المرضى يعملون في أسواق الخضروات حيث تمتلئ الحاويات بالقمامة دائمًا على مدار اليوم.

قمامة متكدسة في حي الزراعة في اللاذقية – 17 من شباط 2024 (عنب بلدي/ ليندا علي)

في درعا.. النظافة على نفقة السكان

تختلف خدمات ترحيل القمامة في درعا بين منطقة وأخرى، إذ ينصب اهتمام مؤسسات النظام السوري على مركز مدينة درعا، فيما يغرق الريف الغربي والشمالي بأكوام القمامة بسبب عجز المجالس المحلية على ترحيلها، بينما يجمع الأهالي التبرعات (الفزعات) لترحيل القمامة.

ورغم قذارة المنظر وانتشار الحشرات، بات مظهر انتشار أكوام القمامة في الأحياء الشرقية من بلدة المزيريب في ريف درعا الغربي مألوفًا، ويقتصر دور مجلس بلديتها على تنظيف الشارع الرئيس فقط، تاركًا الأحياء ومحيطها للترحيل العشوائي من قبل السكان.

أحد وجهاء البلدة طلب عدم الكشف عن اسمه قال لعنب بلدي، إن البلدية تختلق أعذارًا لعدم ترحيل القمامة من نقص مادة المازوت، وإن المخصصات الممنوحة للمجلس لا تغطي تنظيف كامل البلدة.

وأضاف أن السكان يلجؤون لرمي القمامة بشكل عشوائي في محيط البلدة، وبعضهم يقوم بحرقها، ما يسبب انبعاث رائحة كريهة وخطر  على السكان والبيئة.

وفي مدينة طفس، تتكوم مكبات القمامة غربي المدينة بمسافة لا تبعد  أكثر من كيلومتر واحد عن الأحياء المأهولة، ويتعامل المزارعون مع المكبات بحرقها بشكل دائم كي لا تمتد وتلوث أراضيهم المحيطة.

تنتشر مكبات القمامة بشكل عشوائي وبكثرة في ريف درعا الغربي – 6 من أيار 2024 (عنب بلدي/ حليم محمد)

أحد وجهاء مدينة طفس، قال لعنب بلدي، إن مشكلة مكبات القمامة غربي المدينة طُرحت من قبل الوجهاء على مديرية الخدمات العامة في محافظة درعا، وتمت الموافقة على نقل المكب إلى محيط تل الخضر جنوبي المدينة، إلا أن قوات النظام العسكرية المحيطة بتل الخضر منعت الجرارات الوصول لهذه النقطة.

وأضاف أن الخدمات أنشأت نقطة في وادي الزيدي بين بلدتي اليادودة وطفس، لكنها بعيدة ولا تتوفر  مخصصات كافية من المحروقات للوصول   إلى المكبات الجديدة.

أما في بلدة تل شهاب في ريف درعا الغربي، فالمجلس المحلي يرحّل القمامة، لكن بوتيرة بطيئة قد تمتد لفترة زمنية أكثر من 15 يومًا، ويتقاضى عمال النظافة أجورهم من السكان الذين يزيلون القمامة من أمام منازلهم.

ولا يغطي عمال النظافة ترحيلها في كامل البلدة، إذ لا تصل الآليات للأحياء في أطراف البلدة، ما يدفع  السكان للتخلص  منها عبر رميها في الوادي غربي البلدة أو عبر حرقها.

واشتكى مزارعون في البلدة لمديرية الخدمات الفنية، لأن أرضهم الواقعة قرب الحدود السورية الأردنية تحولت لمكب للقمامة، ما دفع البلدية لتغيير مكان رمي القمامة.

وفي درعا البلد المحاذية لمركز مدينة درعا، قال عضو في اللجنة المحلية في المدينة لعنب بلدي، إن المجلس قائم بنسبة 75% من أعمال النظافة، وإنهم كلجنة محلية يتابعون عمل المجلس ويعملون على تصليح أعطال الآليات.

وأضاف أنه في حال تقصير المجلس البلدي تتدخل اللجنة المحلية، وتعمل على ترحيل القمامة عبر “فزعات” محلية من الشباب المدنيين والآليات الخاصة.

تنتشر مكبات القمامة بشكل عشوائي وبكثرة في ريف درعا الغربي – 6 من أيار 2024 (عنب بلدي/ حليم محمد)

صندوق مالي من الأهالي

في ريف درعا الشرقي تقوم المجالس المحلية بترحيل القمامة، لكن عبر دعم مالي من السكان.

الناشط محمد المفعلاني من سكان بلدة ناحتة في ريف درعا الشرقي، قال لعنب بلدي، إن المجتمع المحلي يتكفل في إصلاح أعطال آليات مجلس البلدية، بالإضافة لتزويدها بالمحروقات متجنبًا روتين الدولة في إصلاح الأعطال التي تمتد لأشهر.

وأضاف المفعلاني أن البلدة تخصص رواتب لعمال النظافة، بالإضافة إلى راتبهم المخصص من قبل الدولة.

وحول ترحيل القمامة، قال إنها تُرحل لأماكن بعيدة عن الأحياء السكنية، وتستخدم كمكبات للنفايات، لافتًا إلى أن وضع النظافة جيد في أنحاء الريف الشرقي وأن معظم البلدات تخصص صندوقًا ماليًا عبر جمع التبرعات، وتخصص ميزانيته لدعم النظافة والكهرباء وشبكات المياه.

تنتشر مكبات القمامة بشكل عشوائي وبكثرة في ريف درعا الغربي – 6 من أيار 2024 (عنب بلدي/ حليم محمد)

دير الزور.. مناشدات دون استجابة

يعاني سكان قرى وبلدات ريف دير الزور الشرقي من تراكم القمامة في مناطق الصبحة وأبريهة والبصيرة وضواحيها، ما أدى إلى انتشار الروائح الكريهة وتجمع الحشرات والقوارض والكلاب الضالة حول أماكن تجميع النفايات.

هناك حيث تسيطر “الإدارة الذاتية”، تفاقمت المشكلة بسبب قلة الآليات المتاحة لنقل القمامة، وانتشار المكبات العشوائية في المنطقة، ولم تكن الشكاوى الواردة حول هذا الأمر جديدة، فقد باتت معتادة دون استجابة، وفق أهال قابلتهم عنب بلدي.

أبدى مهيدي الصالح من سكان بلدة الصبحة استياءه من تراكم النفايات داخل الأحياء، حيث يضطر الأهالي في كثير من الأحيان إلى جمع النفايات وحرقها بشكل عشوائي أو نقلها بشكل فردي خارج البلدة.

من جهته، أوضح مجاهد العبد الله من سكان مدينة البصيرة، أن سيارات البلدية لا تمر من شوارع مدينته سوى مرة واحدة كل أسبوع أو عشرة أيام، وأن المنطقة بحاجة إلى مرور دوري لآليات البلدية، مشيرًا إلى ضرورة وجود حاوية تجمع النفايات بها بدلاً من الطريقة العشوائية الحالية، التي وصفها بأنها غير حضارية.

وبسبب تقاعس المجالس المحلية وهيئة البلديات، اضطر سكان مدينة البصيرة والبلدات والقرى المجاورة إلى حرق أكوام القمامة، أو نقلها باستخدام آليات خاصة إما إلى سرير نهر “الفرات” أو بالقرب من سكة القطار في بادية المنطقة.

تشكل مكبات النفايات مكانًا لجمع الخرداوت في مدينة دير الزور وتؤثر سلبًا على صحة البيئة والفرد – 15 من آب 2023 (عنب بلدي/عبادة الشيخ)

نايف التكمة من قرية أبريهة، قال لعنب بلدي، إن الكلاب والقطط الشاردة انتشرت بشكل ملحوظ بسبب النفايات، وذكر أن الأهالي وجهوا العديد من المناشدات للمسؤولين، لكن دون جدوى.

أما سكان شارع “عشرين” في مدينة البصيرة، فأشاروا إلى أن القوارض انتشرت بشكل كبير في الحي خاصة بالقرب من أماكن تجمع النفايات.

موظف في بلدية البصيرة (طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام)، قال لعنب بلدي، إن البلدية طالبت منذ سنوات بزيادة عدد الآليات والعاملين في لجنة الخدمات، إلا أنهم لم يتلقوا  سوى الوعود دون تحقيق فعلي، إذ تحتاج المنطقة إلى أكثر من خمس عربات، بينما لا يوجد سوى عربتين حاليًا.

وذكر أن سكان المنطقة يتحملون أيضًا مسؤولية الحفاظ على نظافة منطقتهم، من خلال التزامهم بأماكن رمي القمامة المخصصة، وعدم إلقائها بشكل عشوائي في الشوارع.

وقدمت شركة “Crown Agents” خدمات في إدارة النفايات شمال شرقي سوريا لمدة ثلاث سنوات، ووظف برنامج الشركة 405 أفراد من 9 قرى كانت عمليات إدارة النفايات تجري فيها، كما وضعت  الشركة نموذجًا يوضح أنه لكل 1000 نسمة في قرية، هناك إنتاج يومي للنفايات يبلغ 1.44 متر مكعب، لكن هذا الاستجابات محدودة أمام حجم النفايات ومدى انتشارها.

ولا تختلف الحال في الرقة عن دير الزور، إذ تنتشر المكبّات العشوائية في أحياء مدينة الرقة، ضمن زوايا الحدائق الصغيرة أو بجانب الأبنية المهجورة والمدمرة، ما يشكل قلقًا للأهالي خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة.

تنتشر أكوام القمامة بشكل عشوائي في شوارع مدينة البصيرة بريف دير الزور الشرقي – 23 من نيسان 2024 (عنب بلدي/ عبادة الشيخ)

تأثيرات تصل إلى الوفاة

تؤثر مكبات النفايات والملوثات الخطرة فيها والغازات والروائح المنبعثة منها على صحة الإنسان على المدى القريب والبعيد، وترتبط حدة المرض وخطورته بالغاز المنبعث، إذ تنتج النفايات عناصر سامة نزرة تشمل أول أكسيد الكربون وكبريتيد الهيدروجين والزيلين والديوكسين وغيرها، وفق تقرير “PAX”.

ويمكن أن تحتوي النفايات على الخشب والورق والبلاستيك، وعلى غاز  الميثان الناتج عن الانهيار مستويات عالية من الهيدروكربون والفينول والبنزين والمعادن الثقيلة، ويمكن لهذه الأشكال من تلوث الهواء أن تخلق مخاطر صحية خطيرة، وتثير مشكلات في الجهاز التنفسي، وتسبب على المدى الطويل أعراض الاختناق والأمراض المزمنة والسرطان.

أبرز  مخاطر النفايات على صحة الإنسان

  • فقدان التركيز والغثيان والقيء، ويمكن أن يسبب استنشاق الميثان المستمر إلى الوفاة.
  • تهيج الأنف والحلق وتضيق القصبات الهوائية وضيق التنفس والتهابات الجهاز التنفسي.
  • انخفاض وظائف الرئة والربو والترنح والشلل وسرطان الرئة، وذلك عند استنشاق المعادن الثقيلة.
  • ارتفاع ضغط الدم وفقر الدم الناجم عن تلوث المعادن الثقيلة، وعند ملامستها بنسب عالية، فإنها تؤثر على الجهاز العصبي ما يسبب السمية العصبية، ويؤدي إلى اعتلالات عصبية مع أعراض مثل اضطرابات الذاكرة واضطرابات النوم والغضب والتعب ورعشة الرأس وعدم وضوح الرؤية والكلام غير الواضح.
  • تلف الكلى وخطر تكوين الحصى أو تكلس الكلى وسرطان الكلى
  • يرتبط الديوكسين بزيادة معدل الوفيات الناجم عن مرض القلب الإقفاري.
  • يُعتقد أن الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات لها خصائص مسرطنة محتملة عند ملامستها للبشر، ما قد يؤدي إلى ورم في الرئتين وسرطان الجلد ونقص في أجزاء أخرى من الجسم.
  • استنشاق البشر للجسيمات الدقيقة يؤدي إلى التهاب بطانة الأوعية الدموية، وتغيّرات التهابية جهازية وتجلط الدم، ما قد يؤدي إلى انسداد الأوعية الدموية والذبحة الصدرية واحتشاء عضلة القلب.

المصدر: المجلة الدولية لبحوث البيئة والصحة العامة.

أرقام تعكس حجم الكارثة عالميًا

من المتوقع أن ينمو توليد النفايات الصلبة في العالم من 2.3 مليار طن في عام 2023 إلى 3.8 مليار طن بحلول عام 2050، وفق تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP).

وفي عام 2020، قدرت التكلفة العالمية المباشرة لإدارة النفايات بنحو 252 مليار دولار أمريكي، وعند الأخذ في الاعتبار التكاليف الخفية للتلوث وسوء الصحة وتغير المناخ الناجم عن الممارسات السيئة للتخلص من النفايات، ترتفع التكلفة إلى 361 مليار دولار أمريكي.

وبدون اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن إدارة النفايات، بحلول عام 2050، يمكن أن تتضاعف هذه التكلفة السنوية العالمية تقريبًا لتصل إلى 640.3 مليار دولار أمريكي.

ويتم جمع ما يقدر بنحو 11.2 مليار طن من النفايات الصلبة في جميع أنحاء العالم سنويًا، ويساهم انحلال النسبة العضوية من النفايات الصلبة بنحو 5٪ من انبعاثات غازات الدفيئة على الصعيد العالمي (وهي غازات تسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري والاحترار العالمي).

وتساهم إعادة تدوير النفايات في توفير الموارد، إذ يمكن توفير 17 شجرة و50٪ من المياه لكل طن من الورق المعاد تدويره، كما تخلق إعادة التدوير وظائف، إذ يوظف قطاع إعادة التدوير 12 مليون شخص في البرازيل والصين والولايات المتحدة وحدها.

تم إعادة تدوير 9٪ فقط من إجمالي النفايات البلاستيكية التي تم إنتاجها على الإطلاق، وتم حرق حوالي 12٪، بينما تراكم الباقي، أي 79٪، في مطامر القمامة أو المكبات أو البيئة الطبيعية.

يتم شراء مليون زجاجة بلاستيكية للشرب كل دقيقة حول العالم، في حين يتم استخدام ما يصل إلى 5 تريليون كيس بلاستيكي للاستخدام مرة واحدة في جميع أنحاء العالم كل عام.

خمسة حلول مستدامة لإدارة النفايات

لا تهدف أفضل  الحلول المستدامة لإدارة النفايات إلى تقليل الحجم الهائل للنفايات فحسب، بل تركز أيضًا على تقنيات إعادة التدوير المبتكرة والسماد وتحويل النفايات إلى طاقة، وتساهم في الحفاظ على الموارد وتقليل غازات الاحتباس الحراري، وفق تقرير للدكتورة إليزابيث جرين الخبيرة في البيئة والاستدامة، على موقع “Sigmaearth” (منصة الاستدامة الشاملة المخصصة لخلق مستقبل أكثر اخضرارًا واستدامة).

ويقوم نهج الحلول المستدامة على ثلاثة مبادئ رئيسة، التقليل، وإعادة الاستخدام، وإعادة التدوير، ومن الحلول المستدامة لإدارة النفايات:

  • فصل المصدر وإعادة التدوير، ويعني فصل الأشياء التي يمكنك إعادة تدويرها عن الأشياء التي لا يمكن استخدامها في المكان الصحيح.
  • السماد، وهي ممارسة صديقة للبيئة تعود بفوائد عدة، والأمر يتعلق بأخذ النفايات العضوية، مثل بقايا المطبخ، وقصاصات الفناء، وبقايا المحاصيل، وتحويلها إلى تربة غنية بالمغذيات.
  • تقنيات تحويل النفايات إلى طاقة، وهناك طريقتان شائعتان هما الحرق (طريقة ذكية للتخلص من النفايات وفي نفس الوقت توليد الطاقة) والهضم اللاهوائي (ويشبه إعادة التدوير في الطبيعة).
  • مبادرات الاقتصاد الدائري، وهو الاستمرار في استخدام المنتجات والمواد وإعادة تدويرها بشكل متكرر، ويتعلق الأمر بإعادة التفكير في كيفية الاستهلاك والإنتاج.
  •  الأنظمة الذكية لإدارة النفايات، وتعني استخدام وتطويع الأجهزة المتطورة للحد من انتشار النفايات، مثل أجهزة استشعار خاصة وأجهزة كمبيوتر تراقب مدى امتلاء صناديق القمامة، ما يمنع القمامة من التراكم وإحداث الفوضى في الأحياء.

طرق للمعالجة وتوصيات

طرح الأكاديمي السعودي الدكتور محمد الدغيري أربع طرق لمعالجة النفايات الصلبة ضمن سلسلة ثقافية جغرافية في جامعة “القصيم”، ويقصد هنا الطرق التي يمكن من خلالها تغيير خواص النفايات الصلبة الخطرة لجعلها غير خطرة أو أقل خطورة، حيث يمكن بعدها التعامل معها بأمان أكثر، فيمكن نقلها أو جمعها أو تخزينها أو التخلص منها دون أن تسبب أضراراً للإنسان والبيئة. الطرق هي:

الطريقة الأولى هي الردم أو الطمر الصحي، وهو من أشهر الطرق المتبعة للتخلص من النفايات الصلبة، ويجب أن يتميز مواقع الردم الصحي بمواصفات هندسية خاصة، حيث تعتمد على رص النفايات الصلبة لاستيعاب أكبر كمية لتقليل النفاذية وتغطية النفايات بطبقة طينية عازلة وغير نافذة.

كما يجب اختيار موقع الطمر بعد دراسة جيولوجية لكل المواقع البديلة، بحيث تضمن عدم الإضرار بالبيئة عن طريق تسرب السوائل الناتجة من تحلل النفايات للمياه الجوفية.

الطريقة الثانية هي الحرق، وتعد من أكثر الطرق انتشارًا على مستوى العالم في السنوات الماضية، وتتم إما بواسطة محارق ذات تقنية عالية، أو مجرد الحرق المفتوح في الساحات وهذه الطريقة تستخدم لقلة المساحات المتاحة للطمر الصحي.

والطريقة الثالثة هي إعادة تدوير النفايات، وهي إعادة تصنيع النفايات بعد جمعها وفرزها للاستفادة من بعض مكوناتها في أغراض مختلفة.

الطريقة الرابعة التي طرحها الدغيري هي التحلل العضوي، وهو تحويل النفايات العضوية الصلبة إلى أسمدة عضوية تمثل مادة محسنة لخواص التربة الزراعية عن طريق التخمر العضوي أو التحلل الحيوي وإعادة المواد إلى دورها الطبيعية.

اعتبر الدغيري وهو عضو اللجنة التنظيمية للمؤتمر الدولي الأول لاستدامة الموارد الطبيعية 2019، أن مشكلة النفايات الصلبة لا يمكن التخلص منها بشكل نهائي، إذ لا يمكن أن يكون هناك تطور وتحسين للمعيشة دون زيادة عمليات التصنيع، ولا يمكن أن يوجد تصنيع بدون تلوث ونفايات.

ويوصي الدغيري بنشر التوعية بين السكان من خلال برامج إعلامية تثقيفية مدروسة تتعاون فيها جميع الجهات المعنية لكي تبرز لهم مشكلة النفايات الصلبة، وبضرورة تشجيع مشاريع صناعة إعادة التدوير للنفايات الصلبة، وتقديم جميع المعلومات والتسهيلات اللازمة لتحفيز المستثمرين للاهتمام بالصناعات التدويرية.

كما يوصي بضرورة تعميق مبادئ ومفاهيم الوعي البيئي لدى السكان، من خلال مادة التربية البيئية كمنهج دراسي، يعنى بتنمية مهاراتهم اللازمة نحو البيئة، واحترام العلاقة التي تربطهم ببيئتهم.

مقالات متعلقة

  1. الحرب تفاقم أزمة النفايات في سوريا
  2. محافظة دمشق: دراسة لتوليد الكهرباء من القمامة في سوريا
  3. مكب نفايات يلوث مياه الشرب في طرطوس.. الأهالي يحتجون
  4. مكب نفايات يهدد صحة 15 ألف نسمة في كلجبرين

تحقيقات

المزيد من تحقيقات