"تحرير الشام" عامل مؤثر
فتح “M4”.. طريق شائك لعودة العلاقات بين أنقرة ودمشق
ما إن تنشط التصريحات عن عودة العلاقات بين تركيا والنظام السوري إلى طبيعتها، حتى يتصدر طريق حلب- اللاذقية الدولي (M4) في سوريا الواجهة الإعلامية، نظرًا إلى أهميته في تحديد خريطة سيطرة لقوى محلية وإقليمية، كما أنه يشكل الشريان الرئيس الذي يربط بين مناطق استراتيجية مهمة ومناطق خاضعة لسيطرة أطراف متعددة.
هذه المرة، عاد الحديث عن “M4” عبر جريدة “الوطن” المقربة من النظام السوري، التي نقلت عن مصادر وصفتها بأنها “معارضة مقربة من ميليشيات أنقرة في إدلب”، توقعات بافتتاح الطريق قبل نهاية العام الحالي، وقرب تسيير دوريات عسكرية مشتركة روسية – تركية عليه.
ولا تزال قضية فتح “M4” أمام الدوريات الروسية- التركية في ريف إدلب أمرًا إشكاليًا، لا يقتصر على الطرفين فقط، إذ يحتاج إلى حسابات وترتيبات أمنية تتعلق بالفصائل، خاصة مع وجود “هيئة تحرير الشام”، وتاريخ سابق لاعتصامات الأهالي ضد فتحه، وأحداث تتعلق باستهداف قوات تركية عليه.
قبل بداية 2025
في 21 من تموز الحالي، ذكرت جريدة “الوطن” (نقلًا عن المصادر) قرب تسيير دوريات عسكرية مشتركة روسية- تركية على طريق حلب- اللاذقية، في قسمه الذي يصل بلدة ترنبة غرب سراقب شرقي إدلب بتل حور في ريف اللاذقية الشمالي، تمهيدًا لوضع الطريق في الخدمة.
وأضافت أن اجتماع الوفدين العسكريين الروسي والتركي في معبر “ترنبة”، في 17 من تموز الحالي، بحث خطوات بدء إعادة تسيير الدوريات المشتركة لضمان أمن الطريق.
وطلب الوفد الروسي من نظيره التركي القيام بإجراءات على الأرض لضمان أمن الطريق، عبر إنشاء محارس على ضفتيه وإبعاد المسلحين (في إشارة إلى “هيئة تحرير الشام”) لمسافة محددة منه على الأرض.
وتوقعت مصادر الجريدة افتتاح “M4” قبل نهاية العام الحالي، وربما في نهاية تشرين الأول أو في النصف الأول من تشرين الثاني المقبلين.
واعتبرت “الوطن” أن موسكو تحث على تسريع إعادة العلاقات السورية- التركية إلى طبيعتها، ومن البوابة الاقتصادية في انتظار أن تنضج الظروف لتحسن العلاقات السياسية عن طريق المفاوضات.
اتفاق “موسكو”
يرتبط فتح الطريق بتفاهمات بين روسيا وتركيا وفق بنود اتفاق “موسكو”، الموقّع في 5 من آذار 2020، بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان، والتي تنص على:
- وقف إطلاق النار على طول خط المواجهة بين النظام والمعارضة.
- إقامة ممر أمني على بعد ستة كيلومترات شمالي الطريق الدولي السريع الرئيس في إدلب (M4) وستة كيلومترات جنوبه، وهو الطريق الذي يربط المدن التي يسيطر عليها النظام السوري في حلب واللاذقية.
- نشر دوريات روسية- تركية مشتركة على طول طريق “M4” ابتداء من 15 من آذار من العام نفسه.
بعد الاتفاق، جرى تسيير بعض الدوريات المشتركة، لكنها قوبلت بغضب واعتصام لمدنيين على الطريق لمنع مرورها، كما تعرضت الدوريات لاستهداف من قبل مجهولين وفصائل تبنّت بعض العمليات.
وبعد عدة دوريات مشتركة تخللتها استهدافات عرّضتها للضرر والتوقف، وأوقعت إصابات بين الأتراك والروس، سيّرت تركيا بعض الدوريات بغياب روسيا التي امتنعت عن المشاركة بذريعة “عدم قدرة الأتراك على حماية الطريق”.
“تحرير الشام”: مقاومة روسيا مشروعة
من جهته، اعتبر “المكتب الإعلامي” في “هيئة تحرير الشام” أن تسيير دوريات عسكرية تركية- روسية على طريق “M4” بريف إدلب “إشاعات”، وأن موقف “الهيئة” ثابت من هذه القضية.
وأضاف في تصريح لعنب بلدي أن “تحرير الشام” تعتبر أي وجود عسكري روسي على الأراضي السورية قوة احتلال ساندت نظامًا قتل وهجر ملايين السوريين.
وذكر أن مقاومة هذا “الاحتلال” (روسيا) مشروعة بكافة الوسائل، وأن “الهيئة” تنزل مثل هذه القضايا على “ميزان الشرع الحنيف وثوابت الثورة”، بما يضمن استمرارها حتى تحقيق كامل أهدافها.
ولفت المكتب الإعلامي إلى أن وسائل إعلام النظام تلعب دائمًا على وتر الإشاعات والحرب النفسية على مناطق الشمال السوري، خاصة في وقت تضارب الأخبار والمعلومات، معتبرًا أن كلام جريدة “الوطن” وغيرها لا ينفك عن هذا السياق.
وفي كانون الثاني 2023، اعتبر القائد العام لـ”هيئة تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، المباحثات بين النظام السوري وحليفه الروسي وبين الجانب التركي، “انحرافًا خطيرًا يمس أهداف الثورة السورية”.
ورفض “الجولاني” المصالحة، متوعدًا بإسقاط النظام وبناء دمشق من جديد، قائلًا للنظام، “لا تفرح بما يجري، فما مضى أكثر مما بقي واقتربت ساعتك”، وذلك خلال تسجيل مصوّر بعنوان “لن نصالح”.
“الهيئة” أمام خيارين
في عام 2020، حاولت “تحرير الشام” عدة مرات فتح معابر تجارية بين مناطق سيطرتها وبين النظام، بعد توقيع اتفاق “موسكو”، إلا أنها لم تستطع، على الرغم من ضغط القوات الأمنية على الأهالي وتهديد الناشطين بالاعتقال، وإطلاق النار على متظاهرين في قرية معارة النعسان شرقي إدلب.
ورضخت “تحرير الشام” لضغط الأهالي، وألغت فتح معبر بين معارة النعسان وأرمناز شرقي إدلب، بداية أيار 2020.
وبررت “الهيئة” افتتاح المعابر، في نيسان 2020، بتراجع الحركة التجارية في محافظة إدلب، بعد الحملة العسكرية الأخيرة على مناطق شمال غربي سوريا، و”فقد عشرات الآلاف من الناس أعمالهم وأرزاقهم وأراضيهم”.
الباحث السياسي السوري، نادر الخليل، اعتبر أن وجود “هيئة تحرير الشام” في إدلب يمكن أن يكون عاملًا مساعدًا، وليس معيقًا أو يشكل عرقلة أمام فتح الطريق، لأن “الهيئة” تملك القوة وهي قادرة على ضبط المكان جغرافيًا، ولديها القدرة للضبط الديموغرافي أيضًا.
وأضاف الخليل لعنب بلدي أن وجود الحراك الشعبي ضد “تحرير الشام” المستمر منذ شباط الماضي، أوقع “الهيئة” في حيرة بين خيارين، الأول إرضاء الحليف التركي أو “السند التركي” إن صح التعبير، وبالتالي ستكون طرفًا ضمن التوافق الإقليمي التركي- الروسي.
والخيار الثاني هو إرضاء الشارع، إذ يمكن لتسيير الدوريات على “M4” أن يزيد حقن الشارع ضد “الهيئة”.
ويرى الباحث أن فتح الطريق أمام الدوريات يخلق إشكالية كبيرة جدًا لدى “الهيئة”، ومن غير المعروف كيف ستتصرف أو تفكر، إذ يعتمد الأمر على تقييمها وتقديرها وقدرتها على ضبط الشارع.
أين يقف النظام من الطريق
تتوالى التصريحات التركية التي تتناول اللقاء المحتمل بين الأسد وأردوغان، دون تحديد موعد للقاء، إثر نفي الخارجية التركية لما نقلته صحيفة “ديلي صباح” عن لقاء متوقع بين الجانبين في موسكو، آب المقبل، في الوقت الذي يتحدث فيه مسؤولون روس عن تهيئة الظروف لإطلاق الاتصالات بين أنقرة ودمشق.
ويضع النظام السوري الانسحاب التركي من الأراضي السورية كشرط لعودة العلاقات بين دمشق وأنقرة، في حين يتناقض هذا الشرط مع مفهوم تسيير دوريات روسية- تركية على طريق حلب- اللاذقية.
الباحث نادر الخليل، يرى أن الحديث عن قرب تسيير الدوريات وقرب فتح “M4” يظهر جليًا وجود إرادة تركية وروسية لفتحه، ويمكن القول عن هذه الرغبة إنها مقدمة عن نيات لرفع إمكانيات التفاهم بين دمشق وأنقرة.
واعتبر الخليل أن شرط الانسحاب التركي من الأراضي السورية الذي وضعه النظام لن يكون شرطًا لبدء المحادثات، إنما مخرجًا لبدئها، ويمكن أن يكون كأساس مستقبلي”نظري”، يستخدمه النظام ليبرر فيه بدء عودة العلاقات مع تركيا، وهو أن تركيا وعدت بالانسحاب مستقبلًا من الأراضي السورية.
لا أعتقد أن النظام السوري سيعرقل تسيير الدوريات إذا كانت عنده الإرادة، وإذا لم تتدخل إيران، لكن عمليًا النظام يقع بين نارين، هما روسيا الجادة والضاغطة في اتجاه تقارب ومفاوضات مع تركيا، وإيران التي تضغط بعكس ذلك.
ناد الخليل باحث سياسي |
ورجّح الباحث أنه في حال عدم وجود عرقلة إيرانية لمسار التقارب، فإن النظام لن يصر على أن يكون شرط الانسحاب كبداية للمحادثات في إطار عودة العلاقات.
وفي حال تم فتح الطريق بشكل فعلي، يمكن أن يكون ذلك بداية لعودة العلاقات بين البلدين (النظام وتركيا)، لكن ليس بالضرورة أن يكون فتحه حلًا لملفات عالقة وخلافية بين الطرفين، وفق الخليل.
وأعطى الباحث مثالًا، أن فتح معبر “نصيب” بين الأردن وسوريا، لا يمنع وجود ملفات عالقة بين الطرفين لم تحل حتى اليوم، فرغم وجود حركة اقتصادية عبره، توجد الكثير من الإشكاليات العالقة بين النظام والأردن، وهو ما ينسحب على الحالة عند عودة العلاقات الرسمية بين النظام وتركيا أيضًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :