tag icon ع ع ع

عنب بلدي | خاص

لا يعرف الخطاب السياسي العنصري الموجه ضد اللاجئين السوريين في تركيا سقفًا، إذ يتفنن أعضاء الأحزاب السياسية المتطرفة ومناصروها بوصف اللاجئين المقيمين على الأراضي التركية، والسوريين منهم على وجه الخصوص، بعبارات عنصرية، صارت تتردد في شوارع البلاد.

هذا الخطاب الذي بدأ تصاعديًا منذ عام 2018، شكّل مادة خصبة للأحزاب المنخرطة في الانتخابات، مرتكزة على وعود بترحيل اللاجئين بناء على مخاوف الشارع التركي من مشكلات تخلفها حالة اللجوء، زرعتها هذه الأحزاب نفسها على مدار سنوات.

ومن جانب اللاجئ نفسه، لا يكاد يمر شهر واحد يبدأ فيه بالشعور بقليل من الاستقرار، حتى يعود “تريند” السوريين ليتصدر المشهد مجددًا، ما يدفع باللاجئين للتفكير في حزم الأمتعة مجددًا.

ورغم أن الخطاب الحكومي الرسمي غير التمييزي مستمر حتى اليوم على المنابر، فإن الحكومة مصرّة على أرض الواقع على ترحيل أفواج من اللاجئين، وإنكار عمليات الترحيل القسري لاحقًا، أو وصفها بـ”العودة الطوعية”.

وتحت ضغوط هذا الخطاب، يبحث السوريون عن بر أمان، يجنبهم حالة عدم الاستقرار التي يتصاعد شكلها وينخفض، بناء على حاجة السياسيين المحليين لها.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع خبراء وباحثين، حالة عدم الاستقرار التي يعيشها اللاجئون في تركيا، ومآلاتها، والأسباب التي أدت إلى بلوغها هذا الحد.

خطاب عنصري.. وترحيل

في 30 من حزيران الماضي، شهدت مدينة قيصري التركية احتجاجات وحالة من التوتر، تحولت لاعتداءات على ممتلكات سوريين، إثر انتشار إشاعة عن اعتداء لاجئ سوري على طفلة تركية تبلغ من العمر خمسة أعوام.

ومع اشتداد حدة الأحداث، أصدر والي قيصري بيانًا، شرح فيه تفاصيل الحادثة، وقال إن اللاجئ السوري اعتدى على طفلة من الجنسية السورية في حي “Danışmentgazi”، ما أدى إلى القبض عليه من قبل السلطات، ووضعت الطفلة تحت الحماية.

وأضاف الوالي أن السلطات تتابع القضية بدقة، كما دعا المواطنين للتحلي بالهدوء وعدم الانخراط في أي تصرفات غير التي تعلنها الجهات الرسمية.

لكن الأحداث لم تتوقف مع صدور بيان الوالي، وسرعان ما تحولت لإحراق منازل يقطنها سوريون، وتحطيم سيارات يملكونها، وهجوم على محالهم التجارية، وإتلاف محتوياتها.

ومع عدم قدرة السلطات على احتواء المشهد، طوال تلك الليلة، ظهرت صباح اليوم التالي أضرار لحقت بمئات العائلات، قالت السلطات إنها ستعوضهم لاحقًا، بعد أن اعتقلت أكثر من 1000 شخص ممن شاركوا بـ”أعمال الشغب”.

ورغم تقديمها وعودًا بتعويض المتضررين من السوريين، تعاملت الحكومة التركية بتجاهل مع العائلات اللاجئة المتضررة، إذ زار وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، المنطقة التي شهدت الهجمات، لكنه لم يتفقد أي عائلة سورية متضررة، بل اقتصرت جولته على لقاء مواطنين أتراك في أسواق المدينة.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مخيم للاجئين السوريين على مشارف كهرمان مرعش جنوب شرقي تركيا - 2019 (The New York Times)

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مخيم للاجئين السوريين على مشارف كهرمان مرعش جنوب شرقي تركيا – 2019 (The New York Times)

ترحيل قسري على قدم وساق

رغم مرور بضعة أسابيع على أحداث قيصري، لم تبدأ الحكومة التركية بتعويض المتضررين، بل عمدت لترحيل المئات من سكان المنطقة قسرًا، وفق ما قالته منظمة “مظلوم دار” الحقوقية التركية، لصحيفة “قرار” التركية.

وقال مدير المنظمة، أحمد طاش، إن الأحداث في قيصري هدأت، لكن لا تزال هناك بعض الهجمات ضد السوريين من وقت لآخر، مشيرًا إلى أن ما يقرب من 350 سوريًا محتجزون في مركز الترحيل بقيصري.

 

يجب أن تظل الدولة ضمن القانون في جميع ممارساتها. يجب ألا يرحّلوا هؤلاء الأشخاص دون محاكمة، ولا ينبغي أن يرسلوهم إلى بلدان لا يريدونها. المعاملة الإنسانية هي واجبنا كدولة. فإذا كان أحدهم من مرتكبي الجرائم وصدر بحقه قرار من المحكمة، ليرحّل إلى خارج تركيا، لكن لا يناسبنا أن نطرد اللاجئين بعد تعذيبهم، متجاهلين هيكل دولتنا القانوني.

أحمد طاش

مدير منظمة “مظلوم دار” التركية

شاب سوري حاصل على الجنسية التركية، يعمل مترجمًا محلّفًا في ولاية قيصري التركية، قال لعنب بلدي، إنه وبحكم عمله، اطلع على قضايا قانونية للاجئين سوريين، وبدأت تلك القضايا تأخذ منحى آخر بعد أحداث قيصري في نهاية حزيران الماضي، إذ سُرعت عمليات البت في القضايا الجنائية.

وأضاف المترجم، الذي تحفظ على ذكر اسمه خوفًا من تعرضه للمساءلة، أن مئات قرارات الترحيل صدرت خلال تموز الحالي، بحق لاجئين سوريين، وأخرى شملت أصحاب قضايا منتهية، مشيرًا إلى أن تعامل السلك القانوني في قيصري يتوجه لترحيل أي سوري من أصحاب السوابق، أو أي شخص يكون طرفًا في قضية جنائية (مدّعٍ أو مدّعى عليه).

ترحيل قسري.. “الكملك” لا تشفع

يقيم الشاب محمد في منزل أحد أقاربه بمدينة رأس العين شمال غربي الحسكة، بانتظار العودة مجددًا بطريقة غير شرعية إلى تركيا بعد ترحيله منها مطلع تموز الحالي، ثم إكمال طريقه إلى أوروبا، أملًا بحياة أفضل بعد ضيق سبل العيش أمامه.

لا يعتبر الشاب، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن البقاء في رأس العين خيار جيد، فهو منحدر من مدينة حماة، وليس من أبناء المنطقة، وفرص العمل محدودة وتكاد تكون نادرة، ومعظم القاطنين يعتمدون على الزراعة كمصدر دخل.

رغم امتلاك محمد أوراقًا ثبوتية تخوله البقاء في تركيا منها بطاقة “حماية مؤقتة” (كملك) وإذن عمل، أوقفته دورية شرطة في مدينة بورصة حيث كان يقيم خلال توجهه للعمل، واقتاده عناصر الشرطة إلى دائرة الهجرة بهدف “تجديد بياناته” وفق ما أبلغوه.

وأضاف الشاب، لعنب بلدي، أنه بعد ذهابه إلى دائرة الهجرة، لم يجرِ الموظفون أي تحديث لبياناته بل حولوه إلى ما يسمى “سجن الأجانب” حيث بقي هناك لأكثر من عشرة أيام، وأُجبر على التوقيع على أوراق “العودة الطوعية” من قبل موظفي المركز والشرطة، عقب ذلك قيّده عناصر الشرطة مع شبان آخرين على مقعد في حافلة نقلتهم إلى معبر “تل أبيض” الذي رُحل منه إلى سوريا.

أما أحمد فينتظر أن يعود زوجته وأطفاله “طوعًا” من مدينة عينتاب جنوبي تركيا، بعد ترحيله منفردًا إلى مدينة رأس العين، رغم امتلاكه بطاقة “الحماية المؤقتة”.

أحمد قال، لعنب بلدي، إنه لا حلول أمامه سوى جلب عائلته إلى سوريا، كونه غير قادر على العودة إلى تركيا مجددًا.

وأضاف أنه رُحّل من تركيا، مطلع تموز الحالي، عندما خرج من منزله مساء لجلب دواء لابنه المريض، إذ أوقفه عناصر شرطة المرور وطلبوا فحص هويته، مشيرًا إلى أن وجود مخالفة مرورية لم يسددها منذ أسبوع دفعهم لتحويله إلى قسم المرور بغرض تسديد المخالفة، وهو ما حصل فعلًا، لكنه حُوّل بعد دفعها إلى دائرة الهجرة تمهيدًا لترحيله إلى سوريا.

عناصر من “الجندرما” التركية و”أمن” مراكز الاحتجاز في أحد مراكز ترحيل اللاجئين (الأناضول)

آلاف المرحلين

قصتا الشابين مثال على آلاف الأشخاص المرحّلين من تركيا إلى الشمال السوري، حيث تشهد المعابر الحدودية مع تركيا حركة عبور يومية لسوريين مرحّلين قسرًا من “باب الهوى” و”باب السلامة” و”تل أبيض” و”جرابلس”.

مدير المكتب الإعلامي لمعبر “باب الهوى”، مازن علوش، قال لعنب بلدي، إن عدد العائدين من تركيا إلى الشمال السوري عبر المعبر، في النصف الأول من عام 2024، بلغ 24334 مواطنًا سوريًا موزعين على 11973 “عائدًا طوعيًا”، و12361 مرحلًا.

وأوضح أن عدد العائدين عبر “باب الهوى” من 1 إلى 9 من تموز الحالي، بلغ 1144 سوريًا، موزعين على 606 أشخاص في عداد “العودة الطوعية”، و538 مرحّلًا.

عام 2023، شهد “باب الهوى” حركة عبور من تركيا إلى الشمال لـ20319 شخصًا، منهم 11079 شخصًا دخلوا “عودة طوعية”، و7653 شخصًا رُحّلوا قسرًا، بينما دخل 1587 شخصًا تحت إطار “المرحّلين حديثًا”، وهم أشخاص دخلوا بطريقة غير نظامية (تهريب) إلى تركيا، وألقي القبض عليهم حديثًا قرب الحدود وتمت إعادتهم.

وتتحفظ بعض المعابر، ومنها “باب السلامة” و”جرابلس”، على ذكر مفردات “ترحيل” أو “إعادة قسرية”، ويُدرج المرحّلون تحت بند “العائدين طوعًا”، رغم اقتياد السلطات التركية هؤلاء الأشخاص وتسليمهم إلى سلطات المعبر.

مدير معبر “تل أبيض” الحدودي، فايز القاطع، قال لعنب بلدي، إن عدد العائدين من تركيا عبر المعبر خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2024، بلغ 7600 شخص، دون تحديد نسبة المرحّلين منهم، لافتًا إلى أن أيار وحزيران شهدا “عودة طوعية” أكثر من عمليات الترحيل.

وشملت إحصائية “العائدين طوعًا” من معبر “باب السلامة” 22800 شخص، خلال عام 2023، بينما بلغ عدد العائدين خلال الأشهر الستة الأولى من 2024، 13653 شخصًا.

وبلغ عدد “العائدين طوعًا” عبر معبر “جرابلس” في الأشهر الستة الأولى من عام 2024، 12333 شخصًا، جميعهم تحت بند “العودة الطوعية”، وفق إحصائيات المعبر.

 

السوريون يبحثون عن الخلاص

مع تصاعد الخطاب العنصري الموجه ضد اللاجئين السوريين في تركيا، عاد الشعور بالقلق والخوف يلاحق اللاجئين، الأمر الذي رافقته رغبة بالخلاص ومغادرة تركيا إما إلى شمالي سوريا وإما الهجرة نحو أوروبا، ويمكن ملامسة هذه الحالة من خلال بيع عائلات سورية أثاث منزلها بأسعار رخيصة مقارنة بجودته ومدة الاستعمال في أسرع وقت ممكن.

والتقت عنب بلدي مع أربع عائلات في مدينة اسطنبول ممن توجهوا لبيع أثاثهم منازلهم مؤخرًا بعد التضييق المتزايد على السوريين، الذي أججته الأحداث في قيصري والتصريحات التركية بالفترة الأخيرة حول تطبيع العلاقات مع النظام السوري.

العائلات كانت تعرض ممتلكاتها للبيع بأسعار رخيصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وعند سؤال عائلة سورية تنحدر من محافظة حلب عن سبب ذلك، قالت ربة الأسرة إنهم يرغبون بالعودة إلى مناطق شمال غربي سوريا بسبب الظروف السيئة في تركيا والتي تنعكس سلبًا على حياتهم نفسيًا وجسديًا من شدة التفكير المستمر بأن نهاية إقامتهم في هذا البلد صارت قريبة جدًا.

العائلة تقطن في حي غازي عثمان باشا باسطنبول، وعرضت جميع أثاث منزلها للبيع مقابل مبلغ 30 ألف ليرة تركية (ما يعادل نحو ألف دولار أمريكي)، لكنها وافقت على بيع الأثاث بـ25 ألفًا في نهاية المطاف، وفق ما قالته ربة الأسرة لعنب بلدي.

لا وجهة معروفة

زادت التصريحات الرسمية التركية حول التقارب مع النظام السوري من مخاوف اللاجئين من ترحيلهم في حال التقى الطرفان، وفضّل عدد منهم اختيار طريق أوروبا دون معرفة وجهتهم الأخيرة فيها.

وتعتقد حنين، وهي من عائلة سورية تقيم في اسطنبول، أن الوجهة النهائية لا تزال مجهولة، لكن الطريق واضح، إذ تنوي التوجه مع عائلتها من تركيا إلى اليونان بحرًا، ومنها إلى أوروبا جوًا.

وأضافت لعنب بلدي أنه في حقيقة الأمر، فالوجهة ليست مهمة، إنما ما يهم هو مغادرة تركيا بأسرع وقت ممكن دون الالتفات إلى الوراء.

 

لا أعلم إلى أين سنذهب أو أي بلد سنختار، كل ما أعلمه أنه يجب علينا مغادرة تركيا بأقرب وقت ممكن وبيع كل ما نملك من أثاث منزلي للسفر دون الالتفات إلى الوراء لحظة.

حنين

لاجئة سورية في اسطنبول

 

حنين البالغة من العمر 29 عامًا، تنحدر من مدينة ريف دمشق، تتجهز مع عائلتها المكونة من خمسة أفراد، بينهم ثلاثة أطفال، للسفر إلى أوروبا قبل نهاية تموز الحالي بحرًا، خوفًا من إعادتهم إلى سوريا.

وتابعت حنين أن مناطق شمال غربي سوريا خطرة ومعرضة للقصف من قوات النظام السوري أو حلفائه الروس بأي لحظة، لافتة إلى أنها لا تستطيع المخاطرة بأطفالها طالما لديها القدرة على تجربة الهجرة.

وفي 27 من أيار الماضي، أكدت منظمة العفو الدولية أن منظمات حقوق الإنسان تتفق بالإجماع على أنه لا يوجد أي مكان في سوريا يمكن اعتباره آمنًا لعودة اللاجئين.

ويقيم في تركيا ثلاثة ملايين و111 ألفًا و47 لاجئًا سوريًا تحت نظام “الحماية المؤقتة”، بحسب أحدث إحصائية صادرة عن رئاسة الهجرة التركية في 4 من تموز الحالي.

يحمل قانونالحماية المؤقتة“، الذي أقر في نيسان 2014، بنودًا تصب في حماية اللاجئين المقيمين في البلاد وإدارة ملف اللاجئين، أبرزها “عدم الإعادة القسرية”، لكنه البند الأبرز الذي يُخرق بشكل متكرر منذ سنوات.

ورغم إقرار القانون الذي يقيم بموجبه أكثر من 3.1 مليون سوري، وفق الإحصائيات الرسمية، فإنه لا يزال غير واضح، وتحدث خروقات عدة يصنفها البعض بأنها “أخطاء فردية”، عدا عن تحول اللاجئين السوريين لمادة للسياسة الداخلية التركية.

الترحيل القسري يخالف الحقوق الأساسية للاجئين السوريين، وبموجب “القانون الدولي العرفي”، يمنع مبدأ “عدم الإعادة القسرية” أي دولة مضيفة من إعادة أي شخص إلى بلده، سواء كان طالب لجوء أو حاصلًا على اللجوء، دون الأخذ بعين الاعتبار إن كان قد دخل إلى هذه الدولة بشكل قانوني أو غير قانوني.

أعداد المرحلين قسرًا من تركيا إلى سوريا عبر "معبر باب الهوى" خلال 2023

أين المعارضة السورية

دائمًا تدور تساؤلات عن دور المعارضة السورية التي تحتضنها أنقرة وتعد ممثلة لأوضاع السوريين في تركيا، في وقت تستمر فيه الانتهاكات لحقوق اللاجئين، وسط نشاط خجول لمؤسسات المعارضة في تعويض المتضررين أو تأمين دعم قانوني لهم.

وخلال السنوات الماضية، لم تحقق مؤسسات وشخصيات المعارضة نتائج ملموسة في حماية حقوق اللاجئين السوريين، ورغم وجود “اللجنة السورية– التركية المشتركة” التابعة لـ”الائتلاف”، فإن جهودها خجولة أمام حجم التجاوزات.

ويحاول حقوقيون وناشطون الدفاع عن السوريين، ونقل أصواتهم إعلاميًا أو تشكيل رأي عام بحسب علاقاتهم مع المنظمات التركية أو في دوائر صنع القرار، كما نشطت مشاريع لسوريين لحل الإشكاليات القانونية التي يتعرض لها اللاجئ السوري في تركيا.

وحول جهود المعارضة على الصعيد الخدمي والقانوني للاجئين في تركيا، قال منسق مجموعة عمل اللاجئين والنازحين في “الائتلاف”، أحمد بكورة، لعنب بلدي، إنه نتيجة اجتماع وزارة الداخلية التركية و”الائتلاف الوطني السوري”، تأسست “اللجنة السورية- التركية المشتركة” في تموز 2019.

وكان الغرض من تأسيسها الاستجابة القانونية للسوريين الموجودين في تركيا، التي تشمل إصدار بطاقات “الكملك” والمساعدة في منح المواعيد وحل المخالفات.

بعد مدة وجيزة من تشكيل “اللجنة”، شُكّل فريق تقني، وكانت تتركز محاور عمله على تقديم مجموعة خدمات، هي: الاستشارات القانونية، الدعم القانوني، الدعم الإغاثي، الدعم التعليمي، الدعم الصحي.

وكان لمحور الاستشارات النصيب الأكبر من العمل، وفق بكورة، مشيرًا إلى وجود العديد من تجارب العمل المحورية التي عملت فيها “اللجنة”.

وأضاف لعنب بلدي أنه في عام 2019، وخلال الحملة القانونية ضد المخالفين في بطاقة “الحماية المؤقتة”، جهزت “اللجنة” قوائم، وراسلت دائرة الهجرة، وسردت التحديات والصعوبات والمشكلات التي واجهها السوريون، وعملت على حل الحالات الحرجة.

أيضًا خلال محاولات السوريين عبور الحدود اليونانية- البلغارية، نهاية العام نفسه، كان لـ”اللجنة” وجود ميداني على الأرض مع إدارة الهجرة التركية، بهدف مسح احتياجات اللاجئين وتوصيل المطالب والاحتياجات للجهات الرسمية التركية.

وخلال مشكلات إعادة اللاجئين من المخيمات إلى المدن السورية أيضًا، عملت “اللجنة” على تسوية أوضاعهم القانونية وتأمين تذاكر العودة، وتأمين العودة والخروج، وقدمت المساعدة حينها لما يزيد على 100 عائلة.

وخلال فترة جائحة “كورونا”، كانت استجابة “اللجنة” لاحتياجات السوريين في معظمها إغاثية، إذ جمعت قوائم العائلات المحتاجة، وأُرسلت للمعنيين، وأجرت تشبيكًا مع الجهات الفاعلة، بهدف توصيل سلال إغاثية ومعونات.

ووفق بكورة، لا تزال القضايا المتعلقة بالاستشارات القانونية قائمة، إذ قدمت “اللجنة” طلبات ورسائل رسمية للمؤسسات التركية المعنية (طلبات استرحام، مواعيد المستشفيات، مواعيد تحديث بيانات).

وخلال الأزمة الأحدث التي شهدتها مدينة قيصري التركية، شكلت “اللجنة السورية- التركية” مجموعة طوارئ مع قادة الرأي السوريين في قيصري، وعقدت اجتماعات لا تزال مستمرة.

بكورة قال أيضًا، إن “اللجنة المشتركة” عملت منذ بدء الأحداث على تواصل عالي المستوى مع الحكومة التركية ومنظمات وشخصيات مؤثرة بالمجتمع التركي لمتابعة الأوضاع ومحاولة السيطرة على الأمور قدر المستطاع.

وأضاف أن الجهات الحكومية التركية أبدت تجاوبًا بالاستعداد والعمل على التصدي لحملات العنف التي حدثت في قيصري وباقي الولايات التركية.

وتواصلت أيضًا مع دائرة الأمن (الأمنيات) بخصوص الخطاب العنصري عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأغلقت عقب ذلك جميع الحسابات التي كانت تنشر “بثوثًا مباشرة” بدافع العنصرية والتحريض، كما تواصلت مع الجهات الأمنية بهدف تعزيز الأمن في المناطق التي تشهد توترًا وتصعيدًا.

بكورة قال أيضًا إن “اللجنة” تواصلت مع رئاسة الشؤون الدينية من أجل المساهمة في تهدئة الأوضاع من خلال خطب الجمعة، والتأكيد على ضرورة نشر الوعي ضد الفتنة في المجتمع التركي.

وتواصلت مع المنظمات الإنسانية لتأمين الحاجات المعيشية اللازمة للسوريين في المدينة، وتمكنت من تأمين الخبز لبعض الحالات الإنسانية العاجلة.

وأضاف أن “الائتلاف” لا يزال يعمل جاهدًا على تحصيل تعويض للأشخاص الذين تضرروا خلال الأحداث في ولاية قيصري.

 

 

 

 

 

ممثلون عن المعارضة السورية خلال ورشة العمل عقدتها وحدة دعم الاستقرار في مدينة غازي عينتاب التركية- 30 من نيسان 2024 (عبد الرحمن مصطفى)

ممثلون عن المعارضة السورية خلال ورشة العمل عقدتها وحدة دعم الاستقرار في مدينة غازي عينتاب التركية- 30 من نيسان 2024 (عبد الرحمن مصطفى)

دور حكومي سلبي

أحداث قيصري الأخيرة لم تكن الحالة الأولى أو الفريدة من نوعها على مدار السنوات السابقة، إذ شهدت عدة ولايات أحداثًا مشابهة ضد السوريين وممتلكاتهم، سواء بسبب انتشار إشاعة أو شجار بين سوريين وأتراك، أو أسباب أخرى.

الخاسر الأكبر في هذه الاعتداءات هم السوريون الذين تضررت ممتلكاتهم أو تعرضوا لأذى جسدي أو فقدوا حياتهم وفي بعض الأحيان أجبروا على الترحيل.

وعكست أحداث “قيصري” مدى الاحتقان لدى بعض شرائح المجتمع التركي ضد السوريين، وضعف استجابة السلطات التركية في ردع حالات كهذه وحتى التعامل معها، ورغم أنها ليست الأولى فإنها الأوسع، إذ تضرر أكثر من 400 منزل ومحل تجاري وسيارة لسوريين.

المحامي غزوان قرنفل، قال لعنب بلدي، إنه من حيث المبدأ يمكن القول إنه لا دولة ترغب بوجود قلاقل مجتمعية فيها سواء بين مواطنيها أنفسهم، أو بينهم وبين اللاجئين، لما لذلك من أثر يهدد أمن المجتمع ويؤثر على مجمل الوضع المجتمعي والاقتصادي.

وفي الحالة التركية، يرى قرنفل أن السياسات والتصريحات والقرارات غير الناضجة ربما تتسبب بحصول ذلك.

من جانبه، يرى الباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” سمير العبد الله، أن بعض الخطابات السياسية والإعلامية أسهمت في تأجيج المشاعر السلبية تجاه اللاجئين السوريين، مما زاد من حجم المشكلة.

كما أن التعاطي الحكومي مع الاعتداءات على السوريين “لم يكن كافيًا في تهدئة الوضع، ما أدى إلى تزايد التوترات الاجتماعية بين المواطنين الأتراك واللاجئين السوريين”.

وأضاف العبد الله، لعنب بلدي، أن الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الحكومة لم تكن كافية لطمأنة السوريين أو لردع بعض الأتراك الذين يعتدون عليهم.

وتسببت سياسات وتصريحات الإدارة التركية، إلى جانب الاستثمار الانتخابي لملف اللاجئين وتحريض بعض العنصريين، بخلق حالة احتقان مجتمعي وجد متنفسه في اللاجئين، وبالتالي أفضى إلى ما حصل في قيصري، وفق المحامي غزوان قرنفل.

السياسة التركية تجاه اللاجئين، والتصريحات الحكومية، إلى جانب الاستثمار الانتخابي لملف اللاجئين، تسببت باحتقان مجتمعي أفضى إلى اعتداءات على السوريين.

غزوان قرنفل

محامٍ سوري يقيم في تركيا

تسجيل مصور نشره وزير الداخلية التركي يظهر اعتقال من وصفهم بمهربين ومهاجرين غير شرعيين - 20 من أيار 2024 (ali yerlikaya)

تسجيل مصور نشره وزير الداخلية التركي يظهر اعتقال من وصفهم بمهربين ومهاجرين غير شرعيين – 20 من أيار 2024 (ali yerlikaya)

باب مفتوح ثم تضييق وترحيل

منذ الأيام الأولى لدخول اللاجئين السوريين إلى تركيا في نيسان 2011، اعتمدت الحكومة التركية مبدأ الباب المفتوح أمامهم، وتتابع عبور موجات اللاجئين عبر الحدود الممتدة لـ911 كيلومترًا.

اختلف تعاطي الحكومة التركية لاحقًا، وبنت جدارًا على طول الحدود، ونشرت نقاط حراسة لمنع عبور اللاجئين، خاصة بعد توقيع اتفاق منع عبور اللاجئين مع دول الاتحاد الأوروبي في آذار 2016.

الاعتداءات على السوريين ليست وليدة السنوات الأربع الأخيرة فحسب، فقد تعرضوا لاعتداءات في عدة ولايات تركية بين عامي 2013 و2016، منها هاتاي وأضنة وأنطاليا وأنقرة.

بالمقابل، استمر الخطاب الرسمي، خاصة من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالترحيب بالسوريين وتأكيده عدم التخلي عنهم، إذ قال مرارًا، “لن نتخلى عن إخواننا، ولن نقفل أبدًا أبوابنا للسوريين، لا يمكننا القيام بذلك”.

واتبعت تركيا في تعاملها مع ملف اللاجئين السوريين مبدأ “سياسة الأنصار مع المهاجرين” المستقى من الموروث الديني زمن النبي محمد، ودعم أردوغان هذا المبدأ منذ البداية.

خطاب الترحيب قابلته تصريحات أخرى بدأ أثرها السلبي بالازدياد مع تراجع الاقتصاد التركي وارتفاع معدلات التضخم، ألا وهي كم الأموال المصروفة على اللاجئين.

أردوغان قال، في آب 2015، إن تركيا صرفت على اللاجئين 6.5 مليار دولار، ليعلن بتصريح آخر  في كانون الأول 2019،  أن حجم الصرف بلغ 40 مليار دولار، لكن دون توضيح مصدر هذه الأموال.

في 18 من آذار 2016، وقعت تركيا مع الاتحاد الأوروبي ثلاث اتفاقيات تتعلق بتنظيم الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، مقابل تسهيلات أوروبية ودعم مالي لتركيا.

ونص الاتفاق على عدة بنود، منها تقديم الاتحاد مبلغ ستة مليارات يورو، لمساعدة الحكومة التركية على ضبط حدودها البحرية، وإسكان اللاجئين في المخيمات، وبالمقابل، تستقبل دول الاتحاد أعدادًا من اللاجئين الذين قُبلت طلباتهم، تبعته مطالبات تركية بمنحها مزيدًا من المخصصات المالية.

علي باباجان، مساعد رئيس الحكومة التركية الأسبق وأحد مؤسسي حزب “العدالة والتنمية”، انتقد التصريحات عن أرقام صرف الأموال على اللاجئين، وقال إنها ليست بالكبيرة وتتضمن مساعدات مقدمة من الخارج.

وأضاف باباجان الذي شغل منصب رئيس هيئة إعداد الميزانية لمدة 11 عامًا، في لقاء تلفزيوني له عام 2021، أن وجود السوريين لا يمكن أن يؤثر على الاقتصاد التركي، موضحًا أن الحكومة حسبت المصاريف بطريقة “حساب التكلفة الضمنية”.

استغلال وقرارات مجحفة

المعارضة التركية استغلت أرقام الصرف على اللاجئين السوريين في تحريضها عليهم، وارتفعت حدة خطابها في انتخابات البلديات عام 2019، وتحول ملف اللاجئين بعدها لأحد أبرز الملفات الساخنة في أروقة السياسة التركية.

ووصل الخطاب السياسي التركي إلى تعليق اللافتات المعادية للاجئين السوريين في إطار الحملة الانتخابية للمعارضة، في شوارع المدن، وجدران المدارس، على مرأى ومسمع السوريين من كبار وصغار وطلاب مدارس وعمال وغيرهم، ومنظمات حقوقية محلية ودولية على حد سواء.

التضييق لم يكن فقط من المعارضة، ولم يكن محصورًا في فترة الانتخابات، رغم أنه يرتفع بشكل كبير، فالحكومة التركية أقرت خلال السنوات السابقة قوانين تتعلق بإقامة وحياة السوريين في تركيا، أسهمت في تشتت بعض العائلات، ووضع أخرى في ظروف غير قانونية، إلى جانب حملات ترحيل عشوائية قسرية شملت عائلات بأكملها من ضمنها أطفال.

ويمكن اعتبار عام 2019 مفصليًا بالنسبة لوضع السوريين في تركيا، مع إجراءات حكومية جديدة مكملة لسابقتها أثرت سلبًا على السوريين، إذ تحدث أردوغان حينها عن خطوات جديدة تجاه السوريين تضمنت ثلاثة ملفات، هي التشجيع على العودة وترحيل مرتكبي الجرائم واقتطاع الضرائب في المستشفيات.

وبدأت السلطات التركية بمطالبة المحال التي ترفع لافتات باللغة العربية غير المطابقة للمواصفات التركية بضرورة التزام القانون، وشرعت الشرطة بإزالة اللافتات، كما فرضت وزارة العمل شروطًا مشددة للحصول على أذون العمل بالنسبة للاجئين.

وسعت تركيا منذ أيار 2022، للدفع بمشروع “العودة الطوعية” للاجئين السوريين إلى سوريا، بعد تصريحات أطلقها أردوغان، تضمنت حديثًا عن إقامة منازل وتأمين مأوى وسبل حياة في المناطق التي يعود إليها اللاجئون في شمال غربي سوريا.

وأصبح من المعتاد الإعلان عن أعداد المهاجرين المرحلين أو السوريين “العائدين طوعًا”، وفق الوصف الذي تفضّله الحكومة التركية للمرحّلين.

وبمقارنة عدد السوريين بين أيار 2022 وأيار 2024، نجد أن هناك انخفاضًا في عدد السوريين القاطنين في تركيا بحوالي 645 ألفًا (من ثلاثة ملايين و763 ألفًا و447 إلى ثلاثة ملايين و118 ألفًا و499 لاجئًا سوريًا).

على عاتق الحكومة التركية

أوضح المحامي غزوان قرنفل أن مسؤولية الحكومة التركية ليست فقط حماية اللاجئين وسلامتهم وسلامة ممتلكاتهم، وإنما أيضًا التعاطي المختلف والقانوني الحقيقي مع هذا الملف.

وبما أن ذلك يقع على عاتقها، وهو مسؤوليتها القانونية بالمقام الأول، فيتعين عليها اتخاذ ما يلزم من إجراءات حازمة لقمع السلوكيات العنصرية بالوسائل القانونية، وضمان عدم تكرار مثل تلك الحوادث، وكذلك تعويض اللاجئين عن أضرارهم تعويضًا عادلًا.

الباحث سمير العبد الله، يرى أنه على الحكومة التركية تطبيق القانون بصرامة على كل من يرتكب اعتداءات ضد السوريين لضمان عدم الإفلات من العقاب، إلى جانب تعزيز خطاب إيجابي ومتوازن في وسائل الإعلام والسياسة وتعزيز برامج الاندماج في المجتمع.

 

ينبغي للحكومة أن تعمل على تعزيز خطاب إيجابي ومتوازن في وسائل الإعلام والسياسة، وتعزيز البرامج التي تساعد السوريين على الاندماج في المجتمع التركي من خلال التعليم، والعمل، والمشاركة في الأنشطة المجتمعية، وإطلاق حملات توعوية لتثقيف المواطنين الأتراك حول ثقافة وحياة اللاجئين وأهمية التعايش السلمي.

سمير العبد الله

باحث في مركز “حرمون”

 

وأضاف الباحث سمير العبد الله أنه على الحكومة سن القوانين لمكافحة العنصرية وملاحقة مروجي خطاب الكراهية في وسائل التواصل الاجتماعي، والحد من إجراءات الترحيل القسري بحق السوريين.

رسم بياني لأعداد السوريين في تركيا على أساس سنوي حتى 11 من تموز 2024

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

مقالات متعلقة