علي عيد
لم يعد بالإمكان تجاهل أهمية وسائل التواصل الاجتماعي (Social media) لنشر المحتوى الإعلامي، لأسباب تتعلق بطبيعة الجمهور والتغيرات التي طرأت على سلوكه مع ثورة تكنولوجيا الإنترنت، وما وفرته من أدوات ربط بين شرائح المجتمع.
باعتبار أن أهم دوافع التفاعل على منصات التواصل هما عنصران بيولوجيان، “الدوبامين والأوكسيتوسين”، ذهبت وسائل الإعلام إلى حجز حصتها من الجمهور باستخدام محفزات، وعبر التصرف في المحتوى بما يتماشى مع توجهات الجمهور بمختلف شرائحه.
الدوبامين (Dopamine)، هو مادة كيماوية أو هرمون في جسم الإنسان، يعزز الشعور بالسعادة، وهو ناقل عصبي يرسل إشارات بين الجسم والدماغ.
أما الأوكسيتوسين (Oxytocin) فهو ناقل عصبي يؤثر في التعاملات الاجتماعية مع المحيطين، ويشار إليه على أنه “هرمون الحب”، لكونه يلعب دورًا في زيادة الرباط العاطفي للأزواج أو للأمومة وجوانب أخرى في حياة البشر.
استثمار الدوافع البيولوجية دونه محاذير ترتبط بتوجيه الجمهور إلى ما يرغب في استهلاكه عاطفيًا، ما يعني تلاشي الرسالة الأساسية للإعلام المسؤول، مثل الكشف عن الفساد، والإخبار بشكل غير متحيز، وعدم التجييش أو التضليل.
تعزيز استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل وسائل الإعلام، يظهر في استخدام الأخيرة لمختلف المنصات، والقوالب، وتطوير أدائها التسويقي، ولغتها التحريرية، واستخدام كل عناصر الجذب الممكنة.
دراسة للباحثين أنيتا وايتينغ (Anita Whiting) وديفيد ويليامز (David Williams)، نشرها مركز “إميرالد بلشينج” (Emerald Publishing)، وصدرت عام 2013، حددت 10 دوافع لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي هي:
- التفاعل الاجتماعي.
- البحث عن المعلومات.
- تمضية الوقت.
- الترفيه.
- الاسترخاء
- أداة للتواصل.
- أداة للراحة.
- التعبير عن الرأي.
- مشاركة المعلومات.
- المراقبة أو المعرفة عن الآخرين.
وتشير دراسة نشرها معهد “رويترز”، للباحث كيم كريستيان شرودر (Kim Christian Schrøder)، أستاذ الاتصالات بجامعة “روسكيلد” الدنماركية، إلى أن الجمهور يتابع الأخبار لأنها تؤثر على الحياة الشخصية لأفراده وأسرهم، والمكان الذي يعملون فيه، وأنشطتهم الترفيهية، ومجتمعهم المحلي، ولصلتها بالجانب الاجتماعي والاعتقاد بأن العائلة والأصدقاء قد يهتمون بالقصة، والرغبة في مشاركة صديق والإشارة إليه على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما تشير الدراسة إلى رغبة الناس بالاطلاع على ما يجري حولهم، على المستويات المحلية والوطنية والدولية، حتى ولو كانت الأخبار تافهة.
وبتحليل العناصر العشرة للنشاط ومتابعة وسائل التواصل، ومقاطعتها مع دوافع متابعة الجمهور للأخبار، نجد أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تحولت فعليًا إلى جزء أصيل من العمل الإعلامي، وهذا يعزز فهمنا لما يجب أن نقوم به لاستثمار الأدوات الجديدة في عملنا كصحفيين.
بحسب “Morning Consult”، المتخصصة بالأبحاث، فإن ما يقرب من ثلاثة من كل خمسة (63%) من “الجيل Z ” يلجؤون إلى وسائل التواصل الاجتماعي مرة واحدة على الأقل في الأسبوع للحصول على الأخبار، وهي حصة أعلى بكثير من طرق التوزيع التقليدية مثل أخبار البث (27%).
وتشير الإحصائيات إلى أن أبناء “الجيل Z” يركزون في قراءة الأخبار على فئات نمط الحياة والترفيه، مثل الموسيقا والأفلام والطعام.
وبحسب منصة “Statista” للبيانات العالمية، فإن ثلث البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون، يوميًا، على وسائل التواصل الاجتماعي كأحد مصادر الأخبار الرئيسة عام 2022، ويتوقع أن يستمر المعدل بالارتفاع في السنوات المقبلة.
وفي إحصائية لذات المنصة، عام 2017، ذكر 44% من المستجيبين الأمريكيين، الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا أنهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بانتظام للحصول على الأخبار.
ينطبق الواقع في البلاد العربية على الواقع في المجتمعات الغربية، وعلى الرغم من شحّ الدراسات المتخصصة، فإن كبرى المؤسسات، وبينها “الجزيرة” ومجموعة “MBC”، والصحف التقليدية المعروفة برصانتها، والتي استطاعت أن تفهم احتياجات وتبدلات الجمهور، باتت تعتمد على وسائل التواصل، وتوجهت إلى ملعب الجمهور الذي فرضته التكنولوجيا الحديثة، فيما تصارع كثير من وسائل الإعلام المهددة بالاندثار لأنها لم تعزز فهمها لهذا لتطور، بينما اندثرت وسائل إعلام أخرى لفشلها في المواكبة.
وفي سوريا، يبدو أن ما توفر أو بقي من الصحافة، يعتمد التقليد لا البحث، ويستثمر في العاملين البيولوجيين “الدوبامين والأوكسيتوسين”، دون التفات إلى الاستخدام المهني الرشيد، وهذا ما يفسر فوضى انتشار المعلومات المضللة، وملل الجمهور من المحتوى، وضعف تأثير الإعلام في الرأي العام، فالحرب مستمرة على الرغم من أن الجميع تعب منها، والمجتمع منقسم بناء على التوجهات لا المعرفة، وهناك نسبة كبيرة من الجمهور تعتمد على دعاية المؤثرين في اتخاذ موقف، وهو ما يعزز التباعد في فئات منقسمة سياسيًا وإثنيًا وجندريًا.
مهمة الإعلام في هذا الاتجاه صعبة، وإن تحققت شروط الفهم، يبقى العامل الأخلاقي والمهني مهمًّا في تحديد اتجاهات الإعلام، وبناء السلام واقتراح الحلول.. وللحديث بقية.