تكريس للواقع ورسائل للخارج

الأسد يعيد إنتاج اللجنة الدستورية عبر مجلس الشعب

المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون والرئيس المشارك عن وفد النظام أحمد الكزبري بعد الاجتماع الأول للجنة الدستورية السورية في جنيف - 8 تشرين الثاني 2019 (الأمم المتحدة / فيولين مارتن)

camera iconالمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون والرئيس المشارك عن وفد النظام أحمد الكزبري بعد الاجتماع الأول للجنة الدستورية السورية في جنيف - 8 تشرين الثاني 2019 (الأمم المتحدة / فيولين مارتن)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

لم توقف الاعتراضات المتتابعة مسار انتخابات مجلس الشعب التي أجراها النظام السوري مؤخرًا، وصوّرها كإجراء استكمالي للعملية السياسية والدستورية في سوريا، رغم قناعة محضة لدى أطراف دولية وأممية بأن هذه الانتخابات لا تشكل بوابة الحل في سوريا.

في 18 من تموز الحالي، أعلنت اللجنة القضائية العليا للانتخابات نتائج التصويت الذي انطلق في 15 من الشهر نفسه، وشارك فيه رئيس النظام السوري، بشار الأسد.

نتائج الانتخابات لم تحمل ما يخالف التوقعات منها، إذ تصدّرها حزب “البعث” بـ178 مقعدًا من أصل 250، كتكريس لقيادته البلاد بمعزل عن إلغاء المادة الثامنة من “دستور 2012″، وهو ما أشار إليه الأسد في انتخابات حزب “البعث” التي جرت قبل أشهر، وتحدث خلالها أكثر من مرة حينها عن دور حزب “البعث” كقائد للدولة دون وجود المادة الثامنة.

وجرت هذه الانتخابات في حين لا تزال  اللجنة الدستورية عالقة في نقطة ثابتة، دون جولات جديدة، ودون أن تسفر محاولات التنشيط والدعوات لها عن لقاء الأطراف المعنية في جنيف أو مكان آخر.

في إحاطة أمام مجلس الأمن حول الوضع في سوريا نهاية أيار الماضي، أشار المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، إلى انتخابات مجلس الشعب في مناطق سيطرة النظام، وانتخابات البلديات في مناطق شمال شرقي سوريا (من المقرر إجراؤها في آب المقبل)، موضحًا أنها ليست بديلًا عن عملية سياسية شاملة تفضي للتوصل إلى دستور سوري جديد يجري التوافق عليه، وفق الانتخابات التي أشار إليها القرار “2254”.

وعلى المستوى المحلي، اقتصر حضور هذه الانتخابات على مناطق سيطرة النظام، أو معظمها، إذ عارضت السويداء التي تواصل حراكها ضد النظام منذ آب 2023، المشاركة في الانتخابات، ورمت بصناديق الاقتراع إلى حاويات القمامة، كما عارضتها “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، بذريعة امتلاكها “عقدًا اجتماعيًا” خاصًا بالمناطق التي تديرها.

من جهة أخرى، أشارت ألمانيا في أكثر من مناسبة إلى معارضتها لإجراء انتخابات في سوريا، لا تخدم مسار الحل السياسي المتفق عليه دوليًا، والذي يفترض أن يمر من بوابة القرار “2254” الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

تكريس لأمر واقع.. إعادة إنتاج “الدستورية”

في 10 من تموز، قال المبعوث الألماني إلى سوريا، ستيفان شنيك، إن بلاده لا تؤيد إجراء الانتخابات في سوريا بالوقت الحالي، موضحًا أن الانتخابات الحرة والنزيهة تشكل جزءًا لا يتجزأ من حل النزاع وإحلال السلام في سوريا، لكن الظروف غير مهيأة بعد.

وبحسب ما ذكره شنيك، عبر “إكس”، فإن ألمانيا تدعم التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم “2254” الذي يدعو لإجراء انتخابات بعد اعتماد دستور جديد، لكنها تدعو جميع الأطراف إلى تسهيل عملية سياسية يقودها ويملكها السوريون، بهدف الموافقة على دستور جديد وتنفيذ القرار “2254”.

ولن يؤدي إجراء الانتخابات في الأراضي السورية بهذا الوقت إلى دفع العملية السياسية إلى الأمام، بل إلى ترسيخ الوضع الراهن المتمثل في الصراع والانقسام الذي طال أمده، وفق المبعوث الألماني.

كما دعا جميع الأطراف إلى الامتناع عن اتخاذ أي خطوات من شأنها أن تهدد احتمالات التوصل إلى حل سلمي للصراع في سوريا، والانتقال إلى السلطة على النحو الذي يدعو إليه القرار “2254”.

وفي 15 من تموز، بالتزامن مع انطلاق الانتخابات، قال شنيك، إن انتخابات “البرلمان السوري” لا تفي بمعايير الحرية والنزاهة، حسب الأعراف الدولية، موضحًا أن الصراع المستمر والإقصاء السياسي يعوقان تمثيل إرادة الشعب السوري، مكررًا التأكيد على التزام برلين بالقرار “2254” ودعوتها لعملية سياسية بقيادة سورية تشمل صياغة دستور جديد وتهيئة ظروف إجراء انتخابات ذات مصداقية.

الباحث في مركز “عمران للدراسات” أيمن الدسوقي، الذي يتركز جانب من عمله على الإدارة المحلية في سوريا، أوضح لعنب بلدي أن النظام السوري يعمل من خلال انتخابات مجلس الشعب على تكريس أمر واقع واستثماره سياسيًا.

وحول تأثير هذه الانتخابات على مسار عمل اللجنة الدستورية المتوقفة أصلًا، أوضح الباحث أن المسألة تقاس من زاويتين، تتعلق الأولى بتأكيد مقاربة النظام السوري لما يراه كـ”حل للأزمة السورية”، بأنه مسار “سوري- سوري” داخلي، دونما تدخل خارجي ومن خلال مؤسسات الدولة القائمة.

كما أن لدى النظام خيار تمديد ولاية الأسد خارج أي حل سياسي وفقًا للشرعية الأممية أي القرار “2254”، وبالتالي مواصلة تعطيل اجتماعات اللجنة الدستورية وفق شكلها القائم.

ومن زاوية أخرى، فالمسألة تتعلق ربما بشروط النظام لإعادة تفعيل اللجنة الدستورية ومنظوره للحل السياسي بشكل يرتضيه، أي الدفع باتجاه إعادة تشكيل اللجنة الدستورية لتعزيز أفضليته داخلها كنسبة مئوية وإضعاف خصومه، بما يتيح له إنتاج دستور جديد يمنح الأسد الفرصة لتمديد ولايته ويهبه “شرعية خارجية”، وفق الباحث.

 

النظام غير معني بالانتقادات الأممية والدولية التي أثيرت حول انتخابات مجلس الشعب، فالانتخابات لها ظروفها وأهدافها من وجهة نظره، ويمكن اختصارها بالقول، إنها أداة لإعادة إنتاج سلطويته وتأكيد تمثيله للدولة السورية، كما أنها رسالة للخارج بأنه قوي ولديه شرعية.

أيمن الدسوقي

باحث في مركز “عمران للدراسات”

 

أين اللجنة الدستورية

في 30 من أيار الماضي، قال بيدرسون، إن استئناف عمل اللجنة الدستورية من شأنه أن يعيد الأطراف السوريين إلى نفس القاعة المشتركة للتصدي لنفس القضايا الأساسية التي كانت محركات للنزاع.

وأبدى خلال إحاطة له في مجلس الأمن حينها، انفتاحه على أي مكان آخر بديل عن جنيف، يحظى بتوافق الأطراف السورية والجهة المضيفة، مؤكدًا مواصلة العمل على إيجاد مكان بديل، مع المناشدة المستمرة لاستئناف الجلسات في جنيف، داعيًا الأطراف لتحضير الجلسات الموضوعية والمقترحات الدستورية.

المبعوث الأممي أوضح أن هذه المبادرات تفتح الأبواب للحلول السياسية لكنها غير كافية بحد ذاتها، وهناك اتفاق على أنه لا حل عسكري للنزاع، والوضع في سوريا بالفعل خطير، والنهج المجتزأ البطيء الحالي لن يكون كافيًا لعكس التيار وقلب الأمور بالاتجاه المطلوب، واستراتيجية الاحتواء والتخفيف لن تسهم في إنهاء زعزعة الاستقرار، وعدم قابلية توقع الأوضاع في سوريا.

تصريحات بيدرسون هذه سبقتها محاولات حثيثة لاستئناف اجتماعات اللجنة الدستورية دون التوصل لنتيجة ملموسة على الأرض، فالجلسة التي كانت مقرر في الفترة بين 22 و26 من نيسان الماضي، بدعوة من بيدرسون، لم تحصل، ليشير بعدها إلى أن أفضل ما بذله من جهود مع الآخرين بهدف معالجة هذه الأوضاع من خلال تدابير ملموسة من كلا الجانبين “لم تسفر بعد عن التغييرات المطلوبة”.

وخلال مقابلة أجراها مع قناة “العربية”، في 8 من أيار الماضي، وفيما يتعلق بعمل اللجنة الدستورية، بيّن المبعوث الأممي أن مساعيه للتعامل مع جنيف كمنصة مؤقتة ريثما يجري الاتفاق على بديل قوبلت باعتراض النظام السوري، مشيرًا إلى أن العراقيل واضحة، فـ”الحكومة” (في إشارة إلى النظام السوري) لا تريد القدوم إلى جنيف بسبب اعتراض موسكو.

ولفت إلى أنه لا أحد كان يعتقد أن اللجنة الدستورية في ذاتها ستحل “الأزمة السورية”، لكنها قد تفتح الباب نحو المسائل المهمة التي كانت موضوع النقاش، وهذا العمل توقف خلال العامين الأخيرين، لمسائل لا تتصل بسوريا، بل لأن الروس لا يريدون أن يلتقي السوريون في جنيف، كونهم غير راضين عن موقف سويسرا حيال أوكرانيا.

من جانبها، تتهم الولايات المتحدة الأمريكية روسيا بعرقلة مسار اللجنة الدستورية المتوقفة عند جولتها الثامنة في 22 من شباط 2022، إذ قالت السفارة الأمريكية في سوريا، في 24 من أيار، إن روسيا والنظام السوري يواصلان إيجاد الأعذار لعرقلة خطط اجتماعات اللجنة الدستورية التي يقودها السوريون.

وأضافت عبر “إكس”، أن جميع اجتماعات اللجنة الدستورية السابقة عقدت في جنيف، وأن ادعاءات روسيا والنظام بشأن افتقار جنيف إلى الحياد هي “تكتيك للمماطلة لتجنب الاستجابة للإرادة المشروعة للشعب السوري وحل الصراع السوري”.

السفارة الأمريكية أشارت إلى أن روسيا ناقشت في اجتماعات اللجنة الدستورية سابقًا قضايا، مثل الحد من الأسلحة والقضايا الإنسانية.

وذكرت أنه في عام 2023، شاركت روسيا في مناقشات “جنيف” الدولية حول الصراع في جورجيا، في إشارة إلى أن موسكو لا تملك مشكلة مع إقامة اجتماعات أخرى في جنيف باستثناء اللجنة الدستورية.

وتضم “اللجنة الدستورية” 50 عضوًا يختارهم النظام، و50 آخرين تختارهم المعارضة، و50 تختارهم الأمم المتحدة من ممثلين للمجتمع المدني وخبراء، وتهدف للوصول إلى دستور توافقي بين الأطراف السورية، دون تحقيق أي تقدم منذ بدء هذا المشوار السياسي في 2019، إذ تتجلى رؤية وتعامل النظام السوري معها في حديث الأسد خلال مقابلة مع قناة “روسيا 24” ووكالة “روسيا سيفودنيا” في 15 من تشرين الثاني 2019، حين قال إن “اللجنة الدستورية لا علاقة لها بموضوع الانتخابات، لها علاقة فقط بموضوع الدستور، أما إذا كانوا يعتقدون أنهم سيعودون إلى عصر الانتداب، فسأقول لهم هذا لن يكون سوى في أحلامكم”.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة