عندما يصبح المجنّس في تركيا بلا وزن قانوني

  • 2024/07/21
  • 1:55 م
غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

آلاف من السوريين أصيبوا بالصدمة عندما قرأوا تصريحًا مقتضبًا للناشط الحقوقي الأستاذ طه الغازي، نشره على صفحته على منصة “فيس بوك”، يقول فيه إن جنسيته التركية سُحبت منه منذ 27 من أيار 2024، وإنه سيلوذ بالعدالة ويسلك المسار القضائي للنيل من هذا القرار واستعادة جنسيته.

وباعتبار أن هذا القرار الخطير ربما تصادف صدوره مع ما تم تداوله إعلاميًا قبل فترة قريبة، ولم يتم نفيه من الحكومة التركية، عن قرارها بإبطال جنسية ما يقرب من خمسة آلاف شخص من المجنسين، غالبيتهم من السوريين، وكذلك مع ما يتم بحثه ونقاشه الآن في البرلمان التركي حول إسقاط الجنسية التركية عن المواطنين الأتراك الذين يحاربون في غزة إلى جانب قوات الاحتلال، فإنه صار لزامًا الغوص أكثر في البحث والتفنيد والتمييز بين ثلاثة محاور تتعلق بفقدان الجنسية، بالنظر إلى اختلاف الأسباب والآثار القانونية لكل محور منها.

المحور الأول هو قرار سحب الجنسية، وهو قرار سيادي تتخذه الحكومة استنادًا للسلطات الممنوحة لها عندما يكون الأمر متعلقًا بأشخاص نُسبت إليهم تهم تمس سلامة الدولة وسيادتها، أو اعتبروا بمنزلة تهديد لأمنها القومي، وهذا القرار يعتبر من أخطر أنواع القرارات المتعلقة بالجنسية، لأنه يستند إلى محض تقدير السلطة التنفيذية وقناعتها فحسب، ولا سقف زمني له، بمعنى أنها تملك صلاحية سحب الجنسية في أي وقت حتى لو مضى على تجنيس هذا الشخص سنوات وسنوات، وهنا مكمن الخطورة، إذ إن امتلاك سلطة ما صلاحية سحب جنسية شخص صار مواطنًا منذ سنوات، يجعل حياة هذا الشخص المجنس من دون مستقر، لأن بنيانها القانوني هش، وقابل للانهيار بكل لحظة ترى فيها السلطة التنفيذية أنها تملك الصلاحية والقدرة على فعل ذلك، وهو ما يحيل الشخص المجنس إلى أداة طيعة بيد السلطة التنفيذية، تشكل إرادته وسلوكه كيفما تشاء تحت طائلة فقدان جنسيته ومركزه القانوني، وبالتالي دخوله فضاء انعدام الوزن القانوني.

والحقيقة أنه، وعلى فرض امتلاك السلطة التنفيذية تلك الصلاحية، يجب على الأقل أن تقيد بقيدين محكمين، الأول يتعلق بجدية الأدلة التي بنت عليها تصوراتها بخطورة هذا الشخص على الأمن القومي للدولة، وبالتالي تكون سلطة القضاء هي الرقيب والفيصل على مدى جدية ما هو منسوب لذلك المجنّس وجدية الأدلة التي تأسس عليها قرار سحب الجنسية، وعلى مدى اتساقه مع مقتضيات القانون، والثاني أن يكون لتلك السلطة وهذه الصلاحية سقف زمني لا يتجاوز سنة من تاريخ تجنيس الشخص، وإلا بقيت حياة المجنسين قلقة وغير مستقرة وعرضة لتعسف هذه السلطة، أو أي سلطة تأتي بعدها، في استخدام هذا الحق، وبالتالي تفقد مسألة اكتساب الجنسية أهميتها وقيمتها في خلق كيان ومركز قانوني صلب للإنسان المجنّس، يمارس استنادًا إليه حقوقه القانونية والدستورية والإنسانية. وفي حال ثبتت فيما بعد تلك المهلة الزمنية خطورة هذا الشخص على الأمن القومي للدولة والمجتمع فيحال للمحاسبة أمام القضاء بوصفه مواطنًا مكتمل المواطنة.

وأما المحور الثاني، فهو متعلق بإبطال الجنسية، وذلك يحصل إذا ما تبين أن المجنس حصل على الجنسية بتقديم وثائق مزورة، أو بوسائل احتيالية أو أخفى معلومات عن الجهات الرسمية كان يجب عدم إخفاؤها، وهي معلومات قد تؤثر في قرار التجنيس وجودًا وعدمًا، أي أن قرار التجنيس قد تأسس على وثائق مطعون بصحة مضمونها أو معطيات مشوبة بالتدليس وتورية المعلومات، ما يوجب معه إبطال قرار التجنيس نفسه وإلغاء مفاعيله وآثاره، ولعل القرار الذي نوهنا إليه آنفًا، والمتعلق بإبطال جنسية الخمسة آلاف شخص، تنطبق عليه تلك الحالة أكثر.

وأما المحور الثالث فهو إسقاط الجنسية، وهو متعلق بحالات محددة نص عليها قانون الجنسية على سبيل الحصر (كالعمل في خدمة دولة معادية في زمن الحرب، أو أداء الخدمة العسكرية لمصلحة دولة أجنبية دون إذن السلطات التركية…)، وهذا ما تتم مناقشته الآن في البرلمان التركي بشأن إسقاط الجنسية عمّن التحق بجيش الاحتلال للحرب في غزة.

بطبيعة الحال، تختلف الآثار القانونية المترتبة على قرار “سحب أو إبطال أو إسقاط” الجنسية، لكن الأهم بالنسبة لقرار سحب الجنسية فيكون أثره فرديًا، بمعنى أنه متعلق فقط بشخص المسحوب منه الجنسية دون أن يمتد هذا الأثر للزوج/ الزوجة ولا الأولاد، إلا في حالات ضيقة جدًا حددها القانون أيضًا على سبيل الحصر.

والأهم في هذا السياق، فإن القرار سواء أكان سحب الجنسية أو إبطالها أو إسقاطها، يكون ذا أثر مباشر، بمعنى يفقد الشخص مركزه القانوني كمواطن ويسحب منه جواز سفره وبطاقة هويته ويتم وقف رقمه الوطني، ويحق للمتضرر اللجوء إلى القضاء خلال مهلة 60 يومًا من تاريخ تبلغه القرار بدعوى الإلغاء تُرفع أمام المحكمة الإدارية العليا في أنقره، ويمكن للمدعي فيها أن يطلب وقف تنفيذ القرار المتظلم منه لحين الفصل بالدعوى، فإن قررت المحكمة وقف تنفيذ القرار مؤقتًا لحين الفصل بالدعوى يمكن له استرداد هويته وجواز سفره وتفعيل رقمه الوطني، وإن لم توقف المحكمة تنفيذ القرار رغم نظرها بالدعوى فيحق للمتضرر طلب الحصول على البطاقة الزرقاء (تركواز كارت)، وهي تمنحه المشروعية القانونية للإقامة والتنقل على الأراضي التركية طوال فترة المحاكمة ولحين الفصل بالدعوى بقرار مبرم.

ويمكن أيضًا للمتضرر إذا ما كان قرار المحكمة الإدارية العليا في غير مصلحته أن يتظلم منه أمام المحكمة الدستورية، وكذا يملك الحق باللجوء لمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية إذا ما كان قرار المحكمة الدستورية في غير مصلحته أيضًا.

أما عن مصير ممتلكات هذا الشخص، فإنه بمجرد صدور قرار سحب أو إبطال أو إسقاط الجنسية عنه فلديه مهلة سنة ليتصرف بها بيعًا، ويتم ذلك بموجب جواز سفر جنسيته الأصلية أو بطاقة هوية جنسيته الأصلية، وفي حال لجوئه للقضاء تمتد مهلة السنة إلى ما بعد صدور قرار نهائي بالدعوى، فإن لم يفعل تؤول الأموال للخزينة العامة التي تملك حق بيعها وإيداع قيمتها في حساب خاص لمصلحة هذا المالك.

إن قرار “سحب” الجنسية يؤشر إلى خطورة ما يمكن أن يصيب أي مجنّس، تعتقد أو تفترض السلطة التنفيذية أنه يقوم بأعمال تمس سيادة وسلامة الدولة التركية، أو يمثل خطورة على أمنها القومي، لكن يبقى القضاء هو الملاذ وكلمته هي الفيصل، إما في استعادة الجنسية وإما البقاء في نفق انعدام الوزن القانوني.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي