عنب بلدي – يامن المغربي
أثار إعلان السلطات الأمريكية اعتقال محافظ دير الزور الأسبق، سمير الشيخ، التكهنات حول التهم الموجهة إليه، ومدى إمكانية محاكمته في الولايات المتحدة، على غرار المحاكمات التي عُقدت في دول أوروبية لمسؤولين سابقين في النظام السوري، اتهموا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
الشيخ الذي تولى إدارة سجن “عدرا” في العاصمة دمشق، بين عامي 2005 و2008، وكان محافظًا لمدينة دير الزور، شمال شرقي سوريا، يُتهم بارتكابه جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وفق منظمات حقوقية سورية تواصلت معها عنب بلدي.
لكن اعتقال الشيخ في أمريكا لم يأتِ بسبب هذه الاتهامات، بل لارتكابه مخالفات لقوانين الهجرة الأمريكية، إلا أن ذلك قد يفتح الباب لمحاكمته في التهم المنسوبة إليه في حال تحركت وزارة العدل الأمريكية بهذا الاتجاه، قبل جلسات الاستماع المقبلة المقررة خلال شهري تموز الحالي وآب المقبل.
اعتقال لانتهاك قانون الهجرة
وصل سمير عثمان الشيخ إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2020، بعد موافقة الأخيرة على منحه “فيزا” عقب طلب قدمته زوجته الحاصلة على الجنسية الأمريكية.
بعد أربع سنوات، وتحديدًا في 16 من تموز الحالي، حجز الشيخ تذكرة مغادرة فقط دون عودة، وحاول السفر عبر مطار “لوس أنجلوس” التابع لولاية كاليفورنيا، إلا أنه ألقي القبض عليه بموجب مذكرة اعتقال مرفقة بمذكرة تفتيش لهاتفه الشخصي.
تحرك السلطات الأمريكية للقبض على الشيخ، جاء لارتكابه خروقات ضد قانون الهجرة الأمريكي، وتقديمه معلومات كاذبة منذ حصوله على “الفيزا” ثم الإقامة الدائمة.
مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، أوضح لعنب بلدي أنه عادة، وعند التقديم على “الفيزا” وكذلك الجنسية في الولايات المتحدة، يجيب المتقدم عن أسئلة عامة، تتعلق بما إذا كان موظفًا حكوميًا أو شارك بأي دور حكومي أو يُتهم بتنفيذه أي انتهاكات، وعادة ما يجيب المتقدمون بكلمة “لا”، وهذا ما فعله الشيخ.
وأضاف العبد الله الذي حضر اجتماعًا حول اعتقال الشيخ بوزارة العدل الأمريكية، في 17 من تموز الحالي، أن التهم الموجهة حاليًا ترتبط بالاحتيال على قانون الهجرة الأمريكي.
ورغم أن الاتهامات لا ترتبط بسوريا، فإن ذلك لن يمنع إمكانية تحرك وزارة العدل الأمريكية بأن توجه للشيخ تهمًا جديدة تتعلق بالملف السوري.
ووفق العبد الله، فإن هناك تحقيقًا قائمًا بالتوازي بهذا الشأن، واضطرت الوزارة لتقديم اتهامات تتعلق بالاحتيال لمنعه من السفر وإصدار المذكرات القانونية.
حاليًا تنتظر الشيخ جلستا استماع، الأولى في 26 من تموز الحالي، والثانية في 1 من آب المقبل، في غرب مقاطعة لوس أنجلوس، لكن هذه الجلسات، وفق العبد الله، هي فقط جلسات استماع أولية قبل انطلاق المحاكمة التي لن تبدأ قبل مطلع 2025.
وعادة ما تكون المحاكمات في أمريكا قصيرة، نظرًا إلى إنهاء إجراءات التقاضي وتقديم جميع الأدلة والإثباتات والدفاع من قبل جميع الأطراف قبل المحاكمة، بخلاف المحاكم الأوروبية التي تناقش فيها كل الخطوات خلال المحكمة نفسها.
“المنظمة السورية للطوارئ” قالت في بيان، في 16 من تموز الحالي، إن الشيخ “يخضع للتحقيق بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبها في سوريا”، وأنها “أبلغت الحكومة الأمريكية بوجوده على أراضيها مطلع 2022”.
وأمل العبد الله أن تكون وزارة العدل أنهت تحقيقها حول الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية، المتهم بها الشيخ، قبل انطلاق المحكمة.
وفي تعليقه على اعتقال الشيخ، قال السيناتور الأمريكي وعضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، جيم ريش، “إن العالم مغلق أمام الأسد ورفاقه”.
وأضاف في منشور عبر حسابه في “إكس”، في 17 من تموز الحالي، أن اعتقال مسؤول في النظام السوري على مرأى من الجميع، هو تذكير بأنه يجب علينا مضاعفة جهود المساءلة، و”يمكن للأسد ورفاقه البقاء في سوريا أو مواجهة الاعتقال”.
4000 إنسان قُتلوا بسبب الشيخ
شغل سمير الشيخ، إلى جانب رئاسة سجن “عدرا”، منصب رئيس فرع “الأمن السياسي” في عدرا، ويعدّ أحد المقربين من ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري، وتقاعد في 2010.
اندلعت المظاهرات المطالبة برحيل بشار الأسد في آذار 2011، وعقبها أعاد الأسد تعيين الشيخ محافظًا لمدينة دير الزور، ورئيسًا للجنة الأمنية فيها، واستمر في منصبه حتى مطلع 2013.
ولعبت اللجنة الأمنية دورًا باتخاذ القرارات العسكرية والأمنية في دير الزور، وخلال وجود الشيخ، دخل عناصر من جيش النظام السوري المدينة لقمع الاحتجاجات.
ووفق بيان “المنظمة السورية للطوارئ”، شهدت دير الزور قمعًا عنيفًا للمظاهرات السلمية خلال فترة وجود الشيخ، وقُتل الآلاف وكان مسؤولًا عن عدة مجازر في المدينة.
ومع اعتقال الشيخ، أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” بيانًا، في 17 من تموز، قالت فيه، إنها زودت وزارة العدل الأمريكية بحصيلة لأبرز الانتهاكات التي مارسها الشيخ خلال عمله.
ووفق “الشبكة”، قتل في فترة وجود الشيخ بدير الزور 3933 مدنيًا، بينهم 312 طفلًا و261 سيدة، على يد قوات النظام السوري والميليشيات الموالية له، وبين الضحايا 14 مدنيًا من الكوادر الطبية و13 إعلاميًا.
ووثقت “الشبكة” 659 حالة اعتقال بينها 31 طفلًا و19 سيدة في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري في المحافظة، أفرج عن 47 شخصًا منهم وبقي 612، تحول منهم 508 أشخاص إلى مختفين قسرًا.
وكان الشيخ مسؤولًا عن عدة مجازر شهدتها دير الزور، منها مجزرتا الجورة والقصور، وقتل فيهما أكثر من 450 مدنيًا.
وفق بيان “الشبكة”، فإنها أسهمت في دعم القضية منذ 2023 بالتنسيق مع “المنظمة السورية للطوارئ”، سبق ذلك توقيع اتفاقية تفاهم مع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية في 2019 للمساهمة في عمليات التحقيق والمحاسبة.
مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، قال لعنب بلدي، إن الجرائم المرتكبة في مدينة دير الزور والمتهم الشيخ بها، هي جرائم “عالية جدًا” وتصنف كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وأضاف أن “الشبكة” أشارت إلى مسؤولية بشار الأسد عنها باعتباره رئيسًا للشيخ، ما يعني تورطه بشكل مباشر، ولا ينفي المسؤولية عن الأخير كذلك، وأن قاعدة بيانات “الشبكة” (تحتوي على مئات آلاف الحوادث خلال سنوات النزاع) لديها القدرة على العودة إلى فترات زمنية محددة وتوضيح دور الشيخ فيما حصل.
ووجود سمير الشيخ في موقع المسؤولية، يجعله متورطًا بشكل مباشر بالجرائم، بحسب عبد الغني.
وفق عبد الغني، تعد خطوة الاعتقال مهمة وسيتم تسليط الضوء عليها من قبل وسائل الإعلام الأمريكية والسياسيين، وكذلك هي “خطوة باتجاه المحاسبة”.
ومن الضروري أن تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في إطار المحاكمات لمسؤولي النظام السوري، كما فعلت الدول الأوروبية في وقت سابق، وأن يكون هناك عمل للمحاكم الأمريكية ضد هؤلاء المسؤولين المتورطين بالجرائم، وفق عبد الغني.
ودعا بيان “الشبكة” الحكومة الأمريكية لتوسيع ولاية قضائها للتحقيق في جرائم دولية ارتكبت في سوريا وملاحقة المتورطين فيها من الموجودين على أراضيها.