خطيب بدلة
الحديث عن حرية الرأي في البلاد العربية والإسلامية، يستدعي، على الفور، ما قاله شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء أبو العلاء المعري:
إذا قلتُ المُحَالَ رفعتُ صوتي
وإن قلتُ اليقينَ أطلتُ همسي
هذا، بالضبط، ما يحدث معنا عندما نتحدث عما جرى في منطقتنا، أعني شمال سوريا، خلال الـ13 سنة الماضية، فنحن نحتاج إلى شجاعة استثنائية، لنقول إن ظهور الجماعات الإسلامية الجهادية، التي صُنف معظمها على أنها إرهابية، كان سهلًا، بسبب الحاضنة الشعبية التي تشكلتْ حولها تلقائيًا. وهنا تبرز الصفة الأساسية للأشخاص الذين يؤلفون هذه الحاضنة، وهي الإنكار، فبمجرد ما تذكر هذه المعلومة، ينبري لك عدد كبير من الكتاب والناشطين، يحاولون تسفيه رأيك، وضرب مصداقيتك، ولأنهم لا يمتلكون حجة مقنعة لدحض هذه الحقيقة، تراهم يلفون، ويدورون، فيقول لك أحدهم، أنت تربية النظام البعثي، مناصر للأقليات، معادٍ للأكثرية السنّية التي تعاني من مظلومية تاريخية، ويقول ثانٍ، إنه يشك بإيمانك، فما تقوله لا يصدر إلا عن ملحد، ضال، ناكر لقرآننا وأحاديث نبينا، ويشمر ثالث عن سواعد العلم والمعرفة، فيقول لك: أنت تهرف بما لا تعرف، وربما كنت تعرف، ولكنك تتجاهل أن “الجيش الحر”، الذي يمثل أهل السنّة خير تمثيل، هو الذي حارب تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، فتضطر، حينئذ، أن توضح له ولغيره، أن ثلاث قوى تحالفت، وحاربت تنظيم “داعش”، واستمرت تحاربه حتى قضت عليه، الأولى أمريكا وحلفاؤها، والثانية الكرد، والثالثة شيعة العراق، وأما “الجيش الحر” فلم يقاتل تنظيم “داعش”، بل العكس، تنظيم “داعش” هو الذي اعتدى عليه، وقتل عناصره، وسلبه أسلحته، وكان ذلك بحماية الفرع “الداعشي” الآخر، “جبهة النصرة”، التي تشكلت حولها حاضنة شعبية إسلامية سنّية كبيرة، منذ 2015، وهناك صور وفيديوهات لوجهاء من إدلب وهم يقدمون الهدايا لأبي محمد الجولاني، الرجل الغريب، الذي يقول بعض معارضيه، الآن، إنه عميل للنظام، وعميل للمخابرات البريطانية، و”السي آي أي” (مصطلح “العميل”، بالمناسبة، ليس من لغة السياسة، بل الشتائم، فهناك شيء اسمه “التقاء المصالح”).
أنا، محسوبكم، من جهة أخرى، أمقت السخافات التي تقول إن تنظيم “داعش” صناعة أمريكية، أو إيرانية، أو أسدية، أو روسية، فهذه أقوال تنتمي إلى مفهوم “المُحال” الذي حكى عنه فيلسوفنا المعري، وأما “اليقين” فهو إنتاج طبيعي للشريعة الإسلامية، والفقه الإسلامي المتشدد، بدليل أنه لم يقم بأي تصرف لا سند له في كتب التراث الديني، ومع ذلك، يا صديقي، لا يستبعد أن تأتي مخابرات دولة عظمى، تلتقي مصالحها مع مصلحة هذا التنظيم، فتعطيه مالًا، أو سلاحًا، أو حماية، وفي الوقت نفسه توجهه ليعمل لمصلحتها.
ثمة رأي يقول إن الناس العاديين، الذين لا يشتغلون بالسياسة، أناس طيبون، مسالمون، لم يسكتوا عن وجود التنظيمات الجهادية طائعين، بل مرغمين، وهذا كلام مقبول، ولكننا نستطيع أن نسأل الآخرين، المسيسين، الذين يخرجون، هذه الأيام، ويتظاهرون ضد الجولاني، ويتهمونه بأنه ضابط مخابرات عند الأسد: ألستم أنتم الذين بايعتموه، ودعمتموه منذ بضع سنوات؟ فـ”شو عَدا ما بَدا”؟