مقتل قاطرجي.. هل يستبدل النظام واجهاته الاقتصادية
عنب بلدي – جنى العيسى
أثار مقتل رجل الأعمال السوري براء أحمد قاطرجي، أحد أبرز “حيتان الحرب”، التساؤلات حول الجهة المستفيدة من مقتله، إذ شكك العديد من الخبراء بحقيقة أن إسرائيل وراء قتله.
وكالة “رويترز” للأنباء نقلت عن ثلاثة مصادر أمنية لم تسمِّها، أن براء قاطرجي قُتل بغارة جوية إسرائيلية قرب الحدود السورية- اللبنانية، فيما لم يصدر أي تعليق إسرائيلي رسمي، إذ نقلت وسائل إعلام إسرائيلية الخبر عن وكالات إخبارية.
النظام السوري لم يعلق بدوره بشكل رسمي على مقتل قاطرجي، بينما قالت وسائل إعلام محلية مقربة من النظام، حين إعلان مقتل قاطرجي، إن سيارة استُهدفت على أوتوستراد دمشق- بيروت بداية طريق الصبورة، ويُرجح أنها ناجمة عن “اعتداء إسرائيلي”، ما أدى إلى احتراق السيارة بالكامل ومقتل وإصابة من بداخلها.
رغم غياب التعليق أو النعي الرسمي لقاطرجي، قالت “مجموعة قاطرجي القابضة” عبر حسابها في “فيس بوك” بأول أيام العزاء الذي أقامته العائلة في محافظة حلب، إن محافظ حلب، حسين دياب، قدم العزاء لآل قاطرجي باسم رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
تعد عائلة قاطرجي من أثرياء الحرب المقربين من النظام السوري، الذي سمح بتمدد نفوذ العائلة وتعزيز حضورها على مستوى اقتصاد البلد في السنوات الأخيرة.
النظام “أقرب المتهمين”
شكك عديد من المتابعين بمسؤولية إسرائيل عن مقتل قاطرجي، ما ترك أصابع الاتهام تتجه نحو النظام السوري، مستندة إلى عدة معطيات تتعلق بتغييب عدد من الواجهات الاقتصادية التي كانت مقربة من النظام عن المشهد، منهم خضر علي طاهر، ويسار إبراهيم، وأسماء الأسد، ولونا الشبل مؤخرًا.
الباحث السوري بمجال الإدارة المحلية والاقتصاد السياسي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي، أكد وجود تضارب في الروايات بخصوص مقتل قاطرجي بين ادعاء باستهدافه من قبل إسرائيل أو مقتله بعبوة ناسفة.
وقال الدسوقي لعنب بلدي، إنه على الرغم من أن لإسرائيل مصلحة في تصفيته لارتباطه بإيران وشبكاتها وأذرعها الإقليمية، فإنه يميل إلى فرضية تصفيته من قبل النظام السوري، وسط وجود مؤشرات تدعم هذه الرواية.
واعتبر الدسوقي أن استهداف قاطرجي في منطقة تقع ضمن نفوذ “الفرقة الرابعة”، وكذلك السلوك الإسرائيلي باستهداف قيادات لإيران وميليشياتها وأذرعها أمنية وعسكرية أكثر منها اقتصادية في سوريا، ترجح فرضية استهدافه من النظام.
ولعل تنامي شبكة علاقات قاطرجي مع إيران و”حزب الله” ليتحول بذلك من لاعب محلي إلى إقليمي، والإشاعات المتداولة عن اكتشاف النظام لتهريب قاطرجي جزءًا من أمواله للخارج، دفعت النظام إلى تصفيته كرسالة منه لمجتمع رجال الأعمال.
تتمثل الرسالة، وفق ما يراه الباحث، بضرورة العمل ضمن الخطوط التي يحددها النظام وعدم تجاوزها، فضلًا عن إمكانية استثمار هذا الحدث لإيصال رسائل للخارج، كالمملكة العربية السعودية التي وضعت قاطرجي على قائمة عقوباتها، بأن النظام جاد في التعاطي بشكل إيجابي مع القضايا التي تؤثر سلبًا على العلاقة مع السعودية.
وفي حزيران 2022، وضعت رئاسة أمن الدولة في السعودية على قوائم الإرهاب لديها براء وحسام قاطرجي وشركتهما التي قامت بتسهيل تجارة الوقود لتنظيم “الدولة الإسلامية”، واتهمتها الوزارة بالتعاون مع التنظيمات “الإرهابية” مثل “الحرس الثوري الإيراني”.
هل يتأثر نشاط العائلة
تصدّر اسم آل قاطرجي قائمة “حيتان المال” خلال سنوات الحرب الأخيرة في سوريا، بعد تعاملات سرية مع تنظيم “الدولة الإسلامية” من جهة و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من جهة أخرى، لمصلحة النظام السوري.
من يدير نشاط العائلة
حسام أحمد رشدي قاطرجي، المولود في الرقة عام 1982 لعائلة ترجع أصولها إلى مدينة الباب التابعة لمحافظة حلب، ويشغل رئيس مجلس إدارة “مجموعة قاطرجي الدولية”، التي تضم عديدًا من الشركات المتخصصة في مجالات مختلفة، وفق تقرير لمنظمة “مع العدالة” المتخصصة بملاحقة مجرمي الحرب صدر في 2020.
يقطن حسام في مدينة دمشق، ويعتبر من أكثر رجال الأعمال المؤيدين للنظام، ويستخدم أقرباءه كواجهات تجارية للعمل ضمن شركاته الفرعية العائدة له ولأشقائه محمد براء ومحمد آغا قاطرجي.
ويتولى حسام قاطرجي الظهور إعلاميًا، وإدارة “مجموعة قاطرجي الدولية” على الملأ، بينما كان براء قاطرجي يدير الأمور “بشكل خفي” لمصلحة النظام.
يرى الباحث أيمن الدسوقي أن لعائلة قاطرجي استثمارات لا يستهان بها داخل سوريا، مشيرًا إلى أن مقتل براء قاطرجي له أثر على العائلة، التي تركز حاليًا من وجهة نظره على القيام بإعادة حساباتها وتقييم علاقاتها وهذا يخلق مساحات فراغ سوف يستغلها خصوم قاطرجي، وفق رأيه.
فيما يرى مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار، أن أثر مقتل براء قاطرجي على نشاط العائلة يتعلق بالجهة المسؤولة عن مقتله.
وقال شعار لعنب بلدي، إنه في حال مسؤولية إسرائيل عن ذلك فإن نشاط العائلة لن يتوقف، إذ إن دوره من الناحية الوظيفية يمكن استبداله بسهولة بشخص آخر من أفراد العائلة بسبب طبيعة عملهم العشائرية.
لكن في حال كان مقتله يرتبط بصراعات داخل النظام السوري، يرى شعار أن هذا قد يُفهم من قبل العائلة على أنه رسالة لإيقاف نشاطاتها الاقتصادية، وبالتالي انسحاب العائلة ككل من هذه النشاطات.
وبعد بدء الصراع في سوريا، اعتمد النظام السوري على أسماء ظهرت “فجأة” في عالم الاقتصاد، ولا تملك تاريخًا في العمل الاقتصادي أو المالي، وتبوأت مراكز وأنشطة اقتصادية تعد تاريخيًا من مجالات نشاط عائلة الأسد، بحسب دراسة لمركز “حرمون”، نهاية أيار 2022.
وكان رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، يدير نشاطات العائلة، باعتباره شريكًا وخازنًا لأعمالها، وأدت التبدلات الموازية في اقتصاد الحرب والعقوبات الخارجية إلى ظهور أثرياء الحرب الجدد، مع بقايا النخب القديمة الفاعلة في البلاد، لتشكيل “واجهات” للعائلة، وفق الدراسة.
بدأ صعود عائلة قاطرجي بعد انكفاء مالك شركة “هيسكو” لإنتاج الغاز الطبيعي، جورج حسواني، عقب العقوبات الأوروبية التي فُرضت عليه، ليتراجع بصمت مفسحًا المجال لحسام قاطرجي وإخوته ليستولوا على قطاع نقل النفط من مناطق تنظيم “الدولة” سابقًا و”قسد” حاليًا.
وتطور نفوذ العائلة على القطاع، عبر تشكيلها ميليشيا أسهمت في القتال مع قوات النظام، لكن هدفها الأساسي كان حماية قوافلها التجارية، ثم في عام 2018، أسس الإخوة قاطرجي (حسام، محمد براء، أحمد بشير) شركة “أرفادا” البترولية، التي استحوذت على 80% من شركتين أُسستا لإنشاء مصفاتي نفط لم يبدأ العمل بهما حتى الآن رغم حصولها على الموافقة لذلك منذ 2020.
ونهاية 2022، أُعلن عن شركة “بي إس للخدمات النفطية”، مقرها في لبنان، وهي تابعة لـ”مجموعة قاطرجي”، حيث سُمح لمحطات المحروقات التابعة للشركة باستيراد النفط الخام وتكريره في مصفاتي “بانياس” و”حمص”، مقابل أجور تُدفع للحكومة، ومُنحت مقابل ذلك الحق ببيع المشتقات النفطية الناجمة عن التكرير في السوق المحلية أو تصديرها.
واجهات تخرج من المشهد
يأتي مقتل قاطرجي خلال فترة زمنية شهدت تغييب عدد من الأسماء العامة في الواجهات الاقتصادية التي خلقها النظام السوري خلال السنوات الماضية.
وتحدثت العديد من المصادر الإعلامية، مطلع العام الحالي، عن اعتقال النظام لرجل الأعمال السوري خضر علي طاهر (أبو علي خضر) الذي كان يرتبط بشكل مباشر مع القصر الجمهوري، كما تداولت المواقع نبأ تعرض مستشار بشار الأسد الاقتصادي، يسار إبراهيم، لحالة تسمم حاد بمادة كيماوية تسببت بتلف معظم أعضائه الداخلية.
كما أعلنت “رئاسة الجمهورية” بشكل رسمي عن تغيّب أسماء الأسد عن العمل المباشر والمشاركة بالفعاليات والأنشطة كجزء من خطة العلاج، بعد إعلان إصابتها بسرطان الدم، نهاية أيار الماضي.
وبوفاة مستشارة بشار الأسد الإعلامية، لونا الشبل، في 5 من تموز الحالي، يكون قد تغيّب عن “مجلس الاقتصاد السري” الذي كانت تديره أسماء الأسد أربعة أشخاص، هم أسماء ولونا وخضر علي طاهر ويسار إبراهيم.
كشف تقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، أن أسماء الأسد تترأس “مجلس الاقتصاد السري” للنظام السوري، وتعمل فيه بمشاركة رجال أعمال وأشخاص مقربين من النظام، وفق مقابلات أجرتها الصحيفة مع 18 شخصًا مطّلعين على عمل النظام السوري، بينهم رؤساء شركات وعمال إغاثة ومسؤولون حكوميون سابقون.
وذكر التقرير أن دائرة علاقات أسماء الأسد الاقتصادية كانت تشمل العديد من الأسماء، منها يسار إبراهيم، وفارس كلاس، الأمين العام لـ”الأمانة السورية للتنمية”، والمستشارة الإعلامية لرئيس النظام السوري، لونا الشبل، ورجل الأعمال السوري خضر علي طاهر، بالإضافة إلى لينا كناية التي شغلت رئاسة مكتب أسماء الأسد في وقت سابق، ودانا باخور التي ظهرت خلال زيارة الأسد الأخيرة إلى الإمارات.
الباحث في الاقتصاد السياسي أيمن الدسوقي، قال لعنب بلدي، إن ما يقوم به النظام حاليًا هو ضبط وإعادة تشكيل مجمع رجال الأعمال، ليتماشى مع احتياجات المرحلة المقبلة في التعافي الاقتصادي والانفتاح الخارجي، وهو جزء من سياق أعم يرتبط بعملية التحديث السلطوي التي يقوم بها النظام لضمان بقائه.
ويرى الدسوقي أن النظام لايزال يمسك بخيوط اللعبة، وسبق له تغيير العديد من الوجوه الاقتصادية، دون أن يؤثر ذلك على نهجه وخططه ومساعيه للهيمنة وضمان بقائه.
براء قاطرجي.. سمسار تنظيم “الدولة” المعاقَب أمريكيًا
محمد براء أحمد رشدي قاطرجي والمعروف باسم براء قاطرجي، مولود في مدينة الرقة عام 1976، وترجع أصوله إلى مدينة الباب بريف حلب الشرقي.
يعد براء شريكًا مؤسسًا في عدد من الشركات، أبرزها “مجموعة القاطرجي الدولية” التي تضم عددًا من الشركات منها: “قاطرجي للصناعات الهندسية الميكانيكية المغفلة الخاصة”، “أرفادا البترولية”، وفق ما ذكره موقع “مع العدالة“.
وأسهم براء قاطرجي مع أشقائه حسام ومحمد آغا في تشكيل ميليشيا مسلحة تعرف باسم “مجموعة قاطرجي”، وتتمركز بشكل رئيس في محافظة حلب، وشاركت في الأعمال العسكرية التي أدت إلى حصار الأحياء الشرقية من مدينة حلب بنهاية عام 2016، والتي أفضت بالنهاية إلى قتل وتهجير آلاف من الشعب السوري إلى مناطق إدلب وريف حلب الشمالي، وشاركت الميليشيا في العديد من الجرائم بحق الشعب السوري.
وارتبط براء قاطرجي بشبكات فساد مالي وإداري وعلى جميع مستويات إدارات الدولة حتى وصل للقصر الجمهوري، وهو ما ساعده على الوصول بشكل مباشر لشبكات فساد بشار الأسد ورجل الأعمال رامي مخلوف الذي أسهم بتوسعة أعمال قاطرجي.
وكانت الانطلاقة الحقيقية لمجموعة قاطرجي عقب خسارة قوات النظام محافظة الرقة لمصلحة “الجيش الحر” عام 2011، ولاحقًا تنظيم “الدولة الإسلامية”، حيث كان براء قاطرجي السمسار الأكبر في صفقات النفط والقمح والسلاح ما بين النظام السوري وتنظيم “الدولة” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وفق الموقع.
واستفاد من روابطه التي أقامها على مر السنين في الرقة وما حولها في تنفيذ مخطط جلب النفط والقمح من مناطق سيطرة “قسد” وتنظيم “الدولة” إلى مناطق سيطرة النظام، وكذلك نقل السلاح بالاتجاه المعاكس نحو تلك المناطق.
عام 2018، أدرج على لائحة العقوبات الأمريكية، حيث أفادت وزارة الخزانة الأمريكية أن براء قاطرجي لعب دور الوسيط بين النظام السوري وتنظيم “الدولة” في عقد صفقات النفط، مشيرة إلى أن شركته النفطية المرخصة في السجلات السورية عملت على نقل شحنات نفطية بين الطرفين، بالإضافة إلى تزويدها النظام بالفيول وشحنات الأسلحة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :