الحسكة – مجد السالم
مع نهاية العام الدراسي 2023-2024، قرر محمد الحاج (59 عامًا) الانتقال من ريف القامشلي إلى مركز المدينة لهدف وحيد، وهو تسجيل ابنه في دورات للصف التاسع.
قال محمد لعنب بلدي، إن العائلة مجبرة على الانتقال للسكن في المدينة، لعدم وجود معاهد تعليمية في الريف، رغم أن ذلك مكلف جدًا.
وذكر أن الإيجار الشهري للمنزل مليون و100 ألف ليرة سورية (75 دولارًا أمريكيًا)، يضاف إليه اشتراك “الأمبيرات” ومصروف شهري للعائلة يصل إلى 3 ملايين ليرة أخرى (200 دولار).
لا يستطيع الرجل دفع كل هذه المصاريف لوحده، لكن “من حسن الحظ” أن لديه ولدين في ألمانيا، وهما اللذان تكفلا بمعظم هذه المصاريف بما فيها ثمن الدورات، ولولا ذلك لما استطاع العيش في المدينة، حسب قوله.
تغيب في أرياف الحسكة المعاهد التي تقدم دورات تقوية للطلبة، ما يشكل عائقًا أمام الطلبة وعائلاتهم خاصة لصفي التاسع والثالث الثانوي (البكالوريا).
وتبدأ التحضيرات للعام الدراسي المقبل 2024-2025 بعد أن انتهت امتحانات العام الحالي في 13 من حزيران الماضي، وبلغ عدد الطلاب المسجلين للتقدم لامتحانات الشهادات العامة للتعليم الأساسي والثانوية العامة بمختلف فروعها أكثر من 550 ألف تلميذ وطالب.
وتشير الإحصائية إلى أن 10258 طالبًا وطالبة كانوا مسجلين في محافظة الحسكة، موزعين على 132 مركزًا امتحانيًا خاصًا بالشهادة الثانوية، و79 مركزًا لشهادة التعليم الأساسي، في كل من الحسكة والقامشلي.
مشكلة سكن
تعتبر مشكلة السكن من أكثر الصعوبات التي تواجه العائلات المنحدرة من الريف، والراغبة في إلحاق أبنائها بدورات شهادتي التاسع و”البكالوريا”.
ورصدت عنب بلدي العديد من الحالات التي اضطرت فيها العائلات للانتقال من الريف إلى المدينة، وتحمل أعباء مادية وديون، في سبيل تسجيل أبنائهم في دورات تعليمية.
ومن الحلول الأخرى التي تلجأ إليها العائلات، إسكان طلبة مرحلة الشهادة الإعدادية أو الثانوية لدى أقربائهم في المدينة، رغم ما يشكله من “حرج اجتماعي للطرفين”.
ثامر الحسين (53 عامًا) من ريف القحطانية، قال لعنب بلدي، إنه يعتبر نفسه محظوظًا أكثر من بقية العائلات الريفية لأنه يملك بيتًا في القامشلي، وانتقل إليه منذ نحو عام لاستكمال دراسة أبنائه.
وأضاف أنه كان يعتمد على العائد من إيجار البيت في تأمين مصاريف العائلة، لكنه اليوم مضطر للسكن في المدينة لاستكمال تعليم أطفاله.
لا معاهد في الريف
عن صعوبة افتتاح معاهد تعليمية في الريف، قال مدرس اللغة العربية هواش محمد (46 عامًا)، وهو من ريف تل حميس، إن السبب يعود لقلة الطلبة ضمن القرية الواحدة، التي قد لا يتجاوز عدد منازلها العشرة أحيانًا.
السبب الآخر، وفق المدرس، يعود إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانيها سكان الريف، وعدم قدرتهم على دفع “رسوم مُرضية للمعلمين”، ورغبة المعلمين بالانتقال للمدينة، إضافة إلى شح الخدمات في الريف ومنها الكهرباء.
وأضاف أن المعلمين يفضلون الانتقال إلى المدن، وتقديم دورات فيها، لأن الأجور مضاعفة عن مثيلاتها في الريف، لافتًا إلى أنه شخصيًا يريد الانتقال إلى المدينة، لقلة عدد الطلبة لديه، وضعف الحالة المادية لذويهم، لدرجة أن بعضهم لم يستطع دفع حتى نصف قيمة الدورة، وقدمها لبعضهم بالدّين.
حلول يلجأ إليها الطلبة
محمد حسون، طالب من قرية خويتلة في ريف القامشلي، قال لعنب بلدي، إنه يتحضر لشهادة “البكالوريا” إلى الآن بمجهوده الشخصي، وإن محاولات والده إلحاقه بأحد المعاهد في المدينة لم تنجح، نظرًا إلى صعوبة إيجاد سكن، وغلاء رسوم الدورات التي “باتت جميعها بالدولار”.
وذكر أنه حاول البقاء في القرية على أن يلجأ إلى الدوام بشكل يومي في المعهد، لكن ذلك كان صعبًا جدًا، حيث تبعد قريته نحو 65 كيلومترًا عن القامشلي، وهناك قرى تبعد نحو 100 كيلومتر.
وتبلغ تكلفة أجرة الطريق 12 ألف ليرة سورية يوميًا، يضاف إليها مصروف شخصي للشاب ليصل المبلغ إلى 25 ألف ليرة.
وأضاف محمد أن الجو حار جدًا، وأن الطريق متعب والمواصلات ليس متوفرة بشكل دائم، فأغلب “سرافيس” القرى تعود إليها حوالي الساعة الواحدة ظهرًا، أي لن يكون بمقدور الطالب حضور دورات خلال الفترة المسائية.
يحاول محمد حاليًا متابعة دروسه عبر مجموعات “واتساب” خاصة أنشأها مع مجموعة من زملائه في الريف والمدينة، ويتبادلون من خلالها الدروس والملاحظات والملخصات والشروحات عن مواد المنهاج.
وتختلف أجور الدورات في المعاهد الخاصة، وبعضها بالدولار وبعضها بالليرة السورية.
وبحسب جولة لعنب بلدي على عدة معاهد، فإن الأجر يختلف حسب المدرس وعدد الطلاب ضمن المجموعة أو الصف، فهناك صفوف تضم عشرة طلاب، وبعضها يصل عدد طلابها إلى 40 طالبًا وطالبة.
وتبدأ الأجور من حد أدنى مليون ليرة سورية (65 دولارًا أمريكيًا) عن كل مادة في المجموعة، وتزيد حسب المادة.