اعتراض روسي غير معلن على عقد اللقاء في العراق

الأسد وأردوغان يبديان مرونة حيال لقاء محتمل.. دور عربي مرتقب

رئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان (تعديل عنب بلدي)

camera iconرئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

على مدار الأيام الماضية، وبعد اندفاعة تركية واضحة في مسار التقارب التركي مع النظام السوري، تتابعت التصريحات من قبل الجانبين لتحديد مواقف واضحة إثر سيل من التصريحات التي بلغت دعوة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لزيارة سوريا.

أحدث هذه التصريحات ما جاء على لسان الأسد نفسه، الاثنين الماضي، حين ربط اللقاء مع الرئيس التركي بتحقيق نتائج، مع إبداء انفتاح أكبر وتغيير أشد وضوحًا في اللهجة حيال أنقرة.

وقال الأسد في تصريحات صحفية على هامش مشاركته في انتخابات “مجلس الشعب”، “إذا كان اللقاء أو العناق أو العتاب أو تبويس اللحى، كما يقال بالعامية، يحقق مصلحة البلد، سأقوم به، لكن المشكلة لا تكمن هنا، بل في مضمون اللقاء”، مضيفًا “لم نسمع ما الهدف، حل المشكلة؟ تحسين العلاقات؟ عودتها إلى وضعها الطبيعي؟”.

الأسد شدد على أن اللقاء ضروري بغض النظر عن المستوى، مع الإشارة إلى تحضير لقاء على المستوى الأمني من قبل بعض الوسطاء، نافيًا في الوقت نفسه وجود لقاءات سرية مع الجانب التركي.

كما تحدث عن المرجعية المحتملة للقاء، “هل ستكون المرجعية إنهاء أو إلغاء أسباب المشكلة التي تتمثل بدعم الإرهاب والانسحاب من الأراضي السورية، هذا جوهر المشكلة، ولا سبب آخر، فإذا لم يكن هناك نقاش حول هذا الجوهر فماذا يعني اللقاء”.

ولا يعتبر حديث النظام السوري عن انسحاب تركي من الشمال السوري لدفع مسار المحادثات جديدًا في هذا الإطار، إذ تحدث النظام باستمرار عن اشتراطات تتعلق بالانسحاب التركي، خلال وقبل وبعد اللقاءات التي جرت في “مسار الرباعية” (انطلق في 28 من كانون الأول 2022، وضم تركيا وروسيا والنظام قبل انضمام إيران، وانهار خريف 2023).

كما قال الأسد خلال مقابلة مع قناة “روسيا اليوم” منتصف آذار 2023، حين كان المسار يواصل أعماله، “نحن لم نطرح شروطًا للقاء أردوغان، وطرح موضوع الانسحاب من الأراضي السورية هو موضوع وطني، وليس سياسيًا”.

تصريحات النظام هذه حملت “غزلًا دبلوماسيًا” جاءت منسجمة مع بيان الخارجية السورية ردًا على دعوة أردوغان للأسد إلى زيارة تركيا، إذ اعتبر الأسد أن مصطلح “تطبيع العلاقات” يمكن استخدامه مع عدو شاذ خارج عن منطق الأمور، كإسرائيل، “أما عندما نتحدث عن بلد جار وعن دولة جارة، وهناك علاقات عمرها قرون طويلة فالعلاقات يجب أن تكون طبيعية حصرًا، مصطلح التطبيع خطأ”.

عودة لما قبل 2011

في أول رد رسمي للنظام على الدعوات التركية، قالت وزارة الخارجية السورية إن أي مبادرة في هذا الصدد يجب أن تبنى على أسس واضحة ضمانًا للوصول إلى عودة العلاقات بين البلدين إلى حالتها الطبيعية.

وأضافت في بيانها الصادر في 13 من تموز، أن في مقدمة تلك الأسس “انسحاب القوات الموجودة بشكل غير شرعي من الأراضي السورية، ومكافحة المجموعات الإرهابية التي لا تهدّد أمن سوريا فقط، بل أمن تركيا أيضًا، وفق البيان.

وبحسب الخارجية، فإن عودة العلاقة الطبيعية بين البلدين تقوم على عودة الوضع الذي كان سائدًا قبل 2011، وهو الأساس لأمن وسلامة واستقرار البلدين، دون تقديم توضحيات أو إشارة إلى آلية الحل السياسي المتمثلة في تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي “2254”، الذي تنادي به مختلف الجهات الدولية والأممية.

الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، أوضح لعنب بلدي أن خطاب الأسد، ومن قبله بيان الخارجية السورية، يعززان التحول المستجد في موقف دمشق من هذه العملية، فالأسد لم يعد يرهن استئناف التفاوض بشرط الجدول الزمني للانسحاب التركي، وترك الباب مفتوحًا أمام إمكانية اللقاء مع أردوغان.

ويرى الباحث أن تحديد الانسحاب التركي كأساس لعودة طبيعية للعلاقات تحصيل حاصل، ويعني ضمنًا قبول دمشق بفكرة أن الانسحاب سيكون تتويجًا لهذه العودة الطبيعية وليس لمسار التطبيع، كما أن هناك تحولًا في نبرة الأسد تجاه أردوغان، بإبداء الاستعداد للقاء إذا كانت هناك قواعد واضحة لعملية التطبيع، ما دشّن بالتوازي مع اندفاعة أردوغان، مرحلة التأسيس لحقبة التطبيع.

ووفق الباحث محمود علوش، فإن تركيا لن تتخلى عن علاقتها بالمعارضة لأنها ستبقى ركيزة لسياستها الراهنة في سوريا، لكن مشروع التطبيع يفرض على أنقرة إعادة تصميم وظيفة علاقتها بالمعارضة وتحويلها نحو هدف حل الصراع.

“الأسد رفع سقف توقعاته من التطبيع برهن التطبيع بالعودة إلى ما قبل حقبة 2011، وما يعنيه ذلك من انخراط تركي في عملية إنهاء الصراع وفق هذا المبدأ وليس وفق مبدأ قرار مجلس الأمن “2254”، وأعتقد أن الأتراك أصبحوا أكثر ميلًا لتقبل هذا التوقع مع تغليفه بفكرة المصالحة، لتطويره إلى عملية إصلاح سياسي”، أضاف محمود علوش.

دور سعودي بين أنقرة ودمشق

قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، الأحد الماضي، إن الرئيس التركي وجه دعوة للسلام، على أمل أن تكون فهمتها جميع الأطراف، موضحًا أن هذه الدعوة لا تنطلق من موقع ضعف.

وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره السعودي، تحدث فيدان عن الحاجة لفترات زمنية طويلة لإحلال السلام، كون سوريا في معمعة وأزمة كبيرة، وهناك روسيا وإيران والولايات المتحدة، ومناطق تحت سيطرة النظام وأخرى تحت سيطرة المعارضة وأخرى تحت سيطرة “التنظيم الإرهابي” (في إشارة تركية إلى الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا).

وأضاف فيدان أن تركيا لم تغير وجهة نظرها مع المعارضة السورية، لكنها لا تفرض أي أمور على المعارضة وتعتبرها أطرافًا سورية من الطبيعي أن تجلس على طاولة سورية، مع استمرار المساعي ضد التنظيمات “الإرهابية” سواء داخل تركيا أو خارج حدودها.

كما دعا السعودية للعب دور في تحسين العلاقات التركية مع النظام، إلى جانب دعوة روسيا وإيران للضغط على النظام بغية إحلال السلام، وفق تصريحات فيدان.

وكان الرئيس التركي، أكد في 11 من تموز، عزم حكومته على تطوير العلاقات مع النظام السوري، وقال إنه دعا الأسد للقاء في تركيا أو دولة ثالثة، لإنهاء الخلافات وبدء عملية جديدة.

وأضاف أردوغان، “لقد وجهت دعوتي للسيد الأسد قبل أسبوعين، إما أن يأتي إلى بلدي أو دعونا نفعل ذلك في دولة ثالثة”، لافتًا إلى أن وزير الخارجية التركي سيتابع هذه المسألة.

من جهته، يرى آخر سفراء تركيا في دمشق، عمر أونهون، أن تركيا غيرت نهجها، مدركة أن التعامل مع الأسد ضروري، لمعالجة قضية اللاجئين، لأنه يسيطر على دمشق، ويمكنه المساعدة في تحديد خارطة طريق لعودة السوريين المتبقين، ويستخدم الأسد هذه الرافعة لدفع الحكومة التركية للوفاء بشروطه.

وفي مادة نشرتها مجلة “المجلة” السعودية، في 28 من حزيران الماضي، قال أونهون، إن القضية السورية محفوفة بالتعقيدات والشكوك، وهي عرضة لتأثيرات دولية، من بينها ما ستسفر عنه الانتخابات الأمريكية المقبلة، ومن المعروف عن دونالد ترامب (مرشح الحزب الجمهوري) المرشح القوي، رغبته بالانسحاب من سوريا وغيرها من النقاط الساخنة في العالم، وفق أونهون.

تظل الجهات الفاعلة الرئيسة مثل تركيا وإيران والولايات المتحدة وروسيا وبعض الدول العربية، حاسمة في تحديد مستقبل سوريا، ومع ذلك، فإن مفتاح السلام الدائم يعتمد إلى حد كبير على ما إذا كان الأسد على استعداد حقيقي لاتباع المسار المبيّن في قرار مجلس الأمن رقم “2254”.

آخر سفراء تركيا في دمشق- عمر أونهون

اعتراض على آلية أردوغان

أبدى رئيس حزب “المستقبل” التركي، أحمد داوود أوغلو (وزير الخارجية حين انطلقت الثورة في سوريا)، اعتراضه على آلية تطوير العلاقات التي ينتهجها الرئيس التركي مع النظام السوري.

وأوضح أنه عند تقديم رسائل من الحكومة مفادها التواصل مع دمشق، فإذا لم يتم التوصل إلى حل عام، فبمجرد الاتفاق مع دمشق، فإن مئات الآلاف من الموجودين في إدلب سيسيرون إلى هذا الجانب من الحدود (في إشارة إلى دخول تركيا).

وقال داوود أوغلو قبل أقل من أسبوع، “لم أقل أبدًا إنه لا ينبغي أن نلتقي، ولكن ما مرجع هذا الاجتماع؟. الصداقات العائلية أم معايير القانون الدولي؟. رأينا ما يمكن أن تكون عليه الصداقات العائلية، تجلس اليوم، وغدًا أعداء مرة أخرى، الجمهورية التركية ليست دولة يمكنها البناء على صداقات عائلة الرئيس”، وفق ما نقلته وسائل إعلام تركية.

أحمد داوود أوغلو بيّن أن ما يعنيه بقاعدة القانون الدولي هو قرار مجلس الأمن “2254”، معتبرًا أن هذا هو الوضع الذي يجب أن يدافع عنه الرئيس التركي ووزير الخارجية.

“كما أن قرار الأمم المتحدة 242 لا يزال مرجعًا لفلسطين منذ عام 1967، فلا يوجد سوى قرار بشأن سوريا، ويشمل اللاجئين، وينبغي قبول هذا الإطار للتفاوض”، أضاف داوود أوغلو.

دور عربي من بغداد

في 31 من أيار الماضي، أماط رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، اللثام، عن دور عراقي في مسار التقارب بين تركيا والنظام السوري، وتبع هذه الخطوة حديث عن اجتماع مستقبلي تستضيفه بغداد بين الجانبين، لم يحصل حتى إعداد هذه المادة.

ووفق ما نقلته صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، والمتابعة لأخبار هذا المسار، فالاجتماع المرتقب سيكون بداية عملية تفاوض طويلة قد تفضي إلى تفاهمات سياسية وميدانية.

وبحسب “مصادر متابعة” نقلت عنها الصحيفة، فإن الجانب التركي طلب من موسكو وبغداد الجلوس على طاولة حوار ثنائية مع النظام، دون حضور أي طرف ثالث، وبعيداً عن الإعلام، للبحث في كل التفاصيل التي من المفترض أن تعيد العلاقات إلى سابق عهدها.

طاولة عراقية تحرك مسار التقارب بين أنقرة ودمشق

 

ورغم إبداء موسكو ترحيبًا بالاتصالات مع الدول المجاورة التي ستسمح للتطبيع التركي مع النظام بالتطور بنجاح، وفق ما جاء على لسان المتحدث باسم الرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، فإن موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، ذكر في 11 من تموز، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يعارض فكرة استضافة العراق للقاء يجمع الأسد وأردوغان، ويفضّل عقد اللقاء في تركيا.

ونقل الموقع عن مصادر وصفها بـ”المطلعة”، أنه رغم التوجه لإجراء مباحثات تركية مع النظام في بغداد برعاية الحكومة العراقية، فإن رئيس الوزراء العراقي يهدف إلى استضافة أول اجتماع شخصي بين أردوغان والأسد منذ أكثر من عقد من الزمن.

وتلقى المفاوضات المرتقبة بين الطرفين في بغداد، “دعمًا عربيًا واسعًا”، لا سيما من السعودية والإمارات، إلى جانب دعم صيني وروسي وإيراني، وفق ما نقلته “الوطن”.

هل يثمر الدور العربي؟

يأتي الدعم العربي لمسار التقارب التركي مع النظام بعد أكثر من عام على فتح الدول العربية الطريق أمام النظام السوري للعودة إلى الجامعة العربية في سبيل التوصل لحل سياسي يتجلى بتطبيق القرار “2254”.

المطالب العربية التي قدمتها “المبادرة الأردنية” وتكررت في مختلف اللقاءات العربية المعنية بسوريا، تحققت بصورة معاكسة، عبر مفاقمة المشكلات، لا حلّها، ليطفو على السطح حديث رسمي وآخر غير رسمي عن تراجع في الاندفاع العربي تجاه دمشق، بدا جليًا في مشاركة صامتة للأسد في قمة المنامة.

ورغم بقاء المطالب العربية التي نادى بها العرب مرارًا حبيسة التصريحات والبيانات، جاء مسار التقارب بين أنقرة ودمشق مدفوعًا من العرب، إذ يستضيفه العراق، وتدعمه السعودية والإمارات.

الباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، اللواء السعودي المتقاعد، عبد الله غانم القحطاني، أوضح لعنب بلدي أن الساحة السورية تعيش فراغًا رهيبًا وحالة مزرية، ولا حلحلة للوضع الداخلي، وكل جهود السعودية وبعض الدول العربية من أجل الداخل السوري.

الباحث بيّن أن مشكلة النظام تبدو مستعصية على الجميع، ولا أحد يستطيع أن يعدل في سلوكه وسياسته وأسلوبه وحتى في تعامله مع نفسه ومع شعبه ومع غيره، لكن المشكلة الأخرى أن الميليشيات الإيرانية بمختلف مسمياتها تعيث فسادًا.

من جهة أخرى، فالعلاقات التركية السعودية متنامية، وهذا الاهتمام السعودي بدفع العلاقات مع تركيا يقود إلى البحث عن توزان لمحاولة إصلاح الداخل السوري، في ظل غياب الجهود الدولية والأممية ولا يوجد في الأفق ما يطمئن بأن النظام ومؤسسات الأمم المتحدة والجوار غير العربي لسوريا سيقدم دورًا إيجابيًا.

الجغرافيا في المنطقة تتغير وسوريا لم تعد موجودة حاليًا بحدودها السياسية القديمة ولا بمفهمومها القديم، فهناك أرض تحت هيمنة تركيا وأرض تحت نفوذ إيران بالشراء أو بوضع اليد، وأرض روسية، وقوات سورية خارج سيطرة النظام، وقوات أجنبية، والنظام في دمشق هو الأضعف بين هذه المجموعات في القطر السوري، والرياض تبحث عن بصيص أمل لعدم ترك الموضوع بأكمله لمزيد من التخريب.

الباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية اللواء السعودي المتقاعد، عبد الله غانم القحطاني

هذه المعطيات مهدت الطريق أمام السعودية، وفق الباحث، عبر أي علاقة جيدة مع طرف تركي أو غيره للبحث عن قاعدة مشتركة لإيجاد بداية حل للمشكلة السورية، كون القضية متشعبة، ولا يمكن لأي دولة بمفردها أن تفعل شيئًا لمساعدة الشعب السوري، فالنفوذ الإيراني متغلغل في سوريا بأكثر مما يعتقد الكثير، والوضع مسدود ولا آفاق إيجابية ولا حلول دولية ولا مساعي عربية أو إسلامية لدفع النظام للتوصل لحل مع شعبه وجيرانه، والمخدرات في ازدياد، والمواطن السوري يعاني، و”الإرهاب” موجود، والأمم المتحدة كأنها نسيت القضية السورية، والولايات المتحدة وحلفائها لا تهتم بما يتعدى مصالحها في سوريا، وكل هذا يشكل دوائر مغلقة لا أمل فيها، من منظور الباحث.

اقرأ المزيد: تقاطع مصالح يسرع الخطى على طريق تقارب أنقرة- دمشق

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة