عنب بلدي – هاني كرزي
تواصل منظمات سورية في أمريكا جهودها لإعادة إنعاش قانون مناهضة التطبيع مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بعد مضي حوالي شهرين ونصف على عرقلته من قبل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، رغم إقراره من قبل مجلس النواب بأغلبية ساحقة.
المساعي لإعادة إحياء القانون، تجلّت من خلال عقد “لجنة هلسنكي” المختصة بحقوق الإنسان بالكونجرس الأمريكي، في 10 من تموز الحالي، جلسة خاصة للحديث عن جرائم الحرب التي ارتكبها النظام السوري.
وأفاد موقع “جلوبال جستس” (منظمة أمريكية- سورية)، أن جلسة الاستماع حملت عنوان “دمية بوتين السورية: جرائم الحرب والتواطؤ من سوريا إلى أوكرانيا”، وأدار الجلسة عضو الكونجرس جو ويلسون.
“المنظمة السورية للطوارئ” (SETF) بالتنسيق مع لجنة “هلسنكي” التي تضم أعضاء من الحزبين “الجمهوري” و”الديمقراطي”، عملتا على تنسيق قائمة الشهود الذين حضروا جلسة الاستماع في الكونجرس.
وضمت قائمة الشهود كلًا من مدير “المنظمة السورية للطوارئ”، معاذ مصطفى، والعضو السابق في “التحالف الأمريكي لأجل سوريا”، محمد غانم، والمخرج الهوليودي إم نايت شيامالان، وهو مطلع على انتهاكات النظام السوري.
الشهادات تضمنت الحديث عن الضحايا الذين خلّفهم قصف النظام وحليفته روسيا، إلى جانب نقاش التطبيع التركي مع النظام، وأهمية إقرار قانون مناهضة التطبيع مع الأسد من قبل بايدن، لوقف هذا المسار.
وفي مداخلته ضمن جلسة الكونجرس، قال مدير “المنظمة السورية للطوارئ”، معاذ مصطفى، “لولا تدخل بوتين وإيران لإبقاء الأسد، حيوان تهريب المخدرات الذي يمارس الإبادة الجماعية، في السلطة، لكانت سوريا ديمقراطية ناشئة، لذا إذا تركنا الأسد في السلطة بصرف النظر عن فظائعه وعدم دعم الشعب السوري الحر، فلن يعود أي لاجئ طوعًا على الإطلاق”.
بوابة لإحياء قانون مناهضة التطبيع
العضو السابق في “التحالف الأمريكي لأجل سوريا”، محمد غانم، كان أحد الأشخاص الذين أدلوا بشهادتهم أمام الكونجرس، وركز على أهمية إقرار مشروع قانون مناهضة التطبيع، مشددًا على أن البيت الأبيض عرقله.
وقال غانم، لعنب بلدي، إن “جلسة الاستماع التي عُقدت أمام الكونجرس مهمة جدًا في إطار السعي نحو إدخال قانون مناهضة التطبيع حيز التنفيذ، لكن لا يمكن القول إن الجلسة لوحدها كافية لتحقيق هذا الهدف، بل تأتي ضمن سياق عمل تراكمي طويل من قبل اللوبي السوري في أمريكا”.
وتدخل الشهادات التي قُدمت عن انتهاكات الأسد في الأرشيف الرسمي للكونجرس، بحسب غانم، ومن الممكن أن يطلب بعض النواب الأمريكيين، الذين اهتموا بشهادة معينة، من الشاهد زيارتهم في مكتبهم لاحقًا، للعمل معًا على مشروع قرار أو قانون، أو توجيه رسالة لبايدن للتحرك ضد التطبيع مع الأسد، بمعنى أن تلك الجلسة “تفتح بابًا لملفات أو لإقرار قوانين أخرى”.
وأشار العضو السابق لـ”التحالف الأمريكي لأجل سوريا” إلى أنه حاول خلال الجلسة التي شهدت حضورًا كبيرًا من النواب الأمريكيين من الحزبين، التأكيد على أن مسار التطبيع مع الأسد الذي تعمل عليه عدة دول، يضر بالمصالح الأمريكية، لأن إعادة تأهيل الأسد هو أحد الأهداف الرئيسة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لإشغال الغرب عن حربه في أوكرانيا.
غانم وجه خلال الجلسة رسالة ضغط للسيناتور بين جاردين، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، الذي كان له دور بارز في عرقلة قانون مناهضة التطبيع، وطلب منه ألا يضيف “وصمة عار” لتاريخه بسبب معارضته لمشروع القانون.
“لوبي سوري” ضاغط
يوجد في أمريكا “لوبي سوري” واسع، يضم منظمات مجتمع مدني ورجال أعمال وقادة رأي وسياسيين سوريين حاصلين على الجنسية الأمريكية، حيث يطرحون بشكل مستمر في الكونجرس قضايا تخص سوريا.
وأسهم “اللوبي السوري” في أمريكا بطرح الكثير من المشاريع، ومنها مشروع “قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد” لعام 2023، الذي عمل عليه “التحالف الأمريكي لأجل سوريا”، وهو مظلة انضوت تحتها عشر منظمات أمريكية مختصة بالشأن السوري، حيث عقد التحالف 327 اجتماعًا وزيارة على مدار أشهر، سبقت الوصول إلى إقرار القانون في الكونجرس.
وقدّم “التحالف” مشروع القانون إلى لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، وتم تمريره بأغلبية ساحقة، لكن الرئيس بايدن عرقله في نهاية نيسان الماضي.
الثقل الذي يملكه “اللوبي السوري” في أمريكا دفع حملة ترامب إلى السعي للحصول على دعم هذا “اللوبي” في الانتخابات الرئاسية المقبلة، من خلال سلسلة من اللقاءات التي نظمها حلفاء ترامب مع قادة الرأي العرب الأمريكيين في عدة ولايات متأرجحة.
اللوبي السوري في أمريكا يضم العديد من المظمات، أبرزها منظمة “غلوبال جستس” (Global Justice)، و”فريق الطوارئ السوري” (SETF)، ومنظمة “مواطنون لأجل أمريكا آمنة” (C4SSa) ، والتي عملت بشكل كبير على قانون مناهضة التطبيع مع الأسد.
المنظمات الثلاث طرحت كذلك، في 22 من أيار الماضي، سبعة مطالب أمام الكونجرس، وهي: تعديل قانون “قيصر” ليشمل مسؤولين سياسيين كبارًا في حكومة النظام، منع الاعتراف أو التطبيع مع نظام الأسد، وضع استراتيجية لمجابهة الدعم والتعاون من النظام السوري والميليشيات المدعومة من إيران الموجودة في سوريا.
كما تضمنت المطالب حماية قاعدة “التنف” من هجمات محتملة من ميليشيات النظام وإيران والقوات الروسية وتنظيم “الدولة”، وتعيين مبعوث أمريكي خاص لمواجهة الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا، وتقديم استراتيجية لعلاقة النظام وتنظيم “الدولة”، وتقديم استراتيجية عن الدعم الروسي للمنظمات “الإرهابية” الأجنبية الموجودة في سوريا.
بايدن يخفف الضغط عن الأسد
كانت هناك حماسة شديدة لدى الدوائر السورية التي عملت على طرح القانون لتمريره بأسرع وقت ممكن، لكبح جماح المندفعين للتطبيع مع النظام السوري، وبناء على ذلك، دفعت بقانون مناهضة التطبيع مع دمشق، وقانون مكافحة اتجار النظام بالمخدرات “كبتاجون 2″، إلى مجلس الشيوخ ومكتب الرئيس بايدن، ضمن حزمة قوانين جديدة تخص تمويل أوكرانيا لمواجهة الغزو الروسي.
لكن مجلس الشيوخ صدّق على قانون “الكبتاجون”، وحوّله إلى الرئيس للتوقيع، فوقع عليه فورًا وأصبح نافذًا، بينما تريث مجلس الشيوخ في التصديق على قانون مناهضة التطبيع بعد ضغط من البيت الأبيض.
عرقلة قانون مناهضة التطبيع مع الأسد دفعت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية لاتهام الرئيس بايدن بأنه يعمل بهدوء خلف الكواليس على تخفيف الضغط عن نظام الأسد، بينما يكتفي في العلن وبشكل رسمي بالتصريح أنه ضد التطبيع معه.
وحول سبب عرقلة بايدن لمشروع القانون، قال محمد غانم، لعنب بلدي، إن ذلك “يعود لكون مشروع القانون يحمل مفاعيل حقيقية وليست رمزية، وإذا أُقر فسيغير السياسة الأمريكية الحالية، لكن إدارة بايدن لا تريد تغيير سياستها تجاه الأسد، لذا تدخلت وطلبت من السيناتور بين جاردين عرقلة مشروع القانون”.
وحذر غانم من أن إعطاء أمريكا الإذن للدول العربية بالتطبيع مع النظام، قد يشجع الدول الأوروبية للتقارب مع الأسد من أجل حل قضية اللاجئين، مشيرًا إلى أن البعض يعتقد أن الأمر يقتصر حاليًا على تركيا ولبنان، ولكن ربما هناك حراك أوروبي خفي للتطبيع مع الأسد، وبعد فترة من الممكن أن يخرج ذلك الحراك للعلن.
برود أمريكي
التعاطي الأمريكي مع الملف السوري تراجع خلال السنوات الماضية، وفق وصف مركز “جسور” للدراسات، مشيرًا إلى أنه رغم تأكيدات واشنطن الإعلامية على دعمها القرار الأممي “2254”، ودعم التغيير السلمي في سوريا، فإن موقفها فعليًا متأثر وبشكل كبير بالتغيّرات الإقليمية والدولية المتسارعة خلال الأعوام القليلة الماضية، التي أفرزت أولويات لواشنطن ليست في مقدمتها القضية السورية.
رغم التطبيع العربي مع الأسد العام الماضي، ومضي أنقرة في التقارب مع دمشق، كانت واشنطن تكتفي بالتصريحات الإعلامية، وأفاد مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، عنب بلدي، في 8 من تموز الحالي، أن موقف بلاده من التطبيع مع النظام السوري لم يتغير، مشيرًا إلى أن واشنطن لن تطبع العلاقات مع النظام في غياب تقدم حقيقي نحو حل سياسي لـ”الصراع الأساسي”.
التغاضي الأمريكي عن مسارات التطبيع مع الأسد، يقتح الباب للتساؤل حول مصير قانون التطبيع مع الأسد في الفترة المقبلة، وفي هذا السياق قال مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، إن الملف السوري ليس ذا أولوية لدى بايدن، الذي شارفت ولايته على الانتهاء، ولم يعيّن مبعوثًا خاصًا بالملف السوري حتى اليوم، حيث تنشغل أمريكا بحرب أوكرانيا وغزة وملفات أخرى.
وأمام هذا الواقع استبعد العبد الله، في حديثه لعنب بلدي، أن يوافق بايدن على قانون مناهضة التطبيع مع الأسد، وذلك في ظل وجود حالة من البرود الأمريكي في التعامل مع مسارات التقارب مع الأسد، والدليل على ذلك أن واشنطن قامت بنوع من الاعتراض اللفظي فقط على التطبيع العربي مع الأسد، واكتفت بفرض عقوبات على النظام السوري، والتصريح أنها لا تشجّع هذا التطبيع.
وأشار العبد الله إلى أنه ربما من الأفضل للولايات المتحدة أن تسير بعض الدول الإقليمية بمسار التقارب مع الأسد، حتى لا تشعر واشنطن أو الدول الغربية بالحرج لاحقًا، في حال حذت حذو بقية الدول التي دخلت في مسار التطبيع.
بدوره، أفاد الخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” بواشنطن، عامر السبايلة، عنب بلدي، أن إقرار مشروع مناهضة التطبيع، وتحوله إلى قانون، ستكون له تبعات على الجميع، لا سيما حلفاء واشنطن، إذ قد يجدون أنفسهم مضطرين للأخذ بعين الاعتبار أن التطبيع مع الأسد قد يكون له تأثير على علاقاتهم مع أمريكا، أو قد تُفرض عليهم عقوبات.
ما مشروع قانون مناهضة التطبيع
مشروع قانون مناهضة التطبيع مع الأسد طُرح بداية بمجلس النواب في 11 من أيار 2023، حين صدّقت عليه لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب بالإجماع، بعد يومي عمل من تاريخ طرحه، بسرعة وُصفت بـ“الخارقة للعرف التشريعي”.
وفي 14 من شباط الماضي، أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع القانون، حيث صوّت حينها 389 عضوًا (الغالبية الساحقة) في مجلس النواب من الحزبين، “الديمقراطي” و”الجمهوري”، لمصلحة القانون، مقابل 32 آخرين عارضوا مشروع القانون.
ونص مشروع القانون على أن الولايات المتحدة لن تعترف أو تطبع العلاقات مع أي حكومة سورية تحت قيادة بشار الأسد، وستضع استراتيجية سنوية لمواجهة التطبيع مع النظام السوري، تستهدف الدول التي اتخذت خطوات للتطبيع معه.
مشروع القانون يشمل تعزيز العقوبات المنصوص عليها بموجب قانون “قيصر” لعام 2019، من خلال تمديد أحكامه، التي كان مقررًا أن تنتهي في 2024، قبل التمديد إلى 2032.
كما يتضمن توسيع العقوبات لتشمل الكيانات التي تحول المساعدات الإنسانية أو تصادر الممتلكات من السوريين لتحقيق الرفاهية أو تحقيق مكاسب شخصية، إلى جانب توسيع العقوبات لتشمل مجلس الشعب السوري وكبار مسؤولي حزب “البعث”.