لمى قنوت
في سباق مع الزمن، وقبل أن يشكل الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، حكومته، شرع المتشددون الذين خسروا الانتخابات بتعيين مديرين وموظفين وإقالة آخرين، رغم الطلب الرسمي الذي وجهه بزشكيان إلى الرئيس بالإنابة محمد مخبر دزفولي، في 8 من تموز الحالي، بالتوقف عن “الإقالة والتعيين” حتى تأخذ الرئاسة الجديدة الطابع الرسمي، وقد سبق هذا الطلب تعميمًا أرسله الرئيس بالإنابة محمد مخبر، في 2 تموز، إلى الأجهزة التنفيذية للامتناع عن أي تغيير وتصرف في هياكلها. لا توحي تلك الممارسات بأن الفترة الرئاسية لبزشكيان الذي ينتمي إلى تحالف الجبهة الإصلاحية، ويصنف نفسه كإصلاحي محافظ، ستكون سَلِسة ودون صراعات على السلطة مع المتشددين.
دستوريًا، يخضع جميع مرشحي الرئاسة إلى تقييم من قبل مجلس صيانة الدستور الذي يشرف على جميع الانتخابات في البلاد، ويناط بعمله إعلان أهلية ترشيحهم، كما يعتبر المجلس ذو الأغلبية المتشددة داعمًا لهم، ويتهمه الإصلاحيون بأنه يستبعد مرشحيهم البارزين كي لا يتمكنوا من الفوز على مرشحي المتشددين، وقد سبق لمجلس صيانة الدستور أن رفض ترشيح بزشكيان للانتخابات الرئاسية في عام 2013.
لقد أظهرت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المبكرة التي جرت في 28 حزيران الماضي، بعد مقتل الرئيس السابق، إبراهيم رئيسي، في حادث طائرة، تراجعًا حادًا في التصويت لم تتعدَّ نسبته 40%، وهي أدنى نسبة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الإيرانية، رغم قيام المرشحين الستة الذين وافق عليهم مجلس صيانة الدستور بحملات انتخابية واسعة، وتأكيد خامنئي مرارًا على أن المشاركة الانتخابية هي مقياس لشرعية النظام السياسية.
ويعكس تدني نسبة المشاركة في الانتخابات حجم الاستياء الشعبي من النظام القمعي الحاكم. ومع الجولة الثانية للانتخابات، ارتفعت نسبة التصويت إلى 49.8%، ليس دعمًا للإصلاحين الذين تراجعت نسبة مؤيديهم، بل لمنع المرشح المتشدد سعيد جليلي من الفوز، والذي أسهمت في خسارتهم الانقسامات داخل معسكرهم.
حدد المرشد خامنئي لبزشكيان النهج الذي يجب عليه اتباعه، وهو نهج سلفه إبراهيم رئيسي، الذي هندس المرشد انتخابه في عام 2021، واعتبر الانتخابات آنذاك استفتاء على النظام نفسه وواجبًا دينيًا، وعدّ مقاطعتها عملًا غير شرعي، والمشاركة فيها استعراض قوة سيخفف الضغوط على إيران، وقد وحد النظام الإيراني صفوفه، وحشد لتلك الانتخابات كثيرين بمن فيهم الإصلاحيون أمثال علي لاريجاني، وحسن روحاني، الذي ترشح عن التيار المعتدل، ووزير خارجيته جواد ظريف، رغم تعرض الأخير “لاغتيال معنوي” بعد أن سربوا حديثه عن تدخل “الحرس الثوري” في السياسة الخارجية، بغرض القضاء على مستقبله السياسي في إيران.
يركز بزشكيان على تحسين العلاقات مع الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، والتعاون مع دول المنطقة، وإحياء الاتفاق النووي، ووضع حد للخلافات بين القوى الداخلية السياسية، التي برأيه هي “السبب الرئيس لمشكلات البلاد”، أما القضايا الداخلية التي وعد بمتابعتها فهي مشكلات العمال والمتقاعدين وحرية الوصول إلى الإنترنت وحقوق القوميات الدستورية والحريات السياسية والاجتماعية وبضمنها التعاطي بشكل إيجابي مع قضايا المرأة.
أمام بزشكيان تحديات تتعلق بعباءة رئيسي، التي اشترطها خامنئي عليه، كنهج يجب عليه اتباعه، فالتحولات البنيوية التي ترسخت خلال فترة حكم رئيسي قد تجعل من عمله ظلًا باهتًا لنهج المتشددين، فقد تكرست المركزية والسلطوية المعسكرة بيد المتشددين المهووسين بالسلطة والأمن والإخضاع بالأدلجة والعنف، وعوضت إيران عزلتها الغربية بشراكات مع روسيا والصين، وقبض “الحرس الثوري” والمجلس الأعلى للأمن القومي على السياسة الخارجية، وقلصوا دور وزارة الخارجية، وتجذر الدور السياسي والعسكري والاقتصادي لـ”الحرس الثوري” الذي يحظى باستقلال اقتصادي واسع، وأصبح قوة ضاربة في قمع الاحتجاجات الشعبية المحلية والإقليمية في الدول التي تحتلها إيران عبر ميليشيات تغولت على الدولة وسيطرت على قرارها، ويفتقر النظام الإيراني إلى الشرعية السياسية بسبب الفساد والقمع والاضطهاد وتغييب الحريات الفردية والجماعية، ولم يعد نظامه، الذي يقف على أعتاب الدولة النووية، قادرًا على حكم البلاد وتوسيع هيمنته في المنطقة دون الدكتاتورية العسكرية المؤدلجة المتمثلة في “الحرس الثوري”.