خالد الجرعتلي – يامن المغربي
على خريطة مهشّمة، حدد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 11 من أيار الماضي، موعدًا لانتخابات مجلس الشعب (البرلمان) في سوريا، عبر مرسوم نقلته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، ومع فتح باب الترشح، تلقت لجنة الانتخابات 1631 طلبًا للترشح لعضوية المجلس، وارتفع العدد عدة أضعاف عند نهاية موعد الترشح.
على منصّفات الطرق، وأعمدة الإنارة في شوارع لم تصل إليها الكهرباء الحكومية منذ سنوات، نشر المرشحون صورهم وحملاتهم الانتخابية، في وقت يتجاهل فيه سوريون حصول الحدث، ويقاطعه آخرون.
الاستحقاق الانتخابي نفسه عارضته ألمانيا مؤخرًا، ومن المتوقع أن تعارضه دول أوروبية وأمريكية أخرى، وفق ما يراه مراقبون، كونه يتعارض مع القرار الأممي “2254” الذي ينص على تحقيق انتقال سلمي للسلطة، بهدف الوصول إلى حل للنزاع المستمر في سوريا منذ 13 عامًا.
ومع سابق علمه بأن الانتخابات لن تلقى قبولًا، يستمر النظام بالترويج لها في إطار دستوري، وهو ما فسره خبراء على أنه رسائل للخارج، وليس شأنًا داخليًا.
وعلى مدار 60 عامًا من حكم النظام السوري، كان كل استحقاق انتخابي هو استحقاقًا لشرعيته كنظام حاكم، ولم ينظر في أي من المناسبات للانتخابات على أنها ستولد مرشحين من ذوي الشرعية.
ويرى باحثون أن النظام السوري يتعامل مع الانتخابات القائمة انطلاقًا من تعريفه لنفسه “كجهة شرعية”، رغم أن الأمريكيين والأوروبيين لن يعترفوا بهذه الشرعية أبدًا، وهو يعي ذلك، لكنه يهدف لإيصال رسائل أنه يمثل شريحة من السوريين، وبالتالي هناك شريحة أخرى ستبقى خارج المعادلة، أي أنهم خارج التمثيل السياسي.
يحاول النظام إيصال رسائل للخارج أن حكمه قوي، قادر على تنظيم انتخابات، لكنه يتعامل مع النسب والأرقام التي تنتج عنها على أنها سبيل للتفاوض.
الانتخابات الرئاسية التي نظّمها النظام في أيار 2021، أسفرت عن فوز بشار الأسد بعد حصوله على 13 مليونًا و540 ألفًا و860 صوتًا، بنسبة 95.1% من عدد الأصوات الصحيحة، في حين بلغ عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم أكثر من 14 مليون مقترع، وفق بيانات دمشق، دون وجود جهة مستقلة تراقب عملية الاقتراع والنتائج.
وبناء على تلك النتائج وغيرها، يتناول النظام الأرقام بصيغة رياضية، فإذا أجريت عملية حسابية لإظهار نسب الأصوات المحصّلة من عدد السوريين في الداخل بالانتخابات السابقة، ينتج عن ذلك أن للنظام نحو 80% من الشعبية، بالتالي يفاوض على هذا الأساس، 80% لي، و20% لكم.
وفي الانتخابات التي سبقتها كانت العمليات الحسابية تقود إلى أن للنظام 70%، بالتالي كان يفاوض على الـ30% المتبقية، وعلى هذا المنوال يقود الاستحقاقات الانتخابية منذ سنوات.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع خبراء وباحثين، الانتخابات المعلن عن إطلاقها في 15 من تموز الحالي، من خلال سلطة مشكوك بشرعيتها، والرسائل المراد إيصالها، في ظل تعثّر لجميع المسارات السياسية التي حملتها طاولات الأطراف المنخرطة في سوريا.
الجغرافيا لا تساعد
يسيطر النظام السوري اليوم على معظم الجغرافيا السورية، لكنه لا يحظى بالقبول في كل المساحات التي يسيطر عليها، إذ كانت بعض المدن والقرى معقلًا لفصائل معارضة للنظام، وقتل عدد من أبنائها بقصف جوي أو بري لآلة النظام العسكرية عليها.
وفي الوقت الذي لا يمكن للنظام اليوم دفع سوريين في مناطق سيطرته للمشاركة بالانتخاب، يعتبر السوريون المقيمون في شمال غربي سوريا، حيث آخر معاقل المعارضة السورية، ويضم ملايين السكان من النازحين داخليًا والسكان الأصليين، خارج معادلة الانتخابات أيضًا.
وفي شمال شرقي سوريا، حيث تتمركز “الإدارة الذاتية” بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، مُنع سكان المنطقة من المشاركة في الانتخابات، إذ سبق وقال رئيس حزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD)، صالح مسلم، إنه لا مشاركة في انتخابات مجلس الشعب السوري، كون “الإدارة الذاتية” لديها عقدها الاجتماعي وأنظمتها وقوانينها المحلية، التي تنص على عدم المشاركة في انتخابات مجلس الشعب، مشددًا على عدم السماح بوضع صناديق اقتراع في مناطق سيطرة “الإدارة”.
ويعتبر “الاتحاد الديمقراطي” أحد أبرز الأحزاب الكردية التي تتهمها جهات دولية بمحاولة الانفصال عن سوريا، ويشكل حجر الأساس في “الإدارة الذاتية” التي تمددت شمال شرقي سوريا منذ عام 2015، بدعم أمريكي.
النظام يجري انتخابات مجلس الشعب المرتقبة بحصته الخاصة من المقاعد البالغة 183 من أصل 250 مجموع أعضاء المجلس، وتُحدد حصة النظام من قبل حزب “البعث” وبقية الأحزاب الصورية المتحالفة معه (166 مقعدًا لحزب “البعث”، و17 مقعدًا لبقية الأحزاب)، ضمن ما يعرف بـ”قوائم الوحدة الوطنية”، ويبقى للمستقلين 67 مقعدًا.
وتعتبر الانتخابات المقبلة هي الرابعة التي يجريها النظام في مناطق سيطرته منذ اندلاع الثورة عام 2011، وسط تشكيك دولي ومحلي بنزاهتها ونزاهة الانتخابات الرئاسية التي سبقتها عام 2021.
الجنوب يعترض
في إطار الحراك السلمي المعارض للنظام السوري منذ نحو عام، أطلق ناشطون في محافظة السويداء، جنوبي سوريا، مطلع تموز الحالي، حملة إعلامية متنقلة تحت شعار “لا للانتخابات”، رفضًا للعملية الانتخابية.
وذكرت شبكة “الراصد” المحلية أن ناشطي السويداء يسعون من خلال هذه الحملة لحث الناس على مقاطعة الانتخابات، معتبرين أنها “شكلية وأسماء الفائزين معروفة، والانخراط بها هو ترسيخ للطريقة الدكتاتورية التي تتم فيها العملية الانتخابية”.
وألصق منظمو الحملة المتنقلة منشورات على الجدران والأعمدة الكهربائية، إضافة إلى تعليق لافتات وتنظيم وقفات احتجاجية لإيصال رسالتهم المطالبة بمقاطعة الانتخابات.
ونشر منظمو الحملة ملصقات في مدن وبلدات شهبا وسليم وقنوات ومفعلة والجنينة والصورة الصغيرة وعراجة وصلخد وغيرها، على أن تشمل باقي محافظة السويداء.
وحملت اللافتات والملصقات عدة عبارات، أبرزها: “من أجل أطفال سوريا قاطعوا الانتخابات”، “البرلمان الحقيقي هو صوت الناس وليس النظام”، “البرلمان يولد بعد إسقاط النظام”، “أخي المواطن صوتك كرامتك لا يستحقه إلا من يصون كرامة الوطن والمواطن”، “قاطعوا الانتخابات من أجل مستقبل الأبناء”.
ولا يختلف الموقف بالنسبة لأبناء محافظة درعا جنوبي سوريا، التي كانت تشكل ثقلًا عسكريًا وسياسيًا مناهضًا للنظام قبل عام 2018.
ويعارض جزء واسع من أبناء المحافظة أي انتخابات يجريها النظام، إذ سبق وعارض معظمهم الانتخابات الرئاسية عام 2021، وانتخابات مجلس الشعب التي سبقتها، كما هو الحال بالنسبة للانتخابات الأحدث.
اعتراض دولي انطلاقًا من “2254”
أعربت ألمانيا عن معارضتها لإجراء أي انتخابات في سوريا بالوقت الراهن، متضمنة انتخابات مجلس الشعب، وقال المبعوث الألماني إلى سوريا، ستيفان شنيك، في 10 من تموز الحالي، إن ألمانيا لا تؤيد إجراء الانتخابات في سوريا بالوقت الحالي.
وأوضح أن “الانتخابات الحرة النزيهة تشكل جزءًا لا يتجزأ من حل النزاع وإحلال السلام في سوريا، لكن الظروف غير مهيأة بعد”.
وبحسب ما ذكره شنيك، عبر “إكس“، فإن ألمانيا تدعم التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم “2254” الذي يدعو لإجراء انتخابات بعد اعتماد دستور جديد، لكنها تدعو جميع الأطراف إلى تسهيل عملية سياسية يقودها ويملكها السوريون، بهدف الموافقة على دستور جديد وتنفيذ القرار “2254”.
ولن يؤدي إجراء الانتخابات في الأراضي السورية بهذا الوقت إلى دفع العملية السياسية إلى الأمام، بل إلى ترسيخ الوضع الراهن المتمثل في الصراع والانقسام الذي طال أمده، وفق المبعوث الألماني.
كما دعا جميع الأطراف إلى الامتناع عن اتخاذ أي خطوات من شأنها أن تهدد احتمالات التوصل إلى حل سلمي للصراع في سوريا، والانتقال إلى السلطة على النحو الذي يدعو إليه القرار “2254”.
ولم تخرج الولايات المتحدة الأمريكية بموقفها من الانتخابات بعد، لكنها سبق وعلّقت على انتخابات كانت تنوي “الإدارة الذاتية” عقدها (أجّلتها حتى آب المقبل)، إذ قال النائب الرئيس للمتحدث الصحفي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، في 30 من أيار الماضي، إن الولايات المتحدة محافظة على موقفها من أن أي انتخابات تجري في سوريا “يجب أن تكون حرة ونزيهة وشفافة وشاملة”.
في ظل سلطة مشكوك بشرعيتها
لم تكن النظرة الدولية إلى عدم شرعية أي انتخابات في سوريا مرتبطة بانتخابات مجلس الشعب المنتظرة، إنما طغت على مشهد الانتخابات الرئاسية التي عُقدت في سوريا عام 2021، استنادًا إلى أنها جرت خارج إطار القرار الأممي “2254”.
استنكر وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، إجراء الانتخابات في سوريا، حينها، عبر بيان مشترك، قالوا فيه إنه “يجب إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة وفقًا لأعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة”.
وأضاف البيان أن الانتخابات العادلة يجب أن تتم برقابة أممية، وأن يُتاح لكل السوريين المشاركة بها في بيئة آمنة ومحايدة، بمن فيهم النازحون واللاجئون السوريون في الشتات، معتبرًا أنه “من دون هذه العناصر، تعتبر الانتخابات غير شرعية ولا تعبر عن تقدم باتجاه التسوية السياسية”.
يعتقد الباحث السويدي المتخصص بالشأن السوري في مركز “Century International” آرون لوند، أنه في ظل النظام الحالي، لن تساعد الانتخابات النيابية على تحقيق بنود القرار “2254”، ولن تكون مقبولة على نطاق واسع في الخارج.
وقال الباحث لعنب بلدي، إنه انطلاقًا من الرفض الغربي، واستمرار عجلة الانتخابات في سوريا، لا يمكن الاعتقاد أن الرقم “2254” يشكل جزءًا من العملية الحسابية لدى النظام.
وأشار إلى أن النظام يحاول أن يفعل ببساطة ما كان يفعله دائمًا.
من جانبه، يرى الباحث في مؤسسة “القرن الدولية للبحوث والسياسات الدولية”، المتخصص بالشأن السوري، سام هيلر، أن الدول المعارضة للنظام سترفض الانتخابات المزمعة، كما فعلت سابقًا، وسيستمر النظام بالاعتقاد أن الرأي الغربي هو “مجرد تدخل بالشأن الداخلي السوري”.
وقال هيلر لعنب بلدي، إن اهتمام النظام بإجراء الانتخابات في موعدها، يأتي بهدف إظهار الاستمرارية والاستقرار لجمهوره الداخلي والخارجي، وإيصال رسالة للأعداء الخارجيين بأنه لن يرضخ للضغوط، ولن يسمح بالتدخل في شؤون سوريا السيادية.
الانتخابات في سوريا على وجه الخصوص تبعث رسائل سياسية، يمكن التقاطها من نسب المستقلين التي يعلن عنها في كل استحقاق انتخابي.
ووفق المعلن عنه رسميًا من حكومة النظام السوري في الانتخابات التي يفترض أن تجري منتصف تموز الحالي، مُنح للمستقلين حق شغل 67 مقعدًا في مجلس الشعب، من أصل 250 مقعدًا.
وفي انتخابات مجلس الشعب عام 2020، امتلك حزب “البعث” الحاكم 166 مقعدًا من أصل 250 في المجلس، بنسبة 66.4%، في حين حازت بقية أحزاب “الجبهة الوطنية التقدمية” 17 مقعدًا بنسبة 6.8%، أما المستقلون فحازوا 67 مقعدًا، بنسبة 26.8%.
الباحث المتخصص بالشأن السوري آرون لوند، يعتقد أن الانتخابات المنتظمة والدقيقة هي ببساطة جزء من الأداء الطبيعي للدولة والحكومة، رغم أنها ليست حرة أو ديمقراطية على الإطلاق في سوريا، لكنها تؤدي وظيفة ما.
الانتخابات تسمح للنظام بتحديث شبكات المحسوبية ومكافأة المؤيدين له، ونرى ذلك في دمج رجال الأعمال المؤثرين والشخصيات القبلية في كل برلمان متعاقب منذ بداية الحرب، كما احتل قادة الميليشيات أيضًا مقاعد برلمانية.
أرون لوند
باحث بالشأن السوري في مركز “Century International”
ويرى الباحث أن هناك بعض المنافسة المحدودة على المقاعد، لكن ليس من خلال التصويت، بل من خلال المفاوضات خلف الكواليس حول المناصب في قوائم المرشحين المهيمنة والمدعومة من النظام.
وفي حين أن الانتخابات البرلمانية لا تحظى بأهمية كبيرة بالنسبة للحكومة، إلا أنها جزء من الأداء الطبيعي للدولة، أي أن إلغاءها أو تأجيلها من شأنه أن يرسل إشارة إلى وجود خطأ ما، وفق لوند.
لوند قال أيضًا، إن الحفاظ على الجدول الانتخابي يساعد في الحفاظ على واجهة التفويض القانوني والشعبي، فهو يساعد حكم الأسد على أن يبدو مستقرًا وفعالًا، حتى لو لم يبدُ ديمقراطيًا.
وأضاف أن الأسد يحتاج إلى “برلمان منتخب حسب الأصول” لتغيير الدستور مستقبلًا، من أجل إضفاء الشرعية على استمرار حكمه، ومن الواضح أن الأمر كله مجرد “ديكور”، لكنه سيظل مواظبًا على جعل العملية تبدو سليمة وقانونية.
تماشيًا مع محاولات إعادة تأهيله
عادة ما تسعى أي انتخابات برلمانية لتغيير الظروف القائمة في البلاد نحو الأفضل، لكن الحال ليس كذلك في سوريا، وتحديدًا ضمن المناطق التي يسيطر عليها النظام، التي تعاني بدورها من نقص حاد في الخدمات، وانهيار في البنى التحتية الأساسية، عدا عن الأزمة الاقتصادية الطاحنة وسط قبضة أمنية مشددة.
ومن جهة أخرى، تأتي انتخابات مجلس الشعب عقب تغييرات “ظاهرية” أعلن عنها الأسد تباعًا خلال الأشهر الماضية، سواء على الصعيد العسكري وسعيه لـ”تكوين جيش محترف”، أو على صعيد إزاحة وجوه اقتصادية، ودمج الفروع الأمنية، أو على صعيد حزب “البعث” الحاكم وتطويره.
ووفق الدستور السوري المعمول به حاليًا منذ عام 2012، وضمن المادة الـ12، “فإن المجالس المنتخَبة ديمقراطيًا على الصعيد الوطني أو المحلي، هي مؤسسات يمارس المواطنون عبرها السيادة وبناء الدولة وقيادة المجتمع”، فيما جاء في المادة الـ74، “يُمارس أعضاء مجلس الشعب حق اقتراح القوانين وتوجيه الأسئلة والاستجوابات للوزارة أو أحد الوزراء”.
وذكرت المادة “58” من الدستور، أن “كل عضو من المجلس يمثل الشعب بأكمله، ولا يجوز تحديد وكالته بقيد أو شرط، وعليه أن يمارسها بهدى من شرفه وضميره”.
قياسًا لهذه المواد الثلاث بخصوص المؤسسة التشريعية ودورها في المساءلة والمحاسبة ومسؤوليات المجلس، يبدو الحال مختلفًا في سوريا، وبرغم ما يصوره النظام على أنه التزام بعملية ديمقراطية، فهو يحمل ترسيخًا لسلطة الأسد في الحكم، مع هدوء الجبهات واستعادة بعض التوازن في علاقاته الإقليمية على الأقل، خصوصًا أن مجلس الشعب لعب دورًا مباشرًا بوصول بشار الأسد إلى السلطة عام 2000 عقب وفاة والده، حافظ الأسد، عبر تعديل سريع للدستور السابق، وتخفيض السن القانونية لرئيس الجمهورية من 40 إلى 34 عامًا (عُدّلت لاحقًا لتعود 40 عامًا في دستور 2012).
ومع الدور المحدد الذي يلعبه المجلس في ظل حكم الأسد، والتغييرات الأخيرة التي طالت قطاعات أمنية وعسكرية واقتصادية، يمكن السؤال حول اهتمام الأسد بهذه الانتخابات وإن كانت بابًا للتغيير فعلًا أم أنها خطوة جديدة في ترسيخ سلطته على البلاد.
ويرى رئيس “التيار الليبرالي السوري”، بسام قوتلي، أن النظام السوري يهتم بالظهور على أنه “خيار جماهيري”.
قوتلي قال لعنب بلدي، إن النظام يهتم بإظهار التزامه بالعملية الديمقراطية، وبالتالي التزامه بإقامة الانتخابات في موعدها، في حين تعدّ نتائج الانتخابات المقبلة “مضمونة”، ويعود الضمان لعدة أسباب، أهمها الخوف والسيطرة الأمنية، وحجز مقاعد العمال والفلاحين ونظام القوائم الذي يعطي النظام أفضلية، وبالتالي فإن النتائج ستعيد إنتاج نفس المنظومة الموجودة حاليًا.
وإن كان الأمل بالتغيير في ظل تحركات الأسد الأخيرة معدومًا، فإن الانتخابات تترافق مع عملية “إعادة تعويم للأسد”، وهي عملية تأتي برعاية عربية (عبر المبادرة العربية)، أو رضا أمريكي غير معلَن ويتوافق مع توجه أوروبي كذلك، وفق قوتلي.
السياسي السوري المعارض يحيى العريضي قال لعنب بلدي، إن ما يفعله الأسد اليوم فيما يخص انتخابات مجلس الشعب، يفعله “بطريقة مختلفة وخادعة” تتواءم مع الموجة الحالية التي تحمل عنوان “إعادة تأهيل النظام”، بناء على الطلب الأساسي الصادر عن أمريكا بتغيير سلوكه.
وأضاف أنه مع الأخذ بعين الاعتبار أن مجلس الشعب كسلطة تشريعية لا قيمة له فعليًا، لكن من الناحية القانونية والدستورية وافتراضيًا هو جهة تشريعية، وهو من شرّع وجود الأسد في السلطة عام 2000 عندما عدّل الدستور، وأعضاؤه يجري التحكم بهم من قبل القوة الأساسية المتحكمة بالبلاد، لذا لن تجد صوتًا حرًا داخله، وإن وجد، فهو لا يجرؤ على الكلام، باستثناء تجارب معدودة.
ترتيب داخلي
سعى الأسد خلال الأشهر الماضية لإعادة ترتيب القطاعات الأمنية والجيش والاقتصاد وحزب “البعث”، ويبدو أن الدور جاء اليوم لاستغلال انتخابات مجلس الشعب ضمن الطريق الذي يسلكه الأسد لتقديم صورة مختلفة، أو التي ترعاها جهات إقليمية.
يبدو النظام خلال الأحاديث التي تبثها وسائل الإعلام الرسمية مهتمًا بهذه التفاصيل، وأفرد لها مساحة واسعة خلال الفترة الماضية، وتحديدًا ما يتعلق بالانتخابات الداخلية لحزب “البعث”، التي سبقت انتخابات مجلس الشعب.
المعارض السوري يحيى العريضي وصف هذه التحركات بأنها تنفذ بـ”طريقة أنيقة ومخادعة”، مشيرًا إلى أن الموجة الحالية لا تعني وجود أي تغيير مقبل.
وقال العريضي لعنب بلدي، إن التغيير لا يشمل الجوهر والمنهجية والسلوك الأساسي لمنظومة الحكم، الأمر نفسه ينطبق على “مكافحة الفساد” وإعادة هيكلة الجيش، بينما الحالة الأمنية مستشرية جدًا، وكذلك ما أجراه من تغييرات في حزب “البعث”، كل هذه النقاط بدأت تطبق على الجهاز التشريعي في البلاد، وهو مجلس الشعب، وفق العريضي.
ومن جهة أخرى، يرى بسام قوتلي أن النظام يعمل على إظهار أن حكمه مستتب، والوضع تحت سيطرته بشكل طبيعي للغاية، وهو ما يعني أنه يرسل رسائل مختلفة للعالم الخارجي تتمحور حول أنه قادر على إدارة التغيير في سوريا.
تهدف رسائل النظام لإقناع العالم بأن عليه قبول الأسد والتعامل معه، لأنه واقع قائم، ولن يكون هنالك أي تغيير إلا عن طريقه وبما يخدم مصالحه.
بسام قوتلي
رئيس “التيار الليبرالي السوري”
وأضاف لعنب بلدي أن أي تغيير قد يجري على الميدان في سوريا بموافقة النظام، يجب أن يصب في مصلحته فقط، فالنظام لا يطرح أي تحول ديمقراطي أو شراكة في السلطة، وإنما تغييرات تعيد إنتاجه كما كان قبل عام 2011.