في مخيمات الشمال.. أطفال يقضون حياتهم بين العمل والخيمة

  • 2024/07/14
  • 1:49 م

طفل يحفر مجرى لمياه الأمطار في أحد مخيمات ريف إدلب- كانون الأول 2021 (عنب بلدي/إياد أبو الجود)

عنب بلدي – ريم حمود

بجسده الصغير وملابسه الرثّة، يقضي الطفل عبده أغلب أوقاته بمكبات النفايات في محاولة لإعالة أسرته عبر تأمين عدة ليرات تركية كـ”دخل إضافي”، وسط ظروف اقتصادية متدنية تعيشها أسرته.

هذا جزء صغير من قصة طفل من بين آلاف الأطفال المعيلين لأسرهم الذين أجبرتهم الظروف بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011 على النزوح والعيش بمخيمات شمال غربي سوريا.

الظروف التي أجبرت الأطفال على العيش بالمخيمات، حرمتهم من قضاء حياة طبيعية كبقية الأطفال في جميع أنحاء العالم، إذ أدت إلى حمل كثير منهم همومًا أكبر من أعمارهم، وضاعفت من وعيهم وإحساسهم بالمسؤولية، ما حرمهم طفولتهم، ليقضوا سنواتها بين الخيمة والعمل، وفق شهادات ومعلومات حصلت عليها عنب بلدي.
في هذا التقرير، تسلط عنب بلدي الضوء على حياة الأطفال وكيفية قضاء أوقاتهم، عبر الحديث مع أهالي بعض الأطفال بمخيمات الشمال، كما تناقش مع باحثة اجتماعية الآثار الخطرة التي تنعكس على صحتهم النفسية وشخصياتهم بالمستقبل.

العالم الخارجي “مختصر”

“إصابتي والعملية الجراحية التي أجريتها، إضافة إلى معاناتي مع مرض بالقلب، تقلّص من فرصتي بإيجاد عمل، إذ لا يتحمل جسدي التعرض للجهد”، بهذه الكلمات وصف “أبو عبده” حاله، وهو أب لخمسة أطفال أكبرهم عبده البالغ 12 عامًا من العمر، ويعتبر المسؤول الأول عن أسرته كونه أكبر إخوته على الرغم من صغر سنه.
تعيش عائلة الطفل بمخيم “الكويتي” غرب حربنوش في ريف إدلب الشمالي منذ أربع سنوات بعد نزوحهم من معرتحرمة بريف إدلب الجنوبي، وتعاني من ظروف اقتصادية صعبة، إذ يعتبر حالها تحت خط الفقر، وخاصة مع قلة فرص العمل للأب، وفق حديثه لعنب بلدي.
الطفل يحاول الموازنة بين إكمال تعليمه بالصف السادس والعمل بجمع الخردوات من مكب النفايات القريب من المخيم، لمساندة عائلته ولو بمبلغ قليل لا يتجاوز الـ20 ليرة تركية يوميًا.
رؤية الأب لطفله يحمل أكياسًا مصنوعة من خيوط قماشية (خيش) على كتفه، باحثًا عن قطع بلاستيكية وخردوات من تجمعات القمامة، تزعجه لأنه لم يؤمّن لطفله ظروف عيش كبقية الأطفال، ولا حياة توافق أحلامه وهواياته بممارسة رياضة كرة القدم وركوب الدراجات.
وعن العالم الخارجي بالنسبة لعبده، قال والده لعنب بلدي، إنه يقتصر على تجوله بمكبات النفايات القريب من مخيم “الكويتي” أو الأسواق بحربنوش، التي لا يعرف غيرها، بقصد بيع ما جمع من خردوات خلال ساعات النهار بعد عودته من المدرسة.

“من الخيمة إلى المعمل فقط”

ليس عبده الوحيد الذي يتحمل مسؤولية تفوق سنّه، فنضال هو الآخر لديه طفلة متسربة من المدرسة، وتقصد العمل لمساعدة عائلتها ماديًا، وفق حديث والدها.
تركت الطفلة التي تبلغ 14 عامًا المدرسة منذ خمسة أعوام، وكانت حينها في الصف الثالث الابتدائي، لتبدأ بالعمل منذ سنتين بمعمل لحفاظات الأطفال، مع والدتها وشقيقتها الأكبر.

ومنذ الثامنة صباحًا، تخرج الطفلة من مخيم “طلال” حيث تقيم منذ 2019، متوجهة إلى المعمل الذي يبعد نحو 20 كيلومترًا عن مكان سكنها.

صاحب المعمل الكائن في قرية باتبو، ينقل الطفلة بسيارته، ولا تعود حتى الساعة الخامسة عصرًا، وتقضي ما تبقى من وقتها في الخيمة مع عائلتها المكونة من ستة أشخاص، في الوقت الذي يعمل والدها البالغ 40 عامًا راعي أغنام.

نضال والد الطفلة أشار بنبرة هادئة خلال حديثه لعنب بلدي إلى أن طفلته لا تملك أي نوع من الألعاب داخل الخيمة، وفي الساعات التي تقضيها تستمر بالعمل وتطبيق الحفاظات بمحاولة منها لجمع المال أكثر، فلا تجد متسعًا من الوقت للعب واللهو.

ويمكن اختصار حياة الطفلة المنحدرة من معرة مصرين شمالي إدلب برحلة ذهابها يوميًا من الخيمة إلى المعمل فقط، وأوقات العمل الطويلة التي تقضيها هناك، ولا أدوات ترفيهية أو وسائل مساعدة تعمل على تحسين أو تغيير مزاجها من جو العمل لضعف القدرة المادية وضيق الوقت للعب، وهذا ما جعلها طفلة هادئة أكثر وعيًا ونضجًا كما يعتقد والدها، إذ ترى أن من مسؤوليتها تحسين وضع عائلتها المعيشي.

فروقات بطبيعة الحياة

اختلاف حياة أطفال المخيمات عن باقي أطفال جيلهم، إضافة إلى غياب ملامح الطفولة وخيارات الرفاهية بتفاصيل حياتهم اليومية، يترك آثارًا نفسية تنعكس بشكل سلبي على شخصياتهم، بحسب ما شرحته الباحثة الاجتماعية وضحة العثمان لعنب بلدي.

وأوضحت العثمان، أنه مهما كانت الظروف المادية سيئة بالنسبة للعائلات بالمخيمات، لا بد من وجود شخص يستعمل هاتفًا محمولًا يستطيع من خلاله الطفل المحروم معايشة الواقع المحيط، والاطلاع على ما يجري من حوله، ورؤية أبناء جيله كيف يقضون أوقاتهم ليقارن نفسه بهم.

 

المشاهد التي تنقلها مواقع التواصل الاجتماعي تترك آثارًا نفسية واضحة بشكل سلبي على الطفل، وغالبًا ما تتسبب بتصرفات عدوانية وحقد بسبب عدم معايشته الحياة الطبيعية كبقية الأطفال.

وضحة العثمان

باحثة اجتماعية

وترى الباحثة الاجتماعية أن الأطفال الذين جاؤوا إلى المخيم بعمر صغير وما زالوا بداخله، يعتقدون بأنهم خلقوا كـ”الطيور ضمن قفص”، بسحب وصفها، وأن الحرية بخروجهم من المخيم قد لا يجدونها مناسبة بسبب اعتيادهم على الحياة بداخله.

ويعتبر الاعتياد كارثة حقيقية للأطفال، لاعتبار الحياة الطبيعية هي “المأساوية”، ما يصعب عليهم الانخراط مستقبلًا بالمجتمع بشكل سليم، وفق العثمان.

أشارت الباحثة إلى ضرورة إيجاد الجهات المعنية والمسؤولة حلولًا بديلة لهؤلاء الأطفال، لكي يتمكنوا من عيش “حياة طبيعية” يمارسون فيها نشاطات تليق بطفولتهم، إضافة إلى العمل على مساعدتهم لإكمال تعليمهم والانخراط بالمجتمع المحيط لمنع تفاقم المشكلة أكثر.

تنص اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة على أن لكل طفل الحق في التعليم، ويجب ضمان وصوله إليه، كما أن لكل طفل الحق بالراحة والاسترخاء واللعب والمشاركة في أنشطة ثقافية وإبداعية.

مخاوف كبيرة

في نيسان الماضي، نشرت “وحدة تنسيق الدعم” دراسة بعنوان “تقييم الدخل والنفقات في شمالي سوريا“، وجُمعت بياﻧﺎتها بالفترة ﺑﯿن 17 و24 من أيلول 2023، وجاء فيها أن 2% من الأشخاص الذين شملهم الاستبيان أشاروا إلى الاعتماد على الأطفال كمصدر دخل أساسي وثانوي لأسرهم، بينما 3% اعتبروه مصدرهم الثالث، وأثارت النتائج مخاوف كبيرة، وأكدت الحاجة الملحة إلى تدخلات مستهدفة لحماية الأسر الضعيفة وتعزيز سبل العيش المستدامة.

وفي سوريا، يحتاج 16.7 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية، بزيادة قدرها 9% على عام 2023، وفق تقديرات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

ويبلغ  تعداد السكان في شمال غربي سوريا 5.1 مليون شخص، من بينهم 3.6 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينما وصل عدد الأفراد النازحين داخليًا إلى 3.4 مليون شخص بينهم مليونان يعيشون في المخيمات.

وفي ذكرى الثورة السورية بعامها الـ13، قال بيان لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، إن ما يقارب 7.5 مليون طفل سوري يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وذلك أكثر من أي وقت مضى.

وفي اليوم الدولي للتعليم الموافق 24 من كانون الثاني، ذكرت “يونيسف” أن نحو 2.4 مليون طفل خارج المدرسة في سوريا، ويمثل عدد الأطفال خارج المدرسة ما يقارب نصف عدد الأطفال الذين هم في سن الدراسة والبالغ عددهم 5.52 مليون طفل.

ويرجح أن يرتفع عدد الأطفال المتسربين من التعليم، وأن يتعرضوا لخطر التسرب الدائم، وبحسب التقرير، يتخوف من أن يقع هؤلاء الأطفال فريسة لعمالة الأطفال والزواج المبكر والقسري، والاتجار بهم، وتجنيدهم في القتال.

ووفق تقرير لمكتب الأمم المتحدة نقلته وكالة “إنتر برس للأنباء“، يوجد أكثر من 340 ألف طفل في شمال غربي سوريا غير ملتحقين بالمدارس، و80 ألف طفل يعيشون بالمخيمات.

الأشخاص الذين التقتهم عنب بلدي خلال إعداد التقرير تحفظت على ذكر أسمائهم الكاملة لأسباب اجتماعية.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع