أسباب نفسية وجمالية تدفع سوريات للمكياج
عنب بلدي – حسن إبراهيم
“أحب أن أبدو مشرقة، ولا يمكن أن أبقى دون مكياج، حتى لو لم أخرج من المنزل”. اعتادت داليا وضع المكياج بشكل شبه يومي منذ 11 عامًا، معتبرة أن إضافة بعض اللمسات منه يمنحها إطلالة مميزة، وشعورًا بالرضا.
قالت السيدة (33 عامًا) التي تقيم في حي الزراعية باللاذقية، إنها تضع بعضًا من البودرة والكحل و”الأيلاينر” وقليلًا من حمرة الشفاه، دون إسراف، مرجعة السبب إلى ظهور أجمل، وإلى راحة نفسية تشعر بها.
وترى داليا في حديثها لعنب بلدي، أن الأمر لا يتطلب الذهاب إلى صالون تجميل أو الاستعانة بصديقة، معتبرة أن الأنثى بحد ذاتها تملك القدرة والذوق لوضع لمسات من مستحضرات التجميل، بما يتناسب مع رغبتها وظهورها وشكلها.
وتعتبر السيدة أن المكياج جزء من شخصيتها وجسدها، حتى حين تشاهدها العائلة أو زوجها أو صديقاتها دون مكياج وهي مرات نادرة، فالأسئلة تنهال عليها، هل أنت حزينة؟ هل يوجد أي مكروه أو مشكلة؟ أضافت داليا.
استخدم الناس المكياج منذ العصور القديمة على اختلاف الأدوات والمستحضرات وتطورها، وكان وسيلة لإبراز الجمال أو التميّز عن الآخرين، لكنه اليوم تخطى ذلك، وأصبح جزءًا من شخصية المرأة وجسدها، مرتبطًا بدوافع نفسية للأنثى، بعضها جنسية، وأخرى اجتماعية كالمناسبات.
للزينة “دون لفت النظر”
إلى جانب الأسباب التي ذكرتها داليا، فإن وضعها للمكياج يمنعها من البكاء أحيانًا، فقد وصفت نفسها بالحساسة جدًا لأي قول أو فعل لا يعجبها، لذلك تحاول ضبط نفسها جدًا قبل أن تدمع عينيها، كي لا يسيل الكحل ويفسد المكياج على وجهها.
على النقيض تمامًا، ترى فاطمة (29 عامًا) شقيقة داليا أن استخدام المكياج يفسد جمال المرأة الطبيعي وجاذبيتها وأنوثتها، ولولا أن المناسبات تفرض تقليدًا وعرفًا لدى السيدات بوضع مستحضرات التجميل لما وضعته.
تضع فاطمة الكحل في عينيها مرات قليلة في الأسبوع، ومرطب شفاه لا يغير من لون شفتيها، ولا تعتبر ذلك مكياجًا، لأنه لا يغير من لون بشرتها، ولا تفاصيل وجهها، قائلة إن غسل الوجه بصابون مخصص له يمنحه إشراقًا دون الحاجة إلى المكياج.
أما ريم (37 عامًا) المقيمة في مدينة إدلب شمالي سوريا، فقالت لعنب بلدي، إن المكياج زينة للمرأة وليس رفاهية بشرط التوازن فيه، وعدم الإكثار منه والمبالغة، تجنبًا للمرأة أن تكون محل لفت أنظار الرجال أو حتى التحرش، مضيفة أن “كل شيء بالمعقول منيح”.
تضع ريم الكحل بشكل يومي، وترفض وضع طلاء الأظافر، معتبرة أنه لا يناسب عمرها، فقد “كبُرت على ذلك”، بينما تضع بعض البودرة لتبييض الوجه والعطور بعض الأيام، مرجعة السبب الرئيس إلى رغبتها في إرضاء زوجها، وكسر الروتين اليومي لمظهرها أمامه.
بالنسبة لنوال المقيمة في حي العوينة وسط اللاذقية، فإن بعض عمليات التجميل البسيطة قد تفي بالغرض، وتغني عن المكياج.
قالت نوال (31 عامًا)، إنها نسيت المكياج منذ عامين، خاصة بعد أن أجرت عملية حقن “بوتوكس” لخديها، وحقن “فيلر” للشفتين، وركّبت رموشًا، لافتة إلى أن هذه العمليات أبقتها مرتبة وبمظهر لائق دائمًا، وساعدتها على الخروج من المنزل بوقت أسرع.
وذكرت نوال أن الرموش تدوم مدة ستة أشهر، بتكلفة 100 ألف ليرة سورية لأول مرة، ثم تذهب كل شهر مرة إلى صالون التجميل للعناية بها وتدفع 50 ألف ليرة، ولا يجب وضع “المسكرة” عليها، مع تجنب الضغط على الرموش وقت الغسل، وذلك يوفر عليها شراء “المسكرة” أو وضع الكحل.
ولاء (24 عامًا) من ريف حلب الشمالي، قالت إنها لم تضع المكياج إلا في عرسها قبل عامين، لكنها تضع اليوم بعض الكحل دون أن تعتبره مكياجًا، فهو لا يلفت النظر حسب قولها، لافتة إلى عزوفها عن المكياج لأسباب دينية مرتبطة بعدم وجوب التزين للمرأة إلا أمام المحارم.
“النفسية” أولًا
قالت نهى التي تعمل في صالون للتجميل باللاذقية، إن الأسباب التي تدفع السيدات للمكياج عديدة، وبحكم عملها في هذا المجال منذ سبع سنوات، فإن الدافع الأول للسيدة هو نفسيتها التي تتحسن بقدر رضاها عن شكلها وجمالها، ولذلك تضع المكياج، سواء في الصالون أو في منزلها.
ومن السيدات من يضعن المكياج لإخفاء ما وصفته نهى بعيوب البشرة، من حفر صغيرة إثر الحبوب، أو السواد تحت العين، وبعضهن يلجأن لإخفاء كدمات سواء من عوامل مرضية أو حتى تعرض السيدة للعنف من ضرب أو اعتداء.
وتطلب بعض الزبونات من نهى الذهاب إلى المنزل لوضع المكياج لهن، لسبب الظهور بشكل لافت ومختلف أمام الزوج، مع تسريحة شعر مميزة.
وتضع بعض الفتيات مكياجًا بما يتماشى مع الموضة، وغالبًا ما يكون صارخًا بسبب كثرته واستخدام ألوان غير معتادة كالزهري والأصفر والبرتقالي، وفق نهى.
وترى نهى أن المكياج ضرورة لأن الدوافع مهما اختلفت، فإن النتيجة من وضع المكياج هي تعزيز ثقة المرأة بنفسها، وظهورها على أنها ذات شخصية قوية ومرنة، ومنحها طاقة إيجابية.
وخلصت دراسة أعدها أربعة باحثين، إلى أن المكياج يعمل ويحفز ثلاثًا من الحواس، هي اللمس (الذي يشمل كل الأحاسيس من سطح الجسم)، والشم (العطر)، والبصر (عملية التحول إلى الجمال والظهور بمظهر جميل)، ويمكن للتحفيز الإيجابي لهذه الحواس بالمكياج أن يحفز المتعة الحسية وكذلك النفسية.
وأظهرت نتائج الدراسة (بعد مقابلات مع مجموعات مختلفة من النساء) أن المكياج يمكن أن يدعم وظيفتين متعاكستين هما “التمويه” مقابل “الإغواء”.
وأظهرت النتائج أن النساء اللواتي يضعن المكياج لـ”التمويه” أكثر قلقًا ودفاعية وغير مستقرات عاطفيًا، مقارنة بالنساء اللواتي يضعن المستحضرات لـ”الإغواء”، واللواتي يبدو أنهن أكثر اجتماعية وحزمًا وانفتاحًا.
المال يتحكم
لفتت السيدة نهى العاملة في صالون للتجميل إلى أن أسعار المكياج قد تكون سببًا في التخفيف أو العزوف عن وضعه، فالماركة تتحكم بالسعر، فمثلًا أسعار الماركات الشعبية المتداولة من علبة البودرة بـ12 ألف ليرة، و”الفوند” بـ53 ألف ليرة، و”الأيلاينر” بـ25 ألف ليرة.
في حين يكون السعر من الماركات المعروفة مضاعفًا، فسعر علبة البودرة 75 ألفًا، و”الفوند” 130 ألفًا، و”الأيلاينر” 80 ألفًا، و”المسكرة” 150 ألفًا.
وتتلقى الصالونات أجورًا عن وضع المكياج وتسريح الشعر تصل إلى 275 ألف ليرة سورية، وتزداد وفق الخدمات الإضافية المطلوبة.
ويؤثر الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي في سوريا على خيارات النساء في الشراء والعناية بأنفسهن، كما وضعهن في مهن خطرة ومرهقة.
وازدهرت تجارة بيع الشعر في عدة محافظات سورية، ليشكل الشعر آخر المقتنيات الثمينة لدى بعض العائلات، بعد بيع جميع مدخراتها الأخرى، من ذهب وأدوات منزلية.
كما تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي كثير من إعلانات بيع الشعر، وأغلبها لطفلات صغيرة، وغالبًا ما ترافق صورة الشعر في الإعلان كلمات تعبر بها البائعة عن سوء حالتها المادية، التي دفعتها للقيام بمثل هذه الخطوة.
ويباع الغرام من الشعر بين ثمانية آلاف وعشرة آلاف ليرة، وفي أحيان أخرى، يصل الغرام الواحد إلى نحو 14 ألف ليرة بحال كان مميزًا جدًا، وتشتري مراكز التجميل الشعر ثم تحبكه وتصدره للبيع في الخارج، وهو مطلوب جدًا في دول الخليج، وفق تقرير أعدته عنب بلدي في شباط الماضي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :