لمى قنوت
لم تفلح الجهود الدبلوماسية الراغبة في إعادة اللاجئين واللاجئات طوعًا أو قسرًا إلى سوريا بحث النظام السوري على التعاطي مع هذه القضية بإيجابية، ولو شكليًا، ومهما وصل منسوب التحريض والسلوك العنصري والفاشي ضدهم، سواء في لبنان أو تركيا، فهو يتجاهل الأمر سياسيًا وإعلاميًا، فمثلًا، بعد جولة على الصحافة الرسمية أو شبه الرسمية السورية (صحيفة الوطن) إثر هجمات العنف على اللاجئين واللاجئات التي بدأت في مدينة قيصري وامتدت إلى غيرها من المدن التركية مؤخرًا، لا نجد أثرًا لأي خبر أو تضامن أو استياء أو حتى توظيف سياسي لما حصل، بل تجاهل تام لمواطنية اللاجئين، نساء ورجالًا في كلا البلدين.
من النادر أن يسمع المرء عن دولة، حتى لو ما زالت في حالة صراع، لا تكترث لحجم العنف الجماعي الذي يطول مواطنيها بناء على جنسيتهم، إلا إذا كانت محكومة بنظام كنظام الأسد، الذي اعتبر أن سوريا “كسبت مجتمعًا صحيًا ومتجانسًا” بعد حرب خاضها ضد مدن وأرياف أدت إلى نزوح وتهجير نصف سكانها. يخضع اللاجئون واللاجئات في كلا البلدين، تركيا ولبنان، إلى حملات تحريض، وعنف مديد، وتدمير لممتلكاتهم، ويعانون من العنصرية والفقر والظروف المعيشية الصعبة، وتحديات تتعلق بالحصول على الإقامة القانونية، واستغلال في سوق العمل وترحيل قسري تعسفي منذ عدة سنوات رغم التحذيرات الحقوقية المتواصلة بأن سوريا لاتزال غير آمنة.
تركيا وترحيل قسري إلى الشمال
لا تمنح تركيا صفة اللجوء إلا للأفراد الآتين من أوروبا، وأدخلت حيز التنفيذ “قانون الأجانب والحماية الدولية” في عام 2013، نظمت بموجبه أوضاعًا مختلفة من “اللاجئ المشروط” و”الحماية الثانوية”، أما السوريين فقد منحوا نوعًا آخر من الحماية، وهو وضع “الحماية المؤقتة”، وقد وصل عدد الحاصلين عليه في تموز 2023 إلى 3.3 مليون سوري وسورية. تكمن خطورة وضع اللاجئين واللاجئات في تركيا وتصاعد وتيرة العنصرية وجرائم القتل ضدهم في عدة عوامل هي: تسييس الملف بين الحكومة والأحزاب المعارضة، عدم اتخاذ إجراءات قانونية حازمة تجاه الخطاب والممارسة العنصرية ضدهم، حصر معالجة قضايا اللجوء في دائرة الهجرة التركية، انتهاكات حكومية للقانون الدولي، من اعتقال واحتجاز وترحيل تعسفي إلى شمالي سوريا بعد إجبارهم على التوقيع على استمارات العودة الطوعية.
ورغم وجود الكم الكبير من منظمات المجتمع المدني السورية في تركيا، فإن دورها محدود جدًا في دعم قضية اللجوء ومناصرته في الأوساط التركية، نظرًا إلى طبيعة العديد منها كمنظمات اجتاحتها الأنجزة ومهننت الناشطية، من جهة، وقيود إدارية وبيروقراطية تركية عليها من جهة أخرى، فاختارت الحياد بدل الانخراط النشط الفعال خارج إطار خطط عملها المُمَولة والمُعَدة مسبقًا، وأصبح فِعلها يقتصر على توقيع بيان هنا أو هناك.
على صعيد المعارضة، التي فُرضت علينا وتدعي الشرعية والتمثيل، فهي لا تختلف عن أي مزهرية يراد لها إشغال مقاعد مقابل النظام، للعبور في تسوية باتت معالمها واضحة، فنرى شخوصها يداورن المناصب فيما بينهم خوفًا من تسلل “غريب” يقاسمهم الفتات، مع خطاب مغلف بحكمة وبراغماتية مصطنعة، كي لا تغضب أو تثير حساسية دول يمثلون مصالحها وديمومة وجودهم، وعليه فهم غير قادرين على الدفاع عن حقوق السوريين والسوريات، سواء كان ترحيلًا قسريًا أو تغييرًا ديموغرافيًا أو احتلالًا يمارس عقابًا جماعيًا ويفرض إمعات ومرتزقة في مناطق سيطرته.
سوريا الآمنة
لا تتوقف العديد من الدول عن إيجاد مخرج لإعادة اللاجئين واللاجئات إلى سوريا، دون أن تُتَهم بخرق معاهدات صدّقت عليها وخرق قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي، فتبدو أسهل الحلول بالترويج لمناطق آمنة في سوريا أو هندستها، وهي فكرة بدأتها تركيا، وتبين أنها منطقة لا تقل خطورة عن أي منطقة أخرى في سوريا، وها هي جمهورية التشيك تقود مرحلة تحضيرية عبر تنظيم بعثة لتقصي الحقائق بهدف إقامة مناطق آمنة في سوريا تسمح بترحيل اللاجئين واللاجئات من الاتحاد الأوروبي إليها، وقد دعمت هذا التوجه قبرص. لا تغفل كل تلك الدول عن واقع الانتهاكات والجرائم وديمومة الإفلات من العقاب في عموم المناطق السورية، وبدلًا من أن تستثمر في دعم حل سياسي شامل وعادل، تختار حلًا مريحًا ولو كان على حساب حيوات البشر وكراماتهم وأمنهم.