tag icon ع ع ع

خالد الجرعتلي | يامن المغربي | حسام المحمود

بددت الأيام القليلة الماضية، وما حملته من تصريحات على لسان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أي شكوك حيال تعثر مسار التطبيع التركي- السوري، إذ تمضي أنقرة باتجاه التطبيع بوتيرة جعلت لقاء محتملًا بين أردوغان والأسد مسألة وقت وترتيبات وتفاهمات مع موسكو.

وبالنظر إلى السياق الزمني المرافق للحراك السياسي المتواصل في هذا الإطار، فإن تحولًا كاملًا طرأ على موقف تركيا من الملف السوري، ترجمه التعاطي الرسمي مع محاور أساسية من الملف برمته.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع مجموعة من الباحثين والمحللين السياسيين المطلعين، ملامح هذه التحولات التركية، وموقف المعارضة السورية من هذه التحولات، واحتمالية استمرارها.

وتتناول أيضًا مستقبل مسار التقارب والمدى المتوقع أن يبلغه، خصوصًا بعد اعتراف روسي سابق بانهيار المسار الذي افتتحته موسكو رسميًا في كانون الأول 2022، بلقاء لوزراء دفاع تركيا والنظام وروسيا، لينهار في خريف 2023، وتؤخر عوامل سياسية وإقليمية، منها الحرب الإسرائيلية على غزة، وتمسك طرفي المباحثات بشروط للتقارب، استئناف محاولات تنشيطه.

دعوة محتملة للأسد

في 5 من تموز الحالي، أبدى الرئيس التركي نية لدعوة الأسد لزيارة تركيا، مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، معتبرًا أن ذلك قد يكون بداية لعملية جديدة.

وقال أردوغان، “لقد مددنا دائمًا يد الصداقة إلى جارتنا سوريا، ونحتضنها على أساس عقد اجتماعي جديد عادل وشامل”، مضيفًا أن من الضروري لسوريا التي دُمرت بنيتها التحتية وتشتت شعبها أن تقف على قدميها من جديد وتنهي حالة عدم الاستقرار.

وتابع الرئيس التركي، “سنقف إلى جانب سوريا مزدهرة موحدة كاملة (…) طالما أن سوريا تبادر بهذا الحضن الكبير وتتعافى في كل مجال”، معتبرًا أن الجهات التي تعارض إعادة العلاقات التركية مع دمشق تتلخص في منظمات مثل حزب “العمال الكردستاني” وحزب “الاتحاد الديمقراطي”، و”وحدات حماية الشعب” وتنظيم “الدولة الإسلامية”، وفق ما نقلته وسائل إعلام تركية.

هذه التصريحات والدعوة المحتملة سبقها، في 3 من تموز، لقاء بين أردوغان وبوتين، على هامش أعمال القمة الـ24 لرؤساء دول منظمة “شنغهاي” للتعاون في مدينة أستانة بكازاخستان.

وتخلل اللقاء الروسي- التركي تفاصيل عن الملف السوري ومسألة البحث عن حل للتوتر في سوريا و”مكافحة الإرهاب”، فأكد أردوغان أهمية إنهاء حالة عدم الاستقرار التي تخلق أرضًا خصبة لـ”المنظمات الإرهابية”، بما فيها “الحرب الأهلية”، مبديًا استعداد بلاده للتعاون من أجل التوصل إلى حل.

في اليوم نفسه، نشرت الخارجية التركية بيانًا ربطت خلاله بين المحادثات التي تتجه لإجرائها مع النظام السوري ومتطلبات أمنها القومي، وقالت إن أنقرة اتخذت منذ بداية “الأزمة” في سوريا موقفًا مبدئيًا، وبينما تعمل على مراجعة سياستها الخارجية بما يتماشى مع متطلبات مصالحها الوطنية، فهي لا تتردد في اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة التهديدات التي يتعرض لها أمنها القومي.

متظاهرون في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي تنديدًا بالتصريحات التركية حول التقارب مع النظام السوري وتأكيدًا على استمرار الثورة السورية- 30 من كانون الأول 2022 (عنب بلدي/ ديان جنباز)

متظاهرون في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي تنديدًا بالتصريحات التركية حول التقارب مع النظام السوري وتأكيدًا على استمرار الثورة السورية- 30 من كانون الأول 2022 (عنب بلدي/ ديان جنباز)

تناول هذه العلاقات بلغة ودّية تجاه النظام السوري أثار قلق معارضيه خاصة مع تصاعد الانتهاكات بحق اللاجئين السوريين في تركيا، ما أسفر عن صدام مع القوات التركية في الشمال السوري، جاءت بعدما وجّه أردوغان، في 2 من تموز، رسائل سياسية واضحة للنظام والمعارضة السورية، فتحدث عن فائدة فتح القبضات المشدودة في السياسة، وقال، “لن نمتنع عن الاجتماع مع أي كان، كما كانت الحال في الماضي”، مشيرًا إلى العلاقة مع دمشق.

لكن أردوغان عاد لتأكيد عدم التفريط بعلاقات أنقرة مع المعارضة السورية، إذ قال، “لن نسمح لأي شخص يثق بنا، أو يلجأ إلينا، أو يعمل معنا، أن يكون ضحية في هذه العملية، تركيا ليست ولن تكون دولة تتخلى عن أصدقائها”.

“لين الخطاب” التركي تجاه النظام سبقه إبداء الأسد، في 26 من حزيران الماضي، انفتاحًا على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين دمشق وأنقرة، والمستندة إلى ما وصفه بـ”سيادة سوريا على أراضيها ومحاربة كل أشكال الإرهاب ومنظماته”.

وجاء هذا “الانفتاح” خلال لقاء الأسد بالمبعوث الخاص للرئيس الروسي، ألكسندر لافرنتييف، في دمشق، في 26 من حزيران، واعتبر خلاله أن تلك المبادرات تعكس إرادة الدول المعنية بها لإحلال الاستقرار في سوريا والمنطقة.

ويقابل هذا الانفتاح من الجانب السوري بتصريحات تدور في فلك سيادة سوريا وأمنها وازدهارها ومستقبلها، ونفي وجود أي مطامع تركية في سوريا، مع تراجع الحديث عن شروط التطبيع التي ظلت تتصدر المشهد حتى مطلع حزيران الماضي، إذ أبدى وزير الدفاع التركي استعداد بلاده للانسحاب العسكري من سوريا، ضمن أطر وشروط محددة ليست جديدة بالنسبة لأنقرة.

وأضاف غولر، “نحن مستعدون لدعم إقرار دستور شامل وإجراء انتخابات حرة وتوفير بيئة تطبيع وأمنية شاملة، وبعد أن يتم ذلك، ويجري ضمان أمن حدودنا بشكل كامل قد نفكر في الانسحاب إذا لزم الأمر”، وفق ما نقلته وسائل إعلام تركية.

ولم يقتصر حضور الملف السوري والعلاقة مع دمشق على تصريحات أردوغان، إذ قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في 24 من حزيران، “نرى أن عودة اللاجئين مهمة، ونحن نعتقد أن سوريا إذا اندمجت حكومتها ومعارضتها ستكون لاعبًا مهمًا في الحرب ضد إرهاب حزب (العمال الكردستاني)”.

عامان على طريق التطبيع

ارتدادات الشرق والغرب في سوريا

يرتبط مسار التقارب السوري- التركي بقضايا عالية الحساسية داخل الجغرافيا السورية، أبرزها مصير مناطق سيطرة المعارضة المدعومة من أنقرة شمال غربي سوريا، وتشغلها الآن قضية فتح الخطوط بينها وبين مناطق سيطرة النظام السوري، بدفع روسي- تركي، إضافة إلى مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، المدعومة من واشنطن شمال شرقي سوريا، ومن شأن أي تفاهم سوري- تركي أن يضغط على القوات، التي يعتبرها الجانبان “انفصالية” و”إرهابية”.

وفي 24 من حزيران الماضي، قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إن أهم ما حققه الروس وتركيا حتى الآن فيما يتعلق بسوريا هو أن الحرب بين النظام السوري والمعارضة ليست مستمرة.

وأضاف أن “عودة اللاجئين مهمة، ونحن نعتقد أن سوريا إذا اندمجت حكومتها ومعارضتها ستكون لاعبًا مهمًا في الحرب ضد إرهاب حزب (العمال الكردستاني)”.

عصا بيد الشمال الغربي

في 26 من حزيران الماضي، أعلن المجلس المحلي عن افتتاح معبرأبو الزندين  بريف حلب الشرقي، من خلال تفاهم روسي- تركي لمراعاة المصلحة الاقتصادية السورية- التركية، ثم الاعتبارات الإنسانية عند فتحه أمام حركة الأفراد، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، والتي توقعت نقلًا عن مصادرها مزيدًا من “الانفراج” على صعيد العلاقات التركية- السورية، برعاية روسيا المصرّة على الانتقال بالطرفين إلى أفق جديد في العلاقات الاقتصادية، وربما السياسية لاحقًا، وفق المصادر.

لكن سكان المنطقة لم يلتقطوا قرار فتح المعبر على أنه حدث إيجابي، واعتبروه تطبيعًا مع النظام، وهو ما رفضوه على مدار السنوات الماضية، ما دفع بهم إلى الشوارع للاحتجاج على القرار.

وبعد أيام قليلة على إعلان فتح المعبر، واحتجاج السكان، وتفاؤل وسائل الإعلام المقربة من النظام، عادت الاحتجاجات إلى الشمال السوري، لكنها جاءت أعنف من تلك التي سبقتها خلال سنوات مضت، خاصة مع تزامن افتتاح المعبر مع هجمات عنصرية ضد اللاجئين السوريين في تركيا، أبرزها في ولاية قيصري، إذ هاجم المحتجون كل ما يرمز لتركيا في المنطقة، من أعلام ومؤسسات خدمية وعسكرية.

وفي مدينة اعزاز بالقرب من معبر “باب السلامة”، هاجم المحتجون سيارات تعود ملكيتها لتجار ومواطنين أتراك يعملون في الشمال السوري، وحطموها ردًا على الاعتداءات التي طالت السوريين في تركيا.

وانتهت موجة الاحتجاجات في سوريا بعد أن تحول جزء منها لمواجهات مسلحة بمدينة عفرين، أسفرت عن مقتل خمسة سوريين برصاص جنود أتراك في المنطقة.

الاحتجاجات توقفت، لكن الاعتداءات على السوريين في تركيا لم تتوقف، إذ اعتدى عنصريون أتراك على محال ومنازل السوريين مجددًا بعد نهاية الاحتجاجات بيوم واحد.

السياسي السوري- التركي، ورئيس “الائتلاف” الأسبق، خالد خوجة، قال لعنب بلدي، إن عام 2016 كان مفصليًا بطبيعة علاقة المعارضة مع تركيا، معتبرًا أن التغييرات التي أجرتها أنقرة في مفاصل صنع القرار فيها حينذاك، غيرت من وجهة النظر التركية نحو سوريا.

وأضاف أن النظرة التركية تحولت من داعم للمعارضة السورية والتغيير السياسي في جارتها إلى جهة تحارب قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية، خوفًا من أن يكون نموذجًا يحتذى به في الداخل التركي.

ورغم التغييرات التي أشار إليها خوجة، اعتبر أن السياسة التركية مهما تغيرت لا يمكن أن تكبد نفسها خسائر لمصلحة روسيا أو إيران في سوريا، لكنها انخرطت وفق التحولات السياسية بالمنطقة في مسارات سياسية عديدة مع روسيا، بهدف الوصول إلى حل في سوريا.

ويعتقد خوجة أن هيئات المعارضة مجتمعة، سواء السياسية أو المدنية أو العسكرية، غير قادرة على تحقيق أي مكسب، إذ صارت مرتهنة لمسارات سياسية ترعاها تركيا مع روسيا، وتعتبر أنقرة مسؤولة فيها عن احتواء تحركات هذه المعارضة.

 

ما يمكن أن يؤثر فعلًا على سياسة تركيا نحو سوريا هو الشمال السوري، الذي يضم المعارضة السورية الحقيقية، علمًا أن مناطق شمال غربي سوريا لا وجود لها في المعادلة السياسية الإقليمية، ولا تعيره أطراف المسارات السياسية أي وزن، لكن لسكان هذه المناطق القدرة على وضع العصي في عجلة التطبيع. 

خالد خوجة

الرئيس الأسبق لـ”الائتلاف”

 

من جانبه، يرى الباحث في مركز “حرمون” سمير العبد الله، أن المشكلة تكمن في المعارضة نفسها، وليس في تركيا، وخاصة مع الحالة الفصائلية الموجودة في الشمال السوري، وكذلك الحالة السيئة التي وصلت إليها مؤسسات المعارضة الرسمية.

وأضاف أن المعارضة أبعدت أغلب الشخصيات “الوطنية والثورية” منها، فصارت تقدم التنازلات مقابل الحفاظ على المصالح الشخصية لبعض قاداتها، مشيرًا إلى أنه من دون إصلاح حقيقي لهذه المؤسسات ستظل تقدم التنازلات.

العبد الله يرى أنه على الصعيد الشعبي المعارض، فالمظاهرات الأحدث شمال غربي سوريا أوصلت رسالة لتركيا مفادها أن سكان المنطقة لن يقبلوا أي اتفاقات تبرمها تركيا لا تحقق طموحات الشعب السوري.

الباحث قال لعنب بلدي، إن المسألة برمتها من باب المصالح، تكمن في محاولات تركيا الحفاظ على أمنها، علمًا أن مصلحة أنقرة قد تلتقي في بعض جوانبها مع مصلحة السوريين، ما يجعل من احتمالية تخلي تركيا عن المعارضة غير واردة في الظرف الراهن.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني خلال اجتماع في سوتشي بروسيا - 22 من تشرين الثاني 2023 (Kayhan Ozer/Pool via AP)

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني خلال اجتماع في سوتشي بروسيا – 22 من تشرين الثاني 2023 (Kayhan Ozer/Pool via AP)

الشمال الشرقي مستهدف

ترفض “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا أي تقارب بين تركيا والنظام السوري، معتبرة أن ذلك يستهدف مشروعها ومكتسباتها التي حققتها في سوريا بدعم أمريكي على مرور السنوات الماضية.

وبعد أن أبدى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، نيته لقاء رئيس النظام السوري وإعادة مسار التقارب مجددًا، هاجمت “الإدارة” الخطوة، وقالت عبر بيان، إنها “ضد مصلحة السوريين عامة وتكريس للتقسيم وتآمر على وحدة سوريا وشعبها”.

وأضافت “الإدارة”، عبر بيان رسمي، أن الاتفاق مع تركيا “لن يحقق أي نتائج إيجابية بل سيؤدي إلى تأزيم الواقع السوري ونشر المزيد من الفوضى، وسيكون دعمًا لكل من دعمتهم تركيا وفي مقدمتهم تنظيم (الدولة الإسلامية)”، على حد قولها.

ولم تكتفِ “الإدارة” ببيان أدانت فيه الخطوة، إذ أبدت استعدادها للانخراط في محادثات مع النظام السوري، و”تحرير المناطق المحتلة إلى جانب الجيش السوري”.

وقال نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في “الإدارة الذاتية”، حسن كوجر، في 3 من تموز الحالي، إن تركيا تريد استخدام جميع الأطراف في سوريا لتحقيق أجنداتها، لذلك ينبغي لـ”حكومة دمشق” ألا تنخدع بهذه الألاعيب.

وأضاف، “نحن لا نشكل أي تهديد لأي طرف ولسنا أعداء لأي طرف، نحن نسعى لبناء سوريا والحفاظ على سيادة أراضي البلاد، قلناها دائمًا، إننا على استعداد لتحرير المناطق السورية المحتلة بالتشارك مع الجيش السوري”.

ويرى الباحث المتخصص بالشأن الكردي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” سامر الأحمد، أن حديث حسن كوجر جاء على غرار تحركات “الإدارة الذاتية” لطرح مسار للحوار مع المعارضة السورية، كمحاولة غزل لا أكثر.

وأضاف أنها لن تكون مفيدة، إذ يتطلع النظام إلى دعم روسي يفضي لتحسين العلاقة مع تركيا وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية مهمة.

ووفق الباحث، من غير الممكن أن يضحي النظام بكل ما يمكن أن يكسبه من التقارب مع تركيا، من أجل اتفاقية مع “قسد”.

مطلع العام الحالي، أعلنت “الإدارة الذاتية” عزمها إجراء انتخابات بلدية محلية، تبع ذلك إعلانها، في نيسان الماضي، إجراء إحصاء سكاني، ثم في أيار الماضي، وجهت دعوات لمنظمات دولية حكومية وغير حكومية لمراقبة سير العملية الانتخابية.

هذه الخطوات استفزت أنقرة، وشكلت دافعًا أساسيًا أمام الساسة الأتراك للدعوة إلى تحركات مضادة وصل بعضها للمطالبة بالتنسيق مع النظام السوري عسكريًا ضد انتخابات “الإدارة الذاتية”.

أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة “باريس” رامي الخليفة، قال إن السبب المباشر لإعلان إمكانية اللقاء بين أردوغان والأسد هو “الإدارة الذاتية”، إذ تشعر تركيا بالقلق من التطورات شمال شرقي سوريا، التي تحاول تثبيت أقدامها والظهور ككيان بشكل دولة أو شبه دولة يمكن البناء عليه فيما بعد، وهو ما ترفضه أنقرة.

وأضاف أن تركيا ترى أن التعويل على الإدارة الأمريكية، سواء عاد ترامب أو بقي بايدن، أمر غير ممكن نتيجة للتجارب السابقة بين الطرفين، بينما المراهنة على روسيا وعلى إيران، كما اكتشفت خلال مسار “أستانة”، هو أكثر جدوى وفعالية.

 

تركيا تعتبر التقارب مع النظام هدفه الأساسي محاولة حصار النموذج الكردي، أو النظام السياسي الذي أنشأته “وحدات حماية الشعب”، شمال شرقي سوريا، وبالتالي في إطار هذا التوجه، أعتقد أن الهدف هو منطقة الجزيرة السورية.

رامي الخليفة

أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة “باريس”

أهالي اعزاز يرفعون أعلام الثورة خلال مظاهرة رافضة لتصريحات تركية حول العلاقة مع النظام، ورفضًا لفتح معبر "أبو الزندين"- 28 من حزيران 2024 (عنب بلدي/ ديان جنباز)

أهالي اعزاز يرفعون أعلام الثورة خلال مظاهرة رافضة لتصريحات تركية حول العلاقة مع النظام، ورفضًا لفتح معبر “أبو الزندين”- 28 من حزيران 2024 (عنب بلدي/ ديان جنباز)

أين المعارضة السورية؟

لم يكن غياب المعارضة حالة جديدة على الساحة السياسية، إذ اقترنت الطروحات التركية للتقارب مع النظام بغياب التعليق من جانب المعارضة أو بتدخلات عامة دون موقف واضح، ما أوحى تاليًا أن علاقة المعارضة بأنقرة، التي تحتضن هيئات المعارضة التقليدية، وأبرزها “الائتلاف” و”الحكومة المؤقتة”، تأخذ شكل علاقة تابع ومتبوع، لا علاقة حلفاء، كما تفضل مؤسسات المعارضة تسميتها.

وحتى مع إعلان الرئيس التركي عن العمل على تطوير العلاقات مع النظام السوري بطريقة أكثر وضوحًا ومباشرة، قائلًا، “كما حافظنا على علاقاتنا مع سوريا حية للغاية، فقد عقدنا هذه الاجتماعات مع السيد الأسد في الماضي، بما في ذلك اجتماعات عائلية”، لم يكن للمعارضة تعليق.

“الائتلاف” يربط التقارب بالحلول

رئيس “الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة”، هادي البحرة، قال عبر “إكس”، إن الحل القابل للاستدامة في سوريا لا يكمن بالوصول إلى تفاهمات بين الدول والنظام لحماية مصالحها وأمنها.

وأضاف أن الحل يكمن بإقناع السوريين داخل سوريا، والنازحين، واللاجئين، والمهجرين، والمهاجرين، بأنه باتت لديهم دولة فيها دستور يُنفذ ويُحترم، وقوانين تضمن أمنهم الخاص وأمن المجتمع، وتضمن حقوقهم، وتكفل حرياتهم، وتؤمّن لهم فرص الحياة الحرة، والكريمة، والآمنة، والمستقرة، دولة يمكنهم البقاء فيها أو العودة اليها.

ولم يربط البحرة تعليقه بشكل مباشر بمسار التقارب التركي مع النظام السوري، لكنه ربما لخص موقفًا غير معلَن تحمله المعارضة السياسية السورية، خصوصًا أنه لم يصدر أي إعلان قبول أو رفض لخطوة الحليف.

عضو الهيئة السياسية في “الائتلاف الوطني السوري” أحمد بكورة، قال لعنب بلدي، إن “الائتلاف” يؤكد دائمًا موقفه الثابت والرافض لأي شكل من أشكال التطبيع مع النظام.

وأضاف أن مثل هذا التطبيع من شأنه أن يعزز من قوة النظام ويزيد من معاناة الشعب السوري الذي عانى ولا يزال يعاني من قمع النظام وجرائمه.

 

نعتبر أن الحل السياسي يجب أن يكون عبر عملية شاملة تضمن حقوق ومصالح جميع السوريين، مستندين في ذلك إلى قرار مجلس الأمن “2254” الذي ينص على احترام تضحيات الشعب السوري ومعاناته، وضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب على جرائمهم، وتحقيق تطلعات الشعب السوري في الحرية والعدالة والديمقراطية.

أحمد بكورة

عضو الهيئة السياسية في “الائتلاف”

وأضاف أنه في ضوء التطورات الراهنة، يرى “الائتلاف أن أي محاولة للتطبيع مع النظام ستكون على حساب حقوق الشعب السوري وتطلعاته، وستؤدي إلى تعميق الأزمات بدلًا من حلها.

بكورة قال إن “الائتلاف” يؤكد أهمية الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها، والعمل على إيجاد حل سياسي عادل ومستدام يحقق السلام والاستقرار للمنطقة بأكملها وفق القرار الدولي “2254”.

ونوّه إلى أن مصالح وحقوق السوريين يجب أن تظل في مقدمة أولويات الدول الصديقة، بما في ذلك تركيا، مؤكدًا أهمية الحفاظ على الدعم الدولي للقضية السورية، وضمان عدم تهميش حقوق السوريين في أي ترتيبات مستقبلية.

هل تتخلى تركيا عن المعارضة

بعد موجة احتجاجات أشعلتها عدة عوامل، منها التصريحات التركية حول التقارب مع النظام، في شمالي سوريا، خرج الرئيس التركي مجددًا حاملًا تطمينات للمعارضة، إذ قال، في 2 من تموز الحالي، إن هناك فائدة كبيرة في فتح القبضات المشدودة بالسياسة الخارجية، وكذلك الداخلية، “ولن نمتنع عن الاجتماع مع أي كان، كما كان الحال في الماضي”، في إشارة إلى مسار التقارب مع النظام السوري، لكنه أكد عدم الإضرار بحلفاء بلاده، في إشارة إلى المعارضة السورية.

 

عند القيام بذلك، سنأخذ مصالح تركيا في الاعتبار بالمقام الأول، لكننا لن نسمح لأي شخص يثق بنا، أو يلجأ إلينا، أو يعمل معنا، أن يكون ضحية في هذه العملية، تركيا ليست ولن تكون دولة تتخلى عن أصدقائها.

رجب طيب أردوغان

الرئيس التركي

عضو الهيئة السياسية في “الائتلاف” أحمد بكورة، قال لعنب بلدي، إن “الائتلاف” يرى قوى الثورة والمعارضة السورية على أنها شريك أساسي في محاربة “المنظمات الإرهابية”، ولكن في إطار عملية سياسية تهدف إلى تحقيق تطلعات الشعب السوري كاملة.

وأضاف أن أي جهود مبذولة لمحاربة “الإرهاب”، يجب أن تكون جزءًا من استراتيجية شاملة لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين في سوريا.

ومع تقدير “الائتلاف” للعلاقات التاريخية والأخوية بين الشعبين السوري والتركي، وفق بكورة، يأمل أن تبقى مطالب الشعب السوري في مقدمة أولويات السياسة التركية، خاصة فيما يتعلق بتحقيق السلام والاستقرار وضمان عودة طوعية اللاجئين إلى أماكن سكنهم الأصلية بأمان وكرامة.

الباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” سمير العبد الله، يرى أن تركيا لن تتخلى عن المعارضة السورية ومطالبها بسهولة، معتبرًا أن وجود المعارضة يعطي قوة للموقف التركي في أي مفاوضات مع النظام وحلفائه، أو مع أمريكا.

وأضاف العبد الله لعنب بلدي أن مطالب المعارضة تلتقي مع مصلحة الأمن القومي التركي، سواء فيما يتعلق بـ”محاربة إرهاب (PYD) أو مسألة عودة اللاجئين، وتحقيق الاستقرار في سوريا والحفاظ على وحدتها”.

 

حتى بالنسبة للتجارب السابقة، تقاربت تركيا مع مصر لكن لم يكن هذا التقارب على حساب المعارضة المصرية، فالمصلحة التركية تقتضي التعاون، ودعم المعارضة السورية، وربما تحصل بعض التنازلات خلال المفاوضات بين الأطراف، لكن أنقرة ستحصل على مقابل من النظام وحلفائه، وسيكون بعضها لمصلحة المعارضة السورية نفسها.

سمير العبد الله

باحث في مركز “حرمون”

ممثلون عن المعارضة السورية خلال ورشة العمل عقدتها وحدة دعم الاستقرار في مدينة غازي عينتاب التركية- 30 من نيسان 2024 (عبد الرحمن مصطفى)

ممثلون عن المعارضة السورية خلال ورشة العمل عقدتها وحدة دعم الاستقرار في مدينة غازي عينتاب التركية- 30 من نيسان 2024 (عبد الرحمن مصطفى)

المسار.. إلى أين؟

رغم تصريحات أردوغان الأخيرة بما يخص مسار التقارب، والرسائل التي أرسلها النظام السوري، فالمسار، وبما يشكله من حاجة للحكومة التركية، قد لا يسير بالسلاسة أو السهولة التي تظهر من خلال التصريحات الحكومية لدى الطرفين.

وعادة ما يأخذ أي مسار تفاوضي وقتًا طويلًا حتى تصل الأطراف المعنية لاتفاق فيما بينها، وبالنظر إلى حالة الملف السوري وتشابكاته، وارتباطه بأكثر من دولة (روسيا، إيران، أمريكا، دول الخليج)، ولدى أنقرة أسبابها الداخلية والخارجية للدعوة للتقارب، داخليًا نظرًا إلى الظروف الاقتصادية والسياسية وأزمة اللاجئين التي يواجهها حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، وخارجيًا هناك ظروف إقليمية وضغوط قد تواجهها أنقرة.

أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة “باريس” رامي الخليفة، قال لعنب بلدي، إن التقارب المعلن اليوم بين أردوغان والأسد يعد نقطة الختام في انعطافة تركية كاملة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز 2016 وحتى الآن، ومنذ ذلك التاريخ غيرت أنقرة سياستها وبدأت تنظر إلى مصالحها المباشرة.

وأضاف أن التفاهمات التي جمعت تركيا مع روسيا وإيران في الشأن السوري، أتاحت لها التقدم شمالي سوريا، وتنفيذ عمليات عسكرية (درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام)، وهذه التفاهمات تعدّ مقدمة لما وصل إليه المسار اليوم.

ويبدو أن التقارب العربي مع الأسد، منذ القمة العربية بجدة في أيار 2023، فتح الطريق كذلك أمام أنقرة لتتخذ الخطوة نفسها وإن لم تكن بنفس تفاصيلها ولا تسارعها، والتفكير مجددًا بإعادة العلاقات مع دمشق.

توجه أنقرة نحو دمشق لن يكون بطبيعة الحال دون شروط مسبقة، وفق المحلل السياسي درويش خليفة، إذ يرى أن تركيا لديها شروطها المطروحة على طاولة داعمي الأسد، وهي شروط تنعكس إيجابًا على الاقتصاد الذي يعاني منذ جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد-19) وحتى الآن، وفق ما قاله لعنب بلدي.

وأضاف أن التداعيات الأخيرة للتصريحات الإيجابية بين الطرفين، ربما تؤجل المفاوضات أو تعمق الخوض بالتفاصيل، ولا سيما مع الرفض الشعبي القائم في الشمال السوري (مناطق النفوذ التركي).

وأوصلت رسائل لجميع الأطراف تشير إلى أن أي تقارب وعودة للنظام إلى المنطقة لن يعيد الاستقرار والأمن إلى هذا القطاع الجغرافي الذي اضطر بالأتراك لدخول المنطقة وبسط نفوذها فيها على حساب “قسد” وتنظيم “الدولة” قبل أكثر من ستة أعوام، وفق المحلل السياسي.

الطروحات العربية في إطار الحل قوبلت بنتائج عكسية لم تثمر عما يرضي العرب أو الشعب السوري، ليطفو على السطح حديث رسمي وآخر غير رسمي عن تراجع في الاندفاع العربي تجاه دمشق، بدا جليًا في مشاركة صامتة للأسد في قمة المنامة.

ورغم بقاء المطالب العربية التي نادى بها العرب مرارًا حبيسة التصريحات والبيانات، جاء مسار التقارب بين أنقرة ودمشق مدفوعًا من العرب، إذ يستضيفه العراق، وتدعمه السعودية والإمارات.

ولا يمكن التنبؤ بمصير أي مسار سياسي فيما يتعلق بالملف السوري، نظرًا إلى التشابك الكبير بين هذه المسارات، ومصالح مختلف الأطراف ضمن الملف السوري، ولكن يمكن النظر إلى المعطيات الحالية على الأرض.

عبر تصريحات سابقة للأسد، أو عبر الصحف الرسمية وتلك المقربة من النظام السوري، وضع النظام شروطًا واضحة للتفاوض مع الأتراك، وعلى رأسها انسحاب القوات التركية من مناطق شمالي سوريا، فيما يشدد المسؤولون الأتراك على منع إقامة دولة كردية شمال شرقي البلاد.

ومع تغيّر نبرة الطرفين المترافقة مع ظروف إقليمية ضاغطة وأخرى داخلية، أبرزها المشكلات الاقتصادية، قد يبدو ممكنًا أن يسعى الأسد وأردوغان للقاء مرتقب أو تسهيل عملية المفاوضات، ورغم ذلك، لا يرى أستاذ الفلسفة السياسية رامي الخليفة، الأمر على أنه قد يتم بهذه السهولة.

الخليفة قال لعنب بلدي، إن انسحاب القوات التركية مسألة صعبة وفق رأيه، مع استثمار كبير وضعته أنقرة في تلك المناطق، والانسحاب يعني الدخول في مشكلات أكبر، أهمها ترك الساحة فارغة لـ”قسد”، فيما تسعى أنقرة للتقارب مع النظام لمواجهتها.

وأضاف أن التقارب قد يذهب خطوة للأمام، والاجتماع الذي جرى الحديث عنه في بغداد قد يذهب بهذا الاتجاه، وقد نرى اجتماعًا بين الأسد وأردوغان هناك (أو في تركيا بموجب دعوة أردوغان المحتملة)، ولكن إحداث تغيير في مناطق شمالي سوريا، سواء في مناطق سيطرة “قسد” أو التي تسيطر عليها المعارضة، هو أمر صعب للغاية، لأن ذلك يتطلب كما يريد النظام انسحابًا تركيًا من المناطق السورية، وتدخلًا أكثر قوة ضد “قسد”.

ولن يضغط النظام على “قسد” أو يحاصرها، باعتبار أنه يمتلك هامشًا محدودًا من الحركة، بل هامشًا ضيقًا جدًا، ولا يمكنه الدخول في مواجهة مع واشنطن الداعمة المباشرة لـ”الإدارة الذاتية” (مظلة “قسد” السياسية)، بحسب رأيه، خاصة أن النظام حاول التقرب من الإدارة الأمريكية خلال الفترة الماضية، ولم ينجح.

من جانبه، يعتقد المحلل السياسي درويش خليفة، أن تركيا لن تتنازل عن ورقة الشمال السوري الذي يسكنه ثلث الشعب السوري، كما أن أنقرة تملك قرار السلم والحرب في هذه المناطق الممتدة من عفرين بريف حلب الشمالي حتى رأس العين شمال غربي الحسكة.

وسيتوقف مسار التقارب على مدى المرونة التي يبديها داعمو النظام، وخاصة الإيرانيين، لأن الروس ليسوا نافذين بالشكل المتداول في الميدان السوري، وفق درويش خليفة، بل يكون دورهم دائما مراقبًا للفرص ومحاولة استغلالها لمصلحة النظام السوري.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد في اسطنبول – 2010 (AFP)

مقالات متعلقة