الزلازل السورية
إبراهيم العلوش
زلزال جديد يعصف باللاجئين السوريين في تركيا ويدمّر بعضًا من ممتلكاتهم، ويعيدهم إلى حالة الخوف وعدم الأمان، وسط موجة من الشعارات العنصرية التي تستهدفهم بكل قسوة.
مساء 30 من حزيران الماضي، وفي مدينة قيصري وسط تركيا، عصفت موجة من الإشاعات ضد أحد السوريين متهمة إياه بأنه اعتدى على طفلة تركية، واندلعت أعمال شغب محطمة بعض المحال التي بناها السوريون بشق الأنفس من أجل كسب رزقهم، وتوسعت أعمال الاعتداء على السوريين لتشمل مدنًا متعددة منها غازي عينتاب وبورصة وقونية وهاتاي واسطنبول، لتضع السوريين على حافة اليأس، وسط زلزال يدمر ما بنوه خلال سنوات تغريبتهم القاسية.
تتحرك الأرض تحت السوريين، ويخسرون من جديد ما بنوه، فبعد أن طُردوا من مدنهم وبلداتهم على أيدي الإيرانيين والروس (الذين يتخذون قرارات النظام)، يتم تدمير مقومات حياتهم بموجات عنصرية في كل من لبنان وتركيا. وبالإضافة إلى ما فعله بهم زلزال شباط 2023، الذي دمر بيوتهم في الشمال السوري وبمدن تركيا الجنوبية، ها هي موجة زلزالية جديدة تهز الأرض من تحتهم ومن تحت عائلاتهم، التي تنشد الأمان بعد معاناة لا تنتهي، وسط قوى تتصارع على نزع إنسانيتهم وتخريب ممتلكاتهم البسيطة.
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بادر بمهاجمة خطاب المعارضة التركية المسموم بحق السوريين، الذي أدى إلى أعمال قاسية ضدهم. وقد ولّدت الاعتداءات ردود فعل في الشمال السوري ضد الوجود التركي هناك، ما يهدد مصالح تركيا وأمنها على المدى البعيد، خاصة أن تركيا تعتبر وجود اللاجئين فيها وإدارتها لأجزاء من الشمال السوري أوراقًا تعطيها دورًا بمفاوضات الوضع النهائي في سوريا مستقبلًا، وتحدد الوضع الأمني على حدودها.
تحولت العلاقة التركية باللاجئين السوريين من مرحّبة في 2011، إلى درجة طوباوية سميت بمرحلة “المهاجرين والأنصار” عندما كانت تركيا تحلم باستعادة أمجادها العثمانية وتأثيرها الديني على المنطقة، لتتقلص الآن إلى دعم متناقص قوضته المعارضة التركية ورفعت شعاراتها القومية والعنصرية، التي لم تعد تستهدف السوريين فقط، بل نالت من السياح العرب وعرّضتهم لخطابها العنصري، وقد تم تداول الكثير من الفيديوهات المشتعلة بخطابات وشعارات لا تليق بمكانة تركيا ولا بمستقبل علاقاتها مع شعوب المنطقة، إذ إن الشعارات الموروثة من أيام جمال باشا والتنظيمات المتطرفة في بدايات القرن الـ20 كانت تجاهر بالحط من مكانة العرب. ولم تتغير عقلية البعض رغم حاجة تركيا الماسة للتبادل الاقتصادي والبشري مع العالم العربي، خاصة أن صناعة السياحة التركية تعتمد في جزء منها على عرب الخليج، وتنتشر التجارة والعمالة التركية في عدد كبير من البلدان العربية.
تعاني المناطق التي تديرها تركيا في الشمال السوري من فقدان كبير للأمن، ومن الارتجال في اختيار المسؤولين عنها، ما تسبب بالفوضى المستعصية، وآخرها الأحداث التي تسببت بالاعتداء على بعض المواقع التركية في ظل الإشاعات المنتشرة بين السكان هناك في اعتزام تركيا تسليم الشمال السوري لجيش نظام الأسد، ما يهدد حياة الناس واستقرارهم، ويعرّض وجودهم لزلزال جديد يدمر ما بنوه هناك رغم الفوضى وتعدد الإدارات والمرجعيات المسلحة التي تأخذ سلطتها بقوة البندقية وتعتدي على الناس دون رادع، بالإضافة إلى انتشار شركات توظيف المرتزقة التي رحّلت بعض السوريين إلى ليبيا وأذربيجان وروسيا وأوكرانيا وغرب إفريقيا.
وبسبب طموحاتها الدولية، لا تزال تركيا متمسكة بالاحتفاظ بـ”الائتلاف السوري” على أراضيها، ولم تسمح له بالعودة المبكرة إلى الشمال السوري وإدارته بشكل يحفظ الأمن ويؤسس نواة حياة كريمة للاجئين السوريين، وكان من الممكن أن يمنع مع قادة “الجيش الحر” نفوذ التشكيلات العنيفة والانفصالية أمثال “جبهة النصرة” و”داعش” و”أحرار الشام” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
الزلزال الجديد يهز حياة السوريين، ويعرّضهم لمشاعر الخوف بعدما وجدوا في تركيا وفي الشعب التركي ملاذًا لهم من ظلم نظام الأسد ومن قوات الاحتلال الإيرانية والروسية، ويفتح شرخًا مؤلمًا في حياتهم، ويضخم المأساة السورية، وقد يدفع الدول الغربية إلى ارتجال حل على المقاس الروسي- الإيراني يهمل تطبيق القرار الدولي “2254”، الذي يضمن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم محفوظي الكرامة وتحت حماية قانونية تضمن لهم العيش بسلام بعد طول المعاناة، ولعل هذا الزلزال لن يكون الأخير بكل أسف ما دام السوريون محرومين من حق العودة إلى وطنهم المحتل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :