بدءًا بمعبر “أبو الزندين”.. النظام السوري وتركيا نحو “تطبيع اقتصادي”   

معبر "أبو الزندين" الواصل مع مناطق سيطرة "الجيش الوطني" والنظام السوري بريف حلب الشرقي- 18 من آذار 2019 (عنب بلدي)

camera iconمعبر "أبو الزندين" الواصل مع مناطق سيطرة "الجيش الوطني" والنظام السوري بريف حلب الشرقي- 18 من آذار 2019 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

نهاية حزيران الماضي، أعلن المجلس المحلي لمدينة الباب شرقي محافظة حلب، أنه سيتم فتح معبر “أبو الزندين” الواصل بين المنطقة التي يسيطر عليها “الجيش الوطني السوري” ومناطق سيطرة النظام السوري.

وتعليقًا على افتتاح المعبر، جاءت معظم تحليلات الخبراء على أن الحركة فيها فائدة سياسية أكثر منها منفعة اقتصادية، إلا أن موقع المعبر كصلة وصل بين مناطق النظام وتركيا فتح الباب أمام التساؤلات حول الجهات المستفيدة اقتصاديًا، ومدى استفادة الشمال السوري من إعادة افتتاحه.

بوابة نحو تركيا

معبر “أبو الزندين” يصل مدينة الباب بريف حلب الشرقي في منطقة عمليات “درع الفرات” الخاضعة لسيطرة المعارضة برعاية تركية، وشرقي مدينة حلب الخاضعة لسيطرة النظام، ويقع في الجهة الغربية لمدينة الباب، بالقرب من قرية الشماوية التي تخضع لسيطرة النظام.

وفي الوقت الذي أعلن فيه المجلس المحلي لمدينة الباب عن افتتاح المعبر، طالبت فعاليات محلية في المدينة بتسليم المعبر لجهة مدنية، لعدم الاحتجاج على فتحه، خصوصًا أن لفصائل المعارضة تاريخًا طويلًا في الاقتتال على المعابر، باعتبارها موردًا اقتصاديًا مهمًا للمنطقة.

في حين تحدثت أخرى عن أن افتتاح المعبر يشكل خطرًا اقتصاديًا وأمنيًا على المناطق التي يسيطر عليها “الجيش الوطني السوري” بأرياف حلب الشمالية والشرقية.

اقرأ أيضًا: افتتاحأبو الزندين“.. خطوة في مسار تركيروسي

وسبق أن شهد المعبر نفسه عدة عمليات لتبادل الأسرى بين “الجيش الوطني” وقوات النظام السوري، برعاية تركية- روسية وبإشراف الأمم المتحدة و”الصليب الأحمر الدولي”.

المعبر نفسه كان شاهدًا على عمليات التهجير القسري من محافظات الجنوب السوري نحو شمالها، إذ سبق ومرّت عبره قوافل المهجرين من دمشق والقنيطرة، خلال فترات زمنية متفاوتة.

أثر اقتصادي محدود

اتفق العديد من الخبراء على أن افتتاح معبر “أبو الزندين” قد يعد خطوة أولى على مسار طويل بين تركيا والنظام السوري، وهو نتيجة تفاهمات أولية بين الجانبين برعاية روسية، متوقعين أنه من الممكن مستقبلًا فتح معابر أخرى.

يمكن وصف هذا الأمر بالقرار السياسي أكثر من كونه اقتصاديًا، وفق ما يراه الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، إذ إن الحركة التجارية عبر هذا المعبر وغيره كانت موجودة سابقًا، لكن ليس بصيغة معلنة ولا رسمية، بل كانت تتم في سياق عمليات التهريب، أما حاليًا فستتم بشكل شرعي وسياسي معلَن.

وحول الأثر الاقتصادي المتوقع من فتح المعبر، أوضح السيد عمر في حديث لعنب بلدي، أن الأثر محدود نسبيًا، والأثر والدلالة السياسية له تفوق الأثر الاقتصادي.

ويرى الباحث أن أبرز المتضررين من هذا القرار هي الفصائل المسلحة في الشمال السوري التي كانت تدير عمليات التهريب، والميليشيات المسلحة من جانب النظام، فهذه الأطراف كانت مستفيدة من المعبر.

 

قد يستفيد المنتجون ولا سيما المزارعون على جانبي المعبر، من خلال تصدير الفائض الزراعي من مناطق سيطرة المعارضة إلى مناطق سيطرة النظام وبالعكس، وفي حال تم السماح بعبور المدنيين، قد يكون للمعبر أثر إنساني من خلال التواصل بين الأسر السورية على جانبي المعبر.

يحيى السيد عمر

باحث في الاقتصاد السياسي 

 

ويعد الأثر الاقتصادي جراء فتح المعبر بالنسبة لمناطق سيطرة المعارضة محدودًا أيضًا، وفق ما يراه الباحث السيد عمر، إذ يعتبر التعامل التجاري الأهم مع تركيا، وبالنسبة للنظام لا توجد منفعة كبرى، إلا إذا تمت الاستفادة من المعبر لنقل النفط من مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا إلى مناطق سيطرة النظام، وهو أمر مستبعد حاليًا، وفق رأيه.

ويرى الباحث السيد عمر أن البيئة السياسية في مناطق سيطرة المعارضة والنظام، والتي تتمثل بالعداء بين الطرفين، لا تعد داعمة لأي نشاط اقتصادي حقيقي، وهذا يظهر من خلال الاحتجاجات الشعبية في مناطق سيطرة المعارضة على فتح المعبر.

 تركيا مستفيدة

وحول المستفيد الأكبر، ترى الباحثة المساعدة بالشأن الاقتصادي في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” نجاح عبد الحليم، أن تركيا هي المستفيد الأكبر من إعادة فتح المعبر، إذ إن استئناف الحركة التجارية عبر المعبر سيسمح للشاحنات التركية بالمرور عبر المناطق الخاضعة لسيطرة النظام إلى الأردن ودول الخليج، بالتالي سيسهل عليها عمليات التصدير.

الباحثة عبد الحليم استبعدت تحقيق أي فوائد طويلة المدى أو رؤية انتعاش اقتصادي حقيقي في المنطقة خاصة في حال كانت إدارة المعبر في يد الفصائل العسكرية.

وقالت لعنب بلدي، إن البعض يرى أن إعادة فتح المعبر ستكون لها آثار إيجابية على مناطق الشمال السوري من الناحية الاقتصادية لما فيها من تشجيع للاستثمار وزيادة نشاط في حركة التجارة.

 

قد يكون بالفعل هناك زيادة في النشاط التجاري بمناطق الشمال، ولكن أستبعد تحقيق أي فوائد طويلة المدى أو رؤية انتعاش اقتصادي حقيقي في المنطقة خاصة في حال كانت إدارة المعبر بيد الفصائل العسكرية.

 نجاح عبد الحليم

باحثة مساعدة في الشأن الاقتصادي بمركز “حرمون للدراسات المعاصرة”

 

وأكدت الباحثة المساعدة أن معبر “أبو الزندين” واحد من أشهر نقاط التهريب الموجودة بين مناطق المعارضة والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام، ولكن إعادة فتحه بشكل رسمي قد تكون لها انعكاسات سلبية على مناطق الشمال من حيث دخول المخدرات وإغراقها بـ”الكبتاجون”.

وقد يستفيد النظام أيضًا من دخول الموارد من الشمال التي لا يستطيع استيرادها بسبب العجز الموجود بالنقد الأجنبي، كما أن استفادة النظام السياسية والمعنوية ستكون كبيرة، إذ تعتبر هذه الخطوة بمنزلة اعتراف شرعي به من المعارضة السورية، بحسب رأي نجاح عبد الحليم.

تطبيع اقتصادي بأولويات ثلاث

منذ كانون الأول 2022، انعطفت تركيا عن موقفها المناهض للنظام السوري، والممانع للتطبيع معه، وأطلق دبلوماسيون وساسة أتراك، منهم رئيس البلاد، تصريحات غازلوا فيها رئيس النظام السوري، بشار الأسد.

وخلال عام 2023، حاولت روسيا وإيران رعاية مفاوضات لتحقيق تقدم بمسار التقارب بين تركيا والنظام، لكن سقف المطالب المرتفع من الجانبين حال دون تحقيق أي تقدم في المسار.

الصحفي السوري المتخصص في الشؤون الاقتصادية زياد غصن، اعتبر في مقال رأي نشره موقع “الميادين” اللبناني، في 5 من تموز الحالي، أن إعادة العلاقات الاقتصادية بين تركيا والنظام السوري تعد من أبرز الملفات التي تشغل بال الطرفين، إلى جانب الملف الأساسي المتعلق بـ”توصيف الإرهاب والاتفاق على منظور موحد له”.

وقال غصن إن الاقتصاد سيكون وفق المؤشرات الأولية بوابة لتطبيع البلدين علاقاتهما الثنائية، معتبرًا أن فتح معبر “أبو الزندين” بريف حلب يمثّل معطى شديد الوضوح حيال المرحلة التي قطعتها المفاوضات السورية- التركية لاستئناف علاقاتهما، كذلك الأمر بالنسبة للصور الواردة من القامشلي، والمتضمنة القيام بإعادة تأهيل معبر “نصيبين” مع تركيا، وفق رأيه.

ويرى الصحفي السوري أن هناك ثلاث أولويات أساسية تهيمن حاليًا على تفكير المسؤولين الاقتصاديين في البلدين، هي إعادة تشغيل بعض المعابر الحدودية البرية، وما يمكن أن يشكّله ذلك من استئناف للتبادل التجاري بين البلدين أو لتجارة الترانزيت الإقليمية، ثم “زيادة التبادل التجاري الثنائي”، وكذلك العمل على ضمان حصة من “كعكة” إعادة الإعمار في سوريا، لكن هذه الأولوية قد تصطدم بالعقوبات الغربية على النظام، وتأخر التوافق الإقليمي والدولي على حل الأزمة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة