بانتظار المرحلة الأخيرة.. حكم قضائي فرنسي يتجاوز حصانة الأسد

  • 2024/07/07
  • 10:52 ص
رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال حضوره القمة العربية في جدة بالسعودية- 19 من أيار 2023 (العربية)

رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال حضوره القمة العربية في جدة بالسعودية- 19 من أيار 2023 (العربية)

عنب بلدي – جنى العيسى

مررت محكمة الاستئناف الفرنسية مذكرة التوقيف بحق رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بعدما قررت النيابة العامة الفرنسية الطعن بها، لتصل الآن إلى محكمة التمييز، وهي الدرجة الثالثة والأخيرة لتثبيت الحكم أو إلغائه.

وفي حال تثبيت الحكم من محكمة التمييز، ستكون هذه سابقة قضائية تتجاوز الحصانة الممنوحة لرؤساء الدول الذين لا يزالون على رأس وظيفتهم، وقد تلحقه خطوات أخرى مثل تعميم اسم الأسد لدى منظمة “الإنتربول” والدول الموقعة على اتفاقيات تسليم المطلوبين مع فرنسا.

أعلى سلطة قضائية: لا شكوك

في 2 من تموز الحالي، أعلنت النيابة العامة الفرنسية أنها قررت الطعن في مذكرة التوقيف بحق رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بشأن استخدامه الأسلحة الكيماوية في سوريا.

قرار الطعن جاء بعد أيام على قرار وصف بـ”الاستثنائي” صدّق بموجبه القضاء الفرنسي، في 26 من حزيران الماضي، على قرار توقيف بحق بشار الأسد، بشأن هجمات كيماوية في سوريا.

وانعقدت محكمة الاستئناف في العاصمة الفرنسية، باريس، لتحديد قرارها بالتصديق أو إلغاء مذكرة التوقيف بحق الأسد، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية، بعد أن نظرت غرفة التحقيق، في 15 من أيار الماضي، بطلب مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب في فرنسا، المتعلق بإلغاء هذه المذكرة باسم “الحصانة الشخصية” التي يتمتع بها رؤساء الدول في مناصبهم أمام المحاكم الأجنبية.

لكن مكتب المدعي العام لدى محكمة الاستئناف في باريس، أحال القضية إلى محكمة التمييز بغية الفصل “بمسألة قانونية” تتعلق بمذكرة التوقيف بحق الأسد، بحسب ما نقلته وكالة “فرانس برس“.

وقال مكتب المدعي العام، “لا نشكك في جوهر القضية ولا سيما وجود أدلة جدية أو ثابتة ضد بشار الأسد تجعل مشاركته محتملة في هجمات كيماوية، لكن من الضروري أن تنظر أعلى محكمة قضائية في الموقف الذي اتخذته غرفة التحقيق في محكمة الاستئناف بباريس، بشأن مسألة الحصانة الشخصية لرئيس دولة في منصبه، عن جرائم من هذا النوع”.

“كيماوي الغوطة” يحرك المحاسبة

تناول تحقيق قضاة من وحدة الجرائم ضد الإنسانية في محكمة باريس القضائية منذ عام 2021 التسلسل القيادي الذي أدى إلى هجمات كيماوية في 4 و5 من آب عام 2013 بعدرا ودوما قرب دمشق، وهجمات الـ21 من الشهر نفسه في الغوطة الشرقية، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص.

وأدت التحقيقات إلى إصدار أربع مذكرات توقيف في تشرين الثاني 2023، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية والتواطؤ في جرائم حرب.

واستهدفت المذكرات حينها، إلى جانب بشار الأسد، شقيقه ماهر الأسد، وعميدين آخرين هما غسان عباس، مدير “الفرع 450” التابع لمركز الدراسات والبحوث العلمية السورية، وبسام الحسن، مستشار الأسد للشؤون الإستراتيجية وضابط الاتصال بين القصر الرئاسي ومركز البحوث العلمية.

انتهاكات تسقط الحصانة

مذكرة التوقيف كانت بناء على شكوى جنائية قدمها “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” وناجون من المجزرة، وكانت هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها رئيس دولة في منصبه لمذكرة اعتقال في دولة أخرى، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وأفادت محاميتا الجهة المدعية كليمانس ويت وجان سولزر، بأن “الاعتراف بحسب ما يؤكده مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب، بأن بشار الأسد يستفيد من حصانة سيكون بمثابة تأمين حماية له من أي ملاحقة قضائية في فرنسا، وسيخلق حالة من الإفلات من العقاب”، بحسب “فرانس برس”.

واعتبرت المحاميتان أن “الخطورة غير العادية للوقائع التي تتمثل بارتكاب الأسد هجمات كيماوية متكررة ضد شعبه من ناحية، وصلابة ملف التحقيق الذي يثبت تورط النظام السوري في تلك الانتهاكات من ناحية أخرى، تعتبر أمورًا تدعو إلى اتخاذ قرار يسمح أخيرًا للضحايا الفرنسيين والسوريين بالوصول إلى العدالة”.

وكان قضاة التحقيق في فرنسا عندما أصدروا مذكرة التوقيف بحق الأسد، عللوا ذلك أن ارتكاب مثل تلك الجرائم كاستخدام الأسلحة الكيماوية، يجعل كل القوانين والأعراف المرتبطة بالحصانة تسقط.

نحو المرحلة الأخيرة

المحامي المختص بالقانون الجنائي الدولي المعتصم الكيلاني، قال لعنب بلدي، إن محكمة التمييز في باريس هي الدرجة الثالثة للتقاضي والأخيرة، وهي لا تختص بفحوى الدعوى أي ليس لديها اختصاص أن تقول إن بشار الأسد متواطئ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في استهداف الغوطة الشرقية، وهذا ما أقره قضاة التحقيق ومحكمة الاستئناف أيضًا.

وتختص محكمة التمييز، وفق ما أوضحه الكيلاني، بفحص صحة الإجراءات المتخذة أي فيما لو أن تخطي الحصانة الرئاسية الذي ارتكز عليه قضاة التحقيق وقضاة محكمة الاستئناف صحيحًا أم لا.

واستند القضاة في قرار تجاوز الحصانة إلى نقطتين رئيستين، الأولى أن الحصانة الرئاسية تمنح للرئيس وفق الوظائف الاعتيادية التي يمارسها، واستخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه ليس من الوظائف الاعتيادية، والثانية أن الأسد لن يحاكم في المحاكم الدولية أو السورية في استخدام السلاح الكيماوي، لذلك أخذت على عاتقها الاختصاص.

محكمة التمييز ستقول حكمها النهائي غير القابل للطعن والاستئناف فيما لو يجب تخطي الحصانة، وتثبيت قرار محكمة الاستئناف، أو إقرار أن تلك الحصانة موجودة، وبالتالي إلغاء صحة الإجراء الخاص ضد بشار الأسد ليبقى القرار يشمل ماهر الأسد والضابطين الآخرين فقط.

المعتصم الكيلاني

محامٍ مختص بالقانون الجنائي الدولي

كسر القواعد

اعتبر الكيلاني أن قرار محكمة الاستئناف في رد الطعن المقدم من مكتب المدعي العام في فرنسا عن صحة مذكرات التوقيف الصادرة عن قضاة التحقيق الفرنسيين، قرار تاريخي لأنه كسر عدة قواعد مهمة في القانون الدولي.

وفق القانون الدولي، تمنح الحصانة الرئاسية والحصانة الوظيفية للأشخاص القائمين على رأس عملهم، لذا فإن القرار سبق قضائي مهم كونه جزءًا أساسيًا يرتبط بموضوع مكافحة الإفلات من العقاب وكسر هذه القواعد التي تعتبر ثغرة قانونية كان يستفيد منها رؤساء عدة دول لضمان إفلاتهم من العقاب عبر عشرات السنوات.

عبر “الإنتربول”

وحول أثر القرار، يرى المحامي المعتصم الكيلاني أن للقرار أثرين مهمين على الملف الحقوقي في فرنسا والدول الغربية بشكل عام.

يتمثل الأثر الأول بتأكيد مبدأ أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وبالتالي لا بد من محاسبة مرتكبي هذه الجرائم.

بينما يبرز الأثر الثاني بأن القرار سيقف سدًا منيعًا تجاه التطبيع الحاصل اليوم مع النظام السوري، وسيؤكد أنه لا تطبيع مع مجرم حرب ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفق سبق قضائي من قضاء نزيه في إحدى الدول الرائدة بالعدالة على مستوى العالم.

بالنسبة للتبعات القانونية لهذا الموضوع، يرى الكيلاني أن القرار سيفرض تعميم اسم بشار الأسد والأسماء الثلاثة الباقية عبر “الإنتربول”، خاصة بالنسبة للدول الموقعة على اتفاقية تسليم المجرمين، كما ستطلب فرنسا من الدول الموقعة معها على اتفاقيات ثنائية مرتبطة بتسليم المجرمين والمشتبه بهم بارتكابهم الجرائم أن يقوموا بتسليم هؤلاء الأشخاص.

وفق ما وثقته “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، نفذ النظام السوري 217 هجومًا كيماويًا على مختلف المحافظات السورية، منذ أول استخدام موثق لهذا السلاح في 23 من كانون الأول 2012 حتى 7 من نيسان 2024، تسبَّبت فـي مقتل 1514 شخصًا بينهم 214 طفلًا و262 سيدة، إضافة إلى إصابة 11080 آخرين.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا