سوريات يلجأن للحجاب التركي للاندماج وتفادي العنصرية
عنب بلدي – ريم حمود
للاندماج في المجتمعات المضيفة للاجئين أو تجنب تعرضهم للتمييز السلبي عدة طرق، منها تعلم لغة البلد وإتقانها بالشكل الصحيح، أو الاعتياد على عادات البلد وتقاليده واحترامها، وهو ما لجأ إليه السوريون بعد الثورة السورية عام 2011.
وبالنسبة للسوريات المحجبات في تركيا خاصة، وجدن أنفسهن أمام منحى مختلف للاندماج بالمجتمع وكذلك لتجنّب التنمر، فالحجاب السوري لافت للنظر ويجعلهن معروفات بالمحيط، لاختلاف طريقة ارتدائه عن النساء التركيات، وهو ما دفع الكثيرات إلى ارتداء الحجاب التركي، على عكس ما حدث مع بعض السوريات اللاجئات في دول أوروبية، ممن قررن خلع الحجاب تفاديًا لأي “صعوبات” قد تواجههن تحت مسمى “التطرف”.
وبناء على ذلك، من الطبيعي أن ترى فتاة سورية ترتدي حجابًا وملابس تركية، حتى تظن أنها ابنة البلد، إذ لا يختلف مظهرها عن مظهر الفتيات التركيات المحجبات.
تغير النظرة
بدأت موجة لجوء السوريين إلى تركيا في 29 من نيسان عام 2011، عندما دخلت أول مجموعة مكونة من 253 شخصًا عبر معبر “يايلاداغ” في هاتاي، وتوالت موجات اللاجئين السوريين مع تدهور الأوضاع داخل سوريا، خاصة في الأعوام 2013 و2014 و2015، ليصل عدد اللاجئين في تركيا عام 2021 إلى نحو أربعة ملايين لاجئ تحت نظام “الحماية المؤقتة”، بحسب الإحصائيات الرسمية.
“في البداية كنت أضع الحجاب السوري، وكنت مقتنعة به منذ صغري ولم أفكر يومًا بتغيير طريقة لفّي للحجاب”، قالت ديانا لعنب بلدي، وهي فتاة سورية مقيمة في مدينة اسكندرون بهاتاي، غيرت نظرتها وأفكارها عن الحجاب التركي بعد الإقامة في تركيا لأكثر من عشر سنوات.
يتميز السوريون باختلاف أنماط وضع الحجاب، وهذا ما كان يجعل الفتيات أكثر ارتباطًا به، إضافة إلى أن بعض المحافظات السورية تشتهر بحجاب معيّن، فالفتيات الدمشقيات المحجبات يستعملن عادة الحجاب الأبيض (من قطعتين)، بينما تستعمل النساء من مدينة حلب الحجاب الأسود ويعتمد تثبيته على الدبابيس، أما الحجاب التركي فهو ملوّن أو مزخرف ويختلف بطريقة لفّه على الرقبة، إذ تعرف بالسهولة والبساطة، دون دبابيس.
طريقة لف الحجاب التركي السلسة تعتمد على طي طبقة صغيرة، ومن ثم وضعه من المنتصف على الرأس لتصبح أطواله الأخرى من الجانبين متساوية، ثم يربط من الوراء ليبقى على الظهر.
قالت ديانا، عند سؤالها عن سبب تغيير رأيها وارتدائها الحجاب التركي، إنه يشعرها أنها أكثر اندماجًا بالمجتمع التركي، وهذا ما ترغب به منذ عام 2013 عند لجوئها إلى تركيا قادمة من مدينة حلب.
وأوضحت ديانا (فضلت عدم ذكر اسمها الكامل لأسباب شخصية) أن معاملة المواطنين الأتراك للفتيات السوريات يختلف كثيرًا عندما يضعن حجابهن بالطريقة التركية، وعندما يرون ملابسهن وحجابهن مشابهة لطريقتهم يظهرون رد فعل مريحًا.
تابعت ديانا أنها في إحدى المرات كانت تعمل في محل ملابس، ولم تعلم الزبونة التركية بأنها سورية إلا عندما أخطأت بنطق كلمة أمامها في نهاية الحديث، وقالت، “أثار الأمر استغرابها بأنني لست تركية مبدية إعجابها بي وبقدرتي على النجاح في ذلك”.
الرغبة بالاندماج بالمجتمع عبر تغيير نمط الملابس كان هدفًا أساسيًا للشابة السورية حسناء الخالد أيضًا، إذ قالت لعنب بلدي، إن التحدث باللغة التركية بطلاقة لم يكن كافيًا لتحقيقها الاندماج مع محيطها في مدينة هاتاي حيث تقيم.
تفاديًا للمواقف العنصرية
كان لحسناء الخالد نصيبها من المواقف والنظرات العنصرية التي يعاني منها اللاجئون السوريون في تركيا، منها ما تعرضت لها خلال دراستها الجامعية من قبل بعض الطلاب والطالبات، لكون طريقة ارتدائها للحجاب تدل على هويتها السورية حتى لمن لم يتحدث معها.
قالت حسناء، “كنت أجلس مع صديقاتي السوريات في حديقة جامعتي (مصطفى كمال) بمدينة هاتاي، لنسمع حديث بعض الطالبات التركيات القادمات باتجاهنا وهن يتحدثن عن طريقة لباسنا غير المريحة أو اللائقة”، وأضافت أن هذا الموقف من أصعب ما عاشته من انتقادات عنصرية مستغربة، إذ وصل الأمر إلى وصف حجابها بأنه “سيئ المظهر”.
اتفقت ديانا وحسناء الخالد خلال حديثهما لعنب بلدي على أن نظرة الأتراك في الأماكن العامة والباصات دائمًا ما تختلف في حال كانت الفتاة ترتدي حجابها مثل التركيات، أما إن خرجت وهي تظهر بملابس سورية، فمن المحتمل جدًا تعرضها لنظرة غريبة من الشبان والشابات أيضًا لسرعة معرفة جنسيتها.
جمال الأقمشة التركية وطريقة وضع الحجاب السريعة والسهلة كانت سببًا إضافيًا دفع حسناء لارتدائه، خاصة أنه “جميل ومريح ومناسب لجميع الأماكن”، كما قالت.
كان الحجاب موضوعًا جدليًا في تركيا خلال العقود الأخيرة، وهي مشكلة عانت منها الفتيات منذ سنوات.
شهدت تركيا إقبالًا لافتًا نحو الحجاب في فترة الستينيات والسبعينيات، ما دفع الحكومة للتضييق عليه خوفًا من تحوله إلى رمز سياسي.
وصدرت عدة قرارات رسمية عام 1984 من البرلمان التركي، تقضي بمنع المحجبات من دخول الحرم الجامعي، ومنع توظيف أي فتاة محجبة في دوائر الدولة، وسط حوادث اعتداء على المحجبات.
وظل القرار ساريًا لسنوات عديدة رغم الاحتجاجات الشعبية، إلى حين تسلم حزب “العدالة والتنمية” الحكم عام 2008، الذي أصدر قرارًا يسمح فيه للجامعيات وموظفات الدولة بارتداء الحجاب.
وأجرى البرلمان تعديلًا دستوريًا على المادة الأولى والثانية من القانون رقم “5735“، بالإضافة إلى المواد رقم “4” و”8″ و”148″ من الدستور التركي، أبطل فيها أي قرار يحد من حرية المحجبات.
لتجنب الحديث مع الأتراك
يوجد أكثر من 3.1 مليون لاجئ سوري في تركيا تحت نظام “الحماية المؤقتة”، لا يتحدث بعضهم اللغة التركية بطلاقة، وتعتبر اللاجئة السورية ديانا (26 عامًا) من هذه الفئة التي تتوتر بعض الأوقات عند التحدث باللغة التركية.
لفتت ديانا إلى أنها عند السفر من مدينتها هاتاي إلى اسطنبول أو بورصة مرتدية الحجاب السوري، كانت تتعرض لأسئلة واستفسارات من أصحاب المحال والمطاعم كنوع من فتح الأحاديث التي تراها “غير ضرورية وتهدف للاستهزاء بها”، خاصة عند معرفتهم بعدم قدرتها على “ترتيب الجملة بشكل سليم”، واستمرارهم بالحديث والضحك، وسؤالهم لها لماذا لم تتعلمي اللغة التركية حتى الآن على الرغم من إقامتك في هذا البلد لأكثر من عشر سنوات.
مدينة هاتاي التي تقيم فيها الشابة السورية ديانا تُعرف بوجود الكثير من العرب والأتراك الذين يتحدثون العربية، وذلك لأصولهم السورية، وكان هذا من أكبر المعوقات أمامها لإتقان اللغة التركية، ولتجنب المواقف المحرجة وجدت بالحجاب التركي عند ضعف لغتها التركية قبل سنوات منقذًا لها، يبعد عنها الأشخاص العنصريين الذين قد يسخرون من عدم تعلمها اللغة التركية، كما قالت لعنب بلدي.
وبات التوجه لارتداء الحجاب التركي بالنسبة للسوريات أكثر من ظاهرة، بحسب حسناء الخالد، إذ ترى أن من الطبيعي أن تنتقل بعض عادات وتقاليد البلد المضيف لها، وخاصة أنها عاشت في تركيا أكثر من السنوات التي أمضتها في سوريا، لافتة إلى أنها لا ترى في ذلك شيئًا سلبيًا، خاصة أنه ينعكس بنتائج إيجابية عليها ويخلصها في كثير من الأوقات من مشكلات قد تتعرض لها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :