متوفون سوريون في ألمانيا.. ألم الوفاة تعمقه “لبكة” الدفن

  • 2024/07/07
  • 11:22 ص
متوفون سوريون في ألمانيا.. ألم الوفاة تعمقه "لبكة" الدفن

تختلف طقوس وأساليب الدفن في ألمانيا (imago/ focus)

عنب بلدي – حسن إبراهيم

“فوق الموت عصة قبر”، ينطبق هذا المثل الشعبي على حال السوريين في ألمانيا، فمن شعور الألم والحزن على فقد السوري لأحد من ذويه وأثر الفراغ الذي يتركه المتوفى، إلى عناء التفكير بآلية الدفن وشروطه وتكاليفه، في حين تكون الأعباء مضاعفة إذا أراد الشخص نقل الجثمان للدفن في سوريا.

في ألمانيا، حيث يقطن نحو مليون سوري، تتعدد إجراءات وطرق وأماكن الدفن، وتختلف رسومها باختلاف البلدية، ويشكل هذا الاختلاف والتنوع عائقًا أمام سوريين اعتادوا دفن موتاهم بطقوس وأساليب معينة، يضاف إليها رغبة بعضهم بالدفن في سوريا، على اختلاف مناطق السيطرة.

في تربة الوطن

في نيسان الماضي، توفيت والدة الشاب محمد بمدينة هامبورغ، تاركة وصية لابنها بأن تُدفن في مدينتها دمشق، اعتبرها الشاب أمانة يجب تنفيذها، خاصة أن ذكريات أمه في مدينة دمشق لم تكن تفارق لسانها، مرددًا قولها “ابني بس متت، ادفنوني بالشام”.

وقال الشاب لعنب بلدي، إنه لم يستوعب حجم المصاب الذي ألم به، واتصل بطبيب العائلة الذي بدوره أكد الوفاة، وأصدر تقريرًا من ثلاث نسخ، ليبدأ محمد بعدها بطرح الأسئلة على الأقارب ومجموعات التواصل الاجتماعي عن كيفية نقل جثمان والدته إلى دمشق، والإجراءات الواجب تنفيذها.

وبعد إجابات متشابهة حصل عليها محمد، تواصل مع شركة معنية بالدفن، وقدّم أوراقًا ثبوتية كانت بحوزة والدته، هي البطاقة الشخصية الألمانية وجواز السفر، وعقد الزواج والبطاقة الشخصية لوالده وجواز سفره.

وذكر أن الشركة توجهت إلى البلدية لاستخراج شهادة وفاة لوالدته، ثم إلى وزارة الصحة لاستخراج ما يسمى بجواز سفر خاص بالجثمان، ثم حجزت الشركة تذكرة طيران لنقل الجثمان إلى بيروت، ثم يتم نقل الجثمان عبر سيارة إلى سوريا، مع تخليص الإجراءات المطلوبة على الحدود اللبنانية- السورية، وذلك بتكلفة بلغت حتى الدفن 4100 يورو (اليورو يعادل 15800 ليرة سورية).

لم يستطع الشاب التعبير عن شعوره، لكنه اكتفى بوصف ما حل به بـ”النائبة” و”كسر الظهر”، مضيفًا أن مرحلة الإجراءات التي استمرت أربعة أيام وصولًا إلى الدفن، كانت مريرة عليه، وفيها “إرباك ولبكة” وأنه عاش فترة توتر “على أعصابه”.

أما ياسر المقيم في مدينة كولن فتوفي والده في أيلول 2023، واتبع إجراءات مشابهة، وتواصل مع شركة للدفن، أشرفت على إجراءات نقل الجثمان إلى مدينة حلب حيث دفن فيها، بتكلفة وصلت إلى 3800 يورو، لكن المدة كانت يومين فقط.

ودائمًا يطرح سوريون أسئلة على مجموعات تواصل في ألمانيا، تحمل تساؤلات عن طريقة نقل جثمان المتوفى إلى سوريا، وطلب التواصل مع شركات لها تجربة، والطلب من الأعضاء مشاركة تجاربهم سواء في عمليات الدفن أو نقل الوفيات.

مؤسسة “الأقصى” لدفن الموتى في ألمانيا، قالت لعنب بلدي، إن تكلفة نقل الجثمان إلى سوريا تبدأ من 4000 إلى 5000 يورو، حسب المنطقة.

رسوم تسجيل الوفاة

يتطلب تسجيل حالة الوفاة بالسفارة السورية في برلين عدة أوراق، هي إثبات شخصية سورية (جواز سفر سوري أصلي أو هوية سورية شخصية أصلية) مع نسختين عنها، وشهادة الوفاة الألمانية، على أن تكون مصدقة من الخارجية الألمانية، ونسخة عنها.

ومن الأوراق، جواز سفر الجثة (Leichenpass) لنقلها إلى سوريا، إذا لم يتم الدفن في ألمانيا، وشهادة طبية عن سبب الوفاة، ونسختان من شهادة الوفاة.

وذكرت السفارة على موقعها أن الوثائق يجب أن تكون جميعها أصلية ومصدقة من الخارجية الألمانية، وأن رسوم التسجيل القنصلي لمقدم المعاملة 50 يورو في حال لم يكن مسجلًا في السفارة.

وتبلغ رسوم تسجيل الوفاة 25 يورو في حال كان التسجيل ضمن المدة القانونية وهي تسعة أشهر، وفي حال تجاوزها، يدفع الشخص رسومًا 25 يورو مضافًا إليها غرامة 50 يورو، وفي حال مرور عام على واقعة الوفاة يحتاج الشخص إلى محضر وفاة ينفذ في السفارة، مع دفع رسوم بقيمة 50 يورو، و95 يورو غرامة.

اختلاف المقبرة والمنطقة

تنشط شركات ومؤسسات معنية بدفن الموتى في ألمانيا، سواء على الطريقة الإسلامية أو غيرها، وتقدم خدماتها بدءًا من حدوث الوفاة حتى الدفن، كما يوجد قسم من المقابر مخصص لدفن وفيات المسلمين.

عن كيفية الدفن على الطريقة الإسلامية في ألمانيا، قالت مؤسسة “الأقصى” لعنب بلدي، إنها تبدأ بإجراء معاملة الوفاة والتصريح بالدفن، وأخذ موعد من المقبرة، حسب رغبة الأهل في المقابر المخصص فيها قسم للمسلمين.

وتبدأ بعدها إجراءات تغسيل الميت والتكفين والصلاة والدفن، وفق الشريعة الإسلامية، وتتراوح المدة لأخذ موعد المقبرة من يومين إلى أربعة أيام، إذا لم تكن هناك عطلة رسمية.

وتختلف المقابر عن بعضها بضرورة وضع الجثمان في صندوق أو لا، كما تختلف بالرسوم التي تبدأ من 3000 يورو إلى 4500 يورو، وفق مؤسسة “الأقصى” التي ذكرت أن مدة القبر 20 عامًا قابلة للتجديد.

وتتعدد أنواع القبور في ألمانيا، وتلعب الرسوم ووصية المتوفى دورًا في تحديدها، إذ يجب على أهل المتوفى أن يدفعوا تكاليف الجنازة ورسوم القبر والدفن، وغيرها من تكاليف في حال وجود خدمات عناية بالقبر.

وهناك عوامل تؤثر أيضًا في مقدار رسوم المقبرة، فعلى سبيل المثال، إذا كانت هناك رغبة في إقامة مراسم جنازة في المقبرة، فسيتم فرض رسوم استخدام إضافية لقاعة الجنازة.

وحددت منظمة المستهلك في ألمانيا (Stiftung Warentest) التكاليف الإجمالية لرسوم المقابر، وتبدأ من 5830 يورو إلى 19740 يورو، وذلك تبعًا لاختلاف خدمات النعي والوثائق والجنازة وطريقة القبر وشاهدة القبر والتابوت.

وبسبب ارتفاع رسوم المقابر في السنوات الماضية، زاد التوجه لاختيار الدفن في الهواء الطلق، مثلًا كالدفن في الغابات، حيث يوجد أكثر من 100 غابة للدفن في العديد من مناطق ألمانيا.

بينما يعتبر الدفن في البحر أرخص الأنواع، وتبدأ التكلفة من 3859 يورو، وتزيد حسب البحر المراد الدفن فيه، أو في حال وجود مراسم جنازة.

الشرط الأساسي للدفن في البحر هو حرق الجثة في محرقة الجثث، ودفن الرماد فقط في البحر.

أعداد قليلة من أوروبا

ترتبط مناطق شمال غربي سوريا، حيث تسيطر المعارضة السورية، بمعابر حدودية مع تركيا، تستقبل السوريين في حالات مختلفة من زيارات وعودة طوعية وترحيل وتجار وحجاج وحتى وفيات.

مدير المكتب الإعلامي بمعبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، مازن علوش، قال لعنب بلدي، إن المعبر يستقبل حالات الوفاة الداخلة إلى الشمال السوري، دون فرز لمكان الحالة القادمة سواء من أوروبا أو من أي مكان.

وأوضح لعنب بلدي أن المعبر استقبل خلال عام 2023، 2814 جنازة (982 رجلًا و1091 طفلًا و741 امرأة)، منهم من المرضى الذين دخلوا وتوفوا في تركيا، ومنهم سوريون كانوا يقيمون في تركيا، ووفيات قليلة من خارج تركيا.

وذكر أن المعبر استقبل خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، 355 جنازة، كانت موزعة على 124 طفلًا و153 رجلًا و78 امرأة، لافتًا إلى أن نسبة الوفيات القادمة من أوروبا ضئيلة جدًا، وبالكاد تذكر.

وتصل الجنازة إلى المعبر عن طريق وزارة الصحة التركية، يستقبلها قسم في المعبر تابع لمكتب التنسيق الطبي اسمه قسم الجنازات، ولديه فريق مختص مع سيارات خاصة لنقل الجنازات.

ويتسلم قسم الجنازات جثمان المتوفى، وينقله من المعبر التركي إلى بوابة المعبر داخل الشمال السوري، كما أن ذوي المتوفى يكونون بانتظاره على بوابة المعبر، ثم يتسلمون الجثمان بعد أن يوقعوا على محضر تسلمه، بعدها ينقلونه إلى مكان الدفن.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع