أعلنت “هيئة تحرير الشام” صاحبة السيطرة العسكرية في إدلب عن تشكيل لجنة عليا لـ”ديوان المظالم”، مؤلفة من علي كده رئيسًا، وعضوية كل من إبراهيم شاشو وحسين السلامة، على أنه جهة لضمان الشفافية والنزاهة في التعاملات بين المؤسسات الحكومية والأهالي.
ثلاث شخصيات شغل بعضها مناصب في حكومة “الإنقاذ”، ولعب بعضها أدوارًا إلى جانب “هيئة تحرير الشام”، ترأس اليوم “ديوان المظالم” الذي يهدف إلى تعزيز العدالة وحماية حقوق الأفراد في المنطقة، فتحت الباب أمام تساؤلات عن إمكانية تلبية مطالب الأهالي، والجدوى من وجودها أمام تفرد “أبو محمد الجولاني” بالحكم في إدلب.
يعد تشكيل “ديوان المظالم” إحدى الخطوات في جملة إصلاحات أطلقتها “الإنقاذ” و”مجلس الشورى العام” و”الجولاني”، جاءت بناء على مخرجات اجتماع الأخير مع وجهاء من المنطقة في آذار الماضي، وسط احتجاجات تطالب بإسقاط “الجولاني” منذ مطلع العام الحالي.
ما “ديوان المظالم”؟
في 27 من حزيران الماضي، أعلنت “تحرير الشام” تشكيل لجنة عليا لـ”ديوان المظالم”، بهدف تعزيز العدالة وحماية حقوق الأفراد في المنطقة، وبعد أربعة أيام أجرت مؤتمرًا للتعريف به، حضرته عنب بلدي، في 1 من تموز الحالي.
رئيس الديوان، علي كده، كان قد شغل منصب رئيس حكومة “الإنقاذ” لمدة أربع سنوات من 2019 حتى كانون الثاني 2024.
وشغل إبراهيم شاشو منصب وزير العدل بحكومة “الإنقاذ” في 2017، وشغل بعدها منصب وزير الأوقاف والدعوة والإرشاد، قبل أن يخلفه حسام حاج حسين في المرحلة الرابعة من التشكيلة الحكومية في كانون الأول 2020.
وفي 13 من أيار الماضي، ترأس شاشو جهاز التفتيش القضائي بوزارة العدل في “الإنقاذ”، على خلفية مطالب المتظاهرين بالإفراج عن المعتقلين، وتبييض السجون، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.
علاقة مباشرة مع “الجولاني”
رئيس “ديوان المظالم”، علي كده، قال لعنب بلدي، إن الديوان يتألف من خمسة أقسام، هي مظالم حكومية، وأمنية، وعسكرية، واقتصادية، وقضائية، ويضم شخصيات لها خبرة إدارية وقضائية وعسكرية واسعة في الشمال، وهي مرجعية لأي حدث ممكن أن يحصل داخل المنطقة.
ومن المتوقع انطلاق عمل الديوان بعد 15 من تموز الحالي، عقب استكمال خطوات تجهيز المبنى واستكمال مكاتب الاستقبال والشكاوى والتحقيقات، وإجراء لقاءات مع جميع مسؤولي المؤسسات من حكومة وجهاز أمني وعسكري ومجلس قضائي واقتصادي، وكتابة مذكرات تفاهم لتحديد طريقة تواصل بشكل فعال.
وذكر كده أن الديوان له صلاحيات واسعة على كل الأجسام في المنطقة، وعلى علاقة مباشرة مع “قيادة المحرر” في إشارة إلى “أبو محمد الجولاني”، وسيحقق فعالية وسرعة في حل القضايا والمطالب التي يستقبلها من الأهالي.
ويتألف مبنى “ديوان المظالم” من خمسة طوابق، ويقع منتصف مدينة إدلب قرب مبنى مديرية التربية.
خلال المؤتمر، قال كده إن لكل شكوى فترة زمنية للنظر فيها، وفترة زمنية للبت فيها، والأمر يتوقف على نوع الشكوى، وإن هناك بعض الشكاوى قد تصل إلى تفرعات كثيرة، وبعضها يمكن حلها خلال ساعة.
وعن ضمان شفافية عمل “ديوان المظالم” قال إبراهيم شاشو، إن الديوان أُحدث لرد المظالم والحقوق وتعزيز العدالة بين الناس، وإن الشفافية ليست مسألة يمكن المزاودة عليها.
“أداة سياسية”
الباحث في الجماعات الجهادية والحركات الدينية عبد الرحمن الحاج، يرى أن “ديوان المظالم” أداة وظيفية لترسيخ سلطة “الجولاني”، معتبرًا أن “الديوان” سيمنح مجموعة من “الخطوط الخضراء” الخاصة به ليكون موضوعيًا، لكن في النهاية لديه “خطوط حمراء” أيضًا لن يتجاوزها.
وقال الحاج لعنب بلدي، إن فكرة “ديوان المظالم” في ظل سلطة حكم فردي سلطوي بحد ذاتها تجعل من “الجولاني” الخصم والحكم، فالجميع يعلم أن هؤلاء رجاله، ولا يوجد شيء اسمه قضاء مستقل.
ولا يعتقد الباحث أن الديوان خطوة متأخرة على الاحتجاجات المستمرة منذ شباط الماضي، والمطالبة بإسقاط “الجولاني” في إدلب، إنما على العكس، فهو خطوة تأتي تتويجًا لسلسلة مناورات قام بها “الجولاني” لتفكيك خصومه وإنهاء الأزمة التي دخل فيها.
وأضاف الحاج أن “الجولاني” لم يكن في نيته سابقًا مثل هذه الفكرة، لكنه وجد فيها فرصة لتصفية ما تبقى من مشكلات يعتمد عليها خصومه وطي صفحتها.
“ديوان المظالم” هو أداة سياسية لترسيخ السلطة بالنسبة لـ”الجولاني”، وليس أداة لترسيخ سلطة القانون وتحقيق العدالة
د.عبد الرحمن الحاج باحث في الجماعات الجهادية والحركات الدينية |
خيوط اللعبة بيد “الجولاني”
تسيطر “الإنقاذ” المؤلفة من 11 وزارة على مفاصل الحياة في محافظة إدلب وريف حماة الشمالي، وجزء من ريف حلب الغربي، خدميًا وإداريًا.
وتسيطر “تحرير الشام” على المنطقة بشكل غير مباشر اقتصاديًا وخدميًا، وترافق ذلك مع اتهامات بوقوف “الهيئة” خلف عديد من المشاريع التي وُصفت بـ”الاحتكارية“.
ومنذ شباط الماضي، تتواصل الاحتجاجات الشعبية السلمية في مناطق متفرقة من إدلب وريفها وريف حلب، للمطالبة بإسقاط “الجولاني” وتبييض السجون في المنطقة وإطلاق المعتقلين.
وأطلقت “الهيئة” و”الإنقاذ” عدة وعود وإصلاحات، منها عفو عام بشروط واستثناءات، وتشكيل لجان للاستماع إلى الأهالي، وإلغاء رسوم عن الأبنية وإعفاء جزء منها وفق شروط، لكن ذلك لم يمنع من خروج المظاهرات.
واعتبر متظاهرون أن هذه الإصلاحات “شكلية وفي القشور” ولا تلبي مطلبهم، وفيها التفاف على المطلب الأساسي.
وأوضح باحثون وخبراء في الحوكمة خلال ملف سابق أعدته عنب بلدي، أنه يمكن تجاوزًا وصف منظومة الحكم بشكل عام في إدلب بأنها نظام رئاسي في كل القنوات التنفيذية والتشريعية والعسكرية، مردها إلى عصب “أبو محمد الجولاني”، الذي يحاول من جهته أن يبني هذه السلطات، ويتضح أنه يمسك خيوط اللعبة بشكل كامل من ناحية اتخاذ القرار.