كيف يضر التقارب السوري- التركي بـ”الإدارة الذاتية”
ترفض “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا أي تقارب بين تركيا والنظام السوري، معتبرة أن ذلك يستهدف مشروعها ومكتسباتها التي حققتها في سوريا بدعم أمريكي على مرور السنوات الماضية.
وبعد أن أبدى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، استعداده للقاء رئيس النظام السوري وإعادة مسار التقارب مجددًا، هاجمت “الإدارة” الخطوة، وقالت عبر بيان إنها “ضد مصلحة السوريين عامة وتكريس للتقسيم وتآمر على وحدة سوريا وشعبها”.
وأضافت “الإدارة”، وهي العباءة السياسية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، عبر بيان رسمي، أن الاتفاق مع تركيا “لن يحقق أي نتائج إيجابية بل سيؤدي لتأزيم الواقع السوري ونشر المزيد من الفوضى وسيكون دعمًا لكل من دعمتهم تركيا وفي مقدمتهم تنظيم الدولة الإسلامية”، على حد قولها.
واعتبرت أن مصالحة النظام مع تركيا إن نجحت ستكون “مؤامرة كبيرة ضد الشعب السوري بكل أطيافه (…) وخطوة سلبية جديدة لمناطق سوريا وخرقًا علنيًا لسيادتها”.
ومن مصالح تركيا الأساسية في التقارب مع النظام استهداف مشروع “الإدارة”، إذ سبق وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في 25 من حزيران الماضي، “نرى أن عودة اللاجئين مهمة، ونحن نعتقد أن سوريا، إذا اندمجت حكومتها ومعارضتها ستكون لاعبًا مهمًا في الحرب ضد إرهاب حزب العمال الكردستاني (في إشارة إلى “قسد”)”.
يستهدف “الإدارة الذاتية”
مر مسار التقارب السوري- التركي، الذي بدأ منذ نهاية 2021، بوتيرة متذبذبة، ولم ير النور بسبب ارتفاع سقف مطالب الطرفين على طاولة المفاوضات.
وبينما كانت دمشق تشترط الانسحاب التركي من الشمال السوري، ترفض أنقرة ذلك ووضع أي شروط مسبقة، وتوجه مطالبها للتضييق على المنظمات الكردية المدرجة على “لوائح الإرهاب” لديها، والمنضوية تحت راية “قسد”.
يرى الباحث المتخصص في شؤون فواعل ما دون الدولة بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، أسامة شيخ علي، أن المسار الذي وافقت تركيا على إطلاقه يستهدف بشكل رئيس مشروع “الإدارة الذاتية” المدعوم أمريكيًا شمال شرقي سوريا.
وفي الوقت نفسه، قلل الباحث من فرص ترك هذا المسار لأثر على خارطة الأحداث السورية، معتبرًا أن النظام لا يملك قدرة على إحداث تغيير في هذا الملف بالتالي لن تصل الخطوة لنتيجة.
ووفق الباحث، تستهدف تركيا “قسد” عبر مطالبها بتوسيع اتفاقية “أضنة” التي تسمح بتغلغل قواتها في سوريا لخمسة كيلومترات، إلى 30 كيلومترًا، وهو ما يرفضه النظام باستمرار.
من خلال توسيع الاتفاقية، تحاول أنقرة التضييق على “الإدارة”، لكن حدوث ذلك من عدمه يعتمد بشكل رئيس على قبول النظام للطرح التركي، وهو ما استبعده الباحث.
وسبق أن شنت تركيا ثلاث عمليات داخل سوريا، إلى جانب فصائل المعارضة، اثنتان منها ضد “قسد” وجماعات مقربة منها، في عفرين ورأس العين وتل أبيض، وتلوح بشكل مستمر بعمليات جديدة في شمال شرقي سوريا.
ولطالما اصطدم مسار التقارب التركي مع النظام السوري، بعديد من العقبات التي تجسدها ملفات عالقة بين الطرفين راكمتها سنوات الخصومة السياسية لأكثر من 12 عامًا، حين اصطفت أنقرة إلى جانب الثورة السورية المطالبة بتغيير سياسي في سوريا، في 2011، واستقبلت على أراضيها أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري.
خيارات “الإدارة” محدودة
بناءً على التجربة السابقة، لم يكن بمخزون “الإدارة الذاتية” وجناحها العسكري “قسد” سوى تعليق آمالها على الوجود الأمريكي في سوريا بمناطق سيطرتها، واقتصرت خطواتها في هذا الصدد على البيانات والإدانات ومهاجمة الأطراف المنخرطة في مسار التقارب.
يعتقد الباحث أسامة شيخ علي أن خيارات “الإدارة” كانت محدودة خلال المسار مسار التقارب.
ووفق الباحث رغم محدودية هذه الخيارات، قد تكون فعالة في حال وجود إرادة حقيقية لدى صناع القرار في “الإدارة الذاتية” كاتخاذ خطوات نحو “مصالحة شاملة” مع مكونات المنطقة، بناءً من تحقيق اتفاق مع “المجلس الوطني الكردي” (أحد أعضاء الائتلاف الوطني المعارض، ويلقى قبولًا من تركيا)، والمكونات السياسية والاجتماعية بالمنطقة.
أيضًا يرى شيخ علي أن تحديد موقف جدي من النظام السوري من قبل صناع القرار في “الإدارة” يعتبر عاملًا مهمًا، إلى جانب الدخول في مسار حوار حقيقي مع المعارضة، يمكن أن يكون عاملًا مهمًا يجنبها القادم.
وبناء على التوجه العام لـ”الإدارة الذاتية”، يرى الباحث أن الأخيرة غير متجهة لاتخاذ خطوات من هذا النوع، خصوصًا مع تذبذب موقفها من النظام السوري بين المؤيد والمعارض له، والمحايد أحيانًا، وعدم استعدادها لإقامة حوار حقيقي مع الأطراف.
اليوم الثلاثاء 2 من تموز، دعا “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، وهو المظلة السياسية لـ”الإدارة الذاتية” و”قسد”، المعارضة السورية للحوار، للمرة الثانية خلال نحو شهر، إذ سبق ووجه دعوة مماثلة، في 4 من حزيران الماضي، لكنه لم يوفر دعواته للهجوم على تركيا، حليفة المعارضة.
في حالة لا اعتراف
منذ سنوات، تقف “الإدارة الذاتية” عاجزة عن الحصول على اعتراف دولي، في ظل حالة الحرب المفتوحة التي تعيشها مع تركيا، وفصائل المعارضة السورية، والضغط الذي يمارسه النظام السوري عليها من جهة أخرى.
وسبق أن حاولت الانخراط بمسارات سياسية، لكن اعتراض أنقرة أبقاها خارج المعادلة السياسية على مدار السنوات.
وبينما تنظر الدول المنخرطة بعمليات سياسية كضامن، أو مراقب، في سوريا إلى الأحداث الدائرة على أنها “صراع” بين طرفين هما المعارضة والنظام، تبقى “الإدارة الذاتية” خارج هذه المعادلة، إذ ينظر لها على أنها شريك التحالف الدولي في محاربة تنظيم “الدولة” شرقي سوريا فقط.
وفي عام 2017، قالت وكالة “إنترفاكس” الروسية، إن “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، وهي الجناح العسكري لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي” (PYD) ويشكل عماد “الإدارة الذاتية”، تود المشاركة في مؤتمر “الحوار الوطني” بمدينة سوتشي الروسية.
عقب حديث الوكالة الروسية، عن رغبة “الوحدات” بحضور “سوتشي” وجهت روسيا دعوة لها للحصول، لكن تركيا رفضت وفق ما قاله المتحدث باسم الرئاسة التركية الأسبق، إبراهيم كالن، حينها.
وترى تركيا أن “الإدارة الذاتية” وجناحها العسكري “قسد” يشكلان امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” المدرج على “لوائح إرهاب” تركية وأمريكية وأوروبية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :