جريدة عنب بلدي – العدد 54 – الأحد – 3-3-2013
يتحدث النظام الداخلي للمجلس المحلي في بنيته التنظيمية عن مجلس رئاسي مكون من ثلاثة أفراد (رئيس ونائب رئيس وأمين سر) ومن عشرة مكاتب هي (الإعلامي- الإغاثي- الطبي- العلاقات العامة- القانوني الشرعي- الحراك السلمي- الخدمات- المالي- لجان الأحياء – العسكري).
ويتألف المكتب التنفيذي من ثلاثة عشر عضوًا هم أعضاء المجلس الرئاسي ومدراء المكاتب، حيث تتم الانتخابات كل ثلاثة أشهر حسب النظام الداخلي. ولايُسمح لأي مدير مكتب أو أي عضو من أعضاء الرئاسة بأن يترشحوا لأكثر من دورتين إنتخابيتين متتاليتين في نفس المنصب.
هذا مانص عليه دستور المجلس، فهل كان الأداء على أرض الواقع منسجمًا مع نصوصه؟!
كانت انطلاقة المجلس المحلي بتاريخ 7/10/2012 وبدأت الحرب في داريا بتاريخ 8/11/2012، أي بعد شهر تمامًا من بدء التجربة. حيث وجد فيها المجلس المحلي نفسه أمام تحديات كبيرة وحرب ضروس، استعمل فيها النظام كل ماتوفر عنده من أسلحة لوأد الثورة وكسر شوكة الجيش الحر. وكان للمجلس المحلي دور رائد في إدارة المعركة عبر أعضائه في المكتب العسكري، وأيضًا دور كبير في جلب الدعم اللازم لاستمرار الصمود، وإيصال الصورة القريبة للواقع من خلال المكاتب الأخرى (الإعلامي والطبي والمالي والعلاقات العامة وغيرها). واستطاع المجلس أن يكون حاضرًا بقوة في المحافل السياسية، عبر ممثلين موجودين في أكثر من عشرة دولة عربية وأجنبية، وعبر شباب يعملون في مواقع حساسة في التشكيلات المعارضة (الائتلاف والمجلس الوطني خصوصًا). وأصبح اسم داريا وصمود شبابها والكتائب العاملة فيها من مدينة المعضميةوكفرسوسة والمزة، مثار إعجاب كبير للمراقبين في الداخل والخارج.
ولأول مرة في تجربة ثورية محلية، يكون القرار السياسي والعسكري بيد المكتب التنفيذي المنتخب من الهيئات العامة للمكاتب. ولأول مرة يكون العسكر (الجيش الحر) تحت سلطة القرار المأخوذ بشكل ديمقراطي (بالأغلبية). ويحاول المجلس تفعيل هذه الآلية في جميع مكاتبه، رغم كل التحديات الاجتماعية والثقافية، ورغم عقود طويلة من الجهل وثقافة الاستبداد وعدم احترام التعددية والرأي المخالف.
كما يسعى المجلس المحلي أن يعكس مدى حرصه على أملاك الناس وأمنهم، من خلال تشكليه لجهاز شرطة مدنية وعسكرية، ويحاول جاهدًا ردع المخالفين والمتجاوزين للقانون، والمستغلين للفراغ الأمني الذي خلّفه النظام والحرب الدائرة منذ أكثر من مائة يوم، ويقوم على أساس نظري أنه: لا أحد فوق القانون، والعدل هو أساس الملك، وإن لم يستطع في (حالات محددة) محاسبة بعض المخالفين على عدة مستويات، لأسباب تعود لضغط المعركة والظرف الميداني الصعب.
ونذكر أنّ المكتب التنفيذي قرر تفعيل «حكومة أزمة» تتولى إدارة العمل المطلوب منها، حتى تتغلب على الروتين وتسرّع اتخاذ القرارات، ولكن يستمر المكتب بغالب أعضائه بالتشاور في الأمور كلها للتوصل لأفضل نتيجة وأفضل عمل. كما أنه وبعد انتهاء ولايته الأولى، وبالرغم من ظروف المعركة القاسية وعدم وجود الكثير من كوادره في المدينة، إلاّ أنه قدم رؤية جديدةحول توسيع المجلس وهيئات مكاتبه، ووضع آلية انتخاب تتناسب مع ظروف المعركة وتضمن استمرار العمل بأفضل صورة، إلاّ أنّ الهيئة العامة للمجلس قررت وبالأغلبية التمديد للمكتب التنفيذي الحالي لمدة انتخابية جديدة، على أن يستكمل المكتب أعضاءه ويستمر في ضم الأشخاص الفاعلين.
حتى في المجال العسكري؛ يحاول المكتب العسكري (العاشر) أن يكون عمله ممأسسًا وبعيدًا عن عمل الميليشيات، فسياسية توزيع العناصر المسلحة على الجبهات لا تتبع لانتماء معين، بل تمليها الظروف الموضوعية للمعركة، وكذلك يسعى الفريق العسكري أن يعمل على هيكليّة إدارية وتنظيمية قريبة من الهيكليّات التي تعرفها الجيوش النظامية.
إنّ المجلس المحلي لمدنية داريا، كان وعلى مدى أربعة شهور خلت، عنصرًا أساسيًا ومهمًا من عناصر الصمود والعمل الجماعي في المدينة، وهو يسابق الزمن في سبيل تحقيق مشروعه المؤسساتي الديمقراطي وسلطاته البديلة، حتى يضمن أكبر قدر ممكن من الاستقرار وسلاسة المرحلة الانتقالية بعد انفراج الأزمة، غير متناسين لكل الصعوبات الموجودة على الطريق، ومع الشكر الجزيل لكل القوى الأخرى المساهمة بشكل أساسي أو بشكل ثانوي في صمود داريا؛ مدينة العنب والدم.