“أقسم بالله لدي (كملك) لكنني نسيته في المنزل”، هذه العبارة سمعتها المحامية السورية وعد القاضي على لسان لاجئة سورية أوقفتها الشرطة بحضورها، إذ كانت اللاجئة تحاول إثبات إقامتها بطريقة قانونية في مدينة غازي عينتاب.
تركز تركيا في الحملة الأمنية الحالية على مدينة غازي عينتاب جنوبي تركيا، وهي تعتبر المدينة الثانية بعد اسطنبول من حيث عدد السوريين الخاضعين لنظام “الحماية المؤقتة” في تركيا، إذ تضم أكثر من 429 ألف سوري.
وظهرت الشوارع المكتظة عادة شبه خالية، بسبب خشية السوريين الخروج من منازلهم والتنقل كما هو معتاد في المدينة.
الحملة الأمنية وانتشار سيارات وعناصر الشرطة التركية ضاعفت من قلق السوريين المخالفين وحملة أوراق الإقامة النظامية، خصوصًا مع تداول معلومات عن ترحيل أشخاص لديهم بطاقة “الحماية المؤقتة” (الكملك) بسبب نسيانها في أثناء خروجهم من المنزل، وهذا ما أكده شهود عيان على الحوادث لعنب بلدي.
توقيف رغم وجود “الكملك”
محاولات الشابة السورية بإقناع الشرطي رؤية صورة “الكملك” على هاتفها أو الذهاب للمنزل الذي لا يبعد إلا دقائق عن المكان الذي أوقفتها الدورية فيه لإحضاره باءت بالفشل، وفق ما قالته المحامية وعد القاضي لعنب بلدي، والتي كانت موجودة ضمن الشارع نفسه.
وبحسب حديث المحامية، حاولت الشابة في نهاية المطاف استعطاف عناصر الشرطة، وهي تؤكد لهم أن أطفالها في المنزل لوحدهم، لكنهم رفضوا تركها أو مرافقتها لإحضار (الكملك)، وقاموا بأخذها في سيارتهم بهدف ترحيلها إلى سوريا.
بعد فقدان الأمل من تركها، أوصت الفتاة شابًا كان يرافقها العناية بأطفالها وأخذهم إلى منزله، وفق وعد.
وتابعت القاضي أن حالة الفتاة وملامحها كانت “توجع القلب”، مشيرة إلى أنه وفق معرفتها، هذه المرة الأولى التي ترفض الشرطة التركية في مدينة غازي عينتاب مشاهدة “الكملك” عبر الهاتف، إذ إن أغلبية اللاجئين بالمنطقة لا يحملون “الكملك” معهم لحجمه الكبير.
محامٍ متابع للوضع الأمني بالمنطقة ومقيم في مدينة غازي عينتاب (فضل عدم ذكر اسمه لمخاوف أمنية)، قال لعنب بلدي، إن الحملة تهدف لإلقاء القبض على المهاجرين “غير الشرعيين” فقط.
وتابع أن الحملة الأمنية التي تعمل عليها السلطات التركية بغازي عينتاب بدأت قبل نحو خمسة أيام، ولم ترحل السلطات التركية أي لاجئ يحمل أوراقًا ثبوتية نظامية تسمح له بالإقامة في المدينة، وفق حديثه.
الشوارع فارغة
المخاوف من الحملة والتدقيق منعت اللاجئين السوريين الخاضعين لـ”الحماية المؤقتة” من التجول في المدينة، إذ قالت اللاجئة السورية دعاء (فضلت عدم ذكر اسمها الكامل لمخاوف أمنية) إنها تحمل “الكملك” التابع للمدينة نفسها، لكنها لا تجرؤ على الخروج إلى الشارع أو المحال القريبة حتى لشراء بعض المستلزمات المنزلية، خوفًا من تعرضها للترحيل، أو اختلاق عناصر الشرطة لأي حجة تسهل عليهم ذلك.
تابعت دعاء لعنب بلدي، أنها لزمت المنزل قبل أربعة أيام، وأن جارتها التركية في البناء نفسه تهتم بمتطلباتها وتسألها عن احتياجاتها لإحضارها من السوق، مشيرة إلى أن ما رأته الشابة من المواقف الإنسانية من جارتها لن تنساها، إذ لم تكن تتوقع منها كل هذا الاهتمام، خصوصًا أنها ليست مجبرة على الاطمئنان عنها في كل يوم، وفق حديثها.
في الوقت نفسه، انتشرت خلال الأيام الماضية مبادرات من سوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، تستهدف الأشخاص غير القادرين على الخروج من المنزل، وذلك بغرض مساعدتهم بتأمين جميع مستلزماتهم، في الوقت الذي تبدو شوارع مدينة غازي عينتاب فارغة من السكان.
وتستمر الحملة الأمنية في المدينة، بالتزامن مع موجة اعتداءات على ممتلكات السوريين في مدن تركية عدة بدأت من مدينة قيصري في 30 من حزيران الماضي ثم تراجعت وتيرتها.
الاعتداءات جاءت بعد انتشار معلومة مغلوطة عن اعتداء لاجئ سوري على طفلة تركية تبلغ من العمر خمسة أعوام، قبل أن تؤكد ولاية قيصري في بيان لها عبر “إكس“، أن الطفلة سورية الجنسية وهي قريبة الشاب الذي يعاني من مشكلات عقلية.
وأثارت الحادثة حالة غضب واحتجاجات بالشمال السوري، ردًا على أعمال العنف ضد السوريين، لتمتد الاعتداءات والمظاهرات المطالبة برحيل اللاجئين السوريين إلى مدن تركية أخرى، منها اسطنبول وغازي عينتاب وكلس وأورفا وبورصة وهاتاي.
خروقات لقانون “الحماية المؤقتة”
يحمل قانون “الحماية المؤقتة“، الذي أقر في نيسان 2014، بنودًا تصب في حماية اللاجئين المقيمين في البلاد وإدارة ملف اللاجئين، أبرزها “عدم الإعادة القسرية”، لكنه البند الأبرز الذي يُخرق بشكل متكرر منذ أكثر من عامين.
وبحسب تاريخ إقرار القانون الذي يقيم بموجبه أكثر من 3.1 مليون سوري، وفق الإحصائيات الرسمية، إلا أنه لا يزال غير واضح، وتحدث خروقات عدة يصنفها البعض بأنها “أخطاء فردية”، عدا عن تحول اللاجئين السوريين لمادة للسياسة الداخلية التركية.
الترحيل القسري يخالف الحقوق الأساسية للاجئين السوريين، وبموجب “القانون الدولي العرفي”، يمنع مبدأ “عدم الإعادة القسرية” أي دولة مضيفة من إعادة أي شخص إلى بلده، سواء كان طالب لجوء أو حاصلًا على اللجوء، دون الأخذ بعين الاعتبار إن كان قد دخل إلى هذه الدولة بشكل قانوني أو غير قانوني.
بناء على القانون الدولي، تُعتبر عملية إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم انتهاكًا للقانون الدولي، ولاتفاقية اللاجئين لعام 1951 التي تعد الدولة التركية طرفًا فيها.
تنص المادة رقم “33” من اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين على أنه “لا يجوز لأي دولة متعاقدة أن تطرد لاجئًا، أو أن تعيده قسرًا بأي صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معيّنة، أو بسبب آرائه السياسية”.
25 نقطة “هجرة متنقلة”
بموازاة الحملة الأمنية، أعلن وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، عن توسيع السلطات التركية مكافحتها للهجرة “غير الشرعية” في مدينة غازي عنتاب.
تصريحات الوزير أعقبت اجتماعًا تقنيًا في المدينة يوم 29 من حزيران الماضي، مشيرًا إلى زيادة عدد مركبات نقاط “الهجرة المتنقلة” إلى 25 نقطة، وذلك لأن السلطات التركية تبذل جهودًا مكثفة في المدينة.
وتابع علي يرلي كايا أن تركيا تتبع نهج أكثر تنظيمًا واستقرارًا لمكافحة الهجرة “غير الشرعية” مع وضع خطط مشابهة في مدن أخرى منها مدينتا شانلي أورفا وكلس، وفق ما نقلته صحيفة “Gaziantep oluşum” المحلية التركية.
وتعرف تركيا المهاجرين “غير النظاميين” بـ”الأشخاص الذين يدخلون البلاد بشكل غير قانوني والذين لم يغادروا البلاد بالرغم من انتهاء مدة إقامتهم”.
تتوزع نقاط “الهجرة التركية” في الأماكن العامة والمنتزهات والشواطئ وعلى الطرقات، وتتكون من غرفة متنقلة أشبه بـ”الكرفانة” مثبتة على شاحنة، وتضم العديد من موظفي دائرة الهجرة التركية العاملين فيها، مهمتها الأساسية تفقد أوراق المهاجرين.
وعند الاستعلام من عناصر الشرطة عن بطاقة “الحماية المؤقتة” (الكملك) أو الإقامة للشخص في عمليات التفتيش، يدعى إلى نقطة التفتيش القريبة في حال لم يكن يحمل أوراقًا ثبوتية تابعة للدولة التركية تمنحه الحق بالإقامة فيها، وهذا الذي لم يحصل مع الشابة السورية التي تحدثت المحامية وعد القاضي لعنب بلدي عن قصتها، إذ لم تحول إلى نقطة الهجرة التركية، بل ألقي القبض عليها بغرض الترحيل.
ويقيم في تركيا ثلاثة ملايين و112 ألفًا و683 لاجئًا سوريًا خاضعين لنظام “الحماية المؤقتة”، بحسب أحدث إحصائية صادرة عن رئاسة الهجرة التركية في 27 من حزيران الماضي.
اقرأ أيضًا: ترحيل السوريين من تركيا.. من ورقة انتخابية إلى نهج دولة