انفجار جنوبي لبنان.. الأسد حاضر دون أدوات

  • 2024/06/30
  • 12:54 م

حسام المحمود | يامن المغربي | حسن إبراهيم

أفاق العالم والشرق الأوسط، في 7 من تشرين الأول 2023، على طبول حرب تقرع في قطاع غزة، تحولت مع مرور الوقت إلى أمر واقع، ولم توقفها المساعي الأمريكية والوساطة القطرية والمصرية، والاستنكارات وبيانات التنديد والقمم والمؤتمرات التي انعقدت في هذا الصدد.

وفي الوقت الذي لا تزال فيه إسرائيل منخرطة بحربها في القطاع المحاصر، تتجه الأنظار نحو احتمالية نشوب حرب أخرى، فانخراط “حزب الله” اللبناني في حرب غزة، عبر فتح “جبهة إسناد” تتجلى بمناوشات يومية وقصف متبادل محدود مع إسرائيل، يشترط “الحزب” وقف إطلاق النار في غزة لإيقافه، دفع إسرائيل للتلويح بحرب أخرى لإسكات الجبهة الشمالية.

“حزب الله” يتمسك بشرط وقف إطلاق النار في غزة، وهو مطلب دولي لم يتحقق باتفاق حركة “حماس” وإسرائيل على وقف القتال، وإسرائيل تمعن بالتهديد بالذهاب إلى الجنوب اللبناني، والوساطة التي ترعاها واشنطن متعثرة، ولم تحقق النتيجة المطلوبة على الأرض.

وإذا كان موقف النظام السوري في الحرب الأولى مقتصرًا على التنديد، فالمعطيات والوقائع قد تفرض نفسها بشكل مختلف على الجبهة الجديدة المحتملة، دون ما يؤكد أو ينفي أين سيقف النظام السوري من حرب “حزب الله” في حال نشوبها.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف، مع باحثين ومحللين سياسيين، خيارات النظام السوري في التعامل مع هذا التهديد الإقليمي الجديد، والأدوار التي يمكن أن تكون منوطة به إذا اندلعت الحرب، وطبيعة العلاقة مع “حزب الله” والآثار التي يمكن أن يتركها الصراع المحتمل على سوريا، والحدود التي يمكن أن يقف عندها.

ملامح غير مبشرة

منحت دعوات بعض الدول المتعاقبة، كالكويت وكندا ثم الأردن، رعاياها لتجنب السفر إلى لبنان، مؤشرًا آخر على ارتفاع منسوب الخطورة وتجلي ملامح حرب مقبلة بدأت إسرائيل تحشد لها على حدود لبنان الجنوبية، متمسكة في الوقت نفسه بالتصريحات التي ترجح كفة الحلول الدبلوماسية.

ومن أبرز التصريحات في هذا الإطار، ما جاء على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، الذي قال، في 26 من حزيران الحالي، إن إسرائيل قادرة على إعادة لبنان إلى “العصر الحجري” في أي حرب مع “حزب الله”، موضحًا أن حكومته تفضل الحل الدبلوماسي الذي تسعى إليه الولايات المتحدة.

كما تدفع واشنطن نحو دور قطري أشبه بالوساطة عبر إرسال موفد قطري إلى لبنان للقاء قيادات من “حزب الله” وحركة “أمل” وقادة أمنيين، للبحث في إمكانية خفض التصعيد على الجبهة الجنوبية.

وتأتي الزيارة بتنسيق مع الإدارة الأمريكية التي طلبت من الدوحة بذل مساعٍ في هذا الشأن، بعدما كان البحث فيه قد بدأ مع المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب، علي حسن خليل، الذي زار قطر مرتين مؤخرًا.

وتعول الإدارة الأمريكية على أن الضغط القطري على “حماس” لقبول المقترح الأمريكي لإنهاء الحرب في غزة، إذا ترافق مع تدخل قطري أكبر على الساحة اللبنانية، وتحديدًا مع “حزب الله”، يمكن أن يحدث خرقًا يمنع الذهاب إلى حرب شاملة، وفق ما نقلته نشرته صحيفة “الأخبار” اللبنانية.

وبحسب ما نشرته الصحيفة، في 27 من حزيران الحالي، فإن معظم السفارات الغربية وخصوصًا الأوروبية، أجرت مسحًا على طول الشواطئ اللبنانية واستكشفت المنافذ البحرية التي يمكن إجلاء رعاياها عبرها، في حال توسع الحرب في الجنوب.

قبل هذه التحركات وخلالها وبعدها، يتواصل القصف المتبادل بين “حزب الله” وإسرائيل، ملحقًا تدميرًا في مواقع عسكرية إسرائيلية قريبة من الحدود، لترد إسرائيل بقصف أو استهداف مباشر لسيارات وشخصيات محددة من “حزب الله”، كان أبرزها القيادي طالب عبد الله، الذي اغتالته إسرائيل في 12 من حزيران، ورد “حزب الله” على ذلك بنحو 160 قذيفة اعترف الجيش الإسرائيلي بتسبب بعضها بحرائق.

من جانبه، لوّح أمين عام “حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله، بأساليب مختلفة للرد على إسرائيل إذا اتجهت نحو حرب مفتوحة مع لبنان.

وقال نصر الله، في 19 من حزيران، “على العدو أن ينتظرنا جوًا وبرًا وبحرًا”، مشددًا على أنه إذا فرضت الحرب على لبنان، “فإن المقاومة ستقاتل بلا قواعد أو ضوابط أو أسقف”.

وفي كلمة مسائية ألقاها خلال الاحتفال التأبيني للقيادي طالب عبد الله، أكد نصر الله أن وقف إطلاق النار على جبهات لبنان واليمن والعراق سبيله واحد، هو وقف الحرب على غزة وأهلها.

جهود أمريكية ودفع فرنسي، وتدخل قطري وتصريحات إسرائيلية باتجاهين، وتصعيد مستمر على الحدود، كل ذلك لم يغيّر من نظرة “حزب الله” حيال وقف التصعيد، ولم يدفع إسرائيل نحو تعجيل التوصل لوقف إطلاق النار في غزة، ما يترك باب حرب جديدة أخرى مشرعًا على مصراعيه، في ظل تساؤلات عن موقع النظام السوري من الحرب المحتملة بعد غيابه عن التي تدور رحاها في قطاع غزة.

قوات إسرائيلية بالقرب من الحدود مع لبنان – 11 من تشرين الأول 2023 (Getty Images/ bloomberg)

ما شكل المشاركة المتوقعة؟

يقرأ موقف النظام حاليًا من “حركة المقاومة الإسلامية” (حماس) ومعاركها بأوجه عدة، فالخلافات سادت بين الطرفين خلال السنوات الماضية إثر المواقف المتخذة من الثورة السورية التي اندلعت في 2011.

كما أنه لا تبدو لدى النظام قدرة على التحرك عسكريًا في ظل ظروفه الحالية، عدا عما تسرب من تحذيرات إماراتية للنظام بعدم المشاركة.

وذكر موقع “AXIOS” الأمريكي في تشرين الأول 2023، أن مسؤولين إماراتيين (دون ذكر أسمائهم) وجهوا رسائل إلى مسؤولين سوريين رفيعي المستوى (دون ذكر أسمائهم) في هذا السياق، تنهى عن التدخل في الصراع، وسط قلق دولي من امتداد الحرب وتصاعدها إلى صراع إقليمي.

الحال قد يختلف عندما يتعلق الأمر بـ”حزب الله” نظرًا إلى العلاقة بين الطرفين وشكلها من جهة، وانخراط “الحزب” بشكل مباشر في الحرب السورية لحماية الأسد من جهة أخرى، بالإضافة إلى ما يتعلق بالضغوط الإيرانية المحتملة أيضًا.

مدير مركز “رؤية للتنمية السياسية”، أحمد العطاونة، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن ثلاثة اعتبارات تؤخذ بالحسبان حال انفجار الوضع في لبنان بين “حزب الله” وإسرائيل، أولها طبيعة العلاقة مع إيران و”حزب الله”، فالتحالف بين هذه الأطراف مختلف عن علاقة النظام مع “حماس”، وكلاهما شارك في الحرب على الأراضي السورية إلى جانب النظام قولًا وفعلًا وبشكل مباشر، ما يعني أن هناك حلفًا بعلاقات قوية أيضًا.

إلى جانب ذلك، تبرز الميليشيات الإيرانية، والعراقية المدعومة من طهران، وقوات وعناصر “حزب الله” في سوريا، وهي قوى وتشكيلات عسكرية لا تخضع لسلطة النظام بشكل كامل، ومسيطر عليها إيرانيًا، لذا فإن سوريا، كجغرافيا وكنظام وكبلد، ستكون حاضرة إذا ما انفجر الوضع في لبنان.

كما ترتبط هذه المعادلة بإسرائيل نفسها لا بإيران وحلفائها في المنطقة فقط، فمن الممكن أن تقدم القوات الإسرائيلية على توسيع دائرة القصف والاستهداف بما يشمل الأراضي السورية كذلك لا اللبنانية فقط، على اعتبار وجود هذه القوى على الأراضي السورية وما تشكله سوريا أيضًا من ممر بري لوجستي للإمداد العسكري، وهو ما سيفتح الباب بشكل واسع أمام هذه القوى للتدخل في الحرب، وفق العطاونة.

وفي تحليل نشرته صحيفة “جيروزالم بوست” الإسرائيلية، في 27 من حزيران، التقت خلاله بثلاثة محللين سياسيين إسرائيليين، فقد تنضم بعض الميليشيات الموجودة على الأراضي السورية لأي معركة مقبلة، ولكن ليس بشكل كبير.

وثبتت إيران أقدامها في سوريا، وهو واقع سيستمر سواء اندلعت الحرب أم لا، وفق تحليل المحلل السياسي إيال زيسر، في حين ذهب المحلل عمر دوستر للقول، إن على إسرائيل إعداد الرأي العام الداخلي لحرب واسعة النطاق في لبنان، بما يشمل احتلال جنوبه بالكامل وتدمير بيروت بالكامل.

وسبق أن خاض النظام السوري معارك في لبنان خلال مرحلة الحرب الأهلية (1975-1990)، ضد قوى محلية لبنانية مختلفة، وكذلك ضد إسرائيل خلال اجتياح الأخيرة لبيروت عام 1982، وبعد ذلك بـ24 عامًا، في 2006، دخل حليف النظام الأول في لبنان، “حزب الله”، بحرب امتدت لـ33 يومًا، وعُرفت باسم “حرب تموز”، التي لا تزال تفرض قواعد اشتباكها في القصف المتبادل بين إسرائيل والحزب، بناء على القرار الأممي “1701”.

وأضاف العطاونة أن حرب إسرائيل ضد “حزب الله” في لبنان تحمل في طياتها التصعيد لتصل إلى حرب إقليمية قد تشمل إيران نفسها، ومن المرجح أيضًا أن تنضم الميليشيات في العراق وسوريا وكذلك “الحوثيون” في اليمن للحرب، وبالتالي من غير المرجح أن تكون سوريا بمنأى عن الهجمات الإسرائيلية المكثفة.

خلال هذه المراحل، حضر النظام السوري في المعارك بأشكال مختلفة، عسكريًا خلال الثمانينيات، أو لوجستيًا عبر تمرير الأسلحة والمعدات بين إيران والحزب، وفتح الباب أمام النازحين اللبنانيين في 2006، وما رافقه من حفاوة شعبية لاستقبالهم حينها.

هذه الاعتبارات تشرح أسبابًا لتحرك محتمل للنظام، أو تغاضيه عن تحركات عسكرية من قبل حلفائه على الأقل، وتعكس أيضًا شكل العلاقات بين الحزب والنظام السوري، وهو ما أشار إليه تقرير لمركز “مالكوم كيركارينغي” للشرق الأوسط، للباحث والصحفي مهند الحاج علي، في 2019.

وجاء في التقرير أن الصلات بين سوريا و”حزب الله” تكمن في جوهر العلاقات السورية- الإيرانية، وكانت الروابط بين الأولى والحزب تجسد طبيعة الديناميكيات بين دمشق وطهران، إذ لعبت العلاقات بين الطرفين دورًا مهمًا أمام صعود “حزب الله” في لبنان، كما سمح النظام السوري، في 1982، لمئات عناصر “الحرس الثوري الإيراني” بالدخول إلى لبنان للمساهمة في تأسيس الحزب.

ويشير التحليل إلى أن الحزب بعد دخوله إلى سوريا في 2012، أسهم في إقامة مؤسسات موازية على غرار الميليشيات المؤيدة للنظام، وبنى قوات مسلحة مستقلة في أحشاء دولة ضعيفة، وأصبحت لديه الفرصة لتوسيع نفوذه العسكري والسياسي والعقائدي داخل سوريا.

آثار غارة إسرائيلية جنوبي لبنان – 23 من حزيران 2024 (AFP)

خيارات ما بعد “المشاهدة”

رغم أن النظام السوري قد يختار أو يجبر على المشاركة في حرب ربما تبدو وشيكة، فليس بالضرورة أن يأخذ طابع المشاركة الشكل العسكري وحده، خاصة مع الحرب الطويلة التي خاضتها قواته لأكثر من 12 عامًا.

وإلى جانب الأمور اللوجستية التي قد يسهم بها النظام، باعتباره ممرًا بريًا على الأقل لنقل العناصر البشرية أو الأسلحة والشحنات العسكرية، يمكن أن يسهم باستقبال لبنانيين من المتوقع نزوحهم بسبب المعارك.

في الوقت الحالي، لم تبرز حركة نزوح جماعي من جنوبي لبنان المتأثر بالتصعيد مع إسرائيل إلى سوريا، إذ ينتقل معظم النازحين إلى مناطق أخرى داخل لبنان، وحتى 11 من حزيران، وصل عددهم وفق مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى 95 ألفًا و228 نازحًا، 50% منهم من النساء.

وسبق للأسد أن أشار في لقاء تلفزيوني بثته قناة “سكاي نيوز عريبة” (إماراتية)، إلى أن الظروف في مناطق سيطرته لا تسمح بعودة اللاجئين السوريين، مع غياب الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وكذلك المدارس، ودمار البنى التحتية.

الأمر قد يختلف باتجاه حركة نزوح محتملة، فجغرافيًا يحد لبنان فلسطين المحتلة من الجنوب، والبحر الأبيض المتوسط غربًا، وسوريا شمالًا وشرقًا، أما من الناحية السياسية، فقد يضطر الأسد لاستقبال النازحين، على الأقل بطلب إيراني أو من “حزب الله”.

وفق أحمد العطاونة، فإن الظروف إذا ما كانت مواتية فسيفتح النظام السوري الباب أمام النازحين نظرًا إلى العلاقة القوية مع “حزب الله”، ولن يبدو الأمر كـ”حفظ لماء الوجه” بسبب عدم قدرته على المشاركة عسكريًا، بقدر ما أن شكل العلاقة يفرض ذلك، خاصة أن التحالف بين الأطراف الثلاثة، طهران ودمشق وجنوبي لبنان، علاقة حقيقية وقائمة على تعاون وقناعة كاملة، بحسب رأيه.

وإن كانت التسريبات أشارت، في تشرين الأول 2023، إلى تحذيرات إسرائيلية نقلتها الإمارات إلى الأسد، بعدم المشاركة العسكرية في الحرب على غزة، وظروف النظام حينها قد منعت مشاركته بالفعل، فالأمر قد لا يتكرر في حالة انفجار محتمل للظروف في لبنان، إذ قال أمين عام حزب الله”، حسن نصر الله، مؤخرًا، إن حربًا مقبلة مع إسرائيل ستكون بلا سقف أو ضوابط في حال اندلاعها.

وأوضح العطاونة أن تغير السلوك قد لا يشمل النظام السوري وحده، بل سيشمل كذلك أطرافًا مختلفة في العراق وسوريا وأماكن أخرى، لأن استهداف الحزب من قبل إسرائيل بشكل واسع يعني أن الأولى قد توسع عملياتها على كل التحالف لا في لبنان فقط، وهو ما يعني وجود أهداف تالية في مناطق مختلفة، وكل الأطراف حينها ستكون معنية بـ”لجم إسرائيل”، ما يعني تدخلًا أكثر جدية ومباشرة في الصراع.

من جهته، يرى الباحث في مركز “عمران للدراسات” معن طلاع، أن النظام يواجه تحديات وتسويات مختلفة، منها ما يرتبط بالأتراك وآخر بالعرب، بالإضافة إلى ما يتعلق ببنيته العسكرية والأمنية، ما يجعله يبدو منغلقًا على نفسه زاهدًا بالتفاعل إقليميًا حتى بما يحصل على الأرض السورية، وتجاهل ما يحصل بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والمعارضة وبقية الأطراف، أو حتى المناوشات بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل.

وأضاف الباحث أن النظام السوري منكفئ على ذاته ويعيد تمتين نفسه، وقد تكون هذه الاستراتيجية ضمن التناغم الذي تريده إيران بين الأسد والعرب، مع العلم أن تصعيدًا كبيرًا في لبنان سيؤثر على النظام بكل الأحوال.

وتبدو خيارات النظام حاليًا فقيرة، فالأسد يدرك أن الانخراط في جبهة حرب أمر مستبعد جدًا سابقًا وحاليًا، وبالنسبة لتفعيل أكبر لعمليات نقل الذخيرة والسلاح فهو أمر متوقع، وفق طلاع، مع احتمالية الاكتفاء بالمساندة الإعلامية، وهو ما اعتمد عليه منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في تشرين الأول 2023.

وتختلف إمكانيات النظام وعلاقاته الإقليمية والدولية بشكل جذري عن المراحل السابقة والمرحلة الحالية، ما وضعه بموقع المتفرج مطلقًا وسائل الإعلام الرسمية والمقربة للتعبير عن التعاطف والتضامن بالقول، مع غياب الفعل.

“علاقة وفاء” بين الأسد ونصر الله..

أدوات بيد إيران

منذ تأسيس “حزب الله” في لبنان عام 1982 برعاية إيرانية، كان القرار السوري الرسمي مساندًا وداعمًا للحزب، وفق ما ذكره نائب الرئيس السوري السابق، عبد الحليم خدام، في كتابه “التحالف السوري الإيراني والمنطقة“.

وقال خدام إن قرار حافظ الأسد كان مبنيًا على التحالف القائم بين دمشق وطهران، وكان يبدي التعاطف مع “حزب الله”، ويعطي التوجيهات لقيادة الجيش السوري والأجهزة الأمنية لمساعدة الحزب، وكان يرى في هذا الموقف مصلحة لسوريا من بعدين، الأول وجود كيان مدعوم من طهران معادٍ لإسرائيل، والثاني أن التحالف السوري مع إيران يحقق توازنًا مع خصمه الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين.

لم يكن حافظ الأسد قلقًا من النفوذ الإيراني في لبنان، ولم يكن في ذهنه أن إيران تبني قاعدة عسكرية وسياسية متمثلة بـ”الحزب” لخدمة استراتيجيتها، ولم يكن في ذهنه أن لدى إيران طموحًا في التوسع الإقليمي، وفق خدام.

ومع وصول بشار الأسد إلى السلطة في سوريا بلا انتخابات، عام 2000، تعاظم دور “الحزب” تدريجيًا في سوريا، وحين انخرط “حزب الله” في “حرب تموز” (استمرت 33 يومًا) عام 2006، فتح النظام ترساناته العسكرية لتزويد الحزب بأسلحة للمرة الأولى، وكان هذا مفاجئًا لإسرائيل، مع آمال سورية بألا يتداعى “حزب الله”.

عام 2020، كشف المعاون السياسي للأمين العام لـ”حزب الله” حسين خليل، تفاصيل متعلقة بالدور الذي لعبته سوريا في دعم الحزب خلال الحرب، وقال إن “بشار الأسد شريك أساسي في الانتصار على إسرائيل، وموقفه لا ينسى على الإطلاق”.

وذكر  خليل أن الأسد وجّه رسالة إلى نصر الله حملت تأكيدًا على جهوزية الجيش السوري للتحرك نحو الجبهة إن رأت المقاومة أن ذلك مناسب، حتى لو اضطر للتحرك باتجاه البقاع الغربي.

مع بداية الثورة في سوريا عام 2011، وقف “حزب الله” إلى جانب النظام السوري، وهو ما ينسجم مع رؤى إيران، وزج بمقاتليه في سوريا منذ عام 2013، تحت ذريعة حماية المقدسات الشيعية من الجماعات “التكفيرية”، ثم تحول إلى الدفاع عن “سوريا من السقوط”.

واعتبر نصر الله، في أيار 2013، أن ما يحصل في سوريا حرب عالمية ومؤامرة، قائلًا إن “سوريا ظهر المقاومة وسندها، والمقاومة لا تستطيع أن تقف مكتوفة اليدين ويكشف ظهرها ويكسر سندها، وإلا نكون أغبياء”، واعتبر أن سقوط سوريا بيد الأمريكي والإسرائيلي وأدواتهما سيؤدي إلى دخول إسرائيل إلى لبنان.

في 2015، شرعن بشار  الأسد قتال “حزب الله” إلى جانب قواته، وقال إن العلاقة الشخصية مع نصر الله هي “علاقة وثيقة عمرها أكثر من 20 عامًا”، ووصفها بأنها تتسم بالصدق والشفافية، وبأن نصر الله “وفي لأقصى حدود الوفاء”.

ورغم أن  مشاركة عناصر “الحزب” الرسمية بالعمليات العسكرية في سوريا كانت بمعركة القصير (نيسان 2013)، كان الدعم العسكري واللوجستي لقوات النظام سابقًا على ذلك، عبر المشاركة غير المعلنة لعناصر “الحزب”، أو بالقصف الصاروخي والمدفعي على ريف القصير.

وارتكب عناصر “حزب الله” عشرات المجازر في سوريا، منها في القصير بريف حمص، وأسفر القصف المتواصل على المنطقة حينها عن مقتل 273 شخصًا، وأكثر من 2400 جريح.

وحتى تموز2023، وصل عدد المواقع العسكرية التابعة لـ”حزب الله” في سوريا إلى نحو 235 موقعًا، منها مواقع مشتركة مع “الحرس الثوري الإيراني”.

بشار الأسد وحسن نصر الله ومحمود أحمدي نجاد في دمشق – 2010 (سانا)

ممر للأسلحة

على وقع التصعيد الحاصل حاليًا في لبنان، قال  نصر الله، في 21 من حزيران الحالي، إن الحزب قاتل إسرائيل بجزء من سلاحه حتى الآن، وحصل على أسلحة جديدة، لم يكشف عنها نصر الله، قائلًا إن الميدان سيكشفها.

كما ذكر مركز “ألما” البحثي الإسرائيلي، في 18 من الشهر نفسه، أن إيران تزود “حزب الله” بترسانة أسلحة من خلال ممر عبر العراق وسوريا، ونشر تسجيلًا مصورًا يوضح ما قال إنه أحد طرق إمداد الأسلحة الرئيسة، والذي يأتي عبر معبر “المصنع” الحدودي بين سوريا ولبنان.

وتعد سوريا ممرًا للأسلحة إلى لبنان برًا وجوًا وبحرًا، وتدير إيران هذا الممر بشكل مخفي، ويعمل بوتيرة متفاوتة، وفق تقرير لمركز “ألما” في تشرين الأول 2022.

ويشمل تشغيل الممر الإيراني تهريب الأسلحة إلى سوريا ولبنان، والبنية التحتية لإنتاج وتجميع أسلحة تقليدية متطورة على الأراضي السورية، ومشروع الصواريخ الدقيقة في مصياف مثال على ذلك، بحسب المركز الإسرائيلي.

الباحث في مركز “عمران للدراسات” معن طلاع، يرى أن العلاقة بين “حزب الله” والنظام السوري استراتيجية كعلاقة الجسد الواحد، مشيرًا إلى أن تموضع هذه العلاقة بينهما وظهور الحزب في سياق الملف السوري وتحولاته أتاح لـ”حزب الله” بأن يكون أكثر ندية في علاقته مع النظام.

وقال طلاع لعنب بلدي، إن “حزب الله” يرى نفسه اليوم ندًا للنظام السوري، خاصة أنه كان سندًا وطرفًا رئيسًا في معظم معارك النظام سواء العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية.

وأضاف طلاع أن التصعيد الإسرائيلي على غزة أكد أن النظام السوري و”حزب الله” أدوات كامنة في يد إيران، توظفهما في تحسين شروط التفاوض سواء مع الولايات المتحدة الأمريكية أو في علاقاتها ضمن النظام الإقليمي الأمني العام.

 

التصعيد جنوبي لبنان لن يؤثر على العلاقة بين “حزب الله” والنظام السوري، لأن كلًا منهما يدرك أن له دورًا ما وفق المنظور والمخيال الإيراني.

معن طلاع

باحث سياسي

آثار محتملة.. سوريا في قلب المعركة

إذا كان خروج النظام السوري من معادلة غزة مرتبطًا بعوامل داخلية وخارجية تتراوح بين القدرة والرغبة، فإن حربًا مع “حزب الله” من شأنها إقحام النظام، حتى لو دون رغبة في صراع آخذ بالتوسع.

الخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” بواشنطن عامر السبايلة، أوضح لعنب بلدي أنه سواء تعاطى النظام أو لم يتعاطَ مع الحرب في لبنان، فهو جزء من المعركة، كونها معركة جبهات، أولويتها كانت في غزة، بسبب اندلاع أحداث 7 من تشرين الأول، لكن جبهة لبنان فُتحت ولم تُغلق، لأن مبدأ تأمين إسرائيل مبدأ أساسي اليوم في هذه الحروب، والاتجاه نحو جبهة لبنان حتمي مع انحسار حرب غزة، وجبهة لبنان تعني ضمنًا جبهة الجولان، كون الجولان أحد مكونات برنامج “وحدة الساحات”، وهذا يفسر استمرار استهداف المواقع السورية والإيرانية في سوريا، كمستودعات السلاح والنقاط العسكرية والمطارات والاغتيالات وغيرها.

وبحسب الباحث، فسوريا حاضرة حتمًا في هذه المواجهة، وإذا اندلعت الحرب سيجري تعطيل حركة الطيران، والممرات المائية، لتصبح الممرات الأرضية البرية هي الأساس، ما يعني أن استهداف نقاط الانطلاق سيكون جزءًا من هذه العمليات، لتجد سوريا نفسها في مواجهة مباشرة مع ما يجري، وكل الموارد السورية ستكون أهدافًا لإسرائيل، باعتبارها نقاط إمداد لـ”حزب الله”.

وبالنسبة للآثار المحتملة على سوريا، يرى الباحث أن الفاتورة ستكون كبيرة، مع وجود معطيات توحي بأن أي إضعاف جديد للنظام قد يؤدي إلى خلل، مع عودة قوية لتنظيم “الدولة الإسلامية” في البادية، ووجود تحركات من “الإدارة الذاتية” (في إشارة إلى الانتخابات المحلية المزمعة في آب المقبل)، وتحرك في الجنوب (احتجاجات السويداء).

وفي حال ضرب أهداف استراتيجية للنظام وضربه في مناطق نفوذه، فهذا يعني وجود قوى أخرى على الأرض ما سينعكس لاحقًا على قدرة النظام على السيطرة، إلى جانب التأثير الإنساني الذي لا تحتمله سوريا اليوم، وهو ما سيجعل بعض المناطق في لبنان أكثر أمنًا من سوريا خلال الحرب على لبنان، كشمالي لبنان ومناطق النفوذ المسيحي التي لا تتضمن بنك أهداف، بينما ترتبط سوريا بنيويًا بـ”حزب الله” وإيران، ما سيحولها إلى هدف مباشر، وفق الباحث.

من جانبه، يرى الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أن للنظام السوري أولويات في التعاطي مع أي حرب إسرائيلية واسعة محتملة ضد “حزب لله”، والأولوية الرئيسة هي الحد من تداعيات هذه الحرب عليه وعلى وجوده، كما فعل في حرب غزة.

وبحسب الباحث، فالنظام جزء من محور إيران في المنطقة، لكنه أمام مثل هذه المواجهات والصراعات ذات البعد الإقليمي الكبير، سعى للنأي بنفسه عن الانخراط المباشر، لإدراكه أن التكاليف الكبيرة قد تؤدي إلى تشكيل تهديد وجودي له، مع الإشارة إلى أن تعاطي النظام مع الحرب في لبنان سيحدد كيفية تعامل إسرائيل معه، إذ لا تخطط إسرائيل حاليًا لحرب على سوريا، كون النظام لا يشكل تهديدًا بالنسبة للإسرائيليين.

“ما يعني إسرائيل في سوريا هو محاربة أو إنهاء الوجود الإيراني أو التهديد الذي يشكله هذا الوجود، وهذه استراتيجية ستواصل إسرائيل المضي بها قدمًا”، وفق محمود علوش، الذي لفت إلى أن إسرائيل مهتمة بمنع وصول إمدادات من النظام السوري وتسهيل مرور الأسلحة عبر الحدود.

ومن أهداف إسرائيل في أي حرب مع “حزب الله” استهداف طرق إمداد السلاح عبر الحدود السورية- اللبنانية، وهو استهداف متواصل منذ سنوات تقوم خلالها إسرائيل بضرب قوافل على الحدود، لكن حربًا مفتوحة مع “حزب الله” ستجعل عناصر “الحزب” في سوريا أكثر عرضة للتركيز الإسرائيلي.

آثار غارة إسرائيلية جنوبي لبنان – 23 من حزيران 2024 (AFP)

لا يمكن عزل أي حرب إسرائيلية محتملة على “حزب الله” عن المشهد الإقليمي بشكل عام، الشرق الأوسط يمر بمرحلة تحول كبيرة في حقبة ما بعد 7 من تشرين الأول، وهذه الحرب ستعيد تشكيل الشرق الأوسط برمته، ولبنان وسوريا جزء أساسي من عملية إعادة التشكيل، مع استبعاد إحداث تحول جراء الحرب في طبيعة العلاقة بين لبنان و”حزب الله”، أو علاقة النظام بإيران.

محمود علوش

باحث في العلاقات الدولية

وتلعب المعايير الجيوسياسية والتوازن الإقليمي دورًا مهمًا في احتمالات توسع الحرب إلى لبنان، والتي قد تؤدي إلى زعزعة التوازن الإقليمي، وبالتالي قد تعتبر إسرائيل أن توجيه ضربة لسوريا يمكن أن يساعد في إعادة التوازن إذا اختلت المعادلة، ولكنها تأخذ بالاعتبار الفاعلين في المنطقة ومصالحهم، لا سيما أنها تعتمد في قراراتها العسكرية على دعم الولايات المتحدة وحلفائها، وفق الباحث الزميل في مركز “عمران للدراسات” نادر الخليل.

ويرى الخليل أن الأهداف العسكرية والاستراتيجية تشكل أبرز العوامل لأي تحركات عسكرية، فإذا كانت هناك أهداف عسكرية في سوريا تضعف من قدرة “حزب الله” أو الجماعات المعادية لها، فلن تتوانى عن ضربها كإجراء تكتيكي سريع، أما ضمن الاستراتيجية طويلة الأمد فقد تتجه إسرائيل إلى سوريا كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقليل النفوذ الإيراني في المنطقة.

وبحسب الباحث، فالنظام السوري يسعى ويريد تجنب أي نوع من المشاركة المباشرة في الصراع مع إسرائيل، لكن التطورات في لبنان قد تجبره على إعادة التقييم، رغم عدم امتلاكه القوة أو القدرة على الانخراط المباشر مع إدراكه لحجم الانعكاسات السلبية عليه إذا أقدم على خطوة من هذا النوع، بغض النظر عن موقفه من حرب كهذه.

ويمكن أن تواصل إسرائيل تكثيف ضرباتها في سوريا خلال حربها ضد “حزب الله”، كما فعلت منذ بدء حرب غزة، دون وجود ما تلتفت إليه في سوريا أكثر من الوجود الإيراني الذي تطاله ضرباتها المتكررة.

مقالات متعلقة

تحقيقات

المزيد من تحقيقات