دور الإعلام في المناظرات الرئاسية.. الأفكار ليست كل شيء

tag icon ع ع ع

علي عيد

خرج الرئيسان الأمريكيان، الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترامب، على “CNN” في أول مناظرة تلفزيونية خلال السباق الحالي على الرئاسة Running for President))، وشاهدها بشكل مباشر أكثر من 51 مليون أمريكي، وفقًا لبيانات عن شركة “نيلسن” المتخصصة في أبحاث وسائل الإعلام، ولا تشمل الأرقام مجمل المتابعين حول العالم، أو على منصات التواصل الاجتماعي، إذ حصدت بعد يوم من نشرها على منصة “يوتيوب” أكثر من 10 ملايين مشاهدة.

المناظرة التي جرت في وقت متأخر من مساء الـ27 من حزيران الحالي، شكلت فارقًا لدى الأمريكيين، وأظهرت أثر الإعلام في الرأي العام، وفي آلية التغيير واتخاذ الموقف الانتخابي، علمًا أن المسألة لم تنتهِ بعد، فالمرشحان بايدن وترامب أظهرا نقاط ضعف وقوة، لكن الأخير بدا أكثر إقناعًا، بحسب المراقبين والتحليلات التي نشرتها وسائل إعلام غربية.

للأمريكيين تاريخ طويل في المناظرات السياسية، يعود إلى عام 1858، إذ جرت أول مناظرة شهيرة بين أبراهام لينكولن وعضو مجلس الشيوخ ستيفن دوغلاس، لكنها كانت وجهًا لوجه دون وسيط، وجاء دور الإعلام لتحليلها ونقل مضمونها بعد الحدث.

أما أول مناظرة رئاسية فكانت عام 1960، بين السيناتور جون كينيدي، المرشح الديمقراطي، ونائب الرئيس ريتشارد نيكسون، المرشح الجمهوري، عبر تلفزيون “WBBM” التابع لشبكة “CBS” في شيكاغو، والتي كتب عنها المؤرخون السياسيون تحليلات كثيرة على أنها المناظرة التي غيرت وجه التاريخ.

لا جدال في أهمية ودور الإعلام في المناظرات السياسية بين المرشحين للرئاسة، أو لرئاسة الوزراء كتلك التي جرت بين رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال (Gabriel Attal)، ومرشح اليمين المتطرف جوردان بارديلا (Jordan Bardella)، والزعيم الاشتراكي أوليفييه فور (Olivier Faure)، في 27 من حزيران الحالي، على القناة التلفزيونية الفرنسية “France 2″، وذلك في خضم معركة الانتخابات التشريعية التي تهدد بتغيير وجه فرنسا بل وأوروبا.

تجسد المناظرات السياسية جزءًا من المسؤولية الإعلامية تجاه الجمهور، وتجاه المرشحين أنفسهم، فالقوانين الغربية تضمن وصول جميع الأصوات بشكل عادل خلال الحملات الانتخابية.

الظهور أو النشر العادل لا يعني فقط إعطاء مساحة للتعبير بذات الحجم أو القدر، وإنما تجنب وسائل الإعلام لعب دور لمصلحة جهة ضد جهة أخرى، وهذا ما يفسره التوزيع العادل وإتاحة الفرصة لرئيس أو رئيس وزراء حالي بما لا يزيد على الفرصة المعطاة لخصمه، حتى ولو كان تحت المحاكمة كما هو الحال في الانتخابات الأمريكية الحالية والوضع القانوني للمرشح ترامب، وكذلك الحال في فرنسا التي يواجه فيها الحزب الحاكم خصمًا شرسًا متمثلًا باليمين المتطرف ومرشحه لرئاسة الحكومة.

يبقى أمر الانحياز واردًا حتى مع إعطاء الفرصة المتكافئة، وهو ما استدعى وجود قوانين للدعاية الانتخابية، وكذلك وجود لجان تحدد من سيدير الحوار في المناظرات، وتضمن مراقبة النزاهة وعدم الانحياز.

قد يجادل البعض في أثر الانحياز بالتموضع أو الصورة أو العنوان في الصحافة المكتوبة، أو السؤال الصحفي، أو حتى “الماكياج” في التلفزيون، لكنها عوامل مؤثرة، وقد تغير التاريخ، ومثاله مناظرة 1960، بين المرشحين الديمقراطي كينيدي والجمهوري نيكسون.

بدا المرشح نيسكون أكثر كفاءة بسبب اطلاعه السياسي الواسع وكفاءته في الظهور الإعلامي الإذاعي، لكن جهله بطبيعة وخصائص التلفزيون أثر على ظهوره خصوصًا مع لونه الشاحب وهزاله البدني، وارتدائه بدلة من نفس لون الخلفية التي وضعت وراء المتناظرين، كما أن رفضه استخدام “الماكياج” تسبب بظهور “ظل الساعة الخامسة” (Five o’clock shadow)، وهو مصطلح يشير إلى نمو شعر اللحية الملحوظ في وقت متأخر بعد الظهر على وجه رجل حلق في الصباح.

خلصت كثير من التحليلات إلى أن كينيدي تفوق على نيكسون بسبب شكل الأخير وظهوره غير اللائق، الأمر الذي أثر في رأي الجمهور وانطباعاته، وعلى الرغم من أنها استخلاصات منطقية، تبقى غير مثبتة علميًا في حالة تلك المناظرة.

هل يغير الإعلام التاريخ؟ نعم. وهل يعزز الديمقراطية؟ نعم. لكن الفرق بين تعزيز الديمقراطية وتغيير التاريخ كبير جدًا، وهذا يعني بالضرورة الاعتراف بالأثر، وهو ما استدعى سنّ قوانين وتشريعات وأخلاقيات تلزم الصحافة والإعلام باتباع منهج متوازن وعادل ورشيد.

مسألة تأثير الإعلام بشكل عام، تشبه المبدأ الدارج للتسويق الذي يقول إن النجاح على مقياس 10 درجات هو في تخصيص 9 للدعاية وواحدة لجودة المنتج، أما مسألة دوره في تعزيز الديمقراطية والمسؤولية، فتعني أن جودة المنتج هي الأساس، إذ لا يجب أن يسمح الإعلام بتسويق الكذب، وأن تكون البدلة أو تسريحة الشعر هي الفيصل في الحكم على الأفكار أو القدرات.

هناك معايير دقيقة ومسؤولية على الإعلام في قضايا الدعاية الانتخابية أو المناظرات، إذ يجب أن يطلع الجمهور على التفاصيل الحقيقية، وأن تتم نصيحة المتناظرين حيال ما لا يدخل في صلب مشاريعهم الانتخابية أو توجهاتهم، كأن يتم إرشادهم إلى ما يجب أن يرتدوا من ملابس أو ألوان، ونصحهم حول المظهر، وعندما يؤدي الإعلام مسؤوليته في شرح أهمية الظهور، تبقى مسؤولية من يتنطعون للمسؤوليات في الشأن العام، فعليهم أن يتعلموا كيف يخاطبون الجمهور، وكيف يلبسون، وكيف يؤثر المظهر كما تؤثر الأفكار والثقافة في الرأي العام.. وللحديث بقية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة