أعاجيب المتآمرين على السوريين

  • 2024/06/30
  • 1:30 م
خطيب بدلة

خطيب بدلة

تعا تفرج

يبدو أن الحرب الدائرة على الأرض السورية منذ 13 سنة، هي المسؤولة عن تحويل مجتمعنا العاقل، الحباب، إلى ما يشبه العصفورية. الناس الدراويش، الغلبانون، لا ناقة لهم في هذه الحرب، ولا جَمَل، والواحد منهم إذا كتب، يكتب بوستًا صغيرًا على “فيس بوك”، يقول فيه شيئًا ما، ثم يذهب إلى شغله، أو إلى تسليته. وأما المصيبة، أو الطامة الكبرى، فتجدها، مع الأسف، عند السادة المثقفين.

جاءت كلمة ثقافة، أصلًا، من الصقل، والتهذيب، والتسوية، ولكنها فعلت بمثقفينا فعل الرجل الذي يأكل أكثر مما تحتمل معدته، فيصاب بالتخمة، فإذا حكى، تراه يتلعثم، ويفأفئ، مثل رجل نائم بعد غداء دسم، يهلوس في نومه، ولو عاينته لوجدتَ في داخله تشكيلة من بعثي، وناصري، وشيوعي، وإخوانجي، وداعشي، ومن فرط تشتته يتحدث عن مؤامرة تحاك علينا، منذ فجر التاريخ، دون فاصل منشط، فيقول إن الإغريق تآمروا علينا، والرومان، والمجوس، والخوارج، والمشركون، والصليبيون، والإمبرياليون، والصهاينة، والكل سعوا لاقتلاعنا من جذورنا، وطمس هويتنا، فإذا سألت هذا الأخ المثقف: مَن تقصد بـ”نحن”؟ يقول لك: ولو. نحن السوريين.

وهنا تضطر لأن تصارحه، بأن معلوماتك عن السوريين كانت، قبل أن تسمع منه هذه الخلطة العجيبة، أحسن، وأصفى، وأكثر وضوحًا، مما أصبحت عليه الآن. المحرك الذي يشغّل عقل هذا المثقف، يخلط الزيت بالماء، فالأقوام الذين تآمروا على سوريا، بحسب زعمه، عاشوا وماتوا قبل أن توجد سوريا بمعناها الحالي. على زمان الاحتلال العثماني، الذي استمر 400 سنة، كان اسمها شام شريف، والسوريون الذين أرادوا الاحتجاج على التعصب القومي، في أواخر أيام المملكة العثمانية، لم يسموا جمعيتهم “سوريا الفتاة”، بل سموها “العربية الفتاة”، وكان ثمة حلم عند بعض أبناء منطقة بلاد الشام، بشيء اسمه “سوريا الكبرى”، وتضم سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، ومناطق موجودة حاليًا تحت سيطرة الدولة التركية، وللأمانة، الاستعماران (البغيضان) الفرنسي والبريطاني، هما اللذان أوجدا سوريا، من بقايا الدولة العثمانية التي هزمت في الحرب، بموجب اتفاقية سايكس- بيكو التي وضعت على نحو سري سنة 1916، وكشف سرها في سنة 1917، وقد أعطاها البريطانيون للشريف حسين، أمير الحجاز، ليقيم عليها مملكة لابنه فيصل، وجاء فيصل، بالفعل، إلى دمشق، في شهر تشرين الأول 1918، وأقام دولته التي استمرت 22 شهرًا، حتى تموز 1920، عندما بدأت بريطانيا تفي بالتزاماتها لشريكتها فرنسا، التي طردت فيصل وحكومته، ووضعت هذه المنطقة التي صارت تعرف باسم سوريا تحت الانتداب، بقرار من عصبة الأمم 1922.

لا أقول هذا لكي أستعرض معلوماتي التاريخية، فاليوم ثمة بِحَار من المعلومات موجودة في تلفون كل واحد فينا، ولكنني دعوت، وما زلت أدعو السوريين الذين يغنون سوريا الله حاميها، وأنا سوري يا نيالي، ويقول واحدهم للآخر: أنا سوري وآكل على رأسك بالطبق، لأن يعترفوا بحدود سايكس- بيكو نفسها، فهي الوحيدة المعترف بها دوليًا اليوم، وأقول للذين يتحدثون عن تحرير القدس، والمسجد الأقصى، ومناصرة المسلمين في الشيشان، والإيغور في الصين: اسلموا على حدود بلدكم في الأول!

مقالات متعلقة

  1. تجريم التعذيب وسجناء "تدمر"
  2. تراب بلادنا "الطاهر"
  3. عيد الجلاء والموت لفرنسا وإسرائيل
  4. الأعداء تآمروا علينا.. إهي إهي

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي